رسالة إيمانية مع مجريات طوفان الأقصى

  • 2023-12-19
  • الأردن - عمان
  • راديو حياة

رسالة إيمانية مع مجريات طوفان الأقصى


مقدمة:

المذيع:
لو سمحتُم لي عَقائديّة رُوحانيّة في مُجريات ما يحدث في قطاع غزة مُستمعينا الكرام، وحديث شارعنا الفلسطيني دوماً وأسئلته البديهيّة، ومُقارنته البديهيّة التي باتت، قلت: والله ولا أُبالغ وأنا أقرأ بعض الآيات، أشعُر وكأنها تتنزّل على أهلنا في قطاع غزة، وأنا أُتابع بعض الأحاديث مُستمعينا الكرام، النبي صلى الله عليه وسلم وكأنها تتنزّل، وقصص السيرة، وقلت لكم معركة الخندق لوحدها قصة، يقول له: قُمّ يا حُذيفة، وكان يوجد مع النبي صلى الله عليه وسلم أُناسٌ من كِبار الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم ضَمِن لهم الجنّة، وضَمِن لهم العودة ولم يقُمّ أحد، وقال: قُمّ يا حُذيفة.
اليوم كم حُذيفة عندنا من قطاع غزة قام ولبّى النِداء؟ ولذلك كيف نربط مُستمعينا الكِرام كل هذه المُجريات مع عقيدتنا، مع ديننا، مع شريعتنا، كيف نُواسي أنفسنا؟ كيف نرفع معنوياتنا؟ أمام هذا الدم الذي ينزف في قطاع غزة، أكثر من مائة ألف ما بين شهيد وجريح، ولا يزال هناك أُناس تحت التراب وتحت الأنقاض، ولكننا دوماً مؤمنين بالله عز وجل، أنَّه لا يجري في قدر الله إلا ما أراد الله، والله ربُّنا سبحانه أعطانا بعض الرسائل قبيل السابع من أكتوبر، قال لكم: انظروا في لمحة بصر في زلزال آتي بالمائة ألف، وفي لمحة بصر في بركان آتي بنفس العدد، ولكن سبحانه وتعالى اصطفانا لنكون في عِداد الشهداء، وفي عِداد المُرابطين و في عِداد المُجاهدين على هذه الأرض المُباركة.
أُريد أن أنتقل مباشرةً إلى الأردن هذه المرّة عبر الهاتف، معي الداعية الدكتور بلال نور الدين، مرحباً بكم مولانا عبر الأثير، أسعد الله أوقاتك، تحية لكَ ولأردُّنا الحبيب الشقيق، ومرحباً بك ضيف عزيز على هذه الإذاعة، تحية نابُلسية لأهلِنا في الأردن.

الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، وحفِظكم، ونفع بكم، جزاكم الله خيراً، حيّاكُم الله و لكم من الأردن أرض الحشد والرِباط كل خير وكل سلام من أهلها جميعاً.

المذيع:
سلّمكُم الله، أمام كل هذه المُجريات مولانا، يتساءل الناس وقد بلغت القلوب الحناجر، يعني بعض الأسئلة لدى الناس يتساءل، متى سيُنادي الله عز وجل نداء أن يا سماء أقلعي، متى الفرج؟ أين مَعيّة الله؟ أين نصره؟ وقد يتساءل الناس ويُبالغ في ذلك، اليوم من يرى المشهد في قطاع غزة ويتحدث عن كرامة الشهيد ومكانته، واصطفائه، يتساءل أيضاً عن المعيَّة لله عز وجل، ومنهم من يشاهدها:

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
(سورة الأنفال)

ولكن يسأل بعضهم أحياناً أين طير الأبابيل؟ لِما لا يجعل ربّنا عز وجل، صواريخهم برداً وسلاماً علينا؟ يتساءل الناس الكثير من الأسئلة حول معيّة الله، حول وجوده، حول مُعطيات وقراءات لأحداثنا هنا في فلسطين، من أي زاوية ممكن أن تقرأ؟ و من أين لك أن تبدأ؟ تفضل.

الله عز وجل يؤخر النصر ليبلو بعضكم ببعض:
الدكتور بلال نور الدين:
حيّاكم الله، الحقيقة هناك آية أو جزء من آية في كتاب الله تعالى، تُجيب على كثيرٍ مِن هذه التساؤلات، يقول المولى جلَّ جلاله:

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
(سورة محمد)

أقول هذه الآية تُجيب على ثلاث تساؤلات مُتتالية، كل سؤال يعقبه سؤال.
السؤال الأول: أليس الله تعالى بقادرٍ على أن ينتصر من هؤلاء المجرمين؟ في هذه اللحظة، في هذه الدقيقة، الآن ونحن جميعاً نُحبُّ النصر، ونستعجله، فيأتي جواب المولى جلَّ جلاله: (ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ) قدرته مُطلقة، وخياراته مُطلقة جلَّ جلاله ولا يحدُّه شيء.
إذاً (ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ) يمكن في هذه اللحظة، في تلك الثانية كُنّ فيكون، فيَتحقَّق النصر، ويَتحقَّق الفوز، وينجو أهل الإيمان بإيمانهم ويُهِلك الله الظالمين ممكن، لماذا يا رب إذاً لا يحصل ذلك؟! قال: (وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)، إنها سُنَّة الحياة، إنّه الابتلاء، ليبلو الله الظالم بالمظلوم، والمظلوم بالظالم، لينظر كيف يفعل المجاهدون وكيف يفعل الخائِنون؟ كيف يفعل الثابتون؟ وكيف يفعل الذين خانوا الله تعالى، وخانوا رسوله، وخانوا الأمانة، ووقفوا في صف المجرمين والطُغاة؟ (وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)، حتى يستحق أهل الجنّة الجنَّة بتضحيتهم، ويستحق أهل النارِ النارَ بخيانتهم، يعني بمعنى آخر والله تعالى جلَّ جلاله كما قلنا له مُطلق القُدرة، والله تعالى واجب الوجود، ألم يكن من المُمكن أن يضع هؤلاء المجرمين في حِقبة وأن يضعنا في حِقبةٍ أُخرى؟ بلى، ألم يكن من الممكن أن يضعهم في قارّةٍ وأن يضعنا في قارّةٍ أُخرى؟ بلى، بل في كوكبٍ آخر، فكل الخيارات مفتوحةٌ أمام المولى جلَّ جلاله، ولكنه شاء جلَّ جلاله أن نعيش معاً في أرضٍ واحدة، وفي زمنٍ واحد، لأنَّ الحقَّ لا يقوى إلا بالتحدّي، ولأنَّ أهل الحقّ لا يستحقون الجنَّة إلا بالبذل والتضحية، لذلك قال: (وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ).

الدنيا ليست نهاية المطاف فنحن مخلوقون للآخرة:
فيأتي السؤال الثالث فوراً، ولكن يا رب الفاتورة كبيرة! الثمن باهظ! آلاف مُؤلَّفة من الشهداء، آلاف مؤلَّفة من الأيتام، من الثكالى، من الجرحى، الأبنية المُدمّرة، الفاتورة كبيرة، فالبلاء طويل وعظيم، فيُكمل المولى جلَّ جلاله ليُريح النفوس: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6))
إيّاكم أن تظنوا أنَّ الدنيا نهاية المطاف، إيّاكم أن تعتقدوا أننا نعيش في الدنيا وفقط، انظروا، لا تنظروا بعالم الشهادة فقط، معظم الناس أخي الحبيب اليوم بسبب الحياة المادية التي سيطرت علينا ينظرون بعينٍ واحدة.

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
(سورة الروم)

فينظروا إلى المشهد بعينٍ واحدة، دمار، خراب، شهداء، لكن لو نظر بالعين الثانية، ماذا أعدَّ الله للشهداء، ماذا أعدَّ الله تعالى لِمن قضى في سبيله؟ وماذا أعدَّ للظالمين المجرمين؟ لذلك جاء ختام الآية مُطمئِناً للنفوس، مهما كانت الفاتورة باهظة، ومهما كان الثمن كبيراً،(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5))، لم ينتهي الأمر، مازال هناك حياةٌ أُخرى ليست الدنيا فيها إلا كما يأخذ المِخيّط إذا غُمسَ في مياه البحر، فلينظر الإنسان بما يرجع؟ لا يرجع بشيء، ما هي الدنيا؟ نحن مخلوقون للآخرة أخي الحبيب، وجِئنا إلى الدنيا مؤقتاً لنُقدّم سبباً يؤهلنا لدخول جنَّة ربنا.

المذيع:
حسناً لِمن يقول نحن من بدءنا، ونحن من غامرنا، ونحن من قامرنا، وشعبنا عمل الطوفان والسابع من أكتوبر، وقتَّل الناس، وهدّم بيوتها، وانظر الفاتورة كما ذكرت العالية! لا يجري في مُلك الله إلا ما أراد الله مولانا.

الحياة كلها ابتلاء:
الدكتور بلال نور الدين:
والله يا سيدي هم الذين بدأوا وليس نحن، هم الذين بدأوا بالحصار، وهم الذين بدأوا بالاعتقال، وهم الذين بدأوا بمنع كل ما يمكن أن يصل إلى أهلنا من غذاء، ومن دواء، يعني أنت اليوم عندما تلوم المظلوم وتترك الظالم هذا من تلبيس إبليس على الإنسان، من الذي بدأ؟ هل كان أهلنا في القطاع يعيشوا حياةً هانئة، مُنعمّة، عندهم كل شيء، أم كانوا محاصرين؟ ثم لو أننَّا قلنا بهذا الأمر إذاً فَلنترك البطولة، ولنترك الجهاد، ولنترك العمل، ولنترك الدفاع عن الأرض، ولنترك الدفاع عن المُقدّسات، ولنجلس في بيوتنا حتى لا نبدأ، فالحياة كلها ابتلاء و نحن جِئنا إلى الحياة من أجل أن نُصارع الباطل.

المذيع:
ولكن لا شكّ مولانا أتعبتنا الصور، وأتعبتنا المشاهد، وأتعبتنا المناظر من قطاع غزة، وهذه الفاتورة الكبيرة.

نحن اليوم نستّمد قوّتنا من أهل غزة ومن ثباتهم:
الدكتور بلال نور الدين:
صدقت، والله نحن الذين نجلس خلف الشاشات، يعني معاذ الله أنْ أقول قهرنا أكبر من قهرهم، فهم يعيشون الظلم على الأرض، يعيشون الواقع المرير، لكن نحن ما الذي أتعبنا؟ والله أتعبنا عجزُنا، أتعبنا قهر الرجال، لأننّا نرى إخوةً لنا ولا نستطيع أن نُمدّهم بما ينبغي أن نُمدّهم فيه، لا نستطيع أن نكون عوناً لهم كما ينبغي أن نكون، فيقهَرُنا تقصيرُنا، وعجزُنا، لكن هُم والله عندما نرى صور ثباتِهم، وصور صُمودهم أصبحنا نستّمد منهم القوة، وهم المُبتَلون ونحن المُعافون، فأصبحنا نستّمد منهم القوة، نحن اليوم يُتعبُنا جداً صورة الطفل بين يدي أمه قد قضى إلى ربه، ولكن عندما ننظر إلى الأم فتقول: رضينا، وتقول: والله نحن مع الجهاد، وتقول نحن مع المقاومة، و نحن مع أن ننتصر لحقِّنا، وأن ننتصر لِما ظُلمنا به فنصغُر أمامها، نحن نصغُر اليوم أمام هذه التضحيات، فو الله ما يُتعبُنا هو قَهرُنا وعجزُنا وألم الفراق، لكن يُسعدنا عندما نقرأ قول ربنا:

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
(سورة يس)

فأين هو؟ أين هم الآن الذين ودّعناهم؟ قد أصبحوا في مكان أجمل من مكاننا، وفي وضع أفضل من وضعنا، لا أقول بمائة مرة بل بملايين المرات، فنحن والله ما يُقهِرُنا هو عَجزُنا، لذلك لو أنَّ كل ّ واحدٍ مِنّا لجأ إلى ربه بدعاءٍ صادق، وأعان إخوته بما يستطيع:

لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
(سورة الطلاق)

فكل إنسان يعلم ما آتاه الله.

قوة إيمان المجاهدين في قطاع غزة:
المذيع:
مولانا ما بين من أستيأس

حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)
(سورة يوسف)

يوجد أُناس ظنّوا، يقول لك: غداً نتهجر، غداً يُبيدوننا، غداً سيُنزلوا الماء إلى الأنفاق، كل هذه الأصوات، وما بين السؤال الثاني الذي يسأل من أين كل هذه القوّة؟! ما هذه العقيدة التي يملكوها؟! ما الذي يجعله يخرج حافي القدمين؟! ما الذي يجعله يضع من نقطة الصفر سلاحه، وأنا واحدٌ منهم وكأني والله أقرأ السيرة، وأظنّ النبي صلى الله عليه وسلم بيننا يتحدّث بأحاديثه، أَقرأ القصص وأقول بلال وضعوا الصخرة عليه نصف ساعة، ساعة، يوم أو يومان فأصبح أسطورة، أحدٌ أحد، والله عندنا وضعوا قنبلتان نوويتان، بينما أذهب إلى الخندق وأرى قُمّ يا حُذيفة فأرى ألف حُذيفة في قطاع غزة فأقول يا فَخرَنا.
ما بين آيات الله عز وجل التي تُتلى سواءً المائدة، سواءً الأنفال، سواءً آل عمران، قصص وآيات كأنها تتنزل، نبدأ (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) بالأُناس التي يَئست ماذا تقول لهم.

الدكتور بلال نور الدين:
صدقتم، اليوم سيدي نحن كُنّا نقرأ في الكتب، ونُصدِّق ما نقرأه لأنّه جاءنا من الخبر الصحيح، ولكن عندما كُنّا نريد أن ننقل المعلومة إلى الجيل الجديد، إلى شبابنا اليوم نجد صعوبةً في نقل المعلومة، لأنك عندما تقول له كما تفضّلت حُذيفة، وخالد، وبلال ، فيقول أين نحن من هذا الزمان؟! هم في زمن غير زماننا، هم عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى آخره.
اليوم أصبح نقل المعلومة أسهل للجيل، اليوم نقول له انظر إلى فلان وفلان، انظر إلى الفيديو، انظر وشاهد بعينك، لم تعد المسألة مجرد كلمات نقرأها في كتب، والله أعادونا إلى عصور الأمة الزاهرة، ذكّرونا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، بسيرة صحابته، بسيرة الفاتحين الأوائل.

المذيع:
حتى أطفالهم، والله مشهد لا يخرج من عقلي! أول أمطار نزلت على أهلنا في غزة طفل يقول: الله سَمِعنا، الله يريد أن يَسقينا ماءً نقياً، الله يعرف أننا عطشى.

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
(سورة الأنفال)

مباشرة طفل، أقول لك قصة والله حقيقية مولانا وخرَجَت على الإعلام، طفل يقول لأمه: يا أمي أنا أريد أن أستشهد، قالت له: لماذا يا بني؟ قال لها: لأني أنا جائع وعند الله لا يوجد جوع! عند الله لا يوجد عطش، بهذه الفطرية يتحدث أطفال غزة!

غزة اليوم وحدّت العقيدة بين الفرق الإسلامية:
الدكتور بلال نور الدين:
يعني أحيَوا في نفوسنا الإيمان، أمس ليلاً كنت أقول لبعض الإخوة كنت بينهم: الآن لا تتحدثوا بتلك الاختلافات العَقديّة، العقيدة هي ما نشاهده اليوم على الشاشة، العقيدة الصحيحة هي ما نشاهده على الشاشة، دعكم من الكتب، دعكم من الاختلافات التي كانت تجري بين بعض الفِرق الإسلاميّة في العقيدة، في العقيدة وحدّتنا اليوم غزة، وحدتّنا فلسطين، اليوم ننظر إلى الشاشة فنرى العقيدة بأعيُننا، نرى أُمّاً تُودع طفلها ثابتةً راضيةً بقضاء الله، نرى طفلاً يقول لن نترك أرضنا! هذه هي العقيدة، نرى رجلاً يقترب حافي القدمين ليضع القنبلة من مسافة صفر أو القذيفة، هذه هي العقيدة، هذا هو الإيمان، فو الله اليوم أيُّها الأخ الكريم، أعادتنا غزة وأعادتنا فلسطين إلى العقيدة الصافية، إلى الإيمان الحقيقي الذي ليس في الكتب وعلى الأوراق، وإنّما هو واقعٌ نُشاهده، من السهل جداً أن تنظر إلى السلبيات اليوم في المشهد، وكلّ حرب فيها فاتورة ستُدفع، ليس هناك حرب بلا خسائر.

المذيع:
المُرجفين والمنافقين موجودون من عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

الدكتور بلال نور الدين:
بالتأكيد، لكن ليس مهمتنا اليوم أن ننظر إلى السلبيات فقط، كُنّا نعيش ألماً دائماً، اليوم بفضل الله نعيش ألماً لكنه ممزوج بأمل عظيم، فاليوم ينبغي أن نَنظر إلى الإيجابيات في المشهد، اليوم من ثمانين أو تسعين يوم ربما لا نستطيع أن نقول كلمة جهاد، فنُتّهم بما نُتّهم به، اليوم بفضل الله على المنابر في عمّان، وفي صلواتنا وفي دُعائنا، وفي كل صلاة نَقنُت وندعوا للمجاهدين، الصابرين، المُرابطين، ألا يكفي أننّا رجعنا إلى عِزتنا، إلى ديننا؟! ألا يكفي أننا رجعنا إلى الجهاد، الذي يوم تخلينا عنه خوفاً أو جُبناً، وحتى حذفناه من مناهجنا حتى لا يتسرب إلى أبنائنا وجيلنا، بل صرنا نخاف أن نطلق على أحد أولادنا اسم جهاد لكي لا يُمنح يوماً سِمَة دخول إلى بلدٍ من البلاد، ألا يكفي أننا اليوم أصبحنا نقول الكلمة بملء أفواهِنا؟ مِن الإيجابيات الكثيرة التي حصلت اليوم في عالِمنا.

المذيع:
وقال عندنا دكتور شريعة إسلامية، ودَرَسَ عندكم في عمّان، الدكتور مسعود الكوني، لا زلت أحفظ قال: الذي فعلته غزة لم تفعله ملايين الخُطب ولا ملايين المنابر، لا خُطب، ولا شيوخ، ولا منابر تعليم مُباشر، وتغذية مُباشرة.
أُريد أن أذهب إلى نقطة أخيرة، متى نصر الله؟ أعطِنا شحنة يا شيخنا، تعبنا، خمسة وسبعون يوم تحت الضغط.

متى نصر الله؟
الدكتور بلال نور الدين:
يا سيدي في القرآن الكريم:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
(سورة البقرة)

هذا سؤال مشروع، فجاء الجواب (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
قريب لكن ربنا جلَّ جلاله له حِكمة، ولا بُدَّ من إتمام العملية، ولا بُدّ من إتمام العلاج بالشكل الكامل حتى يأتي النصر شامِلاً، عامّاً، حتى يتم التحرير إن شاء الله تعالى، فنصر الله تعالى آتْ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
(سورة فاطر)

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متوسّداً رداءاً في ظل الكعبة، فجاءه خباب بن الأرت قال: يا رسول الله ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ كنا نتخيل جميعاً أن يقف رسول الله وهو أمام بيت الله الحرام وأن يقول: يا رب انصرنا، وهذا حقّ وينبغي أن نقوم به كل يوم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فعلها في بدر، لكن لمح في كلامه أن بعض اليأس بدأ يتسرّب إلى النفوس، أو بعض الشّك، فوقف واحمرَّ وجهه وغضب صلى الله عليه وسلم قال:

{ أتَينا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ متوسِّدٌ بُردةً في ظلِّ الكعبةِ فشَكَونا إليهِ فقُلنا ألا تَستنصِرُ لَنا ألا تدعو اللَّهَ لَنا فجلسَ مُحمرًّا وجهُهُ فقالَ قد كانَ مَن قبلَكُم يؤخذُ الرَّجلُ فيُحفَرُ لَه في الأرضِ ثمَّ يؤتى بالمنشارِ فيُجعَلُ علَى رأسِهِ فيُجعَلُ فَرقتينِ ما يصرِفُهُ ذلِكَ عن دينِهِ ويُمشَّطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ عظمِهِ من لحمٍ وعصَبٍ ما يصرفُهُ ذلِكَ عن دينِهِ واللَّهِ ليُتمَّنَّ اللَّهُ هذا الأمرَ حتَّى يسيرَ الرَّاكبُ ما بينَ صنعاءَ وحَضرموتَ ما يخافُ إلَّا اللَّهَ تعالى والذِّئبَ علَى غنمِهِ ولَكِنَّكم تَعجلونَ. }

يعني الإنسان عنده عَجَلة دائماً، يُحب العَجلة، يُحب أن يأتي النصر في تلك اللحظة، أنا أقول أيها الأخ الكريم، ربنا جلَّ جلاله في القرآن لمّا قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
(سورة الصف)

الفوز تحقّق أخي الكريم، انتهى، أهل فلسطين فازوا، أهل غزة فازوا، لأنهم جاهدوا، فالفوز تحقّق، ما الذي بقي؟ شيء استثنائي أمام الفوز:

وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
(سورة الصف)

هناك نصرٌ وفتحٌ قادم، أما الفوز فقد تحقّق بمجرد أنك جاهدت في سبيل الله، بمجرد أننا نقف مع الحقّ اليوم، بمجرد أننا اليوم نتحاور على هذه الإذاعة الطيّبة، ونقف مع الحقّ وأهل الحقّ فإن شاء الله قد فُزّنا عند الله، لأننا لم نهادن، ولم نَخُن، ولم نُطبّع، ولم نتآمر، فقد فُزّنا ولله الحمد، لكن بقيَّ النصر وهو قريبٌ جداً جداً، ولكن نحن قد نراه بعيداً أحياناً بحكم ما خُلقنا وجُبِلنا عليه من العَجلة، لكن ربنا عز وجل في لحظةٍ واحدة يقلب الموازين، ونحن نعبُد الله تعالى بالرضا، ونعبُد الله بالانتظار، وانتظار الفرج عبادة.

المذيع:
نسأل الله القبول لنا ولك والثبات، شكراً جزيلاً لك مولانا وأسعد الله أوقاتك، مرّة أُخرى سعيد جداً بهذا اللقاء، وهذا الحوار، وهذه القراءة الإيمانيّة العقائديّة لمُجريات الأحداث في قطاع غزة، وربطها بشريعتنا، بديننا، بما يحدث هناك، شكراً جزيلاً لك الداعية الإسلامي من الأردن الحبيب هذه المرّة، وأسعد الله أوقاتك دكتور بلال، ونلقاك دوماً على خير، شكراً جزيلاً لك، أكرمكم الله

الدكتور بلال نور الدين:
أسعدكم الله وبارك بكم، حيّاكم الله.