المشهد الختامي

  • 2017-09-15
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

المشهد الختامي


مقدمة:
يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن شحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

عمر الإنسان لا يستوعب دورة المعركة بين الحق والباطل:
عمر الإنسان لا يستوعب دورة المعركة بين الحق والباطل
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: عنوان خطبتنا اليوم: المشهد الختامي ذلك أيها الإخوة أن حكمة الله تعالى شاءت أن يكون عمر الإنسان قصيراً، وبذلك فإن عمره لا يمكن أن يستوعب دورة المعركة بين الحق والباطل، فينقضي عمره ولمّا يجد مظلوماً قد أخذ ظُلامته، أو ظالماً قد نال عقابه، أو قاتلاً قد كُشفت جريمته، أو خائناً قد فُضحت خيانته، عمره قصير، والمعركة بين الحق والباطل طويلة، أمدها طويل، فكيف لعمره أن يستوعب دورة الحق والباطل؟

لفتات تبين هذه الحقيقة:
من هنا أيها الإخوة الكرام فقد بيّن الله عز وجل في قرآنه الكريم هذه الحقيقة فقال مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم:

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46)
(سورة يونس)


اللفتة الأولى:
وفي هذه الآية لفتات أربع؛ الأولى أن المخاطب في هذه الآية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم، المخاطب هو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وخير الناس، وخير الخلائق، ومع ذلك فقد لا يُتاح لك أيها النبي الكريم أن ترى مصير هؤلاء المجرمين، وقد تأتي ساعة الوفاة وتنتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن ترى بعينيك مصرعهم، وترى نتيجة ضلالهم وطغيانهم، ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾.
فإذا كان غير متاح لنبي الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يرى كثيراً من نتائج عمله، وكثيراً من نتائج عمل المجرمين أليس هذا بلسماً لجراحنا؟ فمن نحن أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

اللفتة الثانية:
الثواب الكامل للجميع سيكون يوم القيامة
اللفتة الثانية: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ في كلمة "بعض" فما تراه هو بعض، هو بعض الجزاء لبعض المجرمين، وبعض الثواب لبعض المحسنين، لكن الثواب الكامل للجميع سيكون يوم القيامة، إذاً هناك مشهد ختامي لن يُتاح لك يا محمد صلى الله عليه وسلم ولا للناس من بعدك، ولا لأحد من الخلق أن يراه، إلا أن يقرأه في كتاب الله، فالله تعالى يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين والمجرمين ردعاً للباقين، لكن الترصيد النهائي للحساب سيكون يوم القيامة، يوم المحشر.

اللفتة الثالثة:
اللفتة الثالثة: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾في قوله ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ فما دام المرجع إلى الله، والمآل إليه، وهو أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين فلا تقلق، ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾.

اللفتة الرابعة:
الله هو الشهيد
اللفتة الرابعة في قوله تعالى ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ﴾ الله هو الشهيد، وهو المُطَّلع وهو الذي يرى ويشهد أعمالهم فلا تقلق.
الآية بلسم أيها الإخوة، شفاء:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
(سورة الإسراء)

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)
(سورة الأنعام)

فإذا كانت ورقة تسقط يعلمها، فما بالكم بقذيفة أو بصاروخ، ألا يعلمها جل جلاله؟ إذا كانت حبة في ظلمات الأرض يعلمها، فما أخفى البشر في الأرض من جرائمهم ألا يعلمها الله جل جلاله؟ ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ﴾.

المشهد الختامي الأول من سورة المطففين:
أيها الإخوة الكرام، سأضرب مثلين وأكتفي بهما من كتاب الله تعالى حول المشهد الختامي.
القصة الأولى:
الزمان: بداية الإسلام، صدر الإسلام، يوم بدأ الإسلام غريباً مُحارَباً.
المكان: بقعة في أرض الله الوسعة من أرض مكة الظاهرة.
الحدث: مجموعة مؤمنة مستضعفة تُسام سوء العذاب، يمر بها مجموعة من المجرمين، يضحكون استهزاءً بهذه المجموعة المؤمنة الطيبة، إما أنهم يضحكون لفقرهم ورثاثة حالهم، أو يضحكون لضعفهم عن ردّ الأذى، أو يضحكون لترفعهم عن سفاهتهم، يضحكون منهم، يزيدون ذلك فيتغامزون، بغمزة عين أو بحركة، بإسفاف ووضاعة وحقارة يستهزئون بهذه القلة المستضعفة المؤمنة الطاهرة، هذا المشهد الأول الذي رآه أهل مكة، قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ(29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
(سورة المطففين)

راضين بما فعلوا، مبتهجين بإساءتهم لهؤلاء المؤمنين، فكهين، يزيدون ذلك ضحكاً وسخفاً، فكهين، ثم الأغرب من ذلك والأعجب:

وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)

وما أعجب أن يتكلم الضال المجرم فيصف المؤمن بأنه ضال، ما أعجب ذلك ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ هم الضالون المنحرفون، يصفون المؤمنين الأطهار الأبرار بأنهم ضالون، ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾

وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)

ليسوا موكَّلين بهم، هذا المشهد الأول أيها الإخوة، الذي رآه أهل مكة، وفي الحديث الشريف:

{ إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ، إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ. }

(صحيح البخاري)

المشهد الختامي يصوره القرآن في آيات واضحة
فليس فيهم حياء يمنعهم أو يردعهم عن أذى هؤلاء المستضعفين، هذا المشهد أيها الإخوة الأول، لكن أين هو المشهد الختامي؟ يصوره القرآن لنا في آيات واضحة، هذه الآيات بلسم للآلام، تمسح الجراح، تقوي القلب، تزيده عزيمة وإصراراً على متابعة الطريق، اليوم يوم القيامة، يوم المحشر، يوم يُحشَر الخلائق جميعاً إلى رب العالمين، المؤمنون اليوم في جنات النعيم، متكئون على الأرائك التي أُعِدَّت إجلالاً وتكريماً لهم، يمر بهم اليوم هؤلاء نفسهم الذين كانوا يسخرون منهم في الحياة الدنيا، ويقولون إن هؤلاء لضالون، يمر بهم هؤلاء الذين كانوا يتغامزون في الدنيا، يمر بهم هؤلاء الذين كانوا يضحكون منهم إذا رأوهم في مجالسهم، هؤلاء نفسهم يمرون بهم، فما الذي يحصل؟ انقلبت الآية، فالضاحك أصبح مضحوكاً عليه، والمستهزِئ أصبح مُستهزَءاً به، قال تعالى:

فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34(
(سورة المطففين)


المشهد الختامي يجب ألا يغيب عن بال المؤمنين:
اليقين أقوى من رؤية العين
هذا المشهد الختامي أيها الإخوة الذي ينبغي ألا يغيب عن بالنا، إياكم أن يغيب عن بالكم المشهد الختامي لأنكم لا ترونه بأعينكم، قال أحد التابعين: "لقد رأيت الجنة والنار"، فصدم من حوله، قالوا له: "يا هذا انظر فيما تقول"، دقق في كلامك، الجنة والنار لا يراهما أحد، سنراهما يوم القيامة، انظر فيما تقول، قال: "والله لقد رأيت الجنة والنار" الله أكبر! قالوا: "كيف ذاك"؟ قال: "والله لقد رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لهما بعيني رسول الله أصدق عندي من رؤيتي لهما بعيني؛ لأن بصري قد يزيغ ويطغى أما بصره صلى الله عليه وسلم فـ:

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ(17)
(سورة النجم)

فأنت عندما تقرأ في كتاب الله المشهد الختامي إياك أن يخف اليقين عندك، بل يزداد؛ لأنه أقوى من رؤية العين، قال تعالى:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)
(سورة الفيل)

هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الفيل؟ لم يرهم بعينيه، لكن قال: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ لأن الله هو المتكلم، فخبر الله يقين أشد من الرؤيا، أشد من أن تراه بعينك.
الآن في المشهد الختامي يرويه لك ربنا وكفى به جل جلاله:

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا(87)
(سورة النساء)

يقول لك:

فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
(سورة المطففين)

يوم المحشر، انقلبت الآية.

عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35)
(سورة المطففين)

ثم يختم بخاتمة بديعة:

هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
(سورة المطففين)

تهكَّم بهم، ويأتي بلفظ "ثُوِّب" والثواب يكون في العادة للأمر الحسن، لكنه يتهكّم بهم كما كانوا يتهكّمون بالمؤمنين في الدنيا ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ هل أخذوا ثوابهم؟ نعم والله، وأي ثواب وأي عقاب نالهم!
أيها الإخوة الكرام، وحدها الآيات عندما تتأمل أن الله عز وجل يعلم معاناتك، أنت أيها المسلم الغريب، في أول الإسلام وفي آخره اليوم، وحدها الآيات عندما تروي المعاناة، وتعلم أن الله هو الذي يروي هذه المعاناة، وأن الله هو المطلع عليها، وأنه يرويها في كتابه بآيات محكمات، وحده ذلك كفيل بأن يدخل على قلبك السكينة والأمن والرضا والاطمئنان بوعد الله ووعيده.

المشهد الثاني من سورة الصافات:
استنكاف المشركين عن عبادة الله
أيها الإخوة الكرام، مشهد ثانٍ في سورة ثانية، هذه من المطففين، المشهد الثاني من سورة الصافات، أيضاً مجموعة لكنها مجرمة تستنكف عن عبادة الله، تستكبر، تعبد الأشخاص والشهوات من دون الله، يعين بعضها بعضاً، يتناصر البعض مع البعض الآخر على العدوان، يتعاونون، يتظاهرون، يكون بعضهم لبعض ظهيراً، يكذبون بيوم الفصل، يوم الدين، يتكلم الله عنهم في الآيات:

إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ(36)
(سورة الصافات)

هذا حالهم في الدنيا، يستكبرون عن عبادة الله، يتظاهرون، يتناصرون، يتعاونون، يتكاتفون على الباطل، يكذبون بيوم الدين، أما المشهد الختامي فاسمعوه من كتاب الله، يخاطبهم الله:

هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
(سورة الصافات)

جاء يوم الفصل:

۞ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ(22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
(سورة الصافات)

أيضاً في لفظ فاهدوهم تهكّم وسخرية، رفضوا الهداية في الدنيا إلى الصراط المستقيم فهُدُوا يوم القيامة إلى صراط الجحيم.

مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ(25)
(سورة الصافات)

ألم تكونوا متناصرين في الدنيا؟ اليوم أنتم أحوج إلى التناصر، اليوم أنتم أحوج إلى أن تقفوا مع بعضكم، كنتم تقفون جبهة واحدة ضد المسلمين، اليوم أنتم أحوج للتناصر مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ، لكن لا مجيب، فحالهم يشهد بما هم فيه

مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ(25)بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ(28)
(سورة الصافات)

ليوسوسوا لهم.

قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ۖ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
(سورة الصافات)

لم ينفعهم شيء، سيشتركون في العذاب جميعاً.

المشهد الختامي دافع للعمل على نصرة الدين:
أيها الإخوة الكرام، هذان مثلان، القرآن يطفح بهذه الأمثلة، ما عليكم إلا أن تنظروا فيها، هناك مشهد أول تدركه الأبصار، وهناك مشهد ختامي لا تدركه الأبصار، ولكن تدركه العقول المؤمنة المتيقنة، الواثقة من رحمة الله وعدله:

لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)
(سورة آل عمران)

لا تقلق على هذا الدين لأنه دين الله
وحينما يعلم المؤمن أيها الإخوة، أن المشهد الختامي آتٍ فهذا لا يعني أن يستكين، أو أن يقعد، أو أن يترك العمل، بل هذا يدفعه أكثر وأكثر أن يكون جندياً في نصرة الحق، فلا تقلق على هذا الدين لأنه دين الله، ولكن لنقلق على أنفسنا فيما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح أن نكون جنداً من جنوده، فعندما نقرأ المشهد الختامي ليس ذلك دافعاً لنا إلى الاستكانة والقعود، ولكنه دافع للعمل ليكون لنا سهم في نصرة هذا الدين الذي تكفّل الله عز وجل بحفظه وتأييده، قال تعالى:

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ(60)
(سورة الروم)

المشككون الذين لا يوقنون بوعد الله ووعيده، قد يستخفونك في طريقك إلى الله، يجعلونك خفيفاً، يقللون من شأنك، أنت أيها المؤمن خُلقت لجنة عرضها السماوات والأرض، خُلِقت لهذا اليوم الذي لا بد منه، والذي سيكون فيه حساب وعقاب وثواب، فاعمل له ما استطعت، ثم انتظر وعد الله ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكَيِّسُ من دان نفسَه وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاها وتَمَنَّى على اللهِ الأماني .استغفروا الله

دعاء:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضَى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهمّ هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك.
اللهم بفضلك عمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين.
وارزقنا اللهم حسن خاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين.
اللهم بفضلك ورحمتك اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، وأدم عليه اللهم الأمن والأمان برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج عنهم في فلسطين، وفي بورما، وفي الشام، وفي العراق، وفي كل مكان يُذكر فيه اسمك يا الله، اللهم فرجاً عاجلاً غير آجل، الله أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا ارحم الراحمين.
اللهم بفضلك ورحمتك وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى، وحد كلمتهم على الخير والهدى، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.