معركة الحق والباطل في غزة
معركة الحق والباطل في غزة
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
اللَّهم علّمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً وعملاً مُتقبّلاً يا رب العالمين، وبعد: |
أقسام الأحكام التي يصدرها العقل:
الله تعالى واجب الوجود
2- أما ممكن الوجود فهو معظم الموجودات في الحياة، نحن المخلوقون كلنا ممكنو الوجود بمعنى أن وجودنا ليس واجباً وليس مستحيلاً، يمكن أن نوجد ويمكن ألا نوجد. |
هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلْإِنسَٰنِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْـًٔا مَّذْكُورًا (1)(سورة الإنسان)
لم نكن موجودين أصلاً وبعد حين لن نكون موجودين؛ فنحن ممكنو الوجود بمعنى أننا وجدنا لأن الله أراد أن نوجد، وممكن الوجود قد يوجد على الحالة التي هو عليها، أو على حالة أخرى، فأنا موجود اليوم على حالة محددة من طول، ووزن، وعرض، لون وكان من الممكن أن أكون بحالة مختلفة عن هذه الحالة، لكن قدّر الله أن أكون على هذه الحالة؛ هذا معنى ممكن الوجود. |
من المستحيل أن يكون الجزء أكبر من الكل
|
الحكمة من اجتماع أهل الحق مع أهل الباطل في الزمن نفسه وفي الأرض نفسها:
الحق لا يقوى إلا بالتحدي
|
قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ(أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة)
فلا بد من أن نقدم سببها، وأحد أهم أسبابها هو ذلك الصراع بين الحق والباطل، أن تواجه أهل الباطل أن تثبت على الحق، ألا تخنع لهم، ألا تجاملهم، ألا تستسلم لجبروتهم ولطغيانهم، فأنت دائماً تريد أن تدفع أو أن تقدم سبباً لدخول الجنة، فتكون تلك المواجهة مع أهل الباطل هي سببك لدخول جنة الله تعالى. |
الاستعجال في طلب النصر:
فإذاً أيها الكرام نحن قدرونا أننا في أرض واحدة وفي حقبة واحدة، فلا يقولن قائل: أنا مللت، أنا لم أعد أحتمل، أنا الوضع العام أحبطني، لماذا يفعلون ذلك؟ لماذا لا ينتقم الله تعالى منهم اليوم؟ مثل ما أنت تحب أن يصير، مثلما تذهب عند الطبيب وتقول له: أنا أريد أن أتخلص من الوجع، يقول لك: يلزم أول شيء أن تأخذ مساراً علاجياً، وتعال بعد أسبوع، تقول له: الآن خلصّني، يقول لك: لا يوجد الآن، هناك مسار ثم ترجع، فدائماً نحن نستعجل، قال تعالى: |
خُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءَايَٰتِى فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)(سورة الأنبياء)
وَيَدْعُ ٱلْإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ عَجُولًا (11)(سورة الإسراء)
عجلتنا هي نقطة ضعف
|
النصر مع الصبر:
الصبر هو حبس النفس
|
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ ٱلْءَاخِرَةَ (21)(سورة القيامة)
(وَتَذَرُونَ ٱلْءَاخِرَةَ) التي هي آجلة وتريدون العاجلة؛ هذا غير المؤمن، المؤمن يذر العاجلة، يذرها لا يعني يتركها ولكن يعني لا يفعل الحرام من أجلها، ويتعلق بالآجلة فيوظف العاجلة لخدمة الآجلة؛ هذه هي، فاليوم نحن نعيش واقعاً مأساوياً كان -كما قلت سابقاً- عبارة عن كتلة من الآلام، وأصبح اليوم كتلة من الآلام فيها بذور الآمال، فأصبح الألم ممزوجاً بالأمل أو ببعض الأمل، لكن على كل حال وعلى كل وضع لا ينبغي أن نستعجل لأن الله تعالى له في خلقه سنن، وسنن الله لا تتبدل ولا تتغير، لا بد أن تنتهي العملية الجراحية على أحسن حال، أشبه ذلك بابن يحب أباه حباً لا حدود له، وقد اضطر والده إلى إجراء عملية قلب مفتوح تستغرق سبع ساعات ولا بد من فتح اللحم، ونشر العظم، والدخول إلى القلب وانتزاعه، وإجراء العملية وإعادته؛ أمر معقد جداً، والابن استطاع بطريقة أو بأخرى-وهذا صعب، لكن افتراضاً- أن يتسلل إلى غرفة العمليات فأمسك بالطبيب والمخدر، وقال له: أرجوك، أتوسل إليك لا تفعل ذلك بأبي، أُفُقه ضيق يظن أن المظهر فتح عظم وكذا، ما استوعب أن الطبيب يحاول أن يعالج مشكلة مزمنة بحل ناجع نهائي، فتمسك به وقال له: أرجوك، يستدعي بعض العمال ويقول لهم: أخرجوه، العملية يجب أن تتم و إلا يموت المريض، هذا المثل البسيط يشبه حالتنا وواقعنا اليوم عندما نستعجل العملية الجراحية التي تجري، نعم طال الأمد، نعم ولكنه لم يطل إلى الحد الذي يخالف سنن الله تعالى في الأرض، نحن اليوم إذا تكلمنا في قضيتنا وبوصلتنا قضية فلسطين، وهي بوصلتنا لأنها متعلقة بأقصانا بالمسجد الثالث بقبلتنا الأولى؛ فهي قضية دينية شئنا أم أبينا، وهم أعلنوها أنها قضية دينية، فجاء وزير خارجيتهم ليقول: أنا لم آتِ بصفة وزير خارجية وإنما جئت بصفة يهودي، وهذا غباء سياسي منقطع النظير، لأنه عندما تقول: أنا جئت من صبغة دينية، إذاً أنا سأواجهك بصبغة دينية؛ هذا غباء سياسي، لكن فلتة لسان أو غباء مقصود بالنتيجة هو غباء، فأنت تواجهني إذاً بالدين وتعلنها، وهذا حمية لي أن أقول لك: إذاً لم يعد شيء أخشاه، وأنا جئت بصفتي مسلم إذاً، فاليوم هذه الحرب المعلنة الشديدة التي يواجهوننا بها و القضية الفلسطينية- كما قلت- إذا نظرنا إليها بمقياس الزمان والمكان، فهي قضية مضى عليها تلك الخمس وسبعون سنة أو بهذا الحدود، وبعمر جيل، والتاريخ يعلمنا دائماً أن الأمم والأجيال من جيل إلى جيل يتغير الواقع ويتبدل الحال من مئة سنة إلى مئة سنة، فنحن شاء الله لنا أن نكون في صميم المعركة شبابنا وكهولتنا نعيشها الآن بصلب المعركة، لكن الله أعلم كم يكتب الله -عزَّ وجلَّ- لنا ولهم طبعاً قبلنا من الثواب العظيم ما دمنا ثابتين إن شاء الله على الحق. |
مفهوم النصر الحقيقي:
أعظم أنواع النصر هو ألا تهزم في المعركة
|
مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا (23)(سورة الأحزاب)
ما حادوا عن مبادئهم، ما خانوا العهد، ما خنعوا، ما طبّعوا، ما وافقوا المجرم على إجرامه، فالنصر المبدئي يعني أن ينتصر الإنسان على نفسه فيمنعها من معصية الله، وأن ينتصر عليها ثانياً فلا تتضعضع أمام الأقوياء، ولا تلين أمام الشدائد، وتبقى ثابتة حتى تلقى الله، آلاف المنتصرين اليوم في أرضنا المحتلة مضوا إلى ربهم، آلاف المنتصرين لأنهم ما بدلوا وما غيروا، فالظفر والغلبة هو جزء من النصر لكنه ليس كل النصر، الظفر والغلبة نصر لكن ليس كل النصر، والنصر مفرح والله تعالى يقول: |
فِى بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ ٱلْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنۢ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍۢ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ ٱللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (5)(سورة الروم)
ويقول: |
قَٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍۢ مُّؤْمِنِينَ (14)(سورة التوبة)
والله تعالى لا ينصر أعداءه، كم من حرب خاضوها وقال البعض: قد انتصروا علينا، وهم في الحقيقة ما انتصروا، مُحال أن ينتصر المجرمون، قد تقوم لهم قائمة بسبب تقصيرنا، وقد ينتفش باطلهم بسبب بُعد أهل الحق عن حقهم لكنهم لا ينتصرون. |
وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ ۗ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ (126)(سورة آل عمران)
فالله لا يمنح النصر لأعدائه. |
وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)(سورة آل عمران)
المقياس القرآني هو مقياس الإيمان
|
{ ...قُم يا عمرُ فأجِبْهُ فقُل: اللهُ أعلَى وأجَلُّ، لا سَواءَ قَتلانا في الجنَّةِ وقتلاكُم في النَّارِ.... }
(حديث صحيح) أخرجه الألباني عن عبد الله بن عباس
يكفي ذلك، أما يكفي أنه قُتل في المعركة فأصبح في نار جهنم وبدأ عذابه من لحظة موته في برزخه. |
وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۙ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ (50)(سورة الأنفال )
إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِىٓ أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ قَالُوٓاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا (97)(سورة النساء)
ظلموا أنفسهم، فلما توفتهم الملائكة يضربون وجوههم كما جاء في بعض الآيات. |
ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوٓاْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ (46)(سورة غافر)
هم من لحظة موتهم في عذاب، وشهداؤنا الذين نحتسبهم عند الله شهداء من لحظة قضائهم إلى الله في نعيم، فمن المنتصر؟! |
أحبابنا الكرام مفهوم النصر مفهوم عميق جداً، نحن قد اختزلناه أحياناً في عمقنا ومع أولادنا ومع من نتكلم معهم، اختزلناه بالظفر على العدو، الظفر على العدو: |
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ (140)(سورة آل عمران)
النصر أن ينتصر الإنسان على نفسه لمبادئه ولقيمه
|
الدعاء:
اللهم انصر أهلنا المجاهدين في غزة، اللهم أعلِ رايتهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم على أتقى رجل منهم، اللهم اجعل العز والتمكين و الغلبة والظفر والنصر لهم على عدوهم، اللهم شتت شمل عدوهم، واجعل الدائرة تدور عليه، واجعل تدميره في تدبيره، اللهم اجعلها سني عليهم كسني عاد، وكسني يوسف لا تبقي لا تذر يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل على أهلنا المستضعفين اللهم أنزل عليهم الخير والبركة، وأنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، ارحم شهداءهم، وداوِ جرحاهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ مبتلاهم، واكسُ عريانهم، واسقِ عطشانهم، وأطعم جائعهم، واجعل لنا في كل ذلك سهماً متقبلاً، وعملاً صالحاً يا أكرم الأكرمين، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم مُنزل الكتاب، هازم الأحزاب، مُجري السحاب انصرنا عليهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين، وصلِ إلهي وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله. |