دعاء من جوامع كلم النبي الكريم
دعاء من جوامع كلم النبي الكريم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وعملاً متقبلاً يارب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
دعاء فيه جوامع الكلم:
وبعد: جاء في سنن النسائي بسند صحيح: |
{ صلَّى عمَّارُ بنُ ياسرٍ بالقومِ صلاةً أخفَّها، فَكأنَّهم أنْكروها! فقالَ: ألم أُتمَّ الرُّكوعَ والسُّجودَ؟ قالوا: بلى، قالَ أمَّا أنِّي دعوتُ فيها بدعاءٍ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يدعو بِهِ اللَّهمَّ بعِلمِكَ الغيبَ وقدرتِكَ على الخلقِ أحيني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خيرًا لي، وأسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ، وَكلمةَ الإخلاصِ في الرِّضا والغضبِ، وأسألُكَ نعيمًا لاَ ينفدُ، وقرَّةَ عينٍ لاَ تنقطعُ، وأسألُكَ الرِّضاءَ بالقضاءِ وبردَ العيشِ بعدَ الموتِ، ولذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهِكَ، والشَّوقَ إلى لقائِكَ، وأعوذُ بِكَ من ضرَّاءٍ مُضرَّةٍ، وفتنةٍ مضلَّةٍ، اللَّهمَّ زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ، واجعَلنا هداةً مُهتدين. }
(صحيح النسائي)
(صلَّى عمَّارُ بنُ ياسرٍ بالقومِ صلاةً أخفَّها) صلى صلاة بالناس فأخفها؛ أي جعلها خفيفة سريعة، لعلها ليست كما عهدوا منه أن يطيل في الصلاة (فَكأنَّهم أنْكروها) يعني استغربوا منها. |
الدعاء في الصلاة:
(فقالَ: ألم أُتمَّ الرُّكوعَ والسُّجودَ؟ قالوا: بلى) وكأن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- يعطينا هنا مقياساً لتمام الصلاة، الصلاة التي لا تُنكر على إنسان أن يتم ركوعها وسجودها، جاء بالركوع والسجود على وجههما الصحيح، وهما بالعادة ما يستعجل بهما الناس، فركع حتى استوى راكعاً، ثم قام حتى استوى قائماً، ثم سجد حتى استوى ساجداً، وهكذا، يعني أقل الركوع سبحان ربي العظيم بتمامها، وكماله: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، والأكمل: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقل به قدمي، السجود: أقله سبحان ربي الأعلى، وكماله: ثلاث مرات، وإذا زاد: "سُبُّوحٌ قُدُّوس رب الملائكة والروح" نِعمَ ما فعل، وإذا زاد: "سجد وجهي للذي خلقه فصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين" فحسن لا سيما في صلاة الليل التي يُندَب فيها الإطالة بالركوع والسجود. |
مواطن الدعاء في الصلاة في السجود
|
قال: أكثروا الدعاء في السجود فقَمِنٌ أن يستجاب لكم"؛ أي جدير أن يستجاب لكم، أما الركوع: "فعظموا فيه الرب" بالركوع لا يدعو الإنسان، تعظيم لله. |
{ أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم. }
(صحيح مسلم)
السجود: |
{ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء }
(صحيح مسلم)
ومن مواطن الدعاء: بعد الإفراغ من الصلوات الإبراهيمية وقبل السلام يدعو الإنسان بما شاء من خيري الدنيا والآخرة. |
(قالَ أمَّا أنِّي دعوتُ فيها بدعاءٍ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يدعو بِهِ-الآن دخلنا فيما نريد الدخول إليه- اللَّهمَّ بعِلمِكَ الغيبَ وقدرتِكَ على الخلقِ أحيني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي وتوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خيرًا لي، وأسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ، وَكلمةَ الإخلاصِ في الرِّضا والغضبِ، وأسألُكَ نعيمًا لاَ ينفدُ، وقرَّةَ عينٍ لاَ تنقطعُ، وأسألُكَ الرِّضاءَ بالقضاءِ، وبردَ العيشِ بعدَ الموتِ، ولذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهِكَ والشَّوقَ إلى لقائِكَ، وأعوذُ بِكَ من ضرَّاءٍ مُضرَّةٍ وفتنةٍ مضلَّةٍ اللَّهمَّ زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ واجعَلنا هداةً مُهتدين) هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم الذي جمع معانٍ كثيرة فيها معان عظيمة في كلمات قليلة. |
التوسل إلى الله:
(اللَّهمَّ بعِلمِكَ الغيبَ وقدرتِكَ على الخلقِ): هذه الباء للتوسل؛ يعني يدعو الله اللهم أي يالله، الميم بدل من الياء لذلك لا يُقال: يا اللهم، إما أن يُقال اللهم، أو يالله، الميم بدل من ياء النداء، وهذه الميم خاصة بلفظ الجلالة، فلا يُنادى أحد بالميم المشددة إلا الله، هذه من خصائص اللغة، فلا يقال لشخص اسمه بلال: بلالمّ، وإنما يا بلال، هذا لا يُنادى به إلا المولى جل جلاله اللهم. |
تتوسل إلى الله بأسمائه، أو صفاته
|
وقد تتوسل إلى الله تعالى بحبك لنبيه، اللهم بحبي لنبيك فرِّج عني ما أنا فيه، اللهم باتباعي لنبيك فرّج عني ما أنا فيه. |
وقد تتوسل إلى الله بأعمالك الصالحة، فتقول: اللهم إن كنت تعلم أنني أطعمت هؤلاء المساكين لوجهك ففرّج عني ما أنا فيه، كما فعل الثلاثة الذين سُدّ عليهم الغار فدعوا الله كل واحد منهم بصالح عمله، ففرج الله عنهم الصخرة فخرجوا يمشون، فالتوسل مشروع، وهذه الأنواع التي ذكرتها لا خلاف على جوازها بل على استحبابها وندبها، أن تتوسل إلى الله باسم من أسمائه، بصفة من صفاته، أن تتوسل إلى الله بحبك لنبيه، باتباعك لنبيه، أن تتوسل إلى الله بعمل صالح عملته، هذا التوسل لا خلاف في مشروعيته. فتوسَّل هنا -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه بعلمه الغيب وقدرته على الخلق، قال: (اللَّهمَّ بعِلمِكَ الغيبَ وقدرتِكَ على الخلقِ) بشيء من اثنين من صفات الله؛ الصفة الأولى هي العلم، والصفة الثانية هي القدرة. |
العلم والقدرة:
والله تعالى له صفات وله أسماء، من أعظم أسمائه وصفاته: العليم القدير، العلم والقدرة، العلم والقدرة صفات، والعليم والقدير أسماء، كقوله تعالى: |
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)(سورة الطلاق)
إلتزام الإنسان بمنهج الله تعالى
|
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14)(سورة العلق)
وندرك أنه قدير علينا في الدنيا وفي الآخرة، نحن في قبضته: |
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)(سورة هود)
أنواع الغيب:
تخصيص العلم بالغيب
|
1.الغيب المطلق:
وبالمناسبة الغيب نوعان أيها الكرام؛ غيبٌ مطلق، وغيب نسبي، الغيب المطلق: ما غاب عنك وعن غيرك نهائياً، هذا غيب مطلق، بمعنى أنه ماذا سيحصل غداً هذا غيب مطلق، هل سنكون غداً أحياء؟ غيب مطلق، لا أحد يستطيع أن يعطيك كلمة أنك ستكون حياً غداً طيلة النهار 24 ساعة، ولا إنسان يستطيع القول، ولا أمهر طبيب في الأرض ولو فحص كل الفحوصات، لا أحد يستطيع أن يعطيك كفالة لتعيش دقيقة واحدة، هذا غيب مطلق، لا يعلم الغيب إلا الله. |
2. الغيب النسبي:
وهناك غيب نسبي، نحن الآن في هذه الغرفة لا ندري ماذا يجري في الشارع خارجها، فهو غيب عنا، لكنه ليس غيباً عمن يقف الآن في الشارع، هذا غيب نسبي، مثله تماماً أن يقول لك مثلاً: استطاع الطب أن يميز الذكر من الأنثى في الشهر الرابع بعد 120 يوماً من الحمل، هذا ليس غيباً مطلقاً، هذا غيب نسبي عندما اكتُشِف جهاز يستطيع أن يصوّر وراء الرحم ويخترق الجُدُر علمنا، هو موجود ومعلوم ولكن ما كان هناك جهاز يستطيع أن يصوره، فلما اكتُشِف الجهاز علمنا، هذا من الغيب النسبي وليس من الغيب المطلق، فعلى كلٍّ: (اللَّهمَّ بعِلمِكَ الغيبَ وقدرتِكَ على الخلقِ) مثله علم الطقس؛ تقول غداً يوجد منخفض جوي، هو ليس غيباً، فالغيوم قادمة، والرياح متوجهة، وإن لم تغير مسارها فستصل غداً، فيقول لك الاحتمال الأكبر 99% غداً يوجد منخفض إلا إذا غيرت اتجاهها، فلما كُشفت الأجهزة الحديثة علمت ما كان خافياً عنها في لحظة ما الذي هو في الأصل ليس غيباً، أما قبل أن تتحرك الغيوم، وتتحرك الرياح كان غيباً مطلقاً لا أحد يعرفه حتى يأتي بإذن الله جل جلاله. |
الحياة والموت بيد الله:
الله تعالى هو الذي يحيي ويميت
|
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)(سورة البقرة)
النمرود تأوّل الإحياء والإماتة بأنه يأمر بإعدام إنسان فيُعدَم، أو يعفو عنه بعد أن أمر بإعدامه فيحييه، تأوّلها، وتأوّله ليس صحيحاً لأنه ليس الفعال، هو يفعل بأمر الله، لكن لأنه تأوّل علّمنا القرآن أنك إذا وجدت مُتأوِّلاً اتجه فوراً إلى مسألة أخرى، لا تتجارى معه في تأويلاته ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِب﴾ لن أناقشك، أنت تتأوّل أنك تحيي وتميت كما تريد، سأعطيك آية ثانية مباشرة ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ صفة من صفاته لا يمكن أن يتأوّلها، الأولى تأوّلها، فإذا كنت في حوار مع إنسان، ووصل معك إلى أنه تأوّل كلامك تأوُّلاً غير مقبول، لا تستمر معه، واذهب إلى أمر آخر لا يحتمل التأويل هذا أولى في الحوار، قال: |
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83)(سورة الأنعام)
فقال: (أحيني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي وتوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خيرًا لي) لا نعلم إن كانت الحياة فيها خير أو الوفاة أحياناً فيها خير، الوفاة فيها خير أحياناً؛ لأن الإنسان قد يُفتَن بعد حين فيتوفاه الله تعالى إليه وهو على الإيمان، فيدخله جنة عرضها السماوات والأرض، والحياة أحياناً فيها خير إذا كان سيزيد في العمل الصالح، ويزيد في الطاعات، ويزيد في البر، ويزيد في الصدقات؛ لأن الإنسان يندم عندما يأتيه الموت، يقول: |
حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)(سورة المؤمنون)
فالحياة خير إذا كان فيها عمل صالح، والوفاة خير إذا كانت دريئةً لئلّا يستمر الإنسان في معصية، أو يقع في معصية وفتنة. |
خشية الله هي الأساس:
(وأسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ) أن يخشى الإنسان ربه في الغيب والشهادة، ولا في الغيب، لأنه كما قلت غالباً الناس كما قال صلى الله عليه وسلم عن أقوام: |
{ لَأَعلَمَنَّ أقْوامًا مِن أُمَّتي يَأتونَ يَوْمَ القِيامةِ بحَسَناتٍ أمْثالِ جِبالِ تِهامةَ بِيضًا، فيَجعَلُها اللهُ عَزَّ وجَلَّ هَباءً مَنْثورًا». قالَ ثَوْبانُ: يا رَسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا ألَّا نكونَ مِنهم ونحن لا نَعلَمُ، قالَ: «أَمَا إنَّهم إخْوانُكم، ومِن جِلْدتِكم، ويَأخُذونَ مِن اللَّيْلِ كما تَأخُذونَ، ولكنَّهم أقْوامٌ إذا خَلَوا بمَحارِمِ اللهِ انْتَهَكوها }
(صحيح المسند)
كفى بالمرء علماً أن يخشى الله
|
(وأسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ) قال تعالى: |
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)(سورة فاطر)
أي العلماء وحدهم هنا يخشون الله، "كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، وكفى به جهلاً أن يعصي الله"، والله يا أحباب، لو كان إنسان معه أعلى شهادة في الأرض في أعلى علم، وكان يعصي الله ولا يبالي، ولا يتوب، ولا يرجع إلى ربه، وآخر أُمّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، لكنه يسأل أين الله إذا أراد أن يعصي الله يراقب الله، فإن الثاني أفضل من الأولي، لأن الإنسان العالم هو الذي يخشى الله، الثاني عالم والأول جاهل، العلم مطلوب، العلم الدنيوي مطلوب، أحياناً يكون فرض كفاية، أحياناً يكون فرض عين، هذا ليس انتقاصاً من العلم الدنيوي، لكن الأصل هو خشية الله، وكل شيء بعدها ينفع من علوم الدنيا، أما إذا كان دون خشية فمصيبة كبيرة. |
معنى الإخلاص:
إلتزام الإنسان بتوحيد الله تعالى
|
الأصل نعيم الآخرة:
(وأسألُكَ نعيمًا لاَ ينفدُ) لا ينفد؛ أي لا ينتهي، ليس له انقطاع، أحد الشعراء قال: |
أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللَهَ باطِلُ وَكُلُّ نَعيمٍ لا مَحالَةَ زائِلُ{ لبيد بن ربيعة }
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: |
{ أشعَرُ كَلِمةٍ قالَتْها العَرَبُ كَلِمةُ لَبيدٍ: ألَا كُلُّ شيءٍ ما خَلا اللهَ باطِلُ }
(أخرجه البخاري)
ولم يتابع البيت؛ لأن الثانية غير صادقة، الأولى صادقة أما الثانية غير صحيحة "وَكُلُّ نَعيمٍ لا مَحالَةَ زائِلُ" لا، لأن "كل" لفظ ألفاظ العموم وهناك نعيم الجنة، ونعيم الجنة لاينفد، يعني شيء جميل أن يكون الإنسان في الدنيا في نعيم، وهذا إذا كان في إيمان وفي طاعة ممتاز، وإذا كان في معصية فهو وبال، لكن الإنسان ما النعيم الذي لا ينفد؟ نعيم الآخرة، ومن الأدعية الجميلة "اللهم اجعل نِعم الآخرة متصلة بنعم الدنيا"، لكن الأصل هو نعيم الآخرة، لذلك يُؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا، أكثر رجل نعيماً في الدنيا؛ قصور وبيوت وأموال وسيارات، وجاه ومنصب، نعيم، فيغمس في النار غمسة فيقول: لم أرَ خيراً قط، ويؤتى بأبأس رجلٍ، أو أشد الرجال بؤساً في الدنيا، يعني سجون وقهر وتعذيب ربما، أكثر رجل بؤساً فيغمس في الجنة غمسة ثم يُخرج فيُقال له هل رأيت بؤساً قط؟ لا والله لم أر بؤساً. |
{ يؤتَى يومَ القيامةِ بأنعَمِ أَهْلِ الدُّنيا منَ الكفَّارِ، فيُقالُ: اغمِسوهُ في النَّارِ غَمسةً، فيُغمَسُ فيها، ثمَّ يقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ نعيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا، ما أصابَني نعيمٌ قطُّ، ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا، وبلاءً، فيقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ، فيُغمَسُ فيها غمسةً، فيقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ، أو بلاءٌ، فيقولُ: ما أصابَني قطُّ ضرٌّ، ولا بلاءٌ. }
(صحيح ابن ماجه)
فذاك هو النعيم، نعيم الآخرة، نعيم الدنيا ينقطع بالموت، أما النعيم الذي لا ينفد فهو نعيم الآخرة، لذلك قال (وأسألُكَ نعيمًا لاَ ينفدُ). |
أنواع قرة العين:
(وقرَّةَ عينٍ لاَ تنقطعُ) قرة العين ما تقر بها العين، (وقرَّةَ عينٍ لاَ تنقطعُ) العين كيف تقر؟ بالسكون، تسكن، قرة العين سكونها، ربنا -عز وجل- في القرآن قال: |
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)(سورة الفرقان)
قُرّة العين لا يعرفها إلا من ذاقها
|
الرضا بقضاء الله:
الرضا بقضاء الله تعالى نعيم
|
(وبردَ العيشِ بعدَ الموتِ) يعني في الدنيا -أحبابنا الكرام- إذا كانت أيام ربيعية، وليس هناك البرد الشديد الزمهرير الذي يجمّد الأطراف، ولكن هواء عليل، فالإنسان يُسَر يقول جلسنا على السطح كان الهواء جميل جداً، سُررنا سروراً عظيماً (وبردَ العيشِ) المقصود هنا في الحديث بعد الموت، يوجد حياة البرزخ بعد الموت، ثم الحياة الآخرة، فبرد العيش أي هناءتها، عيش هانئ بعد الموت. |
رؤية الله يوم القيامة:
(ولذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهِكَ والشَّوقَ إلى لقائِكَ) هذا جمع خيري الدنيا والآخرة، في الدنيا نشتاق إليه، وفي الآخرة نسعد بالنظر إليه، يُقال لذة؛ لأن النظر إلى وجه الله الكريم يكتنفه حالان: الهيبة والسعادة معاً، يعني أنت اليوم إذا كان هناك شخص تحبه وتُعظّمه معاً، ولم تره في حياتك، ثم أُتيح لك أن تلتقي به، فنظرت إليه تقول سررت أيما سرور، لكن في الوقت نفسه قلبي كان يطرق مهابة، فاللذة أحياناً يخالطها شعور الهيبة، لما قال (ولذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهِكَ) الكريم المقصود تلك السعادة التي أجدها رغم ما في هذا الموقف من جلالة ورهبة، (والشَّوقَ إلى لقائِكَ في الدنيا)، نحن نشتاق إلى لقائه، ثم نسعد برؤيته، قال تعالى: |
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26(سورة يونس)
الحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجهه الكريم، وأعظم ما في الجنة النظر إلى وجهه الكريم، إلى وجه الحبيب جل جلاله، قال صلى الله عليه وسلم: |
{ إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ. }
(صحيح البخاري)
فرؤية الله يوم القيامة حق، في الدنيا لا نستطيع أن نراه، قال: |
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)(سورة الأعراف)
ولكن في الآخرة النظر إلى وجهه الكريم حق. |
لا ضرر ولا ضرار:
(وأعوذُ بِكَ من ضرَّاءٍ مُضرَّةٍ وفتنةٍ مضلَّةٍ) الضراء ما فيه ضرر للإنسان، والمُضرة التي تلحق الضرر بالإنسان، فهي ضراء وتلحق الضرر بالإنسان، كقوله صلى الله عليه وسلم: |
{ لا ضررَ ولا ضِرارَ }
(النووي)
يعني لا ضرر على النفس، ولا إضرار بالغير، (لا ضررَ ولا ضِرارَ)، (ضرَّاءٍ مُضرَّةٍ) شيء فيه ضرر، ويُلحِق الضرر بالآخرين، هل هناك ضراء غير مضرة؟ ربما، كم من إنسان أصابته ضراء، ثم علم أنها ليست مُضرّة، وإنما كانت نافعة، ربما ضارة نافعة، "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك"، كما يقول ابن عطاء الله السكندري، يعني أحياناً المنع هو ضراء، ثم يكتشف الإنسان أنه كان عين العطاء؛ لأن الله أعطاه من جانب آخر أشياء أخرى بحجم هذا الشيء، فيجد أن هذه الضراء لم تكن مضرة. |
الفتنة قد تكون للهداية أو للضلال:
الفتنة يعني الاختبار
|
كليات الإيمان:
ثم ختم صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللَّهمَّ زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ واجعَلنا هداةً مُهتدين) (اللَّهمَّ زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ) جمّلنا بجمال الإيمان، الإيمان -أحبابنا الكرام- ثلاث كليات: كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية. |
1. الكلية المعرفية:
فالمؤمن يعرف أن الله -سبحانه وتعالى- واحد، كامل، هناك يوم آخر، هناك قضاء قدر، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره من الله، هذه الكلية المعرفية. |
2. الكلية السلوكية:
الكلية السلوكية: الآن يتحرك وفق إيمانه، فلا يظلم، لا يغش الناس، لا يغتاب الناس، يؤدي الصلوات، يجتنب المحرمات، هذه الكلية السلوكية، معرفية وسلوكية. |
3. الكلية الجمالية:
جمال الإيمان يؤدي إلى سكينة في القلب
|
الدعاء:
نسأل الله أن يجعلنا من الصالحين المصلحين، الهُداة المهتدين، الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، اهتدوا فتحركوا لهداية الخلق، والإنسان ما أن يهتدي إلى الله -عز وجل- حتى يحب نقل الخير إلى الناس، لأنه وجد نور الإيمان، وجد حلاوة الإيمان، وجد نتائج الإيمان المبهرة، وما يحققه الإيمان له من سعادة في الدنيا والآخرة، ومن سكينة في الدنيا والآخرة، فيتحرك من أجل أن ينقل للناس ما عنده من خير، لأنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فيكون من الهداة المهتدين. |