من معاني عبادة الحج والعمرة

  • محاضرة في السعودية
  • 2019-12-30
  • مكة
  • السعودية

من معاني عبادة الحج والعمرة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، جزى الله عنا شيخنا الفاضل خير الجزاء على ما تفضل به علينا، وعلى هذه العمرة المباركة بمعيته، بارك الله به، ونفعنا بعلمه، وبحاله، وبمقاله.


العبادات معللة بمصالح الخلق :
العبادات معللة بمصالح الخلق
أخواننا الكرام؛ يقول الإمام الشاطبي: العبادات معللة بمصالح الخلق، بمعنى أن الله تعالى لم يشرع عبادة من العبادات إلا لمصلحةٍ من مصالح الخلق، لكن المصالح الحقيقية وليس المصالح المتوهمة، قد يتوهم إنسان أن مصلحته في كسب المال الحرام، هذه ليست مصلحة، لأن مصيره إلى النار، نحن نتحدث عن المصالح الحقيقية، فالله لم يشرع عبادةً من العبادات إلا لمصلحة حقيقية لعباده.
1- الصلاة:

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖإِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
(سورة العنكبوت: الآية 45)

عن الفحشاء في القول، وعن المنكر في الفعل، هذه مصلحة الصلاة.
2- الصيام:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(سورة البقرة: الآية 183)

علل الصيام بتحصيل التقوى.
3- الزكاة:

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا
(سورة التوبة: الآية 103)

مصلحة الزكاة أن تحقق طهارة النفس، وزكاة النفس، ونماء النفس.

علة المشاعر المقدسة :
ما علة- ونحن اليوم في البيت الحرام- هذه المشاعر المقدسة؟ قال تعالى:

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(سورة المائدة: الآية 97)

أعظم إيمان المرء
علة العمرة، وعلة الحج، وعلة بيت الله الحرام الذي جعله الله للناس، أن نعلم أن الله يعلم ما في السماوات، وما في الأرض، وأعظم إيمان المرء أن يعلم أن الله يعلم، فإذا علم أن الله يعلم استقام على أمره، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة كما تفضل شيخنا، السلامة والسعادة أن يعلم أن الله يعلم، فلما عاتب الله عز وجل عباده يوم القيامة قال:

ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ
(سورة فصلت: الآية 22-23)

فالحج أيها الكرام؛ عندما تطوف حول البيت الحرام، وتسمع آلافاً مؤلفة من اللغات من كل حدب، ومن كل صوب، كلٌّ يناجي الله بلغته، منهم من يناجيه بدمع العيون، ومنهم من يناجيه بالإنكليزية، أو بالعربية، أو بالفرنسية، أو بالأوردو...إلخ، والله تعالى يسمع دعاء الجميع، ويتجلى على الجميع، ويملأ قلب الجميع خشوعاً وسكينةً وطمأنينةً، عندها تعلم أن الله يعلم، فإذا علمت أن الله يعلم ما في السماوات، وما في الأرض، فقد تحققت العلة التي من أجلها كانت الكعبة، وكان البيت الحرام (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أرجو الله أن نكون جميعاً قد تحققنا من هذا المعنى، ونحن نطوف حول البيت، ونحن نسعى بين الصفا والمروة، ونستشعر علم الله تعالى بأن الله معنا بعلمه وبقدرته، يسمع نجوانا، ويسمع شكوانا، فإذا حققنا ذلك فقد حققنا العلة، أو حققنا مقصد الحج، ومقصد العمرة.

مراقبة الله و معرفتنا أنه يعلم كل شيء :
يوم كنا صغاراً كانوا يحكون لنا قصة لطيفة كلكم سمعتموها، قصة بائعة الحليب:
قالت: بنية قومي فامزقي اللبنـــــا فالماء سوف يزيد الوزن والثمنا قالت لها البنت: يا أمــــاه معــذرةً فقد نهى عمـــــــــرٌ أن نخلط اللبنـا قالت الأم: أنى يرى عمر صنيعنا إنما الفاروق ليــــــــــــــــس هنـــــــــــا قالت البنـــــت: لا تفعلــــــــــــي أبداً فالله يعلـــــــم منا الســــــــــر والعلنـا إن لم يكن عمر الفاروق يبصرنا فإن رب أبي حفصٍ هنـــــــــا معنـا ***
{ بائعة اللبن - جدة عمر بن عبد العزيز }
عمر بن الخطاب كان يعسُّ ليلاً، كان يتفقد رعيته فسمع الكلام، في الصباح قال لزيد بن أسلم: اذهب إلى هذا البيت واطرق الباب وانظر من القائل ومن المقول له، فإذا امرأةٌ وحفيدتها أو وابنتها، البنت هي التي تقول: إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا، فذهب إلى أولاده وقال: لأزوجنها لأحدكم، ولو كان لي حركة من النساء لتزوجتها، لأن عمر يعلم أن هذه الفتاة التي تراقب الله تعالى، وتعلم أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، يعلم أن هذه الفتاة ستُنشئ جيلاً مختلفاً، فقال عبد الله: لي زوجة، وقال الآخر: لي زوجة، فقال عاصم: أنا ليس لي زوجة فزوجني، فزوجه، هذه أم عمارة، فكان من نسلهما حفيدهما عمر بن عبد العزيز الذي أعاد للخلافة راشديتها.
إذاً أيها الكرام؛ (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) فإن وصلنا إلى أن الله يعلم فقد تحققنا من عمرتنا، وتحققنا من طوافنا ( ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) عمر رضي الله عنه دخل إليه رجل قال:
يا عمر الخير جزيت الجنة اكس بنياتي وأمهنـــــــــه وكن لنا في ذا الزمان جنة أقسم بالله لتفعلنـــــــــــــه {الأعرابي} قال وإن لم أفعل يكون ماذا؟ {سيدنا عمر} قال: إذا أبا حفص لأمضينه {الأعرابي} قال: وإذا مضيت يكون ماذا؟ {سيدنا عمر} قال: والله عنهن لتسألنـه يوم تكون الأعطيات منـة وموقف المسؤول بينهنه إما إلى نار وإما إلى جنة ***
{ الأعرابي }
فلم يملك عمر إلا أن ذرفت دموعه فدخل بيته فلم يجد إلا عَبَاءَتِهِ فخلعها وأعطاها له، وقال:
خذ هذا ليوم تكون الأعطيات منة وموقف المسئول بينهن إما إلى نار وإما جنة
{ سيدنا عمر }
طلحة بن عبيد الله تبعه يوماً، كان عمر يدخل داراً كل يوم ويخرج منها، فطلحة استغرب هذا الموقف من عمر فتبعه يوماً حتى خرج من تلك الدار، فدخل وراءه إلى الدار فإذا بعجوزٍ عمياء مقعدة، عجوز كبيرة في السن ذهب بصرها، مقعدة لا تقوى حراكاً، فقال لها طلحة: ما شأن هذا الرجل الذي يأتيكِ؟ هي لا تعلم من يأتيها، هو أمير المؤمنين، قال: ما شأن هذا الرجل الذي يأتيكِ؟ قالت: والله إنه يتعهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويذهب عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة أعورات عمر تتتبع.
درس المراقبة هو درس العمرة
أيها الأخوة الكرام؛ إذاً درس المراقبة هو درس العمرة، أن نراقب الله، وأن نعلم أن الله يعلم، وأن الله ينظر، وأن الله تعالى يرانا، مطلعٌ علينا، عمر رضي الله عنه دخل يوماً بستاناً من بساتين الأنصار، فسمعه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يقول: أمير المؤمنين بَخٍ بَخٍ، وَاللَّهِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ اللَّهَ، كان يحاسب نفسه، ويراقب نفسه، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه في الآخرة حساباً عسيراً، لا أجمع على عبدي أمنين وخوفين، من أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، ومن خافني في الدنيا أمّنته يوم القيامة:

{ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" }

(أخرجه ابن حبان في صحيحه)


الكلمة الطيبة صدقة :
الناس يسرون بالكلمة الطيبة
أيها الأخوة الكرام؛ نستغل هذا الجمع لنذكر أنفسنا جميعاً بأخوةٍ لنا، وجّه أمس شيخنا - جزاه الله خيراً - نداءً للأمة بشأن أخواننا في إدلب الذين يعانون ما يعانون، فلا تنسوهم من دعاءٍ طيبٍ مبارك في هذه الأرض المباركة، دعاء طيب أن يمحو الله الهم عنهم، وأن يزيل الكرب، وأن يفرج، ومن استطاع أن يمدهم بمال، أو أن يمدهم بخيام، أو بطعام، أو بشراب، فوالله هذا حقهم علينا، وهو أقل الواجب، شيخنا أمس - جزاه الله خيراً- وجه نداءً ولقي استجابة، الناس يسرون بالكلمة الطيبة، يسرون بالدعوة الصادقة، فلا تبخلوا بأي شيءٍ على أخوانكم في سوريا، وفي إدلب، وفي ريف إدلب، وفي معرة النعمان، فلعل الله عز وجل يصلح الحال، ويفرج الهم.
والحمد لله رب العالمين