ماذا علمنا رمضان؟

  • خطبة عيد الفطر
  • 2019-06-05
  • مسجد زياد العساف في عمان

ماذا علمنا رمضان؟


دروس رمضان:
1 ـ أن نذوق حلاوة القرب من بارئنا:
علمنا رمضان أن نذوق حلاوة القرب من بارئنا
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ما أشرقت شمس هذا اليوم الأغر، الله أكبر ما صام الصائمون وقام القائمون، الله أكبر ما عنت الوجوه للحي القيوم، الله أكبر ما اعتمرَ المعتمرون وتصدق المتصدقون، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلاً، الحمد لله نحمده، ونستعينُ به، ونستهديه، ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
وبعد أيها الأخوة الأحباب؛ فقد انقضى رمضان، وقد تعلمنا منه دروساً، علمنا رمضان أن نذوق حلاوة القرب من بارئنا، ورب رمضان هو رب جميع الشهور والأيام، فمن أراد أن يذوق حلاوة القرب فليجعل في حياته كل يوم رمضان، فرب رمضان موجود في كل شهر أيها الأحباب.

2 ـ المحافظة على الصلوات والقربات:
انقضى رمضان وقد علمنا أن نحافظ على الصلوات والقربات، وأن نقوم بالليالي لطاعة الله عز وجل ربنا وخالقنا.

3 ـ الانتصار على النفس:
انقضى رمضان وقد علمنا أن الانتصار على النفس ممكن في كل وقت و آن، فقد انتصرنا على أنفسنا في رمضان بمعونة الله وتوفيقه، فنحن قادرون في كل يوم أن ننتصر على أنفسنا وشهواتنا.

4 ـ ملازمة القرآن وعدم هجره:
انقضى رمضان وقد علمنا أن نلازم القرآن، وألا نهجره، وأن نجعله منهجاً في حياتنا، وسلوكاً قائماً في كل مناحي الحياة.

5 ـ الإكثار من العمل الصالح والطاعات:
انقضى رمضان وقد علمنا أن نكثر من الأعمال الصالحات والطاعات والقربات.

الفرح بالعيد فرح مشروع:
جاء العيد والعيد فرحة، والعيد فرحٌ بطاعة الله قال تعالى:

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
[سورة يونس]

فالفرح بطاعة الله مطلوب، والفرح بطاعة الله أمرٌ في كتاب الله تعالى، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:

{ ....لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ - وهذا يوم الجائزة ويوم الفرح - وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ }

[مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

الفرح بالعيد مشروع
الفرح بالعيد أيها الأخوة مشروع، حينما يكون فرحاً بالطاعة فلا يعقل ولا يقبل أن نفرح بطاعة الله عن طريق معصيته، فالخروج من رمضان لا يعني بحال الخروج من الطاعة، ولكنه يعني الخروج من طاعة والدخول في طاعة أخرى، ولكل طاعة طعم، طعم الطاعة في رمضان طعم الصبر والإمساك عن الطعام والشراب والمفطرات، وطعم الطاعة في العيد هو طعم الفرح، وكلاهما طاعة، فالصبر طاعة والفرح طاعة، وبعيداً كل البعد عن مقصد العيد، من يقضي العيد في معصية الله، أو يفوت فيه الصلوات، أو يجلس فيه الجلسات التي لا ترضي الله عز وجل، أو يتابع فيه من المناظر ما لا يجوز أن يتابعها، مثل هذا الشخص لم يفقه حقيقة الصيام، ولم يفقه حقيقة العيد، ولم يفقه حقيقة الفرح، الفرح بالعيد أيها الأحباب مطلوب عندما يكون فرحاً للجميع، عندما نتعاون ونتكاتف ونتكافل ونصل أرحامنا ونتعاون على الخير، ففي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم:

{ إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم من طعام في إناء واحد ثم اقتسموه بينهم بالسوية، فأنا منهم وهم مني }

[أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري]

فلنجمع طعامنا في إناء واحد، ولنجمع شرابنا في إناء واحد، ولنجمع مالنا في إناء واحد، ولنجمع آلامنا وآمالنا في إناء واحد ثم نتقاسمها بيننا بالسوية، فإذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، وأسعدُ الناس من أسعدَ الناس، هذا هو الفرح بالعيد أيها الأحباب، وهذا هو المفهوم الذي أراده الله تعالى للعيد، هو عودة إلى الله، هو صلح مع الله، قال تعالى:

وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
[سورة البقرة ]

وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ أي عدة رمضان، والحمد لله أن أعاننا ووفقنا فأكملنا عدتنا، والحمد لله أن وفقنا فصمنا شهرنا، والحمد لله أن أعاننا فقمنا شهرنا، (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ) في هذه الصبيحة المباركة (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) أي على ما هداكم في رمضان من القربات والطاعات، فالتكبير هنا هو التعبير عن شكرنا لله تعالى على هدايته لنا في مضان، فلا يعقل ولا يقبل أن يقضى العيد وما بعد العيد بعيداً عن أجواء الطاعة في رمضان.

وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
[ سورة البقرة ]

إذا أيها الأحباب؛ فرحة العيد طاعة، فرحة العيد تكبير، فرحة العيد شكر، فرحة العيد إظهار لشعائر الله عز وجل في طاعة الله عز وجل.

الفرح مشروع عندما يكون بفضل الله وبرحمته:
أيها الكرام؛ إن الله تعالى في كتابه الكريم ينهى عن الفرح حيناً، ويأمر بالفرح حيناً آخر، وكأن الإسلام العظيم لم يكتف بضبط سلوكات الإنسان، ولكنه تعداها إلى ضبط مشاعره الداخلية، فالحزن له مكانه، والفرح له مكانه، والحزن ورد منهياً عنه في القرآن:

لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ (40)
[سورة التوبة]

أما الفرح فقد ورد مأموراً به حيناً ومنهياً عنه حيناً آخر، قال تعالى:

إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
[سورة القصص]

فحينما يكون الفرح بمعصية فقد نهى عنه القرآن الكريم، لكن عندما يكون الفرح في طاعة الله كمثل قوله تعالى:

وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ (36)
[سورة الرعد]

يفرحون بالوحي ويكون الفرح مشروعاً عندما يكون بفضل الله وبرحمته:

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)
[سورة يونس]


دروس العيد:
صلة الأرحام واجبة
جاء العيد ليعلمنا أن صلة الأرحام واجبة، وأن تفقد أحوالهم قربةٌ إلى الله تعالى، وأن الرحمة شجنةٌ من الرحمن، قال الله: من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته، جاء العيد ليعلمنا أن نرُدد الله أكبر بألسنتنا، وأن تنبهر بها قلوبنا يقيناً، وأن تصدقها أعمالنا، فمن يقول: الله أكبر بلسانه فإنه لا يعصي خالقه، لا يؤذي مخلوقاً من مخلوقاته، فإن فعل فإن كلامه الله أكبر ليس في محله، الله أكبر أي الله أكبر فوق الشهوات، وفوق الشبهات، وفوق كل شيء.
جاء العيد ليعلمنا أن نستذكر إخواناً لنا في مشارق الأرض ومغاربها ما أصابهم من الفرح ما أصابنا فنتذكرهم بدعوة صالحة، ونستذكرَهم بمد يد العون لهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
العيد يعلمنا أن نتفاءل
جاء العيد ليعلمنا أن نثق بموعود الله، فالفرح والتفاؤل مطلوب بيننا، وإن أشد ساعات الليل حلكة وظلمة هي الساعات التي تسبق بزوغ الفجر، فالعيد يعلمنا أن نتفاءل، وأن نستشرف المستقبل تفاؤلاً مدروساً لا تفاؤلاً ساذجاً، تفاؤل مع العمل لا تفاؤل مع الكسل، فهذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وقد أصابها على مدار التاريخ نكسات ونكبات فنامت لكنها لا تموت، الأمة الإسلامية تنام لكنها لا تموت، ومحال أن تموت، لأن اسمها ارتبط باسم الإسلام، والإسلام باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمهما اشتدت الكروب، وادلهمت الخطوب، فإننا نثق بموعود الله تعالى لنا، ولكن نقلق على أنفسنا في أن نكون جنوداً للحق، أو نسأل الله السلامة أن نكون في خندق آخر وهذا ليس من شأن المؤمنين.
أيها الكرام؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و وزِّنُ أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذُ حذرنا الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني أستغفر الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمداً وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم برحمتك عمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راض عنا، اللهم تقبل منا شهرنا، اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا، اللهم بفضلك ورحمتك أدخل الفرح والسرور إلى قلوب المسلمين، اللهم اشف كل مريض، وعاف كل مبتلى، اللهم بفضلك ورحمتك فرج عن أخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج عن أخواننا في فلسطين، اللهم انصر أخواننا المرابطين في المسجد الأقصى على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم بفضلك و جودك وكرمك فرج عن اخواننا في الشام وفي العراق وفي مصر وفي كل مكان يذكر اسمك فيه يا الله فرج عاجل غير آجل، اللهم بجودك وكرمك اجعل لنا من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً، اجعل اللهم هذا البلد آمناً رخياً سخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، ووفق اللهم أمير البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وكل عام وأنتم بخير.