• الحلقة الأولى
  • 2018-05-19
  • عمان

مقدمة

السلام عليكم:

إصلاح الدين لأنه عصمة أمرنا :
الدين عصمة الأمر
جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: " اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي "، دعا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء الجامع بثلاثة أمور: أن يُصلح الله له دينهُ ودنياه وآخرته، أما الدنيا فهي مطية الآخرة، ولا بد لصلاح الآخرة من صلاح الدنيا، وأما الدين فإنه عصمة الأمر، ما معنى اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري؟ الدين عصمة الأمر لأنه يعصم الإنسان، أي يمنعه من أن يقع في محظور، يمنعه من الوقوع في الفتن، يمنعه من الوقوع في الزلل، والخلل، والعبث، والخطل، يمنعه من أن يورد نفسه المهالك فيشقى في الدنيا والآخرة، لذلك أهم ما ندعو به الله تعالى أن يصلح لنا ديننا لأنه عصمة أمرنا، الدين من حيث هو منهج السماء، ومن حيث هو وحيٌ، ومن حيث هو نصوصٌ، ومن حيث هو أحكامٌ شرعيةٌ ونواهٍ وأخبارٌ صادقة، ولا يحتاج إلى إصلاح أبداً، بل هو المنهج الوحيد في الدنيا الذي لا يحتاج إلى إصلاح، بل إن أي إصلاح له إنما يعني إفساداً لهُ في الحقيقة، فما معنى أصلح لي ديني؟
الدين الذي نريد إصلاحهُ هو ديننا نحن، أي تديننا نحن، أي الطريقة التي ندين الله تعالى بها، أو الطريقة التي نفهم الدين عليها، فربما يكون هناك فهم مغلوط في الدين أو طريقةٌ نتعبد بها الله لا ترضي الله، هذا معنى اللهم أصلح لي ديني.

مصيبة الدين أعظم مصيبة على الإطلاق :
مصائب الدنيا مؤقتة و محدودة
من هنا أيها الأخوة الكرام؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: " اللهم لَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا " فهناك مصيبةٌ في المال، وفي الأنفس، وفي الثمرات، وكل هذه المصائب مهما اشتدت، ومهما عظم خطرها فهي في محصلة الأمر تنتهي آثارها عند الموت، فهي مؤقتة محدودة إلا مصيبة الدين فإن آثارها الكارثية المدمرة لا تنتهي، وربما تبقى إلى أبد الآبدين.
عمر رضي الله عنه كان إذا أصابته مصيبةٌ، قال: الحمد لله ثلاثاً، إذ لم تكن في ديني، وإذ لم تكن أكبر منها، وإذ أُلهمت الصبر عليها، فمصيبة الدين هي أعظم مصيبة على الإطلاق، يمكن أن تصيب الإنسان سواءً كانت في تعرضه للشهوات، أو في إدخال الشبهات إلى عقله وقلبه و روحه، والدين يعصم الإنسان من الوقوع في الشهوات، ويعصمه من الاستجابة للشبهات.

مصيبة الأعشى :
أعظمه مصيبة هي مصيبةٌ الدين.
الأعشى شاعرٌ جاهلي أدرك الإسلام ولم يسلم، مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة طويلة، ثم أراد أن يُسلم وعزم أمرهُ على الإسلام رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما علمت قريشٌ بما يريد قالوا: هذا صناجة العرب، ما مدح أحداً إلا رفع من قدره إياكم أن يسلم مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقفوا في طريقه، وأثناء ذهابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أوقفوه، وقالوا له: أين تريد؟ قال: أُريد صاحبكم لأُسلم، قالوا: لكنه ينهاك عن الخِلالِ، كُلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هي هذه الخِلال؟ قالوا: ينهاك عن الزنا، قال: لقد تركني الزنا وما تركته، قالوا: وينهاك عن القِمار، قال: لعلي إن لقيته أُصيب خيراً من القِمار، قالوا: ينهك عن الربا، قال: والله ما دينتُ ولا دينتُ أبداً، لا أُريد الربا، قالوا: وينهاك عن الخمر، قال: الخمر؟ أوه أرجع إلى صبابة بقيت في المهراس فأشربها، قالوا: أولك خيرٌ مما هممت به؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: نجمع لك مئة من الإبل، وتذهب هذه السنة إلى بلدك، حتى إذا كانت السنة القادمة رجعت إلينا، فإن ظهرنا على محمد وانتصرنا عليه فقد أخذت سلفاً، أخذت مئةٍ من الإبل، وإن انتصر علينا هو أتيت إليه فأسلمت، قال: والله لا أكره ذلك، فعاد وأجلّ إسلامه سنةً كاملة، وفي طريق عودته ألقى به بعيره عن ظهره فقتله، ودفن حيث قُتل، فكان الفتيان إذا أرادوا أن يشربوا الخمر وقفوا على قبره، وصبوا على قبره فضلات الأقداح، هذه مصيبة الأعشى، ما أعظمها من مصيبة إنها مصيبةٌ في الدين.
إلى الملتقى أستودعكم الله.