• الحلقة الثلاثون
  • 2022-05-01

الحرج

السلام عليكم.

ديننا دين اليسر لا دين الحرج:
هل شعرتَ بالحَرَج يوماً؟ وقعتَ في موقفٍ مُحرِج؟ كلمةٌ قلتها ثم ندمت عليها؟ ليتني لم أقلها، كم هي مُحرجةٌ تلك الكلمة؟! كم أحرجَت فلاناً من الناس؟! كم أحرجتني أمام الناس؟! موقفٌ وقفته بخلاف ما ينبغي، ثم ندمت عليه لأنك أوقعتَ نفسك في حَرجٍ كنت في غنىً عنه، هذا نوعٌ من أنواع الحَرَج.
المؤمن لا يوقِعَ أحداً في حَرَج
كلنا شعر بالحَرَج يوماً من موقفٍ، أو كلمةٍ، أو شيءٍ حصل معه، وبالمناسبة المفترض بالمؤمن والموقف الكامل من المؤمن ألا يوقِعَ أحداً في حَرَج، فإذا وجد من إنسانٍ هفوةً فينبغي أن يصفح عنها، ما معنى يصفح؟ أن يعطيها صفحة وجهه وكأنه لم يرها، لا ينبغي للمؤمن أن يُحرِج الناس، فيُلجِئَهم أحياناً إلى الاعتذار أو إلى الكذب، لماذا فعلت كذا؟ وماذا كان قصدك؟ و لقد رأيتك أمس في المكان الفلاني.

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)
[ سورة الحجر ]

صفْحٌ بلا عتاب، لا تؤذه بكلامك، اصفَح عنه وانتهى الأمر، أعطه صفحة وجهك وامضِ في طريقك.
هذا على الهامش، لا توقِع الناس في حَرَج، ولا تُلجِئهم إلى الاعتذار، من هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتحدث عن ظاهرةٍ سلبيةٍ وصلت إليه أو شاهدها فإنه يقول على المنبر:

{ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا بلَغَه عنِ الرَّجلِ الشيءُ لم يَقُلْ: ما بالُ فُلانٍ يَقولُ: كذا وكذا، ولكن يَقولُ: ما بالُ أقوامٍ يَقولونَ: كذا، وكذا }

[ أبو داود ]

ولا يُسمِّي أحداً باسمه أو يواجهه بخطئه، وإنما: (ما بالُ أقوامٍ يَقولونَ: كذا، وكذا) فتصل الرسالة ويُبلِّغ بأبي هو و أمي دعوته، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر دون أن يواجه الإنسان بذنبه.
الله تعالى جل جلاله لم يجعل علينا حَرجَاً في الدِّين، قال تعالى:

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
[ سورة الحج ]

ديننا مبنيٌّ على رفع الحرج
لم يُضَيِّق علينا الله تعالى في الدِّين فلا تُضَيِّق على الناس في الدنيا، ففي الدِّين هناك سعَة، فالمريض الذي لا يقوى على القيام يُصَلِّي قاعداً، والذي لا يستطيع الصيام يدفع الفدية، والذي لا يجد ماءً يتَيمَّم، فديننا مبنيٌّ على رفع الحرج، على اليُسر، وكذلك ينبغي أن تكون دُنيانا، وينبغي أن يكون تعاملنا مع الناس، مبنيَّاً على رفع الحرج، ورفع الضيق عن الناس، وعدم إلجائهم إلى شيءٍ لا يُحبِّونه.
وعندما نُبَلِّغ دعوة الإسلام لا ينبغي أن نكون مُحرَجين فيها، فهذا حَرجٌ مذموم، فليس في ديننا ما يُوقِع في الحرج، لا تستحي بدينك، ارفع رأسك عالياً، أنت مسلمٌ سمَّاك الله تعالى مسلماً:

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
[ سورة الحج ]

دينك هو الدين الذي نشر الخير في الآفاق كلها، ومن يتهمه بصفاتٍ لا تليق به فإنه يصغر ويصغر لأنه يُناطِح دين الله عز وجل، ويأبى الله إلا أن يُتِمَّ نوره، فلا تخجل بدينك، قال تعالى:

كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
[ سورة الأعراف ]

فإياك أن يكون في صدرك حرجٌ أو شكٌّ في دين الله، بل ارفع رأسك عالياً بدين الله، و تيَقَّن من أنه الحق من الله تعالى.

أسوأ أنواع الحرج:
أما أسوأ أنواع الحرج، وأكثرها ذمَّاً، والذي يتنافى مع الإيمان الحق فهو ما يكون من الإنسان تجاه حُكم من الله أو حُكمٍ من رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)
[ سورة النساء ]

هي مراتب ثلاثٌ إذاً:
لا بد أن تُحَكِّم شرع الله
في المرتبة الأولى لا بد أن تُحَكِّم شرع الله فيما حصل بينك وبين أخيك أو بين أي مخلوقٍ من مخلوقات الله من إشكال، لا بد أن تُحَكِّم شرع الله (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
وقع خلافٌ بين الزوج و زوجته، بين الشريك وشريكه، بين الأخ وأخيه، بين العامل ومديره، إلى آخر ما هنالك من العلاقات، ماذا نصنع؟ نُحَكِّم شرع الله فيما بيننا.
المرتبة الثانية: (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) بعد القضاء نُسَلِّم بما جاء في القضاء، ولا أجد في صدري ضيقاً، لماذا حكَم الشرع بذلك؟ لم يكن عادلاً معي فيما حكَم لي، أهكذا يقول الدين ! أهكذا هو دين الله عز وجل ! والعياذ بالله، هذا وجد حرجاً أو شَكَّاً أو ريْباً أو ضيقاً في صدره من قضاء الله و قضاء رسوله، فما زال في إيمانه خلل عظيم.
المرتبة الثالثة: ( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) يستسلم استلاماً كاملاً ويُقِرُّ بما جاء في الحُكم ولو كان بخلاف ما يريد، ولو كان الحُكم يُجبِره على دفع مبلغٍ من المال، أو اعتذارٍ، أو غير ذلك مما يوجبه حُكم الله تعالى وحكم رسوله، فيستجيب لشرع الله عز وجل، ويُسَلِّم بما جاء به.
أسوأ أنواع الحَرَج أن تجد حرجاً في نفسك تجاه حُكم من أحكام الله تعالى، أن تجد المرأة حرجَاً في صدرها تجاه حُكمٍ من أحكام الله تعالى، أو أن يجد الرجل في صدره حرجاً تجاه حُكمٍ من أحكام الله تعالى.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.