عشر ذي الحجة
عشر ذي الحجة
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، وَنَعُوْذُ باِلله مِنْ شُرُوْرِ أنفُسِناَ وَمِنْ سَيّئِاَتِ أعَمَالنِاَ، مَنْ يهَدِه الله فلَا مُضِلَّ له، وَمَنْ يضلل فلَن تجدَ له وَليِّاً مُرْشِدًا، وَأشهَدُ أن لاَ إلِهَ إلِاَ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبرٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلمِّ وَباَرِكَ عَلىَ سَيّدناَ مُحَمَّدٍ وَعَلىَ آلِ سَيّدناَ مُحَمَّدٍ، وعلى أصحاب سيدنا محمدٍ، وعلى أزواج سيدنا محمدٍ، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وَسَلم تسليماً كَثيرا.ً |
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: نحن مقبلون على موسمٍ من مواسم الخيرات ومن مواسم الطاعات والبركات، وهذا الموسم أيها الإخوة؛ نفحةٌ من نفحات الله، والمؤمن يتعرَّض لنفحات الله، والمؤمن يُتاجر مع الله فلا يُضيِّع فرصةً يتقرب فيها من الله، ولا يُضيِّع فرصةً يعمل فيها عملاً يلقى به الله. |
تعريف العمل الصالح
أيها الإخوة الكرام: يقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن عباسٍ رضي الله عنهما: |
{ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ " يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: " وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ }
(رواه البخاري)
أيها الإخوة الكرام: العمل الصالح، ما العمل الصالح؟ حتى نحرر المصطلح، ما العمل الصالح؟ العمل الصالح أيها الإخوة؛ خلقنا من أجله، نحن خلقنا لنعمل الصالحات والدليل قوله تعالى: |
حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ(سورة المؤمنون: الآية 99-100)
فعند الموت لا يندم المؤمن إلا على عملٍ صالحٍ تركه، لأنك وُجِدْتَ في الأرض لتعبد الله وركنٌ رئيسيٌّ في عبادة الله أن تعمل عملاً صالحاً يقربك من الله. |
العمل الصالح هو ما يصلح للعرض على الله
|
كيف يكون العمل الصالح خالصاً ؟
أيُّ عملٍ تريد أن تعمله إن أردت أن تختبر صلاحه فقل: هذا العمل لمن أعمله؟ إن كان الجواب أعمله لله فقد تحقق الشرط الأول، أما إن كنت أعمله رياءً أو سمعةً أو فخراً أو حتى أكسِب ثناء الناس أو بنوايا أخرى خفيَّة فهذا العمل لا يصلح للعرض على الله، هذا ليس عملاً صالحاً، فالله تعالى لا يقبل العمل المشترك |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ }
(رواه مسلم)
الإنسانٍ إذا مُدح يُسَر
|
{ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا مُدِحَ الْمُؤْمِنُ فِي وَجْهِهِ رَبَا الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ }
(رواه الطبراني)
وفي المقابل: |
{ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: احثُوا في أفواهِ المدَّاحينَ التُّرابَ }
(صحيح مسلم)
الذين يزيدون من المديح ويبالغون حتى يكسروا ظهر المُنفِق والعامل عملاً صالحاً، فالسرور أمرٌ طبيعيٌّ ولكن عملك لا يتوقف على مديح الناس وذمِّهم ما دمت تُرضي به الله تعالى. |
قصة الحسن البصري مع والي العراقين
اجعل عملك خالصاً لله تعالى
|
الشرط الثاني أن يكون العمل صواباً
الصواب ما وافق الكتاب والسنَّة
|
اقتران الإيمان بالعمل الصالح
المؤمن يبني حياته على العطاء
|
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(سورة البقرة: الآية 3)
والإنفاق على أوسع معانيه، ولا يوجد إنسانٌ لا يجد ما ينفقه، الكلمة الطيبة صدقة، هل يبخل أحدنا بكلمةٍ طيبةٍ! التبرع بالمال، إعانة الضعفاء، مساعدة المحتاجين، تفقد الأرامل، بر الوالدين، التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، كل هذه أعمالٌ صالحةٌ، لا يوجد إنسانٌ لا يستطيع أن يعمل صالحاً، وفي القرآن الكريم يتكرر دائماً اقتران الإيمان بالعمل الصالح: |
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ(سورة الكهف: الآية 107)
ليس هناك إيمانٌ سكونيٌّ في ديننا، يؤمن ويعمل، ينشر الحق، ينشر الخير. |
بين الأقوياء والأنبياء
أيها الإخوة الكرام: في تاريخ البشرية هناك أقوياء وهناك أنبياء، فقرِّر هل تريد أن تكون من أتباع الأقوياء أم من أتباع الأنبياء؟ |
كن من أتباع الأنبياء
|
فضل عشر ذي الحجة
أيها الأحباب: |
{ "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ " يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: " وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ" }
(رواه البخاري)
هذه الأيام أيها الإخوة؛ هي الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره، قال تعالى: |
وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ(سورة الحج: الآية 28)
الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة
|
{ إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ }
(رواه أحمد وأبو داود)
ما يُستحبُّ فعله في عشر ذي الحجة
ما يُستحبُّ فعله في هذه الأيام كثير وهو مطلقٌ على مطلق الأعمال الصالحة، التوبة أولاً والإقلاع عن المعاصي فليعزم كلٌّ منا أن يستقبل هذا الموسم، بعد يومين، يستقبله بتوبةٍ إلى الله وبإقلاعٍ عن المعاصي والآثام وبعودةٍ وأوبةٍ إلى الله فهذا أول ما يُفعل في هذه الأيام أو ما يُتهيَّأ به لهذه الأيام، ثم أداء الفرائض في أوقاتها وإن أمكن فلتكن مع الجماعة مع جماعة المؤمنين ثم الإكثار من النوافل |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ }
(صحيح البخاري)
إذا أحبك الله فإنك لا تسمع إلا بنور الله، وإذا أحبك الله فإنك لا ترى إلا بنور الله، وإذا أحبك الله فإنك لا تحرك يدك إلا بنور الله، وإذا أحبك الله فإنك لا تمشي إلا إلى مرضاة الله، فأكثروا من النوافل أيها الإخوة؛ والنوافل كثيرة: صلاة الضحى من النافلة، والقيام؛ قيام الليل من النوافل، ثم الصيام، فالصيام يدخل أيها الأحباب؛ في جملة الأعمال الصالحة، ثم ورد به حديثٌ له سندٌ حسنٌ، حسَّنه كثيرٌ من العلماء، وهو حديث حفصة: |
{ أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرُ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَينِ قَبْلَ الْغَدَاةِ }
(أخرجه النسائي)
صيام يوم عرفة
|
أيها الإخوة الكرام: هذه الأيام هي أفضل الأيام على الإطلاق لاجتماع أمهات العبادة فيها، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره". |
هذه الأيام فيها أركان العبادات؛ فيها صلاة وفيها صيام وفيها صدقة وتتوج بالأضحية وفيها حج بيت الله الحرام، وهذا لا يكون إلا في عشر ذي الحجة، اغتنموا أيها الإخوة؛ هذه الأيام المباركة بالطاعات والأعمال الصالحة. |
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله. |
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ. |
الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا واصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يصلح للعرض عليك يا أكرم الأكرمين، اللهم بفضلك ورحمتك فرج عن المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعم جائعهم واكسُ عريانهم وارحم مصابهم وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اللهم بفضلك ورحمتك انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي فلسطين على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم ثبت إخواننا في غزة اللهم انصرهم نصراً عاجلاً مؤزَّراً يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم كن لهم عوناً ومعيناً وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يُعَزُّ فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد. |