• الحلقة الرابعة والعشرون
  • 2022-04-25

الغرور

السلام عليكم.

أعظم أنواع الغرور:
هل تشعر بالغرور؟ كل الغرور مذموم، فإياك والغرور، أعظم أنواع الغرور أن تَغتَرَّ بالله، والشيطان هو الغَرور، إذ يَغُرُّ الإنسان بخالقه جلَّ جلاله.
إياك أن تغترَّ بالله تعالى
كأن يقول له مثلاً: ربك غفورٌ رحيم، وربك لن يُؤاخِذك على أعمالك، وربك لا ينتظر صلاتك فهو ليس بحاجتها، ويوهمه أحياناً بأن الإيمان في القلب فقط، وأن هذه الشعائر لا قيمة لها، أو يعكس الآية فيوهمه بأن الأصل هو الشعائر، وأن معاملتك للناس لا قيمة لها، فما دمت مُصَلِّياً صائماً فإن الله تعالى يغفر لك ما دون ذلك.

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
[ سورة الحديد ]

إياك أن تغترَّ بالله تعالى، إنه غفورٌ رحيم ولكن عذابه أليم:

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
[ سورة الحجر ]


الابتعاد عن الاغترار بالدنيا:
ثم إياك والاغترار بالدنيا، وما الاغترار بالدنيا؟ إنه أن تظنها أكبر من حجمها الذي أعطاه الله لها، فتغَتَرُّ بها، فتُنسيك الآخرة، قال تعالى:

لِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
[ سورة الجاثية ]

الحياة الدنيا شيء لكنها شيءٌ يسيرٌ أمام الآخرة، فما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غُمِس في مياه البحر.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول:

{ اللَّهمَّ اقسِم لَنا من خشيتِكَ ما يَحولُ بينَنا وبينَ معاصيكَ، ومن طاعتِكَ ما تبلِّغُنا بِهِ جنَّتَكَ، ومنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَينا مُصيباتِ الدُّنيا، ومتِّعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتنا ما أحييتَنا، واجعَلهُ الوارثَ منَّا، واجعَل ثأرَنا على من ظلمَنا، وانصُرنا علَى من عادانا، ولا تجعَل مُصيبتَنا في دينِنا، ولا تجعلِ الدُّنيا أَكْبرَ همِّنا، ولا مبلغَ عِلمِنا، ولا تسلِّط علَينا مَن لا يرحَمنا }

[ الترمذي ]

فالمؤمن الدنيا هَمٌّ من همومه، لكنها ليست أكبر الهَم، أكبر الهَم هو الآخرة، والدنيا عِلمٌ ولكنها ليست مبلغ العِلم، بل مبلغ العِلم هو أن نصل إلى دار السلام بسلام، قال تعالى:

ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ (30)
[ سورة النجم ]

لا ينبغي أن تكون الدنيا أكبر الهَم، ولا مبلغ العِلم، الآخرة هي الهَمُّ الأكبر، و التوحيد هو العِلم الأكبر، لكن الدنيا هَمٌّ بسيط، وعلِمٌ يسير (اللهم لا تجعلِ الدُّنيا أَكْبرَ همِّنا، ولا مبلغَ عِلمِنا).

تجنب الاغترار بالأماني:
إياك أن تغترَّ بالله، إياك أن تغترَّ بالدنيا، ثم إياك والاغترار بالأماني، قال تعالى:

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
[ سورة الحديد ]

فالله تعالى لا يتعامل مع عباده بالأُمنيات، ولكنه يتعامل مع عباده بالسُّنن والقوانين:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[ سورة الزلزلة ]

لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
[ سورة النساء ]

قال أهل العِلم: هذه أخوف آيةٍ في كتاب الله، فالدين ليس بالأُمنيَّات، فإياك أن تغترَّ بالأمانيّ.
كن مع الوقائع ومع السُّنَن الإلهية
الله تعالى سيُدخِلنا الجنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيشفع لنا، ولن يُحاسِبنا الله عن أعمالنا، إيَّاك والاغترار بالأماني.
الله تعالى سيُدخِلنا الجنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيشفع لنا، ولن يُحاسِبنا الله عن أعمالنا، إيَّاك والاغترار بالأماني.
شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، لا نماري فيه، ولكنها ليست تكأة يتَّكِئ عليها الفاسدون.
إياك والاغترار بالأمانيّ، كن مع الوقائع، ومع السُّنَن الإلهية، ومع القوانين التي وضعها الملك جلَّ جلاله، وتعامل مع الله تعالى بأن الحَسَنة لها ثواب، وبأن السيئة لها عقاب إن لم يَتُب الإنسان منها، وإياك وحقوق العباد، لا تغتَرَّ بالأُمنيات، تعامل بالوقائع.

العُجب والاغترار بالنفس أسوأ أنواع الغرور:
ثم إياك والاغترار بالنفس، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ لو لم تكونوا تُذْنِبونَ، لخِفْتُ عليكم ما هو أكبرُ من ذلِكَ ؛ العُجْبُ العُجْبُ }

[ البزار ]

العُجْب أشدُّ من الذنب، رُبَّ معصيةٍ أورثت ذُلّاً وانكساراً خيرٌ من طاعةٍ أورثت عِزَّاً واستكباراً.
فالعُجب والاغترار بالنفس والتعالي بها والاغترار بالعمل الذي يعمله الإنسان، يظن أنه سيُنجيه ويغتَرُّ به، ولا يجده قليلاً أمام عظمة الله، وحق العبودية لله، هذا من أسوأ أنواع الغرور، أن يغتَرَّ الإنسان بنفسه.
إياك والاغترار بربك:

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
[ سورة الانفطار ]

إياك والاغترار بالدنيا، فلا تُعطها حجماً أكبر من حجمها، وإياك والاغترار بالأماني بل عليك بالوقائع والسٌّنَن، وإياك والاغترار بالنفس والعُجب بها فإن العُجب أشدُّ من الذنب.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.