محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

  • 2017-11-24
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستهديه ونسترشده ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، غنى كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف ، فكيف نفتقر في غناك ؟! وكيف نضل في هداك ؟! وكيف نذل في عزك ؟! وكيف نضام في سلطانك ؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك ؟!
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آل سيدنا محمد ، وعلى أصحاب سيدنا محمد ، وعلى أزواج سيدنا محمد ، وعلى ذرية سيدنا محمد ، وسلم تسليماً كثيراً .

محبة رسول الله عقيدة ينبغي أن نعتقد بها يقيناً كلنا :
وبعد ؛ فيا أيها الأخوة الكرام ؛ الحديث اليوم ذو شجون ، حينما يكون الحديث عن أشرف المخلوقات ، وسيد الكائنات ، وحبيب رب الأرض والسماوات ، فإن له في القلب وقعاً ورهبة ، كيف لا وأنت تتحدث عمن وصفه ربه جلّ جلاله فقال :

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 4 )
[ سورة القلم ]

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة
أيها الأخوة الكرام : محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة ، فرض ، ليست من قبيل النفل ، ولا من قبيل الزيادة ، إنها في صلب ديننا ، محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيدة ينبغي أن نعتقد بها يقيناً كلنا ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه :

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين }

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ]

(( لا يُؤمن أحدُكم )) الإيمان الكامل ، الإيمان الذي لا يخالطه شك ولا ريب الإيمان الحقيقي (( حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين )) .
لكن ؛ لو سألت اليوم ملياراً ونصف مليون مسلم على وجه الأرض ، وقلت لهم : ألا تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من والدك وولدك والناس أجمعين ؟ لأجاب الجميع بلى ، رسول الله أحبّ إلينا من الناس أجمعين ، لكن المعنى في الحديث ليس ذاك ، المعنى أعمق ، المعنى حينما تتعارض محبة الخلق مع محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن تقدم في المحبة ؟ هل تقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة أولادك وزوجتك ومالك وشريكك أم تقدم محبة الشركاء على محبة رسول الله ؟ هذا هو المعنى ، حينما تتعارض مصلحتك المتوهمة مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا تقدم ؟ وأقول : مصلحتك المتوهمة لأنه لا مصلحة إلا في اتباع أمر رسول الله ، فأنت تتوهم مصلحتك في مال من مصدر غير حلال ، تتوهم أن في هذا المال مصلحة لك ، لكن في الحقيقة المصلحة الحقيقية في اتباع أمر الله ، فحينما يأتيك مالٌ من مصدر مشبوه ، فتركله في قدمك ، وتتبع أمر الله ، وأمر رسوله فأنت في ذلك حقاً رسول الله أحبّ إليك من المال .
وحينما تطلب منك زوجتك أمراً بمعصية الله فلا تنفذ طلبها إرضاءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت بذلك تقول : رسول الله أحبّ إليّ من زوجي وزوجتي .
وحينما تعرض لك فتنةً من فتن النساء فتغض بصرك عنها وتقول : أنفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت قلت حقاً وصدقاً : رسول الله أحبّ إليّ من الناس أجمعين ، هذا هو المعنى .

محبة النفس طبع ومحبة الآخر اختيار :
محبة الآخر اختيار
أيها الأخوة الكرام : عمر الفاروق رضي الله عنه جاء يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : لأنت أحبّ إليّ من كل شيء ، إلا نفسي ، هذه صراحة عمر ، إلا نفسي ، محبة النفس أيها الأخوة طبع ، أنت تسير ، أو تعبر الشارع ، فتأتي سيارة مسرعة فتعود فوراً ، هذا من محبة النفس ، ترى طعاماً طيباً تُقبل عليه ، هذا من محبة النفس ، تجد مبلغاً من المال فتأخذه ، هذا من محبة النفس ، فمحبة النفس طبع ، وليست تكليفاً ، لكن محبة الآخر اختيار ، فأنت تختار أن تحب الحق وتكره الباطل ، وقد يختار إنسان آخر أن يحب الباطل وأهله ، ويكره الحق وأهله ، هذا اختيار يحاسب عليه الإنسان ، أما محبته لنفسه فطبع مركوز في أعماقه لا يقدم ولا يؤخر .
فقال له : لأنت أحبّ إليّ من كل شيء إلا نفسي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا والذي نفسي بيده ، هذا ليس إيماناً كاملاً ، هذا ليس يقيناً كاملاً ، حتى أكون أحبّ إليك من نفسك ، بعد حين جاء عمر فقال : فإنه الآن والله أنت أحب إليّ من نفسي ، فقال صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر ، الآن حصل المطلوب .
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يريد من الناس أن يحبوه لحاجة في نفسه حاشاه صلى الله عليه وسلم ، ولكن لأن محبته فرع عن محبة الله ، لأنه رسول الله ، فأنت تحب محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه رسول من الله ، فمحبته مرتبطة بمحبة الله ، هذا هو الحب في الله ، الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، ما معنى ذلك ؟ كل من تحبه فتقربك محبته إلى الله فهذا توحيد .
في العمق أيها الأخوة ندخل في العمق ، الإنسان يحب أباه وأمه لماذا تحبهم ؟ صحيح أنهما كانا سبب وجودك ، صحيح أن لهما فضلاً عليك ، لكن سبب المحبة الأصلي لماذا ؟ لأن محبتهم تقربك من الله ، لأنهم إذا رضوا رضي الله ، وإذا سخطوا سخط الله ، هذا سبب المحبة الأصلي الذي في نواياك الحقيقة التي ترضي الله ، تحب زوجك لماذا ؟ صحيح أن لك مصلحة معها ، صحيح أنها زوجتك التي تعيش معها الحياة بحلوها ومرها ، لكن بالعمق لماذا تحبها ؟ لأن محبتها فرع عن محبة الله ، تحبها في الله ، والدليل : إن قالت لك زوجتك يوماً أمراً مثلاً تريد أن تخرج بغير حجاب في الطريق ، هل ترضى ؟ إن رضيت فأنت تحبها مع الله ، ولا تحبها في الله ، لأنك خالفت أمر الله إرضاءً لها فهذا حب مع الله ، وهو عين الشرك ، فنحن كل من نحبه من الخلق نحبه في الله ، لا مع الله ، وهذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

أمور تزيد من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1 ـ اتباع سنته :
الاتباع يزيد في المحبة
أيها الأخوة الكرام ؛ أمور تزيد في المحبة ، أمور تزيد في محبتك لرسول الله ، المحبة تبنى بناءً ، أنت تتعرف إلى شخص في اليوم الأول نقول لك : أحببته ؟ تقول : والله لا أحببته ولا كرهته ، الآن صافحته ، واليوم تعرفت عليه ، بعد يومين نقول لك : أحببته ؟ تقول : والله رأيت منه بعض الأخلاق الفاضلة ، ساعدني في شيء ، بدأت أحس بميل تجاهه ، بعد سنوات تقول : والله هذا أخي حقاً ، والله أحبه حباً جماً ، المحبة تبنى بناءً ، فإذا كان الإنسان مقصراً في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمكنه أن يبني هذه المحبة ، يمكنه ذلك ، كيف ؟ أولاً باتباع سنته ، فالاتباع يزيد في المحبة ، بل هو علامة المحبة ، قال تعالى :

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً (36)
[ سورة الأحزاب]

مع أمر رسول الله الخيار واحد فقط
لا خيار للمؤمن مع أمر الله ، وأمر رسوله ، الاتباع ، تتبعه ، ابن مسعود دخل يوماً إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يخطب بالناس ، فقال للناس : مكانكم اجلسوا ، كل واحد يجلس مكانه ، ابن مسعود كان خارج المسجد ، فلما سمع رسول الله يقول : مكانكم ، جلس خارج المسجد ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم ، قال : تعال يا بن مسعود ، ابن مسعود جلس في مكانٍ لم يؤمر بعد بالجلوس ، لأنه خارج المسجد ، لكنه عود أذنه أنها إذا سمعت أمراً من رسول الله ليس له الخيرة في تطبيقه ، التطبيق ، الخيار واحد هو التطبيق ، مع كل أمر لك خياران ، كيف تقول أحياناً مع والدي ليس لي إلا خيار واحد ، الإنسان مع والده ، مادام في طاعة الله طبعاً يقول لك : ليس لي إلا خيار واحد و لو لم أقتنع ، قال لي : اذهب وافعل كذا ، والدي ، مع أمر رسول الله الأمر أشد الخيار واحد فقط ، التطبيق الحرفي ، لا يوجد خيار اسمه لا أريد ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) .
أيها الأخوة الكرام ؛ بل إن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعله المولى جل جلاله علامة على محبة الله ، لا على محبة رسول الله فحسب ، انظروا إلى هذا المقام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)
[سورة آل عمران]

اتباع رسول الله يجلب محبة رسول الله ، ويجلب فوق ذلك محبة الله تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) .
الاتباع أيها الأخوة ؛ يعني :

مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
[ سورة الحشر]

إذا قلت لك : قال رسول الله ، انتهى الأمر .
الإمام مالك ، إمام دار الهجرة رضي الله عنه وأرضاه ، كان يأتيه قوم يطرقون الباب فتخرج إليهم الجارية ، تقول لهم : الإمام مالك يسألكم : تريدون الحديث أم المسائل ؟ أي تريدون سماع حديث رسول الله أم تريدون رأياً فقهياً في مسألة فقهية ؟ تريدون فقهاً أم حديثاً ؟ فإن قالوا : المسائل أي فتيا ، خرج إليهم فأفتاهم ، وإن قالوا : نريد الحديث ، قالت : ادخلوا ، فدخلوا ، فجلسوا ، فدخل مالكٌ إلى مغتسله ، فاغتسل ، وتطيب ، وخرج إليهم ، ولبس أجمل ما عنده ، ثم يجلس ، ويوضع البخور بين يديه ، فما زال يبخر بالعود ، رائحة طيبة ، فلما سُئل عن ذلك ؟ قال : أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خيار إلا الاتباع ، الاتباع ، ثم الاتباع ، ثم الاتباع ، نقتفي أثره ، نمشي على سنته ، سواءً وجدناها توافق مصلحتنا المتوهمة أم لا توافق ، سواءً قال لنا البعض : إن العصر عصر هذه التعليمات والتوجيهات قد ولى أم لم يقولوا ، لأن بعض الناس اليوم يحتال بالزمن ، يقول لك : زمننا شيء ، وزمنهم شيء آخر ، فيحل المحرمات بحجة الزمن .

2 ـ قراءة سيرته :
إذاً أول ما يزيد المحبة اتباع السنة ، وثاني ما يزيد المحبة قراءة السيرة .
أيها الأخوة الكرام ؛ النفوس جُبلت ، فُطرت ، بالمعنى الحديث ، المعنى الحاسوبي بُرمجت على حب الجمال ، والكمال ، والنوال ، أنت إذا نظرت إلى وردة جميلة ألا تحبها ؟ أنت إذا نظرت إلى موقف كامل وأنت على شرفة المنزل ، وجدت شاباً يحمل أغراضاً لرجل طاعنٍ في السن ، ويساعده ، ألا يجذبك هذا المنظر ؟ منظر كامل ، أنت إذا دفع إليك الإنسان بمساعدة مادية أو معنوية ألا تحبه ؟ إذاً ماذا يحب الإنسان ؟ يحب الجمال ، والكمال ، والنوال ، أي العطاء الذي يصله ، هكذا جُبلت النفوس .
النبي صلى الله عليه وسلم جميل أوتي الحسن كله ، حسن الخُلق ، وحسن الخَلق ، فإذا اجتماعا فهذا قمة الجمال ، والنبي صلى الله عليه وسلم فيه قمة الكمال البشري ، ما تقرأ موقفاً له إلا وتشعر بأنه موقف كامل ، لا يوجد فيه نقص .
لولا الرسول الكريم لما وصلنا الإسلام
والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من تفضل عليك وعليّ ، قمة الإحسان ، كمال وجمال ، ونوال ، فلولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصلنا الإسلام ، ولولاه صلى الله عليه وسلم لما كنا اليوم في هذا المجلس ننعم بنعمة الهدى والإيمان ، كمال ، وجمال ، ونوال ، فإذا قرأت سيرته صلى الله عليه وسلم ماذا ذقت ؟ ذقت الخوف ؟ خاف رسول الله .

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال }

[أخرجه الترمذي]

هل جعت ؟ جاع رسول الله (( ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال )) شيء من كسرات الخبز ، جاع رسول الله .
ذقت الضعف ؟ ذاق رسول الله الضعف ، ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام فضربه قومه ، أو قوم الطائف بالحجارة ، وأغروا سفهاءهم وصبيانهم ليرموه ، حتى جرحت قدمه وأوى إلى حائط من شدة ما لاقى من أذاهم ، ماذا ذقت ؟
ذقت القوة ؟ ذاق القوة ، دخل مكة فاتحاً وألوف السيوف تنتظر إشارة منه لتقضي على خصومه فعفا عنهم ، ماذا ذقت ؟
ذقت الفقر ؟ كم افتقر رسول الله صلى الله عليه وسلم !
ذقت الغنى ؟ اغتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءه أعرابي قال : لمن هذا الوادي ؟ واد من غنم ، قال : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال : لا والله هو لك ، قال : أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، ماذا ذقت ؟
ذقت فقد الولد ؟ نسأل الله السلامة ، ذاق رسول الله فقد الولد .
" إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا " .
ماذا ذقنا ؟ ذاق رسول الله أن يُتحدث ويُتكلم في سمعته ، وفي عرضه ، وفي زوجته أطهر نساء المؤمنين ، فصبر ، وانتظر الوحي ، واتخذ الموقف الكامل .
إذا قرأت سيرته ترى فيها قمة الكمال البشري
أنت إذا قرأت سيرته ترى فيها قمة الكمال البشري ، في كل موقف يتخذه رسول الله ، يجذبه أعرابي جذبة تؤثر حاشية ردائه في رقبته ، صلى الله عليه وسلم ، ويقول له : مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، يهب إليه الصحابة ، يقول : دعوه ، يعطيه ويقول له : هل أحسنت إليك ؟ حتى قال : نعم ، قال : اخرج إلى أصحابي وقل لهم شيئاً فقد وجدوا في صدورهم شيئاً عليك .
يدخل رجل إلى المسجد ليبول في مسجد رسول الله ، دعوه لا تزرموا عليه بوله هريقوا عليه ذنوباً من ماء .
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما رأيت معلماً أحسن منك ، كما يقول هذا الرجل الذي تكلم بكلام غير الصلاة داخل الصلاة ، والله ما كهرني ، ولا نهرني .
هذه أخلاق النبوة ، فأنت عندما تقرأ سيرته صلى الله عليه وسلم تزداد حباً له .

3 ـ استشعار فضله :
اتباع سنته ، وقراءة سيرته ، واستشعار فضله .

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
[سورة التوبة]

ألا تستشعر فضله عليك ؟

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)
[سورة الكهف]

( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ) مهلك نفسك ( عَلَى آثَارِهِمْ ) .

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
[ سورة الشعراء ]

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
[سورة فاطر]

إذا استشعرت فضله ورحمته بنا ازددت محبة له ، لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته .

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه : قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : كلُّ نبيّ سأل سؤالا - أو قال : لكل نبيّ دعوة قد دعاها لأمته ، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة }

[أخرجه البخاري ومسلم]

ألا تحبه وقد اختبأ دعوته ليشفع لك يوم القيامة بين يدي الله تعالى ؟

4 ـ الصلاة والسلام عليه :
أيضاً مما يزيد محبته الصلاة والسلام عليه :

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)
[ سورة الأحزاب]

الله يصلي على نبيه ، يثني عليه ، والملائكة يصلون على رسول الله ، فيدعون له ، نحن نصلي على رسول الله ثناءً ، وصلةً به صلى الله عليه وسلم لنزداد حباً له .

{ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البخيلُ مَن ذُكِرْتُ عِندَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ }

[أَخرجه الترمذي]

{ عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا علي الصلاة في يوم الجمعة فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته }

[أخرجه الحاكم ]

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ لِله تعالى مَلائِكة سَيَّاحِينَ في الأرضِ يُبَلِّغُوني من أُمَّتي السلامَ }

[أخرجه النسائي ]

صلوا على رسول الله .

5 ـ تمني رؤيته :
أيها الأخوة الكرام ؛ أخيراً مما يزيد محبتنا لرسول الله تمني رؤيته ، أن تتمنى أن تراه ، قال صلى الله عليه وسلم :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : من أشدّ أمَّتي لي حُبّا ناس يكونون بَعدِي يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله }

[أخرجه مسلم ]

يقدم أهله وماله ليراني .

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقدم عليكم قوم أرق منكم قلوبا فقدم الأشعريون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيهم أبو موسى فكان أول من أظهر المصافحة في الإسلام فجعلوا حين دنوا المدينة يرتجزون فيقولون غدا نلقى الأحبة محمداً وحزبه }

[أخرجه أبو يعلى والإمام أحمد وابن حبان ]

اتباع سنته ، وقراءة سيرته ، واستشعار فضله ، والصلاة والسلام عليه ، وتذكره ، وتمني رؤيته ، أفعال وأقوال تزيد من محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
اللهم ارزقنا حبك ، وحب رسولك .
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد .

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك يا مولانا سميع مجيب قريب للدعوات ، اللهم برحمتك عُمنا ، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا ، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا ، نلقاك وأنت راضٍ عنا ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين ، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة ، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا ، أنت حسبنا عليك اتكالنا ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير .
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين .
اللهم من أراد بالإسلام ودياره وأهله خيراً فوفقه لكل خير ، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسه يا أرحم الراحمين .
اللهم أَبرم لهذه الأمة أمر رشد ، يعز فيه أهل طاعتك ، ويهدى فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر .
اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مستظلاً بكتابك ، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد .
والحمد لله رب العالمين