الثبات على مبادئ الدين وثوابته

  • الحلقة الحادية والعشرون
  • 2018-08-27

الثبات على مبادئ الدين وثوابته

السلام عليكم: يقول تعالى:

وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا
(سورة الإسراء:الآية 73-74-75)

أحب الخلق إلى الخالق
الخطاب موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحب الخلق إلى الخالق ومع ذلك يخاطبه ربه جل جلاله بهذه الصيغة الحازمة، إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ، أي ضعف العذاب في الحياة، وَضِعْفَ الْمَمَاتِ أي ضعف العذاب في الممات، كل ذلك جزاءٌ لماذا؟ لَقَدْ كِدت تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يركن إلى المشركين، ولم يتنازل عن دينه ولا قيد أنملة، لكن القرآن الكريم يوجهه، وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، عندما يتنازل الإنسان عن دينه، وعن مبادئه، وعن ثوابته، إرضاءً لغربٍ أو شرقٍ، فإن الله تعالى يُذيقه عذاب الحياة الدنيا، وعذاب الآخرة ولا يجد له نصيراً من الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم، كما روى الترمذي بسند صحيح:

{ عن أنس رضي الله عنه، كان يدعو فيقول:اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثبت قلوبَنا عَلَى دِينِكَ }

(رواه الترمذي)


نماذج للثبات على الدين
الثبات في عهد السلف
دخل أبو سفيان رضي الله عنه عندما جاء المدينة، وكان ذلك قبل أن يسلم، دخل على أم حبيبة، على ابنتهِ أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتجه ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطوت أم حبيبة الفراش، لئلا يجلس عليه قال يا بنيَّة ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش، أم رغبتِ به عني، قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجلٌ مشرك، تخاطب أباها وكل فتاةٍ بأبيها معجبة، ومع ذلك فأم حبيبة لم تقبل أن يمسَ جسد أبيها المشرك فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم أولى من فراشه، أفنقبل أن تمسَ رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، إرضاءً لشرقٍ أو غربٍ؟ أفنرضى أن نتنازل عن ثوابت رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم حياءً واستجداءً؟ أفنرضى الدنيَّة في ديننا ونحن لا نقبلها في دنيانا؟.
لا يغيب عنكم قصة ماشطة بنت فرعون التي أحرق فرعون أبناءها أمامها وهي تنظر إليهم حتى أخذ الرضيع من بين يديها وألقاه في القِدر في زيتٍ يغلي وهو يسألها من ربك؟ فتقول: ربي وربك الله، هذا ثبات.
لا يغيب عنكم خُبيب بن عَدي، وقد وضع في ظاهر مكة على خشبةِ الصلب ليُصلب، وهو يُقال له: أتحب أن يكون محمدٌ مكانك وأنت ناجٍ، لعلهم يعبثون بدينه، بثوابته، بمبادئه، لعله يتنازل قليلاً، وهو يقول: والله ما أحب أن أكون آمناً وادعاً في أهلي، وأن محمداً يوخزُ بشوكة، هذا ثباتٌ على الدين.

الثبات على المبادئ في واقعنا الحالي
الثبات في زمن المتغيرات صعبٌ لكنه ممكن
لماذا نجد اليوم امرأةً سافرت إلى الغرب، وبعد أسبوعٍ واحدٍ فقط تتصل بك لتسألك، هل يمكن أن أتخلى عن حجابي؟ تريد أن تتنازل عن حجابها ودينها، لماذا نسمع عن رجلٍ سافر إلى الغرب أو إلى الشرق، ثم هو يتصل بك، ليحلل الربا، ويأخذ قرضاً ربوياً، وفتوى ثانية من أجل أن يأكل اللحوم المحرمة، وفتوى ثالثة من أجل أن يفعل أشياءً لا ترضي الله تعالى بدعوى ضغوطات الواقع، فيتنازل عن دينه ويتنازل عن مبادئه من أجل عرضٍ من الدنيا قليل، الثبات على المبادئ والقيم في زمن المتغيرات أمرٌ صعبٌ لكنه ممكن، اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثبت قلوبَنا عَلَى دِينِكَ، اللهم أصلح لنا ديننا.
إلى الملتقى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته