• محاضرة في الأردن
  • 2023-03-06
  • عمان
  • الأردن

فضل شهر شعبان

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وعملاً متقبلاً يارب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. وبعد:
أيها الإخوة الأحباب، نحن في شهر شعبان، وقد انتصف، نسأل الله أن يبلّغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين، فرمضان من نِعَم الله العظيمة التي مَن أراد الله تعالى مِن عباده خيراً بلّغه هذا الشهر الكريم، وبلّغه نفحاته، ومغفرته، ورحمته فيه.

سبب تسمية شهر شعبان:
شعبان أيها الكرام، شهر من الأشهر القمرية وفق التقويم الهجري من اثني عشر شهراً، قال تعالى:

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(36)
(سورة التوبة)

سُمّي شعبان من التّشعُّب والتفرُّق
وهذا الشهر لعلّ من أرجح الأقوال في تسميته أنه سُمّي شعبان من التّشعُّب والتفرُّق، إذ كان العرب يتشعّبون فيه بعد رجب الفرْد الذي يُمنَع القتال فيه، فإذا انقضى رجب تشعبوا في حروبهم، وقيل تشعّبوا في التماس عطاياهم من الملوك، وغير ذلك، لكن يبدو أنه من التّشعُّب والتفرق سُمّي شعبان؛ لأنه يأتي بعد شهر من أشهر الله الحُرُم.
وهذا الشهر أيها الكرام له فضلٌ في ديننا، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

{ ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. }

(صحيح النسائي)

يعني الناس ينتهبون إلى رجب؛ إذ هو شهرٌ من أشهر الله الحُرم، وينتبهون إلى رمضان؛ إذ هو شهر الخير والبركة والفضل، لكن يغيبون عن شعبان الذي يقع بين هذين الشهرين، فقال: (ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).

الصيام في شهر شعبان:
النبي الكريم كان يُكثِر من الصيام في شعبان
فهذا الشهر كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثِر من صيامه، لكنه في الصحيح ما أكمل صيامه كاملاً، ما أتمّ صيامه، وما ورد من أنه صام شعبان كاملاً المقصود به أكثر شعبان، وليس كل شعبان؛ لأنه صحّ في الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم-ما استكمل صيام شهر قط إلا رمضان:

{ كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصومُ حتى نقولَ: لا يُفطِرُ، ويُفطِرُ حتى نقولَ: لا يصومُ، وما رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استكمَلَ صِيامَ شَهرٍ قَطُّ إلَّا رَمضانَ، وما رأيتُه في شَهرٍ أكثَرَ منه صيامًا في شَعبانَ. }

(صحيح مسلم)

يعني شهر من واحد إلى ثلاثين أو تسعة وعشرين ما فعل ذلك إلا في رمضان، وكان أكثر ما يصوم من شعبان، بعد رمضان أكثر شهر يصوم منه هو شهر شعبان، وقد ورد في بعض الأحاديث:

{ إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا }

(صحيح الترمذي)

وفي حديث آخر إلا من كان يصوم صوماً له:

{ لاَ يتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكمْ رَمَضَانَ بِصَومِ يومٍ أَوْ يومَيْنِ، إِلاَّ أَن يَكونَ رَجُلٌ كَانَ يصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليوْمَ. }

(متفق عليه)

يعني إذا كان الإنسان معتاد أن يصوم الاثنين والخميس، فلو انتصف شعبان فله أن يثابر على الاثنين والخميس بعد نصف شعبان، وإذا كان قد نوى أن يصوم أكثر شعبان؛ أي يريد أن يصوم من شعبان عشرين يوماً، وأراد أن يكمل ما نواه بعد نصف شعبان لا مانع، أما إذا إنسان من بداية الشهر لمنتصفه لم يصم أبداً، فلا يُسَنّ له الصيام بعد انتصاف شعبان، لا يُستحَبّ له، ولو صام فصيامه صحيح، لكن الأصل بعد نصف شعبان لمَن وافقَ عادةً كان يصومها قبل النصف من شعبان، والله أعلم، هذا بالنسبة للصيام في هذا الشهر الكريم.

فضل ليلة النصف من شعبان:
ليلة النصف من شعبان لها فضلٌ عظيمٌ عند الله
وفي هذا الشهر ليلة من لياليه لها فضلٌ عظيمٌ عند الله تعالى، وهي ليلة النصف من شعبان، هي هذه الليلة في الدول التي أثبتت شعبان قبل الأردن، والليلة القادمة في الأردن، والبعض يسأل كيف اختلاف المطالع أدّى لاختلاف الليلة، فهل نصوم وِفق السعودية، أو ليلة النصف من شعبان، أو ليلة القدر عندما تكون في الليالي المفردة تختلف إذا اختلفت المطالع في البلاد فاختلف إثبات الصيام، والحقيقة أن هذه الليالي المباركة التي شرعها الله لعبادته، ولنفحاته، ولفضله، تتعلق بكل إنسان في البلد الذي يعيش فيه، فالزمان لا يحكمه جل جلاله، الزمان خلقٌ من خلقِ الله يحكمنا، فليس –حاشاه تعالى- عسيراً عليه أن يُكرِم عباده الذين اعتقدوا أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة الثلاثاء، أو الأربعاء، أو الاثنين، كلها ليالي خير وبركة، المهم قلبك في هذه الليلة، وحضورك مع الله في هذه الليلة، فتختلف المطالع، ونسأل الله أن يُبرِم لهذه الأمة أمراً رشداً، فما دام قد أصبح اليوم الفضاء الواسع جداً، وإعلان الصيام سهل جداً، فنسأل الله أن يُبرِم لهذه الأمة أمر رشدٍ، فلا تعتَدّ باختلاف المطالع، فإذا ثبت رمضان، أو ثبت بداية شعبان، أو ثبت عيد الفطر، أو غير ذلك، أن يعتمدوا اعتماداً واحداً لأول مَن يثبته وانتهى الأمر، فلا عبرة لاختلاف المطالع، سابقاً كان هناك عبرة باختلاف المطالع لعدم وجود التواصل بين الناس، فكان أهل قرية يصومون لأنهم رأوا الهلال، يأتون إلى غيرهم يرونهم مفطرين، ما بالكم مفطرين؟ قالوا: لم نرَ الهلال، نحن رأيناه فصمنا، لعدم وجود التواصل، أما اليوم مع وجود التواصل فنسأل الله ألا يبقى الأمر دائماً بمجال الخلافات السياسية من يثبته أولاً، وينتقل إلى مجال العقيدة والدين بأننا نصوم معاً ونفطر معاً، لأن ذلك أصبح مُيسَّراً سهلاً، ومع ذلك ولو لم يحصل، فإنه ليس بالأمر الجَلَل، يعني بالنتيجة إذا كان قاضي أو مفتي بلدٍ ما أو الهيئة المقرِّرة للصيام رأت الهلال فنصوم على رؤية البلد الذي نحن فيه، ولا نفرّق الأمة فيه، وهؤلاء يصومون على بلدهم، ولا حرج في ذلك، هذا أمر فيه سَعَة إن شاء الله.
فليلة النصف من شعبان قد تختلف من بلد إلى بلد حسب إثبات بداية شعبان، والعبرة في أنك في هذه الليلة التي في بلدك ليلة النصف من شعبان، أن تكون مُهَيَّأً لرحمات الله، ونفحات الله، ومغفرة الله تعالى، وهذه الليلة ورد فيها حديث صحيح، هو قوله صلى الله عليه وسلم:

{ إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. }

(رواه ابن ماجه)

وفي رواية: إلا لمشرك أو قاتل نفس –والعياذ بالله- فهذه الليلة جعل الله تعالى فيها المغفرة شاملة، عامة لعباده، واستثنى منهم فريقين: الفريق الأول المشرك بالله تعالى.

أنواع الشرك:
والشرك أيها الكرام نوعان كما أسلفنا سابقاً، هو شرك أكبر، وشرك أصغر، أو شرك جَلِيّ وشرك خفي، إما أن نقول: شرك أكبر أو جلي، والنوع الثاني أصغر أو خفي.
والكفر منه أكبر وأصغر، والنفاق منه أكبر وأصغر؛ عندنا في العقيدة شرك أكبر، وشرك أصغر، كفر أكبر، وكفر أصغر، نفاق أكبر، ونفاق أصغر.

1.الشرك الأكبر:
الشرك الأكبر: أن تجعل لله تعالى ندّاً وهو خلقك، كما قال صلى الله عليه وسلم، يعني يعبد حجراً من دون الله، صنماً

أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ(3)
(سورة الزمر)

شمساً، أو قمراً، أو حجراً، أو مَدَراً، يعبده من دون الله تعالى، أو يشرك بعبادته مع الله تعالى، وهذا كفر، ولكن هو شرك من زاوية أنه يُشرّك؛ أي يجعل هذا المخلوق من مخلوقات الله نداً لله تعالى، فيعبده كما يعبد الله، قال تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)
(سورة البقرة)

فهذا الشرك واضح، جليّ، وهذا مُخرِجٌ من المِلّة، فمن قال أعبد هذا الحجر، أو هذا الصنم، أو بوذا، أو غير ذلك، فهذا شرك جلي يُخرِجه من مِلّة الإسلام.

2.الشرك الأصغر:
أما الشرك الخفي: فهو الرياء، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ: الرِّياءُ }

(الألباني)

ويقول:

{ إن يسير الرياء شرك }

(رواه ابن ماجه)

وإن من الرياء:

{ خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ونحنُ نتذاكرُ المسيحَ الدجالَ فقال ألَا أُخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ قال قلنا بلى فقال الشركُ الخفيُّ أن يقومَ الرجلُ يُصلي فيُزيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ. }

(صحيح ابن ماجه)

الإنسان يراقب نيته وعمله
يعني يكون في مُصلّاه، أو في مسجد، أو في مكان عام، فيصلي وعنده موعد مع فلان من الناس، وفي الركعة الثانية وقد استغرقت معه الركعتان دقيقتين فقط، ودخل صاحب الموعد وجلس ينتظره لنهاية صلاته، فإذا بالركعتين الثالثة والرابعة تستغرقان عشر دقائق، وهو يطيل القراءة والركوع والسجود، فهذا جعل الله أهون الناظرين إليه -والعياذ بالله- وجعل نظر العبد إليه أقوى من نظر الله إليه، هذا هو الشرك، لكن هذا شرك غير مُخرِجٍ من المِلّة، لكنه شرك أصغر، وهو خطير؛ لأن الله تعالى يوم القيامة يقول: اذهبوا إلى من كنتم تراؤون فخذوا منهم أجوركم، يعني أنت كنت تصلي لفلان، وليس لله، فَخُذْ أجرك من فلان، وأنت كنت تصوم ليقال صائم، وأنت كنت تجاهد ليقال قوي شجاع، وأنت كنت تقرأ ليُقالَ قارئٌ حافظٌ مُجازٌ، فاذهب إلى من كنت تُرائي فخُذ الأجر منه، فالشرك الخفي خطير جداً، لكنه ليس مخرجاً من المِلّة، فإذا تراكم واستمر فإنه يؤدي بصاحبه إلى المهالك، لكن لا نحكم على صاحبه بكفر –والعياذ بالله- ولكن نقول هو خطير جداً، فالإنسان يراقب نيته، يراقب عمله، أن يكون عمله خالصاً لوجه الله تعالى.

أنواع الكفر:
أولاً: الكفر الأكبر:
وإتماماً للفائدة: الكفر الأكبر: أن يكفر الإنسان بالله تعالى إما كفراً عملياً، أو كفراً قولياً.

1. الكفر القولي:
الكفر القولي: كأن ينكر وجود الله، أو ينكر وحدانيته، أو ينكر كماله، أو ينكر القرآن الكريم، أو ينكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

2. الكفر العملي:
والكفر العملي: كأن يمزق المصحف على وجه الاستهزاء، أو يلقي به في مكان لا يليق به على وجه الاستهزاء، أو أن يهزأ بآية من آيات الله، أو، أو ...إلخ كفراً عملياً، فهذا الكفر كفرٌ أكبر يُخرِج الإنسان من المِلة ويُحكَم عليه إن كان مسلماً قبله بالردة.

ثانياً: الكفر الأصغر:
وأما الكفر الأصغر: فأشياء ذكرتها السنة على أنها كفرٌ مِن باب تعظيم اسمها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

{ اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت }

(رواه مسلم)

فلو إنسان طعن في نسب إنسان، أو امرأة أو رجل -لكن في النساء أكثر- قامت بالنواحة فجعلت تضرب خدودها، وتشق ثيابها، وتعلي صوتها على ميت سواء كان ميتاً لها أو لغيرها، وأحياناً تُستأجَر كانت النائحات بالأجرة، وكانت العرب تقول: "ليست النائحة الثكلى كالمُستأجَرة"، هذا كفر، سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- كفراً، لكنه كفرٌ دون كفرٍ، فهو لا يُخرِج من ملّة الإسلام، ولكن سمّاه الشرع كفراً لشدة إثمه، وبيان عِظَم أمره في أن تفعله، هذا يسمى الكفر الأصغر.

أنواع النفاق:
أولاً: النفاق الأكبر:
وهناك نفاق أكبر، ونفاق أصغر، النفاق الأكبر: هو النفاق الاعتقادي؛ بمعنى أن إنساناً لا يعتقد بالإسلام، لكنه يُظهِر اعتقاده بالإسلام؛ لينال من الفوائد والثمرات عند المسلمين، فهذا منافقٌ نفاقاً اعتقادياً:

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)
(سورة النساء)

يُبطِن كفراً، ويظهر إيماناً، فهو كافر في الحقيقة، لكن هذه الحركة في إبطان وإظهار جعلت له تسمية خاصة هي النفاق، وجعله الله تعالى في الدرك الأسفل؛ لأن الكافر مكشوفٌ، أمّا هذا المنافق فهو يدخل في صفوف المسلمين، ويَعيث فساداً، ويُظهِر إسلاماً، وهو في الحقيقة يبطن لهم العداوة والكفر:

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14)
(سورة البقرة)

فهذا من النفاق الاعتقادي، وهو النفاق الأكبر المُخرِج من المِلّة.

ثانياً: النفاق الأصغر:
وهناك نفاق أصغر: وهو بعض الخِصال التي ذكرتها السنة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

{ أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ. }

(صحيح البخاري)

فهذا من النفاق العملي، لكنه ليس مُخرِجاً من المِلّة، لكنه نوعٌ من أنواع النفاق، خيانة الأمانة، الغدر بالعهود، الفجور بالخصومة وليس مجرد الخصومة، وإنما يفجر في خصومته، ما معنى يفجر في خصومته؟ لأننا سنأتي على أن الله تعالى لا يغفر للمشاحن، يفجر في خصومته بمعنى أنه إذا خاصم إنساناً ذكر كل مثالبه، ومزيداً عليها مما ليس فيه، وأنا لا ألقاه، ولا أسلم عليه، وهذا الشخص كذا، وكذا، وكذا، ويكون بينهما أسرار في العمل، وقد تعاهدا على كتمها، فينشر أسراره، ثم يزيد ذلك فيتحدث عن أهل بيته، فجور بالخصومة، الإنسان أحياناً ربما يخاصم لسبب أو لآخر يقول لا أريد، لكن:

وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
(سورة المزمل)

إن كان الهجر غير محبوب على كل حال إلا بحالات نادرة، لكن أن يفجر في خصومته فيبالغ في الخصومة، هذا من علامات النفاق، وهذا نفاق أصغر لا يُخرج صاحبه من الملة، لكنه يوقعه في خصلة من خصال النفاق –والعياذ بالله-.
على كل نعود إلى الحديث الشريف: (إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن). فالشرك الجلي هو الذي يحرم لإنسان من المغفرة في هذه الليلة، وهذا لا يعني استخفافاً بالشرك الخفي، وإنما يعني أن نحرص على أن نُخلِص القلوب لله.

حفظ القلب من الرياء:
الرياء هو الشرك الخفي
فحتى الشرك الخفي ينبغي للإنسان أن يرعى قلبه، ويحفظ قلبه من أن يقع فيه، وهو الرياء، فالرياء هو الشرك الخفي، وهو بمعنى أن يكون هناك شهوة خفية وأعمال لغير الله، كما ذكر بعض أهل العلم "شهوة خفية، وأعمال لغير الله" الأعمال لغير الله: الرياء، والشهوة الخفية: شيء في القلب، مخفيّ لا يراه الناس، لكن يتحكم فيه فيأسِره، فيجعل كأنه يعبده مع الله تعالى، يعني يعبد شهوته:

{ تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ. }

(صحيح البخاري)

فيكون عبداً لشهوته، فكأنه يشرك شهوته مع الله تعالى، ما معنى عبد لشهوته؟ لا يعني أنها مجرد معصية لله، كلنا مذنبون –نسأل الله السلامة- لكن يعني أنه يصبح أسيراً لهذه الشهوة، فيقول لك: أنا بالنسبة لي موضوع النساء هذا لا أستطيعه، هذه الشهوة في القلب تحكّمت فيّ حتى إنني لا أستطيع تركها، فيُطلِق بصره في الحرام، ويفعل المُوبِقات، والمُنكَرات، يقول لك أنا لا أستطيع، أو يقول لك: أنا متعلق بالخمر تعلقاً لا حدود له، فلا يمكن أن أذره، ممكن أن أصلي وأصوم، لكن شهوة الخمر عندي مرتفعة، أو شهوة المال، أو غير ذلك.

نهاية الأعشى:
الإعلام اليوم يرفع الوضعاء ويُنزِل الكُرماء
كان هناك شاعر يُسمّى "الأعشى"، الأعشى كان من الشعراء المُخضرَمين، المخضرم يعني عاش في الجاهلية وفي الإسلام، في الجاهلية جزءاً من عمره، ثم أدرك الإسلام، وهناك من الشعراء مَن عاشوا في الإسلام وأسلموا مثل حسان بن ثابت، وهناك مَن أدركوا الإسلام ولم يسلموا، والأعشى واحد من هؤلاء، فكان يُسمّى "صنّاجة العرب" أي المغني الرئيسي للعرب، فهذا بالعُرف الحديث "ستار العرب" فكان هذا الأعشى الإعلامي الأول، قالوا: "ما ذمّ أحداً إلا وضعَ قدره، ولا مدح أحداً إلا رفع قدره"، هذا الأعشى إذا تعلّق بشخص وذمّه ينزله، وإذا كان هناك إنسان وضيع ومدحه يرفعه، مثل الإعلام اليوم تماماً، يرفع الوضعاء، ويُنزِل الكُرماء، هذا إعلام فاسد، إعلام مُفسِد في الأرض، فهذا الأعشى كان من هذا الصنف، كان صنّاجة العرب، فهذا الرجل قبل أن يسلم مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أُعجب بأخلاقه فمدحه، ومما قاله فيه يخاطب ناقته:
مَتى ما تُناخي عِندَ بابِ اِبنِ هاشِمٍ تُريحي وَتَلقَي مِن فَواضِلِهِ يَدا نَبِيٌّ يَرى ما لا تَرَونَ وَذِكرُهُ أَغارَ لَعَمري في البِلادِ وَأَنجَدا
{ الأعشى }
ثم يقول في نهاية قصيدته:
إِذا أَنتَ لَم تَرحَل بِزادٍ مِنَ التُقى وَلاقَيتَ بَعدَ المَوتِ مَن قَد تَزَوَّدا نَدِمتَ عَلى أَن لا تَكونَ كَمِثلِهِ وَأَنَّكَ لَم تُرصِد لِما كانَ أَرصَدا
{ الأعشى }
ثم بعد ذلك بدا له أن يسلم، أراد أن يسلم، فسمع العرب به.
فقال أبو سفيان: "هذا الرجل إن أسلم ألّب عليكم العرب" هذا إعلام، هذا قناة تلفزيونية ضخمة جداً، يصبح منافحاً عن الإسلام والمسلمين، إعلامي كبير.
فقال: " فأرسِلوا له" حاولوا أن تمنعوه بأي طريقة من أن يسلم.
فأرصدوا له على مَدرجته، وقفوا له على الطريق، قالوا: "إلى أين تريد؟"
قال: "أريد محمداً" قالوا: "وماذا تريد"؟
قال: "أريد أن أسلم معه"
قالوا: "ألا تعلم أنه ينهى عن خِلالٍ كلها بها رافقٌ، ولك موافق"؟ أشياء تحبها جداً يجب أن تتركها.
قال: "وما هي؟"
قالوا: "إنه ينهى عن الزنى" لم يعد هناك زنى، الإسلام منهج وليس انتماء وولاء فقط، انظر أهل الكُفر فهموا الإسلام أكثر مما يفهمه بعض المسلمين اليوم، هم لم يسلموا، يعرفون ما معنى الإسلام، إذا أسلم لم يعد هناك زنى، بعض المسلمين عندما يريد أن يسلم يريد أن يبقي الزنى موجوداً.
فقال: الزّنى؟ قالوا: نعم، قال: "والله لقد تركني الزنى وما تركته"، يعني أنا رجل كبير بالعمر، والموضوع لم يعد ببالي،
قالوا: "إنه ينهى عن الربا"، يجب أن تقف، لم يعد هناك إقراض بالفائدة.
قال: "والله لا ديّنت ولا تديّنت"، أنا لا أدين أحد ولا أتعامل بالقروض، موضوع القروض ليس ببالي.
قالوا: "إنه ينهى عن الخمر".
قال: "لا"، هنا لحظة، الخمر؟ قالوا له: الخمر، قال لهم: "أرجع إلى صبابة بقيت في المِهرَاس، فأشربها ثم أرجع" كأنه يريد أن يودّع الخمر، عندما قالوا له: الخمر، هذه الشهوة الخفية، فتعلقه بالخمر غير طبيعي، كل إنسان عنده نقطة ضعف، هذا الخمر، العرب كان الخمر عندهم شيء عظيم، فقال: أرجع.
قالوا: "هل لك في خير من ذلك"؟
قال: وما هو؟
قالوا: "ترجع سنتك هذه"، تؤجل سنة واحدة، سنة كاملة، "فإن كان بعد عام، فإن كنا قد ظهرنا عليه –انتصرنا- كنت معنا"، وظللت بعزك، ولم تذهب لمكان فيه هزيمة، "وإن كان ظهر علينا هو ذهبت إليه فأسلمت" يعني انتظر لترى مَن سيفوز بالمعركة، وهذا مذهب يتبعه الكثير من الناس، هذا نفاق، يعني يجلس وينتظر، إذا كان الحق انتصر يقف معه، إذا لا ينسحب. قالوا: "ونعطيك مئة من الإبل" الجائزة جاهزة، تأجيل سنة بمئة من الإبل، القبائل كلها في البداية جمعت له الإبل.
فقال: "هو والله خير" يعني هذا العرض جيد، من أجل مئة ناقة نؤجل سنة، بعد سنة يخلق الله ما لا تعلمون، قال: فرجع في طريقه، فلما كان في قاع منفوحة (اسم منطقة) رمى به بعيره عن ظهره فقتله، فكان أصحابه إذا أرادوا شرب الخمر اجتمعوا على قبره فشربوا الخمور، وصبّوا على قبره فضلات الأقداح.
يعني الشهوة الخفية أوردته عدم الإسلام، ثم أصبح منبوذاً حتى فضلات الأقداح صارت على قبره تلازمه بعد وفاته، ربما هم كانوا يعتقدون أنهم يفعلون شيئاً جيداً؛ لأنهم يعرفون أنه كان يحب الخمر فيأتون ويصبون له القليل على قبره.
هذه الشهوة الخفية –والعياذ بالله- كم أَرْدَت من إنسان الشهوة الخفية، يعني تمكّنت منه، فعلى الإنسان أن يكون حريصاً، لأن كل إنسان منا عنده شيء، يقول لك: أنا من هذا المكان أشعر بضعف، يجب أن تقوي نفسك بهذا المكان، هناك إنسان مع المال يقول لك أنا المال نقطة ضعفي لا أستطيع، النساء، الخمر، متابعة شيء على الشاشات، يتعلق به ويصبح أسيراً له، فهذه شهوة خفية، وأعمال لغير الله، هذا من الشرك الخفي.

العدل يقتضي أن الله تعالى لا يغفر لمن لا يستغفره:
فالله تعالى في ليلة النصف من شعبان يطّلع على خلقه، فيغفر إلا لمشرك، هل ضاقت رحمة الله تعالى أن يغفر للمشركين أيضاً؟ حاشاه، قال:

وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)
(سورة الأعراف)

الله رحيم جل جلاله لكن العدل يقتضي أن الله تعالى لا يغفر لمن لا يستغفره، والمشرك متوجه بكلّيته إلى غير ربه، المشرك الشرك الأكبر هو في الأصل غير متوجهٍ إلى الله، فكيف نجرؤ أن نقول: لماذا لا يغفر الله له؟

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا(48)
(سورة النساء)

الشحناء بين المؤمنين لها من عظيم البلاء
فالمشرك لم تَضِقْ رحمة الله عليه، ولكن هو ضيّقها على نفسه حينما اتجه بعكس الاتجاه المطلوب، فلن يجد شيئاً في هذا الاتجاه، لا مغفرة، ولا رحمة، هذا المشرك، لكن الذي يلفت النظر في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المشاحنة في مقام الشرك، فالله -عز وجل- يغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن، يعني كم قطيعة ذات البين، والشحناء بين المؤمنين لها من عظيم البلاء على نفس المؤمن! حتى إنها تمنع مغفرة الله تعالى في ليلة من ليالي العمر، ليلة النصف من شعبان، فإذا كان إنسان بينه وبين الآخرين شحناء أي مشاحنة، قطيعة، خصومة، وليس هناك ما يبررها كسبب شرعي، أحياناً يكون الخصومة لها أسباب شرعية، فهناك أكل حقوق بشكل واضح وجَليٍّ، هناك إنسان في العائلة منحرف جداً، أساء وتكلم بشيء، هذه تُدرَس كل حالة بحالتها، حسب الوضع، لكن عموماً ان يكون بيننا شحناء من أجل اختلاف في فكرة، في السياسة، أو في العلم، أو حتى في الدين ضمن المذاهب الفقهية، أو العَقَدية، أو يكون هناك شحناء بين النساء لمجرد أن هذه المرأة لم تأتِ إليّ في مناسبة كذا، ولم تدخل بيتي فلا أريد أن أدخل بيتها، وهذا الكلام الذي لا يقدّم ولا يؤخر، أو مشاحنة بسبب خلاف تجاري يمكن أن يُحَل بتنازل بعض الأطراف عن بعض الأمور...إلخ هذه الشحناء التي تكون بين المؤمنين سبب لحرمانهم من مغفرة الله تعالى، لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إياكم وإفساد ذات البين.

{ ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ. }

(صحيح أبي داوود)

وفي القرآن:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(1)
(سورة الأنفال)


العلاقات البينية بين الأرحام:
العلاقات البينية بيني وبين أبي وأمي، هذه أعظم علاقة ينبغي أن تُصلَح، هذه الشحناء فيها ليست كأيّ شحناء، ابن عاقّ لوالديه –والعياذ بالله- هذا بعيدٌ عن مغفرة الله ورحمته.
أهمة العدل بين الأولاد في تجنب الشحناء
الآن بيني وبين أولادي، طبعاً المسؤولية على الأولاد أكثر، لكن أيضاً على الأب؛ لأن أحياناً الأب ممكن أن يكون هو بسبب سوء العدل بين الأولاد أدى إلى هذه الشحناء معهم، أو ينظر في نفسه فيرى أنه كان قاسٍ جداً في مرحلة معينة، فممكن أن يتلطّف أكثر في هدايتهم، مثلاً.
فالعلاقات البينية سواء كانت عامودية نحو الآباء والأجداد، أو عامودية إلى الأسفل نحو الأبناء والأحفاد هذا كله "ذات بين". الآن الأفقية: الإخوة والأخوات، الأعمام والأخوال، والخالات، إذا نزلنا لمستوى آخر، أولاد الأعمام وأولاد الخالات، هذه الدائرة ينبغي على الإنسان ألا يكون فيها قطيعة رحم إلا لأسباب نادرة، وخاصة جداً يستفتي فيها أهل العلم، هل يباح لي القطيعة؟ أحياناً يكون هناك ما يبيح، لكن حالات نادرة، أمّا الأصل ألا يكون هناك فساد ذات بين، وإذا حصل لأسباب نادرة كما قلت ومهمة وشرعية فيكون الهجر الجميل، وليس القبيح، الهجر الجميل بلا أذى، دون أو أؤذيه، لكن الوضع الذي وصّل له في التمادي في معصية الله، أو المجاهرة بالفسق، لم أعد أستطيع أن أواليه على الرغم من أفعاله تلك، فهجرته هجراً جميلاً، قال عن المشركين: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) فالهجر الجميل هجرٌ بلا أذى.

العلاقات البينية بين الأصحاب:
الآن العلاقات البينية ليست ضمن الأرحام فقط، الإخوة في مجلس، في جلسة، مع الشريك، مع بعض المعارف الذين يعرفهم، كله هذا من إصلاح ذات البين (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) يقول -صلى الله عليه وسلم-: (وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ) أنا لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين.
فحرص الإسلام على أن نصلح ذوات بيننا، ألا يكون هناك شحناء، وأعظم ما يجب إصلاحه من ذات البين ضمن الأسرة الواحدة، ثم مع الأصحاب، والأحباب، والأقرباء، والأباعد...إلخ.

الإكثار من العبادة في ليلة النصف من شعبان:
فهذه الليلة ليلة مباركة، ليلة عظيمة من ليالي العمر، لا بأس للإنسان إن أحب في هذه الليلة، بل يُستَحب له، وإن كان لم يرد صفة مخصوصة، لكن كون لها فضل، فإذا قام الإنسان قبل الفجر، وصلى ركعات القيام، ودعا الله أن يغفر له فيها فهذا مما يُستحَب؛ لأنها ليلة مباركة ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يُغفَر للإنسان فيها، والمؤمن يتعرّض لنفحات الله، ويتعرض لهذه الليلة المباركة، ولو بقيامٍ جزئي يخصّها بقراءة جزء، يخصها بثماني ركعات قيام، يخصها بصدقة من الصدقات، يعني ينويها في هذه الليلة أن يخرجها للمحتاجين، للمنكوبين، فالليالي المباركة يُضاعَف فيها الأجر، ويعظم فيها الوِزر:

{ إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا. }

(رواه الطبراني وفي سنده ضعف)


الاستعداد لرمضان:
يعني البث شغّال، لكن أنت اضبط إشارة المذياع على الموجة حتى تتلقى النفحات في هذه الليالي الطيبة، وهذا كله من باب الاستعداد لرمضان، فقد قالوا: المؤمن يزرع في رجب، ويسقي في شعبان، ويحصد في رمضان، أما إذا بدأنا الزراعة بـ 1 رمضان لن نلحق الحصاد، يتأجل الحصاد لبعد العيد، يكون انتهى موسم الخيرات، أما الآن هذه كأن ربنا -عز وجل- عندما جعل رجب شهراً محرماً، وبعده شعبان من خير الشهور التي فيها الصيام، والطاعة، وفيها الليلة المباركة كأنه يعدنا لرمضان، يعني جهّزوا أنفسكم، فقد اقترب رمضان، فيجهز الإنسان نفسه في شعبان، بصدقة، بقيام ليل، بقراءة قرآن، حتى إذا جاء الأول من رمضان يكون مستعداً، يدخله مباشرة بهمة عالية، لا بهمة متدينة، هذا والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين.