المتاجرة في الدين

  • 2017-08-04
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

المتاجرة في الدين

يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك؟ والأمر كله إليك؟ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً؛ ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيا أيها الإخوة الكرام مع الخطبة السابعة لسلسة خطب بعنوان "أصلح لي ديني" انطلقنا في هذه الخطب أيها الإخوة من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح:

{ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي. }

(صحيح مسلم)

الخطأ في الدين، الخطأ في التدين، يؤدي إلى خسارة الأبد، أي خطأ في الدنيا نتيجته خسارة محتومة، إلا أن يخطئ الإنسان في تدينه فالنتيجة خسارة الأبد، نسأل الله العافية. لذلك:

{ يا ابنَ عمرَ ! دينُك دينُك، إنَّما هو لحمُكَ و دمُكَ، فانظُر عمَّن تأخذُ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا، و لا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا. }

(الألباني بسند ضعيف)

• أيها الإخوة الكرام، تحدثنا في خطب سابقة عن إصلاح التدين عندما لا ندخل الدين في حياتنا:

شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)
(سورة الشورى)

الدين حياة، الدين منهج، الدين ليس في المساجد فحسب، هو في الأسواق، وفي التجارة، وفي العمل وفي البيت وفي كل مكان ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾.
• ثم تحدثنا عن الدين عندما يفرقنا ولا يجمعنا أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ الدين يجمع ولا يفرق، يجمع على عبادة الله وحده، يجمع على المبادئ والثوابت، فحينما يفرقنا الدين فديننا يحتاج إلى إصلاح.
• ثم تحدثنا عن الدين عندما يصبح انتقائياً:

ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(85)
(سورة البقرة)

فنأخذ من الدين ما يسهل، وما يناسبنا، وما يناسب بيئتنا وثقافتنا، وندع منه ما يخالف أعرافنا وتقاليدنا، عندها يحتاج التدين إلى إصلاح.
• وتحدثنا في خطبة سابقة عندما يُوظَّف الدين لخدمة المصالح، ويوظف الدين لخدمة الطغاة والأقوياء، عندها يحتاج التدين إلى إصلاح.
• وفي الخطبة السابقة تحدثنا عن التجديد في الدين، وكيف أصبح التجديد في الدين مطية ينتقيها بعض دعاة التجديد ليهدموا الدين من داخله، ويفرغوه من ثوابته وقيمه، وتحدثنا عن التجديد بمعناه الحقيقي، وهو أن ننزع عن الدين ما علق به مما ليس منه، وأن نعيد له أنقه الأول كما كان في عصر الصحابة والسلف الصالح.

إصلاح التدين عندما يصبح الدين تجارة:
اليوم أيها الإخوة، ننتقل إلى إصلاح التدين عندما يصبح الدين تجارة، عندما يتاجر بعض طلبة العلم بالدين، وعندما يتاجر بعض الناس بالدين، فيتخذون الدين مطية لتحقيق تجارة، وصفقة خاسرة لا ترضي الله، يقول تعالى أيها الإخوة:

وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ(41)
(سورة البقرة)

البيع والشراء أهم ركنين في التجارة، وفي علم التجارة هناك صفقة رابحة وصفقة خاسرة، قد يتاجر الإنسان بصفقة فيربح، وقد يتاجر في أخرى فيخسر، والخسارة مؤلمة.

الصفقات الرابحة في الدين:
الصفقة الأولى:
مثال الصفقة الرابحة:

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)
(سورة التوبة)

هذه صفقة رابحة، تبذل نفسك ومالك في خدمة دين الله، وفي خدمة عباد الله، في دنيا محدودة قد لا تتجاوز السبعين أو الثمانين عاماً، ولك جنة الأبد، هذه أعظم صفقة رابحة، تقدم قليلاً، وتأخذ كثيراً.

{ ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ. }

(صحيح الترمذي)

كما في الحديث الشريف.

الصفقة الثانية:
صفقة رابحة أخرى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
(سورة الصف)

الإيمان ﴿وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾ وتقدم مالك لخدمة دين الله، وتقدم نفسك في خدمة دين الله، تبذل جهدك في خدمة دين الله ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾ هذه صفقة رابحة.

الصفقة الثالثة:
صفقة ثالثة:

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ(29)

كتاب الله بين أيديك، تقرأ فيه، تتلوه.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ ليس كل ما رزقناهم، مما، الزكاة 2.5% وصدقات، هذا الرزق متنوع ﴿وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ من مالهم، من خبرتهم، من علمهم، من وقتهم، من جهدهم، مما رزقناهم، من شتى أنواع الرزق.
﴿سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ أحياناً يكون الإنفاق في السر بيد الفقير، وأحياناً يكون علانية في حفل خيري.
﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ لن تخسر، هذه صفقة رابحة ثالثة.

الصفقة الخاسرة:
أما هنا في الآية في موضع استشهادنا:

اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(9)
(سورة التوبة)

هذه أعظم صفقة خاسرة في التاريخ أن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، يعطي كثيراً ويأخذ قليلاً، مثل الإنسان رأس ماله مليون دينار، ربح دينار، أنفق مليون دينار فجاءه دينار، ما أعظم خسارته! ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.
أيها الإخوة الكرام، دائماً الثمن يُدفَع مقابل السلع، إذا أردت أن تشتري منتجاً تدفع مالاً وتأخذ المنتج، هذه التجارة، لكن هنا في قول تعالى ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ انقلبت الآية تماماً، آيات الله سلعة غالية جداً، ينبغي أن تشتريها بنفسك، بروحك، بدمك، بمالك، بكل ما تملك، من أجل آيات الله، من أجل إعزاز دين الله، فإذا بهذا الإنسان يستخدم آيات الله يدفعها ثمناً، وهي سلعة غالية ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ يدفع آيات الله التي هي السلعة ليأخذ شيئاً رخيصاً من عرض الدنيا، هذا هو الاتجار بالدين.

علة تحريم الربا:
وبالمناسبة أيها الإخوة، والشيء بالشيء يُذكَر، لماذا حُرّم الربا؟ لأن الإنسان يجعل السلعة ثمناً، يعني المال في الأصل هو ثمن، فيجعله سلعة، يتاجر بالمال فيلد المالُ المالَ، فيتجمع المال في أيدٍ قليلة، وتُحرَم منه الكثرة الكثيرة، فيكون الفقر، والقتل، والإرهاب، وكل شيء من مفاسد المال، ومفاسد الدنيا يجتمع في الربا؛ لأن المال يلد المال، والأصل أن الأعمال تلد المال، توظف موظفاً، وتاتي بالخبراء، وتفتح شركة، وتأتي بالمنتجات وتبيعها وتربح وتخسر، فالمال يصبح متداولاً بين أكثر شريحة من الناس، أما في الربا فالمال يلد المال فتتوقف الأعمال، فتكون الطامات الكبرى ويتجمع المال في أيد قليلة وتُحرم منه الكثرة الكثيرة، لذلك في أحدث التقارير: 10% من سكان الأرض يملكون 90% من ثرواتها بسبب الربا، و90% من سكان الأرض يملكون 10% من ثرواتها، هذه طامة الربا.
هنا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، مثل الربا، جعلوا سلعة الله الغالية التي هي الجنة ثمناً.

المال عبدٌ مخلص لكنه سيد رديء:
أيها الإخوة الكرام، الاتجار بالدين مصيبة، "المال عبدٌ مخلص لكنه سيد رديء"، المال عبد مخلص؛ يخلص لك إذا كنت سيده، لكنه سيد رديء جداً، فإذا أصبح المال سيداً لك فهو أردأ سيد لأنه يتحكم بك تحكماً لا حدود له، فيجعلك تبيع دينك لأجله، أما إذا كان عبداً فهو عبد مخلص جداً، تستخدمه كما تريد، في طاعة الله، في العمل الصالح، في الخيرات، في المبرات، في الإحسان، هو عبدك حينما تنفقه في وجوه الخير، ولكن إن جمعه الإنسان وتكالب عليه، فإنه يشقيه ويمرضه لأنه أصبح خادماً للمال، ولم يكن المال خادماً له، في الحديث الصحيح أيها الإخوة الكرام:

{ بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتَّيسيرِ، والسَّناءِ والرِّفعةِ بالدِّينِ، والتَّمكينِ في البلادِ، والنَّصرِ، فمَن عمِلَ منهُم بعملِ الآخرةِ للدُّنيا، فليسَ لهُ في الآخرةِ مِن نصيبٍ. }

(أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي)

عمِلَ عمَل الآخرة للدنيا، سأضرب لكم مثالاً: إذا معك شيك ورقة نقدية بمليون دينار، واستخدمتها مسودة لتكتب عليها بعض الملاحظات خلفها، ثم مزقتها ورميتها في القمامة، أهكذا تُستخدم الورقة النقدية؟ أهذه قيمتها؟ يمكن أن تستخدم ورقة صغيرة بدلاً من هذه الورقة التي استخدمتها، هذا الذي يعمل عمل الآخرة للدنيا، يعني يصلي ليراه الناس، فيشتروا من متجره، يأتي إلى الصف الأول ليظنوا به الأمان، هذا عمل عمل الآخرة للدنيا، بئس ما صنع، عمل الآخرة عمل عظيم، عمل صالح لله، تقدمه لتلقى الله في جنة عرضها السماوات والأرض، فإذا بإنسان يستخدمه لشيء رخيص جداً، ما أسوأ ما فعل!
أيها الإخوة الكرام، أخرج ابن عساكر في تفسير قوله تعالى:

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(31)
(سورة البقرة)

قال: "علمه أسامي ألف حرفة من الحرف والمهن، ثم قال يا آدم قل لولدك –ونحن من أولاد آدم- إن لم تصبروا على الدنيا أو عن الدنيا، فاطلبوها بهذه الحرف"، تاجر بأي تجارة تريها من الحرف الحلال، "ولا تطلبوها بالدين"،
ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول:

{ علماءُ هذه الأمةِ رَجُلانِ : رجلٌ أتاه اللهُ علمًا، فبذله للناسِ، ولم يأخذْ عليه طَمَعًا، ولم يشترِ به ثمنًا؛ فذلك تستغفرُ له حِيتانُ البحرِ ودوابُّ البرِّ والطيرُ في جَوِّ السماءِ، ويَقْدَمُ على اللهِ سَيِّدًا شريفًا، حتى يُرافِقَ المرسلينَ، ورجلٌ أتاه اللهُ علمًا، فبَخِل به عن عبادِ اللهِ، وأخذ عليه طَمَعًا، وشرى به ثمنًا ؛ فذاك يُلْجَمُ بِلِجامٍ من نارٍ يومَ القيامةِ. }

(الألباني بسند ضعيف)


مظاهر استغلال الدين:
أيها الإخوة الكرام، كيف يشتري الإنسان بآيات الله ثمناً قليلاً؟ كيف يتاجر الإنسان بالدين؟

أولاً- الاستغلال السياسي للدين:
هناك تجارة سياسية، استغلال سياسي للدين، ونحن لا ندعو لفصل الدين عن السياسة، فالدين منهج حياة كاملة، لكن أن يُتَّخذ الدين مطية للمناصب السياسية، الدين ليس مطية، الدين يتحكم بالسياسة، لكن لا تحكمه السياسة كما يفعل بعض الناس، يستخدم الدين ليصل إلى مآربه السياسية.

ثانياً- الاستغلال الاقتصادي للدين:
أيضاً يُستغل الدين استغلالاً اقتصادياً، ونحن لا ندعو لفصل الدين عن الاقتصاد، فالدين منهج الحياة، لكن أن يُستغل الدين استغلالاً رخيصاً لتحصيل المال! ويُتنازل عن المبادئ والقيم في سبيل تحصيل المال! ويصبح طلاب العلم تجاراً فهذه مصيبة كبرى.

ثالثاً- الكهنوتية:
آخر شيء من مظاهر استغلال الدين، الكهنوتية "رجال الدين" نحن في ديننا لا يوجد رجال دين، أنا لست رجل دين، أنا طالب علم مثلكم، نتعلم ديننا معاً، لا يوجد في ديننا رجل دين، يعني كهنوت، هذا الرجل تأتي إليه كما في بعض الفرق الضالة، والفرق التي ما أنزل الله بها من سلطان، يأتون إليه بالمال، وهو يفتي لهم، لا يوجد في الدين رجل دين، كل الناس في الإسلام رجال دين، يحملون هذا الدين، وينفعونه، ليس هناك كهنوت في الدين
فعندما يستغل بعض الناس الكهنوت، ويستغلون عوام الناس بأن هذا الشيخ يفعل ويفعل، ويأتي إليه الناس، ويقوم بالرقية، ويفك السحر وما إلى ذلك، هذا الكهنوت ليس موجوداً في الدين، وهذا استغلال لا ننصح به.
أيها الإخوة الكرام، يقول الإمام الشافعي وبكلامه أختم: "لأن أتكسب بالرقص أهون من أن أتكسب بالدين".
لا تستغربوا، كلامه في محله، لأن أتكسب بالرقص يرقص فيعطيه الناس مالاً، والرقص مقابل المال أمر مهين جداً، فذهبت حرمته، فكيف يكون هذا؟ قال "لأن أتكسب بالرقص أهون من أن أتكسب بالدين"؛ لأن التكسب بالدين فتنة عظيمة ما أنزل الله بها من سلطان.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، رضي اللهم عن الصحابة أجمعين.

توضيح:
إخوتي الأكارم، في عجالة؛ التكسب في الدين لا يعني أبداً أن هناك مدرساً للتربية الإسلامية في مدرسة عامة أو شرعية، أو إماماً عينته وزارة، فيأخذ راتباً مقابل وقته الذي سخره، لا يقولن قائل هذا تكسب في الدين، هذا ظلم، مادام المسلم لا يتنازل عن مبادئه، من أين يعيش هذا الإنسان؟ مدرس تربية إسلامية من أين يعيش؟ إن لم يُفرض له راتب؟ بل هو أحق الناس بأن يُفرض له أجر يكافئ ما يقدمه للأمة، حتى لا يُفهَم الموضوع خطأ، لكن حينما يتنازل الإنسان عن مبادئه وقيمه ليحافظ على مكتسابته هذا التكسب بالدين، حينما يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، فيفتي بغير علم هذا تكسب بالدين، أو يفتي بعلم ولكن لإرضاء الناس، هذا تكسب بالدين، لكن حينما يتقاضى راتباً لقاء عمله فهذا لا يعد تكسباً بالدين، ولكنها وظيفة هي أعظم ما يتقاضى الإنسان عليه أجراً ليعلّم الناس، ويعلم الأجيال في مدارسهم كما ينبغي.

دعاء الختام:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك ونتوكل عليك.
اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا برحمتك إليك.
اللهم بفضلك عُمّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين.
اللهم حرر المسجد الأقصى من أيدي الغاصبين، اللهم رد المسجد الأقصى إلى ديار المسلمين، اللهم يا أرحم الراحمين انصر إخواننا المرابطين على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين، اللهم أمدهم بمددك، وثبتهم من عندك يا أكرم الأكرمين، وكن لهم عوناً ومعيناً، وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
اللهم بفضلك وكرمك فرّج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمهم وما أغمهم، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل عليهم من البلاء، فرج عنهم همهم يا أرحم الراحمين، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيّاً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأدم عليه الأمن والأمان برحمتك يا أرحم الراحمين في طاعتك ورضوانك، وفي تطبيق سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم.
ووفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.