وعود الله لعباده

  • الحلقة السادسة عشر
  • 2020-05-09

وعود الله لعباده

السلام عليكم: الآية اليوم هي الآية الخامسة والثمانون من سورة القصص وهي قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ
(سورة القصص: الآية 85)

أخرج البخاري في صحيحه:

{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {لَرَادُّكَ إلى معادٍ} قالَ: إلى مَكَّةَ }

(صحيح البخاري)

فالمعاد: هو مكة.
وأخرج غيره في أحاديث صحيحة:

{ سألتُ أبا سعيدٍ عن قولِ اللهِ {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ} قال: معادُهُ آخِرَتُهُ }

(مجمع الزوائد)

أي الْجَنَّة.
الوعد بالعودة إلى مكة
وبغض النظر، وسواءً أخذنا بخصوص السبب وهي أنَّ هذه الآية نزلت بالجحفة والنبي صلى الله عليه وسلم كان يغادر مكة والله تعالى يقول له: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ) ستعود إلى مكة التي أخرجتك ستعود إليها، وقد عاد إليها صلى الله عليه وسلم بعد عشر سنوات فاتحاً وكادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله تعالى، دخل مكة فاتحاً.

الله تعالى هو الآمر فهو الحافظ والضامن
الله تعالى فرض عليك القرآن
أو أخذنا بالمعنى الثاني وهو أنَّ (إِلَىٰ مَعَادٍ) بمعنى إلى معادك: أي إلى آخرتك، سواءً بخصوص اللفظ أو بالعموم (مَعَادٍ) بغض النظر عن الأمرين لكن نعقِّب بشيءٍ واحد وهو: ما دام الله تعالى هو الآمر فهو الحافظ والضامن، فالله تعالى هو الذي فرض عليك القرآن وهو الذي يضمن لك النتائج إن أنت التزمت بتعاليم القرآن، أنت في دنيا البشر عندما يأمرك قويٌّ بأمرٍ من الأوامر فأنت مباشرةً تتوقع أنه سيضمن لك النتائج لأنه قوي فهو الذي أمرني أن أفعل ذلك وهو الذي يضمن ألا يعاقبني أحدٌ إن فعلت ذلك وإن التزمت بما أمرني به، هذا في دنيا البشر، مع خالق البشر جلَّ جلاله عندما تطيعه فيما أمر وتنتهي عما نهاك عنه وزجر يجب أن تؤمن إيماناً يقينياً بأن الذي فرض عليك هذا الأمر سيحفظ لك النتائج وسيضمن لك النتائج وسيعطيك سُؤلك وسيرفع قدرك (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ).

{ روى ابنُ عَبَّاس رضي الله عنهما أنَّ أوَّلَ ما اتَّخَذَ النِّساءُ المِنْطَقَ مِن قِبَلِ أُمِّ إسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا علَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بهَا إبْرَاهِيمُ وبِابْنِهَا إسْمَاعِيلَ وهي تُرْضِعُهُ، حتَّى وضَعَهُما عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ في أَعْلَى المَسْجِدِ، وليسَ بمَكَّةَ يَومَئذٍ أَحَدٌ، وليسَ بهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُما هُنَالِكَ، ووَضَعَ عِنْدَهُما جِرَابًا فيه تَمْرٌ، وسِقَاءً فيه مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَقالَتْ: يا إبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهذا الوَادِي، الذي ليسَ فيه إنْسٌ ولَا شيءٌ؟ فَقالَتْ له ذلكَ مِرَارًا، وجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، فَقالَتْ له: آللَّهُ الذي أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ نَعَمْ، قالَتْ: إذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ حتَّى إذَا كانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، ورَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: رَبِّ {إنِّي أَسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ} حتَّى بَلَغَ {يَشْكُرُونَ}-(إبراهيم: 37) }

(صحيح البخاري)

السيدة هاجر رضي الله عنها كانت أستاذة اليقين، لما تركها إبراهيم عليه السلام وابنها عند بيت الله المحرَّم.

بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
(سورة إبراهيم: الآية 37)


الله لا يضيع أهله
الله لا يضيع أهله
(فَقالَتْ: يا إبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهذا الوَادِي، الذي ليسَ فيه إنْسٌ ولَا شيءٌ؟ فَقالَتْ له ذلكَ مِرَارًا، وجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا) لأنه أبٌ يحب زوجته ويحب ابنه ولا يريد أن تنازعه نفسه للعودة إليهما فيخالف أمر الله عز وجل، فجعل لا يلتفت فلما ألحَّت عليه وهي تقول: إلى من تتركنا (وجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، فَقالَتْ له: آللَّهُ الذي أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ نَعَمْ، قالَتْ: إذَنْ لا يُضَيِّعُنَا) فالذي أمر بهذا الأمر لن يضيع من ينفذ هذا الأمر، فإن الله لا يضيع أهله.
إذاً (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ) هذا المعاد إما مكة المكرمة، وإمَّا معاده إلى الآخرة في جنة الخلد.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.