تاملات في : إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا

  • إذاعة القرآن الكريم - برنامج الموجة المفتوحة
  • 2020-03-27

تاملات في : إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا


المذيع :
خواطر إيمانية ، ونافذة من الأمل من خلال التأمل في هذه الآية الكريم :

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
(سورة الشرح : الآية 5)

نستمع إلى هذه التأملات من الدكتور بلال نور الدين من سورية ، مُعد ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية ، ودكتوراه في الفقه المقارن ، المشرف العلمي على موقع وأعمال الدكتور محمد راتب النابلسي، تفضل دكتور.

الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أخوتي مستمعي إذاعة القرآن الكريم من نابلس والإذاعات المشاركة في هذا البث الموحد أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات ، يقول تعالى في كتابه الكريم :

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
(سورة الشرح : الآية 5-6)


بذور اليُسْرِ موجودةٌ في الْعُسْرِ نفسه
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ) وليس بعد (الْعُسْرِ) وفي هذا إشارةٌ لطيفة إلى أن بذور اليُسْرِ موجودةٌ في الْعُسْرِ نفسه ، فلابد أن يأتي اليسر ، ولابد أن يأتي الفرج ، إن السوداوية واليأس والقنوط والإحباط ليس من الإيمان في شيء ، قال تعالى :

إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ
(سورة يوسف: الآية 87)

اليأس ليس من الإيمان في شيء
فاستبشروا خيراً وأَمِّلوا خيراً من خالقكم ومولاكم جل جلاله ، المؤمن قريبٌ من الله تعالى ، إذا حلت الأزمة فإنه يلتجئ إلى ربه ويتضرع إليه وهذا منبع سعادته واطمئنانه ، قال تعالى:

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ
(سورة المعارج: الآية 19-20-21-22)

الصلة بالله تقوِّي المؤمن
فالمصلي الذي يتصل بربه ويحسن علاقته بالله عز وجل لا يمكن أن يهلع ، فهو متماسكٌ في الأزمات وفي غير الأزمات ، هو قويٌّ بربه ، يعتز بدينه ، يعتز بمبادئه ، يرجع إلى ربه ويؤوب إليه عند كل ملمَّة في الرخاء وفي الشدة .

الأخذ بالأسباب والالتزام بالتعليمات
ضرورة الأخذ بالأسباب
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه : " وجدنا ألذ عيشنا في الصبر " ، لأن الصابر يعيش قيمةً إيمانيةً عظيمة حينما يعيش الرضا عن الله عز وجل ، فيرضى بما أراده الله تعالى ولا يترك الأخذ بالأسباب ، وإنما يتخذ الأسباب كلها ويلتزم التعليمات تعبداً لربه والتزاماً بأمر ربه ، لكن توكله يكون في كل حال على رب الأسباب جل جلاله ، فهو يأخذ بالأسباب ثم يتوكل على رب الأرباب .

{ يَقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه : كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُعجبُهُ الفَألُ الحسَنُ، ويَكْرَهُ الطِّيرةَ }

(أخرجه ابن ماجه بسند صحيح)

الفرج والنصر يكون بعد الامتحان
فالإنسان المؤمن يستبشر خيراً ، ويُؤمِّلُ خيراً ، ويرجو خيراً من خالقه لأن الله عز وجل ما عنده إلا الخير، ولكنه امتحانٌ يمتحن الله تعالى به صبرنا، ويمتحن به الله إيماننا، ويمتحن الله به تمسكنا بثوابتنا وبقيمنا ، وبعد ذلك إن شاء الله يأتي التمكين ويأتي الفرج ويأتي النصر ويزول الهم والغم ويبتعد المرض وتبتعد الفيروسات وتعود الأمور إلى طبيعتها بعد أن تؤدي المطلوب منها ، فهي جنديٌّ من جنود الله ، ويخرج المؤمن منها منتصراً لدينه ، معتزاً بقيمه ومبادئه ، فينجح في الاختبار وهذا هو المطلوب ، علينا أن نتماسك وأن نتكاتف وأن نتخذ الأسباب وأن نحسن التوكل على رب الأرباب وألا ندع لليأس مجالاً أن يجتاح قلوبنا ، أو للهلع أن يعصف بنا فنحن مؤمنون بالله ، نحن متوكلون على الله ، والمتوكل على الله قد اعتمد على القوي الغني الشافي الذي بيده كل شيء فلا يمكن أن يتضعضع، ولا يمكن أن يهلع، ولا يمكن أن يجزع، وإنما يتخذ الأسباب تعبداً لخالقها وقلبه موصولٌ بالله متعلقٌ بالله ، يعلم أنها محنةٌ سيكون وراءها منحةٌ عظيمةٌ من الله ، وأنها شِدَّةٌ سيكون بعدها شَدَّةٌ إلى الله ، ونسأل الله السلامة والعافية لجميع المسلمين ولإخوتنا الأحباب في فلسطين الحبيبة .
أخوكم ومحبكم بلال نور الدين