عشر ذي الحجة

  • 2018-08-10
  • عمان
  • مسجد الصالحين

عشر ذي الحجة


الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، وَنَعُوْذُ باِلله مِنْ شُرُوْرِ أنفُسِناَ وَمِنْ سَيّئِاَتِ أعَمَالنِاَ، مَنْ يهَدِه الله فلَا مُضِلَّ له، وَمَنْ يضلل فلَن تجدَ له وَليِّاً مُرْشِدًا، وَأشهَدُ أن لاَ إلِهَ إلِاَ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبرٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلمِّ وَباَرِكَ عَلىَ سَيّدناَ مُحَمَّدٍ وَعَلىَ آلِ سَيّدناَ مُحَمَّدٍ، وعلى أصحاب سيدنا محمدٍ، وعلى أزواج سيدنا محمدٍ، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وَسَلم تسليماً كَثيرا.ً
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: نحن مقبلون على موسمٍ من مواسم الخيرات ومن مواسم الطاعات والبركات، وهذا الموسم أيها الإخوة؛ نفحةٌ من نفحات الله، والمؤمن يتعرَّض لنفحات الله، والمؤمن يُتاجر مع الله فلا يُضيِّع فرصةً يتقرب فيها من الله، ولا يُضيِّع فرصةً يعمل فيها عملاً يلقى به الله.

تعريف العمل الصالح
أيها الإخوة الكرام: يقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن عباسٍ رضي الله عنهما:

{ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ ‏"‏‏ يَعْنِي الْعَشْرَ،‏ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ‏"‏ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ }

(رواه البخاري)

أيها الإخوة الكرام: العمل الصالح، ما العمل الصالح؟ حتى نحرر المصطلح، ما العمل الصالح؟ العمل الصالح أيها الإخوة؛ خلقنا من أجله، نحن خلقنا لنعمل الصالحات والدليل قوله تعالى:

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ
(سورة المؤمنون: الآية 99-100)

فعند الموت لا يندم المؤمن إلا على عملٍ صالحٍ تركه، لأنك وُجِدْتَ في الأرض لتعبد الله وركنٌ رئيسيٌّ في عبادة الله أن تعمل عملاً صالحاً يقربك من الله.
العمل الصالح هو ما يصلح للعرض على الله
ما العمل الصالح؟ باختصار هو عملٌ يصلح للعرض على الله، إذا وقفت بين يدي الله تعالى يوم القيامة صلح أن تعرض عليه هذا العمل فيقبله الله تعالى منك، وحتى يصلح العمل للعرض على الله لا بد فيه من شرطين أساسيين: أن يكون العمل خالصاً وأن يكون صواباً، أما خالصاً: فما ابتغي به وجه الله، وأما صواباً: فهو ما وافق الكتاب والسنَّة.

كيف يكون العمل الصالح خالصاً ؟
أيُّ عملٍ تريد أن تعمله إن أردت أن تختبر صلاحه فقل: هذا العمل لمن أعمله؟ إن كان الجواب أعمله لله فقد تحقق الشرط الأول، أما إن كنت أعمله رياءً أو سمعةً أو فخراً أو حتى أكسِب ثناء الناس أو بنوايا أخرى خفيَّة فهذا العمل لا يصلح للعرض على الله، هذا ليس عملاً صالحاً، فالله تعالى لا يقبل العمل المشترك

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ }

(رواه مسلم)

الإنسانٍ إذا مُدح يُسَر
فأنت أخي الحبيب في دنيا الناس ربما تذهب إلى شخصٍ مهمٍّ في وزارةٍ من الوزارات وتطلب منه طلباً فيقول لك: قد أجبتك ولكن لا تطلب هذا من أحدٍ آخرٍ دعِ الموضوع بيني وبينك فقط، هذا في دنيا الناس، عند الله تعالى لا يقبل الله عملاً مشتركاً، إن عملت عملاً تريد به وجه الله ووجه فلان؛ يقول لك: خذ أجرك من فلان (أَنَا أَغْنَى الأغنياء عَنِ الشِّرْكِ) فالله تعالى يريد منك قلباً خالصاً عملاً تبتغي به وجه الله، وهذا العمل أيها الإخوة؛ الخالص لوجه الله يجب ألا يَقِلَّ إذا ذمك الناس ويجب ألا يزيد إذا مدحك الناس، هذا مؤشر مهم جداً، هناك من الأشخاص من يعمل عملاً فإذا مُدح؛ كل إنسان للأمانة كل إنسانٍ إذا مُدح يُسَر

{ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏: إِذَا مُدِحَ الْمُؤْمِنُ فِي وَجْهِهِ رَبَا الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ }

(رواه الطبراني)

وفي المقابل:

{ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ احثُوا في أفواهِ المدَّاحينَ التُّرابَ‏ }

(صحيح مسلم)

الذين يزيدون من المديح ويبالغون حتى يكسروا ظهر المُنفِق والعامل عملاً صالحاً، فالسرور أمرٌ طبيعيٌّ ولكن عملك لا يتوقف على مديح الناس وذمِّهم ما دمت تُرضي به الله تعالى.

قصة الحسن البصري مع والي العراقين
اجعل عملك خالصاً لله تعالى
أيها الإخوة الكرام: والي العراقين في زمن يزيد بن معاوية هو ابن هبيرة، العراقان كانا يطلقان على البصرة والكوفة يقال لهما: العراقان، فكان ابن هبيرة والياً على العراقين في زمن يزيد فجاءه أمرٌ من الخليفة يزيد بن معاوية، نظر في الأمر فوجد فيه ظلماً إذا نفذه، شيئاً يغضب الله، فاستدعى ابن هبيرة عالمين جليلين وتابعيين كريمين هما الحسن البصري والإمام الشعبي واستفتاهما في المسألة قال: جاءني أمرٌ من يزيد فماذا أفعل؟ نظرت فيه، فإنني أخاف إن نفذته أن أُغضِبَ الله ولكنه أمر الخليفة فماذا أفعل؟ فقال له الشعبي كلاماً فيه ملاطفة وملاينة ومسايرة، سأتخيل أنا هذا الكلام، ما معنى ملاطفة؟ كما يقول كُتَّاب السيرة، ما معنى ملاطفة وملاينة؟ يعني قال له: نفذ الأمر لكن بشكل جزئي حاول ألا تغضب الخليفة وفي المقابل لا تغضب الله، يعني إن وجدت في الأمر سعةً توسع قليلاً، من هذا الكلام، كلاماً فيه ملاطفةٌ ومسايرة، فالتفت إلى البصري إلى الإمام الحسن وقال له: وما تقول أنت أيها الإمام؟ قال له: يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله، فإن الله يمنعك من يزيد ولكن يزيد لا يمنعك من الله، واعلم يا ابن هبيرة أنه يوشك أن ينزل بك ملكان غليظان شديدان فينقلانك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك وهناك لن تجد معك يزيد ولكنك ستجد عملك الذي خالفت به رب يزيد، هذا كلام، هذا توحيد، هذا إخلاص، ولكنك ستجد عملك الذي خالفت به رب يزيد، فمال ابن هبيرة عن الشعبي، ترك الشعبي وملاطفته، والتفت إلى الحسن وجعل يكرمه ويطيِّبه ويقول له أجمل الكلام ثم ودَّعه إلى باب القصر، فلما خرج الشعبي والحسن البصري إلى الناس اجتمع الناس إليهما ما الذي حصل؟ ماذا يريد الوالي؟ ما الذي حصل؟ فالتفت الشعبي إلى الناس وقال: والله ما قال الحسن البصري لابن هبيرة كلاماً أجهله، كل الذي قاله أعرفه، الشعبي عالمٌ جليلٌ، ما قال الحسن لابن هبيرة كلاماً أجهله ولكنني أردت فيما قلته وجه ابن هبيرة وأراد الحسن البصري فيما قاله وجه الله فأقصاني الله من ابن هبيرة، أبعدني عنه، أنا أردت أن أصل إلى ابن هبيرة أن أتقرب منه بكلماتي فأبعدني الله عنه وأدنى منه الحسن البصري، ثم قال لهم: يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله على جميع خلقه في كل مقامٍ فليفعل، هذه عبارةٌ تكتب بماء الذهب: "يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله على جميع خلقه في كل مقام فليفعل"، هذا الشرط الأول للعمل أيها الإخوة؛ والعمل هنا يشمل القول، العمل شيء والقول شيء آخر، لكن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما سيتضح بعد قليل: شمل القول ضمن العمل، يعني لو أن الإنسان قال قولاً فهذا من عمله لأنه ينبغي أيضاً أن يُخلِصَ لله تعالى فيه، إذاً الشرط الأول للعمل الصالح أن يكون خالصاً لله تعالى.

الشرط الثاني أن يكون العمل صواباً
الصواب ما وافق الكتاب والسنَّة
وصواباً ما وافق الكتاب والسنَّة، يعني لا ينبغي للإنسان أن يعمل عملاً يظن أنه يبتغي به وجه الله لكن العمل ليس وفق ميزان الشريعة يقول لك: أقمنا حفلاً خيرياً أحياه المطرب الفلاني أو والعياذ بالله المطربة الفلانية وخصص ريعه للأيتام، هذا العمل ليس وفق الكتاب والسنَّة وإن كان ظاهره أن المال جمع للتبرعات لكن أُقيمت حفلةٌ لا ترضي الله فيها اختلاط وسفور وتبرج ثم يقول: هو حفلٌ خيري، أين الخيرية فيه؟! فالعمل ينبغي أن يكون خالصاً نبتغي به وجه الله وأن نعرضه على الكتاب والسنَّة بأن يكون وفق المنهج ليس فيه شيءٌ يخالف منهج الله تعالى، ليس فيه بدعةٌ أو ضلالةٌ أو بعدٌ عن الحق وإن كان في ظاهره لوجه الله.

اقتران الإيمان بالعمل الصالح
المؤمن يبني حياته على العطاء
أيها الإخوة الكرام: إذاً: ("‏مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ‏") فالمؤمن أيها الأحباب؛ يبني حياته على العطاء، يعطي، هذه بالمصطلح الحديث استراتجية المؤمن، قل لي: ما الذي يفرحك أقول لك: من أنت، إن كان يفرحك أن تعطي، أن تُسعِد الناس، أن تنشر الخير فأنت من أهل الآخرة، وإن كان لا يسعدك إلا أن تأخذ وتمنع وتبخل فهذا الإنسان والعياذ بالله من أهل الدنيا، المؤمن يعطي

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
(سورة البقرة: الآية 3)

والإنفاق على أوسع معانيه، ولا يوجد إنسانٌ لا يجد ما ينفقه، الكلمة الطيبة صدقة، هل يبخل أحدنا بكلمةٍ طيبةٍ! التبرع بالمال، إعانة الضعفاء، مساعدة المحتاجين، تفقد الأرامل، بر الوالدين، التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، كل هذه أعمالٌ صالحةٌ، لا يوجد إنسانٌ لا يستطيع أن يعمل صالحاً، وفي القرآن الكريم يتكرر دائماً اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
(سورة الكهف: الآية 107)

ليس هناك إيمانٌ سكونيٌّ في ديننا، يؤمن ويعمل، ينشر الحق، ينشر الخير.

بين الأقوياء والأنبياء
أيها الإخوة الكرام: في تاريخ البشرية هناك أقوياء وهناك أنبياء، فقرِّر هل تريد أن تكون من أتباع الأقوياء أم من أتباع الأنبياء؟
كن من أتباع الأنبياء
فالأقوياء أخذوا ولم يعطوا، اقرؤوا تاريخهم، الأقوياء يأخذون ولا يعطون، أما الأنبياء فأعطوا ولم يأخذوا، عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس، أعطى من كل شيء، الأنبياء يُمدَحون في غيبتهم، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم؟ عند الرفيق الأعلى وذكره صلى الله عليه وسلم يعطِّرُ المجالس في كل حدبٍ وصوبٍ، أما الأقوياء فيمدحون في حضرتهم فقط، فقط عند وجودهم، والأقوياء ملكوا الرقاب لكن الأنبياء ملكوا القلوب، فأنت أيها المؤمن كن من أتباع الأنبياء وأعطِ، أنفق مما أعطاك الله مالاً وجاهاً وعلماً وخبرةً وكلاماً طيباً، انشر الخير في كل مكان، إذا أردت أن تسعد فأسعد الناس.

فضل عشر ذي الحجة
أيها الأحباب:

{ ‏"‏مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ ‏"‏‏ يَعْنِي الْعَشْرَ،‏ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ‏"‏ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ" }

(رواه البخاري)

هذه الأيام أيها الإخوة؛ هي الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره، قال تعالى:

وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
(سورة الحج: الآية 28)

الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة
قال جمهور العلماء: الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، في هذه الأيام يوم عرفة وهو يوم التاسع من أيام ذي الحجة وهو يوم الحج الأكبر ويوم مغفرة الذنوب وصيامه يكفِّرُ السنة الماضية والسنة الباقية وفيها يوم النحر وهو يوم العاشر من أيام ذي الحجة حيث يُشرعُ الأضاحي وفيها يوم الْقَرِّ وهو بعد يوم النحر يوم الحادي عشر من ذي الحجة وإن كان بعد العشر

{ إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ }

(رواه أحمد وأبو داود)


ما يُستحبُّ فعله في عشر ذي الحجة
ما يُستحبُّ فعله في هذه الأيام كثير وهو مطلقٌ على مطلق الأعمال الصالحة، التوبة أولاً والإقلاع عن المعاصي فليعزم كلٌّ منا أن يستقبل هذا الموسم، بعد يومين، يستقبله بتوبةٍ إلى الله وبإقلاعٍ عن المعاصي والآثام وبعودةٍ وأوبةٍ إلى الله فهذا أول ما يُفعل في هذه الأيام أو ما يُتهيَّأ به لهذه الأيام، ثم أداء الفرائض في أوقاتها وإن أمكن فلتكن مع الجماعة مع جماعة المؤمنين ثم الإكثار من النوافل

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ }

(صحيح البخاري)

إذا أحبك الله فإنك لا تسمع إلا بنور الله، وإذا أحبك الله فإنك لا ترى إلا بنور الله، وإذا أحبك الله فإنك لا تحرك يدك إلا بنور الله، وإذا أحبك الله فإنك لا تمشي إلا إلى مرضاة الله، فأكثروا من النوافل أيها الإخوة؛ والنوافل كثيرة: صلاة الضحى من النافلة، والقيام؛ قيام الليل من النوافل، ثم الصيام، فالصيام يدخل أيها الأحباب؛ في جملة الأعمال الصالحة، ثم ورد به حديثٌ له سندٌ حسنٌ، حسَّنه كثيرٌ من العلماء، وهو حديث حفصة:

{ أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرُ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَينِ قَبْلَ الْغَدَاةِ }

(أخرجه النسائي)

صيام يوم عرفة
فأكثروا من صيام هذه الأيام، ولا أقل من صيام يوم عرفة التاسع أو بعض هذه الأيام من جملة الأعمال الصالحة وكلٌّ بحسب طاقته ووسعه، ثم التكبير والتحميد والتهليل، (ذكر البخاري عن ابن عمرٍ رضي الله عنهما وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنهما كانا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكبِّرَانِ، وَيُكبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا)، ثم الأعمال الصالحة بمطلقها: نفقةٌ صدقةٌ أعطيةٌ تتوج بالأضحية.
أيها الإخوة الكرام: هذه الأيام هي أفضل الأيام على الإطلاق لاجتماع أمهات العبادة فيها، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
هذه الأيام فيها أركان العبادات؛ فيها صلاة وفيها صيام وفيها صدقة وتتوج بالأضحية وفيها حج بيت الله الحرام، وهذا لا يكون إلا في عشر ذي الحجة، اغتنموا أيها الإخوة؛ هذه الأيام المباركة بالطاعات والأعمال الصالحة.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا واصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يصلح للعرض عليك يا أكرم الأكرمين، اللهم بفضلك ورحمتك فرج عن المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعم جائعهم واكسُ عريانهم وارحم مصابهم وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اللهم بفضلك ورحمتك انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي فلسطين على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم ثبت إخواننا في غزة اللهم انصرهم نصراً عاجلاً مؤزَّراً يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم كن لهم عوناً ومعيناً وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يُعَزُّ فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.