المسجد الأقصى 01 - بين الحقائق والعواطف

  • 2017-12-08
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

المسجد الأقصى 01 - بين الحقائق والعواطف

يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غِناك؟! وكيف نضِل في هداك؟! وكيف نذِلّ في عزّك؟! وكيف نُضام في سلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟!
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً.
يــا قـــدسُ يا درة تــزهــو بــأعــيــنـــــنــا يا قِبلة َالـروح يـا مســرَى النبـيــيـنــا اللهُ أكــــبـــرُ، دوّت فــي مــآذنـــهـــا في كلّ ركن صدى التكبير يحيـينـــا
{ زهير أبو قطام }

محبة القدس عقيدةٌ وانتماء في وجدان كل مسلم:
الحق يصنع القوة
وبعد: فيا أيها الإخوة الكرام؛ بالأمس القريب جرّ من يسمى بزعيم ما يُسمى العالم الحر؛ جر قلمه جرةً طويلةً، ظاناً أنه بجرة قلمه تلك يُحقّ باطلاً أو يبطل حقاً، أو أن القوة التي يملكها تصنع حقاً، لكن الحقيقة أن الحق يصنع القوة والقوة لا تصنع الحق، وهذا هو شأن الأقوياء والطغاة في كل عصر ومصر، ففضلاً عن أنهم يتناسون حقائق الدين فإنهم يتناسون حقائق التاريخ، فالقدس أيها الإخوة في وجدان كل مسلم عقيدة وانتماء، كلنا يحب وطنه، لكن محبة القدس عقيدة ليست محبة فطرية فحسب، لكنها عقيدةٌ في وجدان كل مسلم، فالمسجد الأقصى مسرى نبينا، ومذكور في قرآننا.

سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ(1)
(سورة الإسراء)

والدفاع عنه واجب محتم علينا، ومن حوله من المرابطين هم صفوة الله من خلقه، قال صلى الله عليه وسلم:

{ لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي قائِمَةً بأَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، أوْ خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ ظاهِرُونَ علَى النَّاسِ. }

(أخرجه مسلم عن معاوية بن أبي سفيان)

إننا أيها الإخوة الكرام نُكبر أي جهدٍ وأي بذل، وأي تعاطف ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، بل إننا نُكبر أي دمعة سالت حباً بالمسجد الأقصى والقدس، وأي دعاء انطلق من فم مؤمن، ولكننا في الوقت نفسه لا بد أن نتجاوز العواطف إلى الحقائق، أو لا بد أن نجمع الحقائق مع العواطف حتى لا تخبو العواطف شيئاً بعد شيء، كما يحصل في كل مرة، وتصبح نسياً منسياً بعد أيام وهذا ما يعول عليه أعداؤنا.

الحقائق والعواطف:
لا بد أن ننتقل من العواطف إلى الحقائق
هم يقولون بين أنفسهم: هي فورة لأيام معدودة ثم تخبو العواطف ويصبح الوضع الجديد واقعاً مفروضاً وننسى الماضي؛ هذا ما يعولون عليه، لذلك لا بد أن ننتقل من العواطف إلى الحقائق، لا أن نكتفي بالعواطف التي نقدرها ونكبرها، ونكبر أصحابها.
في معركة أحد أيها الإخوة الكرام؛ هُزم المسلمون، أصابتهم مصيبة وأية مصيبة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين ظهرانيهم، وهو قائد معركتهم، لكنهم هزموا لما خالفوا أمراً تكتيكياً في إدارة المعركة، فتركوا مواقعهم فهُزموا، الآن يعلق القرآن الكريم على هذه الواقعة، لعل في عصر الصحابة كثيراً سألوا: لماذا هُزمنا؟ ما الذي حصل؟ لماذا تتوالى علينا المصائب تتراً، كما نقول في عصرنا نحن الآن؟ لماذا الهزيمة؟ لعلهم سألوا، فجاء الجواب القرآني.

أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ (165)
(سورة آل عمران)

كيف حصلت الهزيمة؟ الآن الجواب القرآني: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ) يوجه القرآن الأنظار فوراً إلى الداخل إلى النفس، لا تقولوا: أعداؤنا كُثر، لا تقولوا: المؤامرة جسيمة، لا تقولوا: إنهم يتآمرون علينا، وهم يتآمرون فوق ما نقول، هم يتآمرون، لكن لا تنظر إلى الخارج لأن الحل في الداخل، في النفس (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) هذا التغيير الذي ينبع من النفس من داخل كل شخص منا، من أسرته، ومن بيته، ومن عمله، ومن تغيير الواقع المحيط به، هذا هو المجدي.

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)
(سورة الرعد)

جربنا كل الوصفات، وكل الإدانات، وكل الاستنكار، وكل الشجب فما الذي أجداه؟ مرة أخرى، أنا لا أنكر الدور الشعبي والحراك على وسائل التواصل لها دور فعال، لكن لا نكتفي بها، التغيير ينبع من الداخل، ينبع من النفس.
أيها الإخوة الكرام؛ التغيير الشامل وليس التغيير الجزئي، منذ أكثر من مئة عام والمصائب تتوالى على أمتنا، ونحن نسأل أنّى هذا؟ والقرآن يجيبنا: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)، أين الأمة اليوم أيها الإخوة؟ هذه حقيقة مُرّة والحقيقة المُرّة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، أستطيع الآن أن أدغدغ مشاعركم بأبيات شعرية، ثم بعبارات رنانة ثم بشجب، ثم بسباب على هذا الذي جر قلمه -عليه من الله ما يستحق- لكني لا أريد ذلك، نريد أن نغير ما في الداخل، أين الأمة؟!

الأمة: أمة تبليغ، وأمة استجابة:
الإسلام هو الاستجابة لأمر الله ورسوله
الأمة نوعان: أمة تبليغ، وأمة استجابة، مليار ونصف مليار مسلم اليوم ربع سكان الأرض هؤلاء أمة التبليغ جميعهم يعلمون أنهم مسلمون، لو سألتهم: من أنت؟ يقول: أنا مسلم، لكن من هي أمة الاستجابة؟ التي استجابت لأمر الله ورسوله، وطبقت منهجها في حياته، طبقت المنهج كما ينبغي، ما عددهم؟ من هم؟

{ يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها، فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ، فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ }

(صحيح أبي داود عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم)

مليار ونصف مليار مسلم (ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ)، كثرة فقط، لا يوجد نوعية (وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ، فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ)
أصل كل بلاء التعلق الشديد بالدنيا، العمل من أجل الدنيا لا من أجل الآخرة، أيها الإخوة الكرام؛ إن نظرت في مساجدنا عند صلاة الفجر، أين الأمة؟ الأمة غائبة، إن نظرت في أفراحنا وأتراحنا، أين الأمة؟ الأمة غائبة، إن نظرت في معاملاتنا المالية في البيع والشراء، أين الأمة؟ الأمة غائبة، إن نظرت إلى كثير من شبابنا وبناتنا وهم يفعلون كل شيء يجعلهم في مظهر أقرب ما يكون إلى زعيم هذه الدولة التي نغضب لأنه وقّع على هذا القرار الغاشم، يتشبهون بأهل هذه البلاد، أين الأمة؟ الأمة غائبة، مهزومة، تريد أن تتشبه، أن تقلد لا أن تبدع، وأن تعتز بهويتها وشخصيتها وانتمائها، أيها الإخوة الكرام؛ مع غياب الأمة أمة الاستجابة، غابت الرؤية الشرعية الصحيحة، ومع غياب الرؤية الشرعية الصحيحة اكتفينا بالعواطف وابتعدنا عن الحقائق، والله تعالى لا يريدنا أن نحتكم إلى العواطف، ولا يحاكمنا بها، قال تعالى:

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَآ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوٓءًا يُجْزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدْ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
(سورة النساء)

ليس بأمانيكم أيها المسلمون، ولا أماني أهل الكتاب (مَن يَعْمَلْ سُوٓءًا يُجْزَ بِهِ)، فالله تعالى يتعامل معنا بالسنن، ولا يتعامل بالعواطف ولا بالأماني، والأماني كما قيل: بضاعة الحمقى.

نحن نحكم بشرع الله عندما نخضع لهذا الشرع:
شرع الله يحكم عندما يجد أمة تخضع لشرع الله
أيها الإخوة الكرام، شرع الله يحكم عندما يجد أمة تخضع له، شرع الله يحكم عندما يجد أمة تخضع لشرع الله، نحن في شرعنا الإسلامي نبني الأمة التي تنشئ الدولة، أما إن أنشئت الدولة وليس هناك أمة تستجيب لشرع الله فسرعان ما تتهاوى هذه الدولة المزعومة، أيها الإخوة الكرام؛ ما الذي كان يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم في بداية الدعوة؟ كان يبني الأمة، ما الذي كان يفعله في بيعة العقبة الأولى والثانية؟ كان يحيي الأمة، انظروا الآن معي أيها الإخوة؛ الخلفاء تخرّجوا في دار الأرقم؛ هذه الدار الصغيرة في مكة التي كانوا يجتمعون بها، ويغيرون أنفسهم، الخلفاء تخرّجوا في دار الأرقم: أبو بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، الشهداء تخرّجوا في دار الأرقم: جعفر وزيد رضي الله عنهما، الممولون للدعوة بأموالهم تخرّجوا في دار الأرقم، عبد الرحمن بن عوف كان في دار الأرقم، الصابرون المرابطون الثابتون على مبادئهم وقيمهم تخرّجوا في دار الأرقم، عمار بن ياسر، بلال بن رباح، خباب بن الأرت كلهم في دار الأرقم كانوا يغيرون أنفسهم، أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح قائد المسلمين لفتح القدس تخرّج في دار الأرقم، من تريدون؟ المبشرون بالجنة معظمهم تخرّج في دار الأرقم، السفراء والدعاة تخرّجوا في دار الأرقم أمثال مصعب بن عمير، كلهم كانوا في دار الأرقم، هذه الدار التي أنشأت في الحقيقة هذه الأمة التي كان لها الدور الكبير.
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام
أيها الإخوة الكرام؛ إليكم هذه الومضة من التاريخ، والتي تؤكد ما أقوله: سمع الروم بأن جيش المسلمين يتقدم إليهم بقيادة أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة -رضي الله عنه-، وكانوا يسمعون أن هذا الجيش لا يقف أمامه شيء أبداً، فقالوا لقائد الجيش: إنه مكتوب عندنا أن نسلم مفاتيح بيت المقدس لأميركم، نريد الأمير، وظنوا أن الأمير لن يأتي على حسب أعرافهم هم، هل سيأتي الأمير؟ وأرسل أبو عبيدة إلى عمر -رضي الله عنهما- يخبره الخبر، فوافق عمر وأعد العدة، وخرج هو وغلامه على بعير واحد يتناوبون على ركوبه، وقال لغلامه أركب ساعةً وتمشي ساعة، ثم تركب ساعة -الخادم- وأمشي ساعة، يقول الغلام: تنازلت لك عن دوري، قال: لا والله- العدل حتى في المركب-وكانت المفارقة أنهم عندما وصلوا إلى بيت المقدس كان دور عمر أن يمشي لا أن يركب، وكان في الأرض مطر وطين، فخلع عمر نعله، ورفع ثوبه، وغاص في الطين وهو يدخل ليتسلم مفاتيح بيت المقدس، أبو عبيدة بن الجراح عانقه واحتضنه، قال: يا أمير المؤمنين إنهم يرونا ونحن على هذه الحال، يعني أمير قادم يغوص في الطين يتسلم مفاتيح بيت المقدس!! التفت إليه عمر قال: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة،" ليت غيرك من قالها، أنت تقول ذلك، أنت أمين الأمة؟! "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"؛ هذا قانوننا، هم لهم قوانين أخرى لا تلتفتوا، نتحدث عن قوانيننا، نقول: نحن مسلمون، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، أين كنا قبل رسالة الإسلام؟ وكيف أصبحنا بعدها؟ "ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" هذا عمر -رضي الله عنه- لما كان وراءه جيش، وكانت وراءه أمة، أيها الإخوة الكرام، دخل عمر المسجد وصلى بالناس، ثم أخذ رداءه وجعل يكنس أرض المسجد، فقام المسلمون معه يكنسون أرض المسجد الأقصى، أيها الإخوة الكرام؛ هذه مع عمر، ودعوني أعود بكم الآن من مسجد التقوى في عمان إلى المسجد الأقصى في القدس عبر البعد المكاني، وأعود بكم عبر البعد الزماني إلى يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب في السنة الثالثة والثمانين بعد الخمسمئة للهجرة(583هـ)، ونحن الآن عند مدخل المسجد الأقصى، فإذا المسلمون وبينهم صلاح الدين وجنده يجلسون على الأرض، لا تتفاوت مقاعدهم ولا يمتاز أميرهم عن غيرهم، وها هو خطيب المسجد الأقصى محي الدين القرشي قاضي دمشق صعد المنبر ليلقي خطبته العصماء وافتتحها بقوله:

فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ۚ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ(45)
(سورة الأنعام)

أيها الناس؛ أبشروا برضوان من الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا بما يسره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة، وردها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المعتدين الغاصبين قريباً من مئة عام، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه من رجس الشرك والعدوان، ثم قال: إياكم عباد الله أن يستزلكم الشيطان فيخيل إليكم أن هذا النصر كان بسيوفكم الحِداد أو بخيولكم الجياد، لا والله.

وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ ۗ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ(126)
(سورة آل عمران)

فاحذروا عباد الله، انظروا هم خطيب المسجد الأقصى يوم حررها صلاح الدين، انظروا في همه، يقول: "احذروا عباد الله بعد أن شرفكم الله بهذا الفتح الجليل أن تقترفوا كبيرة من مناهيه، انصروا الله ينصركم، خذوا في حسم الداء، وقطع شأفة الأعداء."

لابد من اتخاذ موقف ضد هذه المصائب:
عندما يعرف الإنسان عدوه ينهض من غفلته
أيها الإخوة الكرام؛ المصائب إن لم تحملنا على موقف فهذه مصيبة أكبر من المصيبة نفسها، المصائب إن لم تحمل الإنسان على موقف فمصيبته في نفسه أكبر من المصيبة، لا بد أن نتخذ قراراً، لعل هذه المصائب تتراً من أجل أن نصحو من غفلتنا، لعلها تتوالى من أجل أن نعي من هو عدونا، لعلها تتوالى من أجل أن نعتز بديننا ونتخلى عن التبعية والهزيمة النفسية التي أُصبنا بها، فالإنسان عندما يعرف عدوه ينهض من غفلته.

هَٰٓأَنتُمْ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ(119)
(سورة آل عمران)

هل صدّقنا كلام ربنا (وَلَا يُحِبُّونَكُمْ)؟ هم لا يحبوننا مهما ادعوا ومهما قالوا، لا بد أن نعي هذا.

الخاتمة:
أيها الإخوة الكرام؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، أيها الإخوة الكرام؛ الأردن كان وما زال وسيبقى إن شاء الله بقيادته وحكومته وشعبه خير مناصر لفلسطين، ونحن جميعاً ينبغي أن نقف مع هذا البلد الطيب في قراراته وفي حراكه من أجل استعادة الحق المغتصب.

الدعاء:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا و تعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين أوصلنا برحمتك إليك، اللهم برحمتك عُمّنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا و أغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا ،نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق و الدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك، فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم بفضلك ورحمتك انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى، انصر إخواننا في فلسطين على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم انصر المستضعفين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً وسهماً صالحاً يا أكرم الأكرمين، اجعل هذا البلد آمناً، سخياً، رخياً، مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، والحمد لله رب العالمين، أقم الصلاة و قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.