• الحلقة الثالثة والعشرون
  • 2022-04-24

الفقد

السلام عليكم.

الفقد:
بُنيت الحياة الدنيا على الفقد
هل تشعر بالفقد؟ هل فقَدتَ عزيزاً؟ أُمَّاً رؤوماً؟ أباً عطوفاً؟ صديقاً صدوقاً؟ فقدت مالاً؟ بيتاً؟ تجارةً؟ مركبةً؟ كلنا فَقَدَ شيئاً يُحبُّه بوماً ما، وهذه حال الدنيا، لقد بُنيت الحياة الدنيا على الفقد، فكل ما فيها إما أن تغادره، وإما أن يُغادرك، إما أن تتركه، وإما أن يتركك، وهذه حال الدنيا، قال تعالى:

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
[ سورة البقرة ]


حلاوة الفقد:
التحول من ألم الفقد إلى أمل الفقد
لكن هل يمكن أن تستشعر حلاوة الفقد؟ وهل للفقد حلاوة؟ الفقد كله حزنٌ وأسى، انتظر قليلاً، يمكن أن نستشعر حلاوة الفقد، كيف ذلك؟ سأضرب مثلاً: عاصفةٌ قوية أضَرَّت بالناس، ومن أضرارها أنك فقدتَ مركبتك التي تحبها، ودفعت لشرائها مبلغاً كبيراً لا تملك اليوم غيره لتشتري غيرها، جلستَ متألماً للفقد، وفي المساء وأنت جالسٌ وبكل ألم وتتابع نشرة الأخبار سمعت الخبر المُفرِح: لقد قررتْ الدولة تعويض المتضررين بسياراتٍ جديدةٍ من أحدث طرازٍ وأفضل نوع، وفي ثانيةٍ واحدة تحوَّلتَ من ألم الفقد إلى أمل الفقد، من ألم الفقد إلى أمل الفقد.
الأخبار تقول لنا دائماً ما قاله ابن عطاء: (ربما منَعَك فأعطاك وربما أعطاك فمَنعك).
هذا مؤمن آل ياسين، لمَّا قتله قومه وقد جاءهم ليدعوهم إلى الله:

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
[ سورة يس ]

كان الناس حزينين لفقده، كان أهله متألمين لمغادرته الدنيا، أما هو فكان في أسعد حال، يقول:

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
[ سورة يس ]

إن الله عز وجل يقول كما في الحديث الصحيح:

{ إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ }

[ البخاري ]

حبيبتيه أي عينيه.
هل يمكن لمن فقد عينيه - حبيبتيه - أن يستشعر حلاوة الفقد؟ نعم، إذا قرأ هذا الحديث. (عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ).

{ رجل كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ممازحاً له: أتحبه؟ فقال: يا رسول الله ! أحبك الله كما أحِبُّه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ما فعل ابن فلان؟ - لم نعد نراه - قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: أما تُحبُّ ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟ فقال رجل: يا رسول الله ! أله خاصة أم لكلنا؟ قال: بل لكلكم }

[ النسائي و أحمد ]

ألم يستشعر هذا الرجل وهو يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعد حين ليس ببعيد سيجد ابنه على باب الجنة ينتظره ليدخل معه الجنان بصبره؟ ألم يستشعر حلاوة الفقد؟
يبقى ألم الفقد قائماً ولا ننكر ذلك، ولا يُحاسَب عليه الإنسان، ولا يُؤاخَذ به، فكلُّنا نحزن لفراق حبيبٍ أو قريبٍ أو أخٍ، ولكن ما أعدَّه الله بعد الفقد لمن صبر على الفقد كفيلٌ بتخفيف الآلام، وتحويلها إلى قوةٍ دافعة حتى نلحق بما سبَقَنا ممن فقدنا إلى جنان رحمة الله تعالى.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.