• الحلقة التاسعة والعشرون
  • 2022-04-30

المراقبة

السلام عليكم.

مراقبة الإنسان من قِبل الله تعالى:
هل تشعر بالمراقبة؟ هل سبق يوماً أن كنت في مكانٍ ما تسير في شارعٍ أو في بيتٍ أو في مجتمعٍ صغيرٍ أو كبير وشعرت أن أحداً من المخلوقين يُراقبك؟ يتابع خطواتك؟ يُحصي كلماتك؟ يسُجِّل عليك كل حركاتك؟ أو كنت في مكانٍ ما وقيل لك: إن المكان مراقبٌ بالصوت والصورة من خلال الكاميرا.
هذا الشعور شعورٌ بالمراقبة، كيف كان حالك وأنت تشعر بمراقبة مخلوقٍ لك؟ كيف انضبطتَ؟ كيف درستَ كل كلمةٍ تنطقها؟ كيف تفكَّرتَ في كل موقفٍ ستأخذه؟ لأنك مراقب.
اللطيف يُراقبنا بلطف
نحن مراقَبون دائماً من قبل الله تعالى، ولكن اللطيف جلَّ جلاله ولأن من أسمائه الحسنى اللطيف فهو يُراقبنا بلطف، فنحن نشعر بمَعِيته، ونستشعر قُربَه، ونستشعر حُبَّه، ونستشعر مراقبته، ولكن كل ذلك بلُطف، لأنه اللطيف جلَّ جلاله، قال تعالى:

وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
[ سورة البقرة ]

وقال تعالى:

لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
[ سورة الأحزاب ]

فهو مُطّلع ويراقب جلَّ جلاله، وقال تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)
[ سورة الحديد ]

فهو معنا بعِلمه وسمعه وبصره جلَّ جلاله، وقال تعالى:

أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14)
[ سورة العلق ]

وقال تعالى:

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
[ سورة الطور ]

وقال أيضاً:

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
[ سورة غافر]

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تُثبت مراقبة الله تعالى لعباده فسبحان:

الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
[ سورة الشعراء ]


أهمية تعبُّد الإنسان الله بخمسة أسماء من أسمائه الحسنى:
تعبُّد الله تعالى بأسمائه الحسنى
المراقبة أيها الكرام تقتضي من العبد أن يتعبَّد الله بخمسة أسماء من أسمائه الحسنى: الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، إذا تعبدتَ الله تعالى بمقتضى هذه الأسماء الخمسة فأنت تراقب الله في كل حركةٍ من حركاتك، وفي كل سَكَنةٍ من سَكناتك.
أولاً: الرقيب؛ فهو مطّلعٌ عليك، يراقب تصرفاتك، حركاتك، كلامك، ويراقب نِيَّتك، وهذه لا يملكها أحدٌ من المخلوقين، مراقبة النِيَّات، فهو جلَّ جلاله يعلم الباعث على العمل، فقد يعمل الإنسان عملاً ويمدحه كل الناس، لكن العمل عند الله غير مقبول لأن النِيَّة فيه لم تكن إرضاء الله تعالى.
العليم: فهو يعلم كل شيء، عَلِمَ ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
وهو الحفيظ: الحفيظ جلَّ جلاله قد أحصى كل شيء، واطّلع على كل شيء.
وهو السميع: فهو يسمع كل شيء جلّ جلاله، فكل كلمةٍ تنطقها اعلم أن الله تعالى يسمعها.
وهو البصير جلً جلاله فهو الذي يراك، ويرى حركاتك، ويُبصر أفعالك، فهو السميع البصير.
فإذا تعبَّد العبد الله تعالى بأسمائه الحسنى تلك (الرقيب، العليم، الحفيظ، السميع، البصير) فقد حصلتْ له المراقبة، وهذه منزلةٌ عظيمة، إنها منزلة الإحسان، قال صلى الله عليه وسلم:

{ الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يَراك }

[ مسلم ]

هذه منزلة الإحسان التي من وصل إليها فقد وصل إلى أعظم ما يمكن أن يصل إليه العبد، وهو أن يشعر بأن الله تعالى معه في كل لحظةٍ يسمع كلامه، ويراقب تصرفه، ويُبصِر حاله، وعندها يستقيم على أمر الله تعالى، فإن زلَّت قدمه يبادر إلى التوبة فوراً، ويعلم عِظَم الذنب الذي ارتكبه بحق مولاه.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته.