فقد صدق
فقد صدق
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)(سورة الأنعام)
السلام عليكم: لم يكن من السهل عليهم أن يصدقوا أنّ رجلاً يخرج من مكة إلى بيت المقدس ليلاً ليعود في الليلة نفسها، ولمّا يبرد فراشه، كان الخبر صعب التصديق، ليس لأن المعجزة تخالف العقل، فالمعجزة لا تخالف العقل، لكنها تخالف العادة، هَبْ أنني قلت اليوم لإنسان ما أنني ذهبت من مكة إلى بيت المقدس وعدت في الليلة فوراً، سيصدقني فوراً؛ لأن وسائل التواصل الحديثة تبيح ذلك، لكن في ذلك الزمن لم يكن من السهل تصديق أن يقوم رجل بتلك الرحلة ويتعطل الزمن، ثم يعود إلى مكة المكرمة في الليلة نفسها، ثم يحدثهم صباحاً بتلك الرحلة الخارقة للعادة. |
أعظم الرجال إيماناً بعد الأنبياء والرسل:
وجد المشركون في تلك الرحلة مَطعَناً ليدخلوا به إلى إنكار دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبوته، إلى من سيذهبون؟ إلى أعظم الرجال إيماناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أبي بكر رضي الله عنه، قالوا له: "إن صاحبك –هكذا بتلك الوقاحة- يزعم أنه أُسرِي به من إلى بيت المقدس ثم عُرِج به إلى السماء فماذا تقول يا أبا بكر"؟ في ثانية واحدة، ودون تردد، بل دون أدنى شك أو ريب يقول الصديق رضي الله عنه –ولذلك هو الصديق- يقول: "إن كان قالها فقد صدق"، الشك عندي ليس في الحادثة، ولكن في نقلكم، أما إن كان النقل عنه صحيحاً، وقد قال ذلك فهو صادق لا محالة، لم يقل أبو بكر رضي الله عنه: أعطوني ساعة من الزمن لأسأله، لم يقل أريد أن أتحقق من الأمر، لم يقل: أريد أن أدرس الموضوع بعقلي فإني أجده يحتاج إلى مزيد من التمحيص والدراسة. |
{ لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ، قالوا: أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ و جاء قبل أن يُصبِحَ؟ قال: نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ. }
(الألباني)
أبو بكر رضي الله عنه أعظم الناس إيماناً بعد أنبياء الله تعالى ورسله، ما تردد ثانية لذلك هو أبو بكر الصديق، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين؟ فما أوذي بعدها. }
(صحيح البخاري)
يعني أبا بكر، فما أوذي أبو بكر رضي الله عنه بعد قوله صلى الله عليه وسلم (فهل أنتم تاركو لي صاحبي) أبداً. |
لأنه الصديق، وليس الصادق فحسب، بل هو الصديق رضي الله عنه، ما تردد ولا تلكّأ، بل قال: "إن كان قالها فقد صدق". |
الإيمان بالغيب واجب على كل المسلمين:
نحن لا نطالب المسلمين اليوم بتصديق شيء يخالف عاداتهم، ولكننا نطالب أنفسنا، ونطالب المسلمين اليوم أن يصدقوا بكل خبر جاءهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكل خبر جاءهم عن الله تعالى، وألا ينتظروا ليتحققوا من حكمةٍ، أو من علةٍ، أو يسألوا عن سبب، وإنما يتأكدون أنه ما دام النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك فقد صدق. |
يقول سعد رضي الله عنه: "ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس"، وعدّ منها: "ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى". |
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)(سورة النجم)
"إن كان قالها فقد صدق"، ذلك هو الإيمان الحقيقي بالغيب. |
إلى الملتقى أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته |