قصة نحن بحاجتها اليوم

  • 2017-09-08
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

قصة نحن بحاجتها اليوم

يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟! وكيف نضِل في هداك؟! وكيف نذِل في عزك؟! وكيف نُضام في سلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟!
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد:

قصة نحن بحاجتها اليوم (قصة أصحاب الأخدود):
سورة البروج تروي قصة أصحاب الأخدود
فيا أيها الإخوة الكرام؛ في كتاب الله سورة تحكي قصة؛ أما السورة فهي سورة البروج وأما القصة فهي قصة أصحاب الأخدود، سورة البروج أيها الإخوة في الجزء الثلاثين من كتاب الله تعالى تحكي قصة نحن بحاجتها اليوم هي قصة أصحاب الأخدود؛ جماعة من المؤمنين الموحدين قبل الإسلام ابتلوا بفئة طاغية باغية تحكمت فيهم، هذه الفئة الطاغية الباغية أرادت ثنيهم عن عقيدتهم وأن تردهم عن دينهم فأبوا، وتمسكوا بعقيدتهم ولم يلينوا ولم يستجيبوا، فما كان من هذه الفئة الباغية الطاغية إلا أن حفرت لهم شقاً في الأرض عظيماً وأوقدت فيه ناراً عظيمة، ثم وضعتهم و أحرقتهم وهم أحياء على مرأى من الجموع ليشهدوا عذابهم وينظروا مصيرهم، وهم يتلذذون برؤيتهم وهم يحترقون؛ هذا ما كان، سورة البروج تروي هذه القصة، تبدأ السورة بقسم يلفت النظر، يشد الانتباه:

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ(1)
(سورة البروج)

هذه السماء العظيمة بما فيها من أبراج وبروج هائلة، ونجوم بالملايين ونجوم بأحجام فلكية تبعد عنا ملايين السنوات الضوئية، هذه السماء التي بناها الله.

وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَيْيْدٍۢ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
(سورة الذاريات)

يقسم الله بها في مفتتح سورة البروج (وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ):

وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ (2)

خالق هذه السماء بهذه العظمة وهذا الهول اللامتناهي هو -جلَّ جلاله- من سيجمع الناس ليوم لا يخلف الله فيه الميعاد (وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ).

كمال الخلق يدل على كمال التصرف:
كمال الخلق يدل على كمال التصرف، هل يُعقل أن يخلق الله -عزَّ وجلَّ- سماء بهذه العظمة ثم لا يحاسب عباده، فيذهب المجرم بإجرامه، ويذهب المظلوم بظلمه، هل تصدقون هذا؟! أيُعقل أن تُخلق سماء بهذه العظمة ثم لا يكون يوم موعود أعظم من عظمة هذه السماء بما فيها؟! هذا من المستحيل (وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ* وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ).
لا بدَّ من يوم آخِر تُسوّى فيه الحسابات
لا بدَّ من يوم آخِر تُسوّى فيه الحسابات، ولا بدَّ من إيمان يقيني به وإلا أصبحت الحياة جحيماً لا يُطاق، كيف والمسلم يرى بعينه كل يوم ظالماً يتحكم بمظلوم، وقوياً يتحكم بضعيف، ثم تذهب الأمور سدًى -حاشا لله وكلا-، (وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ* وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ).

وَشَاهِدٍۢ وَمَشْهُودٍۢ(3)

هذا اليوم سوف تشهده الخلائق كلها؛ إنسها وجنّها كل الخلائق حتى الحيوانات سوف تشهده، هذا يوم مشهود فيه أحداث عظيمة سوف تُشهد، فيه نار، فيه جنة، فيه حساب، فيه صراط لا بدَّ منه، ولا بدَّ أن تؤمن به إيماناً يقينياً، ما جواب القسم؟

قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ(4)

بمثل عظمة السماء، وعظمة اليوم الموعود كانت عظمة هذا المشهد، ثم أيُعقل أن هؤلاء الذين قتلوا في الأخدود، وشُق لهم هذا الشق العظيم وأُحرقوا فيه، أيُعقل أن خالق السماء وجامع الناس ليوم موعود لا يعلم بذلك؟! حاشاه -جلَّ جلاله-، (قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ) ما حصل ذلك إلا بعلم الله، وما حصل إلا بحكمة أرادها الله، ولن يمر دون عقاب (قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ) هذا جواب القسم.

ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ (5)

أوقدوا لهم ناراً عظيمة.

إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)

وجلسوا يتلذذون بمناظرهم وهم يحرّقونهم.

وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)

ينظرون إلى ما يفعلون بهم، وكيف يسومونهم سوء العذاب، الموطن الشاهد في السورة بل الآية المفصلية -إن صح التعبير-.

وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ (8)

العزيز هو الذي لا يُنال جانبه
لم يكن لهؤلاء من جرم، ولم يكن لهؤلاء من خطيئة، ولم يكن لهؤلاء من شيء يستحقون عليه العقاب إلا أنهم أعلنوا إيمانهم بالله تعالى؛ العزيز الذي لا يُنال جانبه؛ الحميد الذي تحمده كل الخلائق رغماً عن أنوف هؤلاء الذين يصلون المؤمنين سوء العذاب، (وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ) هذه هي جريمتهم، وتلك هي خطيئتهم أنهم أعلنوا إسلامهم وأرادوا أن يتمسكوا بدينهم، ولم يحدهم عن دينهم لا سياط الجلادين اللاذعة ولا سبائك الذهب اللامعة، لا إغراء صدهم عن دينهم، ولا عذاب أليم صدهم عن دينهم، ففضّلوا حريق الدنيا على حريق الآخرة (وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ).
وهذا الإله العظيم الذي له ملك السماوات والأرض، لا تتوهم أن هؤلاء يملكون ولو أنهم شقوا شقاً في الأرض وأحرقوا فيه المؤمنين، لا تتصور أن لهم المُلك أبداً، هم في ملك الله، وفي قبضته، وبعلمه، وبقدرته، و بحكمته، وبقوته، وبجبروته- جلَّ جلاله-.

ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ (9)

الله يملك السماوات بما فيها والأرض بما فيها
كلنا يملك، أنت تملك بيتك لكن هل ملكك عليه ملك تام؟ لا، هل تملكه خلقاً، هل أنت بنيته؟ لا، هل تملكه مصيراً، هل مصيره إلى الأبد بيدك؟ لا، إما أن تفارقه أو يفارقك، فملكك ناقص، ثم إن ملكت ما ملكت، من يملك أكبر ثروات في الأرض ما الذي ملكه؟ ذرة من مجرة، لم يملك شيئاً، لكن الله يملك السماوات بما فيها والأرض بما فيها، هو المالك -جلَّ جلاله- هو الملك (ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ) هو مطلع -جلَّ جلاله-، -جلَّ جلاله-ينظر إلى أصحاب الأخدود وهم يُحرّقون، وينظر إلى الطغاة وهم يتلذذون بمرأى تعذيبهم، المشهد في علمه، ألا يطمئنك ذلك (وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ)؟! ألا يخفف من غليانك؟! ألا يجعلك في ارتياح لأنك تعيش في كون يشهد الله على كل ما فيه؟! (وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ).

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ (10)

وليس هناك فتنة أعظم من فتنة الدين على الإطلاق.

وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ (191)
(سورة البقرة)

لذلك أيها الإخوة أقول: (وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ)، هؤلاء المؤمنون الموحدون أصحاب الأخدود لو أنهم فُتنوا عن دينهم، وأعلنوا استسلامهم لهذه الفئة الطاغية، وخرجوا من دينهم، ومن إيمانهم، ومن توحيدهم، ومن وقوفهم مع الحق، لو أنهم فعلوا ذلك ألم يكن ذلك أعظم فتنة عليهم من حريق النار، وحريق الأخدود؟ بلى، لِمَ؟ لأن فتنتهم في دينهم ستعرضهم لنار جهنم يخلدون فيها، لكن ثباتهم على الحق عرضهم لدقائق يحترقون فيها ثم تكون لهم جنات الخلد، فأيهما أعظم؟ (وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ).

الفروقات بين حريق الدنيا وحريق الآخرة:
حريق الدنيا وحريق الآخرة
أيها الإخوة الكرام (وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ*ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ* إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ) دائماً يفتح الله نافذة رحمته (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ) جهنم فيها عذاب وعذابها متنوع نفسي وجسدي وما إلى ذلك، لكن الله عطف عليها وقال: (وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ) تأكيداً ومماثلة لما فعلوا بالمؤمنين في الدنيا، ولكن أي حريق من حريق؟! حريق الدنيا بنار يوقدها الخلق، لكن حريق الآخرة بنار يوقدها الخالق.

نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ (6)
(سورة الهمزة)

حريق الدنيا لحظات وتنتهي على ما فيه من بلاء، لكنها لحظات وتنتهي، وحريق الآخرة آبادٌ لا يعلمها إلا الله، أي حريق من حريق؟! حريق الدنيا وهنا أعظم شيء معه رضا الله عن المؤمنين، حريق لكن معه رضا؛ رضا الله عليه المؤمنين، لكن حريق الآخرة معه غضب الله، فأي حريق يختارون؟ اختاروا حريق الدنيا، أيها الإخوة الكرام؛ (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ) وفي المقابل:

إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ (11)

الكبير يصف الفوز بأنه كبير، الكبير -جلَّ جلاله- يقول لك: (ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ) أما ما فعلوه في الدنيا هؤلاء الطغاة والقساة ليس فوزاً، يظنون أنهم انتصروا وأمامهم نار لا يعلم آبادها إلا الله، أيظنون أنهم انتصروا وبعدها نار معها غضب وسخط من الله، أي نصر هذا؟! الفوز الكبير هو فوز الجنان، والخسران المبين هو خسارة الجنان، (ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ).

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)

هذا التعقيب النهائي على السورة.

إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)

وفي كل لحظة من لحظات الحياة يبدئ الله ويعيد، هذا غير بداية الخلق وإعادة النشأة، هي سنة الحياة (يُبْدِئُ وَيُعِيدُ)، وما ذاك المشهد (قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ) إلا نقطة في بحر، لكن بعده يعيد الله الخير، ويعيد الفرحة، ويعيد الأمن والأمان لهؤلاء، ويعيد الخسران والبطلان على الطرف الآخر الذي طغى وبغى ونسي المُبتدى والمُنتهى.

وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ (14) ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ(15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(16)

الفعل بيده جلَّ جلاله
الفعل بيده -جلَّ جلاله- فإياك أن تتوهم أن هؤلاء الذين قتلوا أصحاب الأخدود قد فعلوا شيئاً بخلاف ما يريده الله، لكنها حكمته تارة ينصر المؤمنين، وتارة يُستضعفون بذنوبهم، ويقوي أعداءهم ثم يقويهم، وكلها في فلك الحياة تدور وفي حكمة الله، لكن العاقبة للمتقين (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ).

هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ(17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ(18)

وإذا شككت أو توهمت أنهم نجوا من عذاب الله، فتذكر من كان قبلهم.

بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍۢ (19) وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطٌۢ (20)

ختام السورة قد يُتوهم لوهلة أولى أنه بعيد قليلاً عن مضمونها لكنه في الحقيقة في صلبها.

بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ (21) فِى لَوْحٍۢ مَّحْفُوظٍ (22)

إذا أردت خبراً يقيناً فافتح كتاب الله، إذا رأيت المسلمين في بورما وفي غيرها من بقاع الأرض يتعرضون للأذى فافتح كتاب الله، إذا وجدت الحق وأهله قد استضعفوا (بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ*فِى لَوْحٍۢ مَّحْفُوظٍ)

لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِۦ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍۢ (42)
(سورة فصلت)

افتح كتاب الله يحكي لك القصة من مبدئها إلى منتهاها، يحكي لك القصة كاملة، أما عمرك كله فلن يسمح لك أن تعلم القصة كاملة لأنه مشهد ولكن الرحلة أطول من هذا المشهد؛ سنوات تعيشها، لكن الرحلة كاملة تجدها في كتاب الله، لكن الحقيقة المطلقة تجدها في القرآن المجيد المحفوظ من كل تغيير وتبديل، أما كلام البشر فكثير وكثير يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.

الخاتمة:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها الإخوة الكرام يقول -صلى الله عليه وسلم-:

{ مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }

(أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له عن النعمان بن بشير)

{ المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا }

(أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري )

الأقلية المسلمة في ميانمار تعاني من انتهاكات خطيرة
أيها الإخوة الكرام؛ ميانمار أو بورما دولة تقع بجانب الصين والهند، نسبة المسلمين فيها حسب بعض الإحصائيات- و دائماً الإحصائيات تكون تقريبية- 10% من نسبة السكان الذين يزيدون على50 مليون نسمة، دخل الإسلام لها بواسطة التجار العرب، مجموعة تجار عرب ذهبوا إلى بورما عاشوا فيها، ويقال: إن سفينتهم تحطمت عندها ونزلوا فيها فعلّموا الناس الإسلام، ونشروا فيها الإسلام، احتلها بعد ذلك الملك البوذي بودوباي عام 1784م، ثم احتلتها بريطانيا، وأخيراً نالت استقلالها في عام 1948م بشرط أن تُعطى الأقليات حقوقها بعد عشر سنوات، إلا أن الواقع يشير إلى أن الأقلية المسلمة في هذه البلاد تعاني من انتهاكات خطيرة جسيمة لا حصر لها من قتل وتعذيب وتشريد وحرق ونفي إلى غير ذلك واغتصاب للنساء، وكل ذلك موثّق بشهادات من يسمون أنفسهم حقوق الإنسان أو يسمون أنفسهم الأمم المتحدة هذا من طرفهم، ويبدو أن الإحصائيات أكبر من ذلك بكثير.
أيها الإخوة الكرام، المأساة كبيرة، و قصة أصحاب الأخدود مشابهة تماماً لما يحصل، المسلم أيها الإخوة الكرام من شأنه أن يتعاطف مع إخوانه في كل مكان، وأن يكون كاليد الواحدة معهم، وإن لم يصل إليهم بجسده فقد يصل إليهم بروحه، ليس من شأن المسلم أن ينشغل ساعات وساعات بمباراة كرة القدم وإخوانه يذبّحون، ليس من شأن المسلم أن يقيم حفلات بالملايين المملينة وإخوانه يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد والتعذيب، ليس من شأن المسلم ألا يدعو في صلاته وبعد صلاته وفي قيام ليله لإخوانه، ليظهر على الأقل أقل واجب منه في تعاطفه معهم، لا بدَّ أيها الإخوة أن نصحو من غفلتنا، أن نتوب إلى ربنا، أن نتضرع إليه، أن ندعوه، أن نقف مع إخواننا ولو بروحنا وقلبنا لعل الله -عزَّ وجلَّ- يطلع على حالنا، فيرضى عنا فيرفع عنا ما نزل بنا.

الدعاء:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك، اللهم بفضلك عُمّنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا و أغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعلي كلمة الحق و الدين، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين.
اللهم فرّج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرّج عن إخواننا المستضعفين في بورما، وفي الشام، وفي العراق، وفي فلسطين، وفي مصر، وفي اليمن وفي كل مكان يذكر فيه اسمك يا الله، اللهم ارفع الغمة عن هذه الأمة، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يُعزّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم بفضلك ورحمتك فرّج عن إخواننا ما أهمهم، وما أغمهم، أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم وآوي غريبهم، واجعل لنا في ذلك سهماً وعملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً، سخياً، رخياً، مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأدم عليه الأمن والأمان يا أرحم الراحمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة و قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.