المسجد الاقصى 02 - قوة الحق

  • 2017-12-15
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

المسجد الاقصى 02 - قوة الحق

يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك؟ والأمر كله إليك؟ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيا أيها الإخوة الكرام، مازال الموضوع عن القدس، وعن المسجد الأقصى المبارك، وعن الأحداث الأخيرة التي هزت ضمائر المسلمين والعرب في كل مكان.

قوة الحق:
القوة تنبع من الحق
أيها الإخوة الكرام، أنطلق في هذه الخطبة من مقولة ذكرتها عرَضاً في الخطبة الماضية، وهي: "قوة الحق"، ذلك أن القوة تنبع من الحق، ولكن الإنسان المُبطِل لا يمكن أن تكون قوته حقاً، ولا يمكن للقوة أن تفرض حقاً، فالحق هو الأساس، والقوة تبَعٌ له، فانت محق إذاً أنت قوي، وفلان مُبطِل إذاً هو ضعيف مهما بلغت قوته، فمادام على باطل فهو في ضعف.
أيها الإخوة الكرام، الله تعالى هو الحق:

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(62)
(سورة الحج)

بل إنه أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالحق:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ(119)
(سورة البقرة)

بل إن الله تعالى نزّل الكتاب بالحق:

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(176)
(سورة البقرة)

ووعده حق:

قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا(98)
(سورة الكهف)

بل إن خلق السماوات والأرض بما فيهما لم يكن إلا بالحق:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(73)
(سورة الأنعام)

وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)
(سورة الكهف)

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ(14)
(سورة الرعد)

وردت كلمة الحق في كتاب الله في مئتين وثلاثة وثمانين موضعاً.

الفرق بين الحق والباطل:
الحق هو الشيء الثابت والهادف والصحيح
والحق هو الشيء الثابت والهادف والصحيح، هذا المسجد حق، لأنه أُنشِئ لشيء هادف، ولأنه شيء ثابت، لأنه أُنشئ للصلاة، ولتعريف الناس بربهم، ولخطب الجمعة، فهو حق، ودور من دور اللهو مهما بلغت، ومهما أُنفق عليها فهي باطل زائف زائل، لأنها أنشئت لصرف الناس عن دين الله تعالى، فالحق هو الثابت والهادف، والباطل هو العابث والزائل.
فمهما بدا الباطل قوياً فمآله إلى زوال، ودونكم التاريخ، والتاريخ القريب، أمة أنشئت على لا إله، ليس على لا إله إلا الله، على لا إله، وكان يظن العالم كله أنها من القوة بحيث لا يمكن أن تتفكك، وفي ليلة وضحاها تهاوت كبيت العنكبوت؛ لأنها باطل، والباطل زائل إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا

التدافع بين الحق والباطل سنة مستمرة:
أيها الإخوة الكرام، ومن سنن الله في الأرض، وفي الخلق أن يكون هناك تدافع مستمر بين الحق والباطل، معركة مستمرة، هذه سنّة، قال تعالى:

أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)
(سورة الرعد)

وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (56)
(سورة الكهف)

ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
(سورة محمد)

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
(سورة الأنبياء)

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
(سورة الشورى)

آيات كثيرة، اخترت بعضاً منها، تبين أن سنة التدافع بين الحق والباطل مستمرة إلى قيام الساعة، لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية.

القوة للحق ولو كنت ضعيفاً:
إن كنت على حق فأنت قوي
أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية إن كنت على حق فأنت قوي، وهذه قوة الحق مهما بدوت ضعيفاً، صورة انتشرت قبل أيام على وسائل الإعلام بشكل كبير لعشرات الصهاينة وهم يعتقلون طفلاً قد عصبوا عينيه، كلكم رآها، كم بدا هذا الطفل قوياً، وكم كانوا ضعافاً! هذه قوة الحق، كم كانوا ضعافاً، وكم بدا قوياً، هذه قوة الحق.
أيها الإخوة الكرام، يروي ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لما كانت الليلة التي أسري بي فيها، أتت علي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها ".
قال: " قلت: وما شأنها؟
(لمَ هذه الريح الطيبة لها؟) قال: بينا هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقطت المدرى (يعني بحديدة كالمشط يُسوّى بها شعر الرأس) من يديها، فقالت: بسم الله (كانت مؤمنة وتخفي إيمانها).
فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ (لأن أباها الطاغية قال:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
(سورة القصص)

فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ(24)
(سورة النازعات)

قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله. ( في قصر فرعون، ما هذه القوة؟ قوة الحق)
قالت: أخبره بذلك قالت: نعم.
فأخبرته فدعاها، فقال: يا فلانة، وإن لك رباً غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله.
فأمر ببقرة من نحاس
(إناء كبير من نحاس وُضع فيه الزيت وأُحمي عليه حتى أصبح يغلي) فأحميت، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قالت له: إن لي إليك حاجة.
قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد، وتدفننا.
قال: ذلك لك علينا من الحق ".
قال: " فأمر بأولادها فألقوا بين يديها، واحداً واحداً، إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع
(تعلق بصدرها وتعلمون كم يتعلق الرضيع بأمه، وكم تتعلق الأم برضيعها) كأنها تقاعست من أجله، قال: (وكان في المهد فنطق) يا أمه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت ". - مسند الإمام أحمد
أيها الإخوة الكرام، هذه قوة الحق، أيّ قوة تحملها تلك المرأة! وأيّ باطل وضعف كان يحمله فرعون الطاغية! لأنها كانت على حق، ولأنه كان على باطل.

نماذج من المحن التي مرت بها الأمة الإسلامية:
أيها الإخوة الكرام، هذه الأمة مرت في تاريخها بمِحَن متتالية، ولكنها لم تتخلَّ يوماً عن قوتها في الحق، وعن حقها في القوة، أبداً؛ لأنها كانت متمسكة بحقها، والضعف والخَوَر يعني أن تتنازل عن حقك، وأن تستسلم لعدوك، أو أن تضيع البوصلة فتظنّ العدو صديقاً، فيأبى الله ذلك فيظهره لك على حقيقته بين الحين والآخر:

هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(119)
(سورة آل عمران)

تظنونهم دعاة حقوق إنسان، وتحسبونهم رعاة سلام، ولكنهم لا يحبونكم، لم نصدق ربنا، فتأتي الأحداث لتؤكد صدق قرآننا.

هجوم التتار على المسلمين:
أيها الإخوة الكرام، هجم التتار على المسلمين، فمُلئت شوارع بغداد -فرّج الله عنها- بالأشلاء، ولم تُصلَّ صلاة واحدة في مساجد بغداد أربعين يوماً، كان المسلم يخشى أن يخرج إلى المسجد فيُقتل، كان التتاري يرى المسلم فيقول له قف مكانك، ويذهب ليحضر أداة ليقتله بها فيبقى في مكانه واقفاً، لهذا الحد وصلت الهزيمة من الداخل، وبعد ذلك سلّط الله على التتار من هزمهم شرّ هزيمة، وبدّل الله الواقع، وغيّر الحال.

هجوم الصليبيين على المسلمين:
الصليبيون هجموا على المسلمين، ووضعوا الصلبان على كل حوائط المسجد الأقصى، ومُنعت الصلاة في الأقصى، هذا التاريخ أيها الإخوة 91 عاماً، ثم قيّض الله للأقصى من يطهّره ويعيده إلى ديار المسلمين، وإن كان قد قيّض الله له من يطهره فإن الله حيّ لا يموت.
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفـي طلائعـاً صابرةً رغم المكائد تخرج

هجوم القرامطة على المسلمين:
هجم القرامطة على المسلمين في بيت الله الحرام، وهم في ملابس الإحرام، وقتلوا منهم من قتلوا، وانطلق المجرم أبو طاهر القرمطي زعيمهم، وانتزع الحجر الأسود من مكانه، ورفع رأسه إلى السماء وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل مستهزئاً ثم قيض الله من قضى عليه، وبقي الحجر الأسود بعيداً عن الكعبة عشرين عاماً ثم عاد إلى موضعه، هذا هو التاريخ أيها الإخوة.

نتعلم من التاريخ أمرين:
يعلمنا التاريخ أمرين اثنين:

الأمر الأول: أعظم هزيمة أن نهزم من الداخل:
دورة الحق والباطل طويلة
الأول أن أعظم هزيمة أن نُهزَم من الداخل، ومن أعراض هزيمة الداخل النظرة الضيقة للزمان والمكان، دورة الحق والباطل طويلة، وأنت تعيش في جزء منها، فلا تنظر إلى الزمان والمكان نظرة ضيقة، هذا هو التاريخ، نحن نعيش عمراً قد يمتد في أفضل أحواله إلى مئة سنة، لكن دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان، قال تعالى مخاطباً نبيه:

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46)
(سورة يونس)

قد يُتاح لك يا سيد الخلق، ويا حبيب الحق أن ترى مصير هؤلاء، وقد لا يُتاح لك، وقد تُتوفّى قبل أن ترى مصيرهم.
إذاً لا ننظر إلى الزمان والمكان نظرة ضيقة فنصاب بالإحباط، هذه سنة الحياة، والمهم أن نبقى ثابتين على الحق.

الأمر الثاني: الاستخلاف والتمكين ليس مطلباً في القرآن:
الاستخلاف وعد من الله
أيها الإخوة الكرام، والأمر الثاني: قلت تعلمنا هذه القصص التي ذكرتها أمرين، الأمر الثاني الاستخلاف في الأرض أيها الإخوة، والتمكين فيها ليس مطلباً في القرآن، لا تستغربوا، ليس في القرآن آية واحدة تقول لك كن مستخلَفاً في الأرض، كن مُمكَّناً في الأرض، أبداً، الاستخلاف وعد، وعد من الله:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
( سورة النور)


المطلوب من الأمة الإسلامية:
الاستخلاف وعد،
•أما المطلب فهو الثبات على المبدأ والحق،
•المطلب هو طاعة الله ورسوله، وإقامة شرع الله،
•المطلب هو إعداد العدة المتاحة،
•المطلب هو تربية الأجيال،
•المطلب هو بناء الأمة، أما الاستخلاف فوعدٌ يأتي حينما تتحقق ظروفه وتتهيأ أسبابه، ويُدفع ثمنه.
أيها الإخوة الكرام، نحن المطلوب منا أن نسعى، أن نثبت، أن نصابر، أن نرابط:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
(سورة آل عمران)

لكن وعد الله عز وجل آتٍ لا محالة:

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا(87)
(سورة النساء)

المعلم وعد الطالب بالمكافأة إن هو أدى واجباته، فما المطلوب من الطالب الآن؟ أن ينشغل بالوعد، أن يُعدّ واجباته بالشكل المطلوب، المطلوب منه أن يعد الواجب؛ لأن المعلم صادق ويحبه وسينفذ وعده، الله تعالى وعد هذه الأمة بالاستخلاف، وبالنصر، وبالتمكين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
(سورة محمد)

فما المطلوب من الأمة؟ أن تسعى جاهدة في إقامة شرع الله، في البيت، وفي العمل، وفي السوق، وفي كل مكان يُذكر فيه اسم الله، وفي كل أرض، أن يسعى الإنسان بقدر طاقته، أن يؤدي الذي عليه ثم يقول: يا رب ارزقني، يا رب انصرني، يا رب احفظني، أدِّ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك.

رسالة تهكّم:
وعد الله هو الحق
أيها الإخوة الكرام، اسمحوا لي متهكّماً على هذا القابع في البيت الأسود أن أقول له: شكراً لك، شكراً لك فقد وحّدتنا على معالي الأمور، شكراً لك فقد نقلتنا من همومنا الصغيرة الحياتية المعاشية إلى همٍّ أكبر، هو همّ المسجد الأقصى، شكراً لك فقد ذكّرتنا وكان كثير منا غافلين، أعدت قضية القدس إلى الواجهة بعد أن نُسيت أو كادت تُنسى، وجّهتنا إلى الله في الأسابيع الماضية، ونسأل الله أن يبقى ذلك مستمراً؛ أن تبقى همومنا عالية، ليست همّ المعاش، "من جعل الهموم كلها همّ المعاد كفاه الله الهموم كلها" أن نوحّد همومنا، وعدت ووعد من قبلك بلفور، ولكن وعدك باطل، ووعده باطل، إلا أن وعد الله هو الحق، وهو آتٍ لا محالة:

إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا(7)
(سورة الإسراء)

أيها الإخوة الكرام، الآلام تجمعنا:
لـمّتِ الآلام مـنّا شملنا ونمـتْ ما بيننا من نسـبِ بوركَ الخطبُ، فكم لفَّ على سهمهِ أشتاتَ شعـبٍ مغضبِ
{ عمر أبو ريشة }
الآلام تجمع، الآلام توحّد، توحد الهدف، وتوحد الوجهة، ونصحو من غفلتنا، ونعود إلى ربنا، ونصلح ما كان بيننا وبينه، وما كان بيننا وبين الناس، ثم نعمل جاهدين أن نكون جنوداً لنصرة الحق، فلا تقلقوا، فإن وعد الله آتٍ، لكن لنقلق على أنفسنا فيما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح أن نكون جنوداً في تحقيق وعد الله عز وجل لنا وللأمة.

دعاء:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات.
اللهم برحمتك عُمّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد للإسلام ودياره وأهله خيراً فوفقه اللهم لكل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسك واكفنا شره بما شئت وكيف شئت يا أرحم الراحمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رُشْد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أمر عصيانك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
اللهم برحمتك فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرجاً عاجلاً، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر إخواننا المرابطين في المسجد الاقصى، إخواننا المرابطين في فلسطين على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد بلد الرباط آمناً سخياً رخيّاً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، ووفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
والحمد لله رب العالمين.