القَسَم في الجزء الثلاثين - اللقاء الأول

  • محاضرة في الأردن
  • 2023-08-28
  • عمان
  • الأردن

القَسَم في الجزء الثلاثين - اللقاء الأول

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


معنى أسلوب القَسَم:
القَسم أو الحَلف أو اليمين أسلوب من الأساليب العربية
أيها الكرام، من الأساليب العربية أسلوب القَسَم، أو الحَلف، أو اليمين، كلمات مترادفة، وبالمناسبة العرب سمّوا القَسَم يميناً لأنهم كانوا إذا أقسموا على شيء أخذوا بأَيمان بعضهم، باليد اليمين، يعني يمسك بيمينه ويقول له: هذا عهد بيني وبينك، فسُمّي يميناً لأنهم يمسكون بأيمان بعضهم للنكاية على الالتزام بالقَسم، فالقَسم أو الحَلف أو اليمين أسلوب من الأساليب العربية، والأصل في القَسَم أن الإنسان يقسم ليصدقه الآخرون، ليقرر حقيقة أو يدفع عنه تهمة، أو يجلب لنفسه خيراً، فيُقسِم، فيقول أمام القاضي: والله لم أكن في مكان الحادث، أو يقول لأخيه: والله لقد جئتك ولم أجدك، يريد أم يتنصّل من شيء، أو يكسب شيئاً فيقسم أو يحلف يميناً على شيء، وصلى الله عليه وسلم يقول:

{ من كان حالفًا فلْيحلفْ باللهِ أو ليصمتْ. }

(أخرجه الترمذي)

{ من حلفَ بغيرِ اللهِ فقد أشركَ. }

(أخرجه الترمذي)

الأصل أن المؤمن لا يحلف بغير الله، إن أراد أن يحلف يقول: والله، والأصل أنه لا يكثر من الحلف؛ لأن الكاذبين فقط هم الذين يكثرون من الحَلف، والمؤمن صادق، فلا يحلف إلا عندما يستدعي الأمر قَسماً، قال تعالى:

وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(224)
(سورة البقرة)

قال أهل التفسير من معاني عرضة لأَيمانكم: الإكثار من الحلف لغير حاجة، فالمؤمن لا يحلف إلا بالله، لا يقول: أقسم بعيون أمي، ولا بشرف فلان، ولا بعز الملك، لا، يقسم بالله؛ لأنه لا عظيم عنده إلا الله، فلا يقسم بشيء، وبالمناسبة بعض الرجال يقسمون بالطلاق، يحوّلون الطلاق الذي شرعه الله لفضّ الحياة الزوجية إلى طريقة لمنع زوجاتهم من فعل شيء، أو إتيان شيء، فيقول لها: عليّ الطلاق، أو أقسم بالطلاق ألا تفعلي ذلك، ثم تفعله، أو ألا تخرجي ثم تخرج، ثم يحاول أن يبحث عن فتوى، وهذا ليس مجاله الآن، فنقول له: أولاً أنت أقسمت بغير الله وهذا لا يجوز (من حلفَ بغيرِ اللهِ فقد أشركَ) طبعاً الشرك الأصغر الذي لا يُخرِج من الملة، لكنه شرك؛ لأنه وجد أن الطلاق عنده عظيم لدرجة أن يقسم به، ولو كان يعلم أنه لا عظيم إلا الله لَمَا أقسم إلا بالله، وهذا نوع من أنواع الشرك الخفي. هذا القسم عند العرب.

أركان جملة القَسَم:
وجملة القسم لها أركان: أداة قسم، ومُقسَم به ومُقسَم عليه.
أداة القسم: و، تـ، بـ، والله، تالله، بالله، فيقسم بالله.
فالمُقسَم به: الله، والمُقسَم عليه: والله لم أره اليوم.
فالمقسم عليه: عدم الرؤية، والمقسم به: الله، وأداة القسم: الواو، أو الباء، أو التاء، وهي حروف جر باللغة العربية، ولكن معناها القسم، هذه مقدمة.

القسم أسلوب قرآني:
ربنا جل جلاله يقسم بما شاء من خلقه
ربنا جل جلاله في القرآن يقسم، وكثيراً ما يقسم، فالقسم أسلوب قرآني، لكن ربنا جل جلاله يقسم بما شاء من خلقه، نحن لا نقسم إلا بالله، لكن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، فهو مطلق القدرة، ولا يحدّه شيء، فيقسم بما شاء من خلقه.
الآن: أنا إذا أقسمتُ أُقسمُ من أجل أن أثبت حقيقة أو أدفع تهمة، لكن الله ليس بحاجة لذلك، حاشاه جل جلاله، فلماذا يقسم الله؟ ليلفت انتباهنا إلى المُقسَم به، والمُقسَم عليه، أي أسلوب بلاغي للفت الانتباه، فإذا قال:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
(سورة الشمس)

فكأنما يقول لك انظر إلى الشمس وقت الضحى، وإذا قال:

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1)
(سورة الليل)

فكأنما يلفت انتباهك إلى آية الليل.
والله تعالى في القرآن أقسم بذاته العلية، قال:

فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)
(سورة الذاريات)

وأقسم بعمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عمرٌ ثمينٌ قضاه النبي صلى الله عليه وسلم في هداية الناس إلى الحق، فقال:

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72)
(سورة الحجر)

وهذا أسلوب من أساليب القسم، وأقسم بشيء من مخلوقاته كالشمس والليل والضحى والعصر والعاديات...إلخ.

من طرق القسم إضافة "لا":
ومن طرق القسم في القرآن الكريم أن يأتي قبل أقسم "لا" زائدة هدفها تأكيد القسم:

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)
(سورة القيامة)

والمعنى أقسم قسماً مؤكَّداً بيوم القيامة، فهذه "لا" ليست كما يتوهم البعض لا النافية، لا أقسم، والدليل:

۞ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
(سورة الواقعة)

فالله تعالى من أساليبه في القرآن أنه إذا قال: "لا أقسم" أي أؤكد القسم، وكثيراً ما تأتي "لا" زائدة لتوكيد القسم، أو لتوكيد النفي في أماكن أخرى، فـ "لا" هدفها التوكيد وليس النفي هنا.
الآن دائماً يبحث متدبرو القرآن عن العلاقة بين المُقسَم به، والمُقسَم عليه، يعني:

وَالضُّحَىٰ (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3)
(سورة الضحى)

ما علاقة ﴿وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ﴾ بـقوله ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ﴾؟ أحياناً تكون العلاقة واضحة جداً:

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
(سورة العصر)

يعني إذا مضى العصر، مضى الزمن خسر الإنسان الوقت فهو خاسر، إلا إن استثمر الوقت:

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
(سورة العصر)

وسنأتي على ذلك في قابل الأيام، وقد جئنا عليه سابقاً.

القَسَم في الجزء الثلاثين:
أنا أريد أن نأخذ الجزء الثلاثين من كتاب الله، لأن هذا الجزء تكرر فيه القسم، لأن القسم من الأساليب التي تكررت في الآيات المكية عندما يريد الله تعالى لفت الانتباه إلى الخلق، لتثبيت الإيمان في النفوس، فتكرر القسم في الجزء الثلاثين من كتاب الله.

القَسَم في سورة النازعات:
لو بدأنا ببعض النماذج من بداية الجزء الثلاثين، أول ورود للقسم في هذا الجزء في سورة النازعات، قال تعالى:

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا(1)
(سورة النازعات)

أول ورود للقسم في الجزء الثلاثين
الواو واو القسم، ﴿وَالنَّازِعَاتِ﴾ مقسم به، ما هي النازعات؟ الملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعاً شديداً، ﴿غَرْقًا﴾: وكأنها تغرق في داخل الجسد لتخرج الروح، يعني بصعوبة بالغة، إشارة إلى أن أرواح الكافرين بالله ـ والعياذ بالله ـ يكون خروجها صعباً، وقد ورد ذلك في السنة، أن روح المؤمن:

{ فتخرُجُ تَسيلُ كما تَسيلُ القطرةُ مِن فِيِّ السِّقاءِ. }

(رواه أحمد)

أي عندك إبريق فيه ماء، وصببت الماء في الكأس فيخرج، بينما تخرج روح الكافرين ـوالعياذ بالله ـ كما يخرج السفّود من الصوف المبلول،

{ فيَنتزِعُها كما يُنتَزَعُ السَّفودُ مِنَ الصُّوفِ المَبْلولِ. }

(رواه أحمد)

يعني المنجد القديم يأتي بالسفود العصا فإذا ابتل الصوف وعلق العصا بداخلها ثم أردت أن تخرج السفود من الصوف المبلول، فكيف يكون خروجه؟ ينزع نزعاً، هذه ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾.
الإسقاط ممنوع
وبالمناسبة لا أريد أن نطبق هذا الأمر، هذا ليس من شأننا، يعني إذا وجدنا إنساناً في حالات النزع كان النزع صعباً عليه جداً بسبب مرض أصابه أو شيء، فنحن ليس من شأننا أن نعكس الآية ونقول: عنده مشكلة يبدو مع الله، أنت لا تدري كيف خرجت الروح، ما تدري كيف يسّر الله خروجها، كيف كان حاله مع الله في وقتها، أحياناً يكون هناك أمراض وبيلة، أحياناً نزع شديد، فأنت لا تدري حكمة الله في ذلك، فالإسقاط ممنوع، هذه حُسن الخاتمة وسوء الخاتمة عند الله، يكفي المؤمن من حسن الخاتمة أن يلقى الله وهو راض عنه بغض النظر عن سكرات الموت، وربما يموت كافر ولا يعاني شيئاً في الظاهر، نجده على فراشه قد نام، استيقظنا وجدناه بارداً توفي، فنقول خرجت روحه خروجاً...لا تدري ما الذي حصل معه، دقيقة الألم ساعة، ما تدري ربما في ثانية واحدة من خروج الروح أصابه من الرعب وقد رأى ملائكة العذاب ما أصابه، والعكس بالعكس، فليس من شأننا أن نقسّم الناس بناءعلى الغيب حتى ننتبه.

وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا(2)
(سورة النازعات)

الملائكة التي تنشط نشطاً في قبض أرواح المؤمنين، عكس ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾.

وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
(سورة النازعات)

الملائكة التي تسبح بين السماء والأرض بأوامر الله تعالى، وبالمهمات التي كلفها الله تعالى بها.

فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
(سورة النازعات)

هي الملائكة التي تسبق الشياطين، وتسبق غيرها عموماً في إيصال أمر الله ووحي الله إلى الأرض، فهي سابقة دائماً بما يريده الرحمن منها.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6)
(سورة التحريم)

فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا(5)
(سورة النازعات)

كل ملك يدبر أمراً من الله عز وجل، فهناك أمين وحي السماء، وهناك الموكل بالأرزاق، وهناك الموكل بقبض الأرواح، وهناك مَلَك لتسجيل الحسنات والسيئات وغير ذلك، فهي تدبر الأمر، الله تعالى هو الذي يدبر الأمر، قال تعالى:

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ(5)
(سورة السجدة)

لكن يكلف ملائكته بما شاء، لا لعجز عنده جل جلاله، ولكن لإظهار قدرته وطلاقة قدرته جل جلاله، فقال: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾.
إذاً صار معنا قسم مكون من خمسة أمور:
1. ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ الملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعاً شديداً.
2. ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ التي تنشط في أخذ أرواح المؤمنين بيسر وسهولة.
3.﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ الملائكة التي تسبح بين السماء والأرض، ولها أجنحة كما وصفها المولى جل جلاله وهذا كله من الغيب الذي نؤمن به وإن لم نرَه نحن المؤمنين.
4. ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ الملائكة التي تسارع إلى تنفيذ أمر ربها فتسبق كل شيء، تسبق الشياطين وتسبق غيرها.
5. ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ الملائكة الموكلة بتدبير أمور العباد وفق ما يريده مدبر الأمر جل جلاله.
أين جواب القسم؟ قال:

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
(سورة النازعات)

الحقيقة جواب القسم محذوف، لا يأتي في اللغة العربية جواب قسم ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾، وهو محذوف لأن دل عليه ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ جواب القسم هو ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ إنكم ستبعثون يوم القيامة للحساب ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾، جواب القسم مُضمَر دل عليه ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾، ما الذي سيحصل ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ الوقوف للحساب بين يدي الله تعالى.

علاقة المقسم به بالمقسم عليه:
ما علاقة المقسم به بالمقسم عليه بأننا سنقف بين يدي الله للحساب؟ علاقة واضحة جداً، ما دام الملائكة الموكلة بالأمور تقبض الأرواح، ماذا بعد قبض الأرواح؟ الوقوف بين يدي الله تعالى، فليس بعد نزع أرواح الكافرين، وأخذ أرواح المؤمنين بيسر وسهولة، وتدبير الأمر بين السماء والأرض من قبل الملائكة، ليس بعده فناء وعدم، وإنما بعده وقوف بين يدي الله تعالى للحساب، هذا الربط بين المقسم به والمقسم عليه:

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ(7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
(سورة النازعات)

إلى آخر السورة، هذا النموذج الأول.

القَسَم في سورة التكوير:
النموذج الثاني ورد في سورة التكوير، قال تعالى:

فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
(سورة التكوير)

يعني أقسم قسماً شديداً بالخُنَّس:

فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)الْجَوَارِ الْكُنَّسِ(16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
(سورة التكوير)

الخُنَّس هي النجوم التي تَخنسُ تختفي نهاراً
هذا القسم أيضاً مكون من أربعة أقسام؛ الأول: الخُنَّس، الجذر جنسَ يدل على الاختفاء، الوسواس الخناس، الشيطان خناس لأنه يخنس عند ذكر الله تعالى، أي يختفي، يبطل أثره عند ذكر الله، فليس له سلطان على الإنسان، الخُنَّس: هي النجوم التي تَخنسُ تختفي نهاراً، أو هي التي يختلف مطلعها فتختفي من مطلع إلى آخر كل عام، فالعرب كانوا يعرفون النجوم حتى في التفاسير القديمة مذكور الكواكب زهرة وعطارد...إلخ، فكانوا يعرفونها والعرب عندهم هذا العلم، وإن كان ببساطته قبل اكتشاف المجاهر وغيرها، كانوا يعرفونها كان لها مطالع، وكل عام ترجع وتطلع من مكان آخر، وهذا يسمى تخنس النجوم، ﴿الْجَوَارِ﴾ لأنها تجري، وحذفت الياء تخفيفاً، ﴿الْجَوَارِ﴾ جمع جارية، ونقول للنساء الجواري، الإماء، والنجوم تجري:

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
(سورة يس)

لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
(سورة يس)

والجري هنا تعبير عن السرعة، فهي لا تمشي مشياً بسيطاً، نحن يُخيَّل إلينا أننا نراها في مكانها بسبب الأبعاد الهائلة التي بيننا وبينها، ولكن هي تجري، فالضوء الذي نراه الآن هو لموقع النجم وليس للنجم، أما النجم فالله أعلم أين مكانه، فهو يجري.
﴿الْكُنَّسِ﴾: كنسَ تأتي لمعنيين؛ تأتي للستر، وتأتي للخفاء، يعني هي متضادة، أنت تكنس الأرض فتُظهِر وجهها، عندما تكنس الغبار يظهر وجه الأرض، هذا الظهور، وذهبت الظباء إلى كِناسها؛ إلى مخابئها فاختبأت، فهنا بعض العلماء قالوا: الكُنَّس التي تظهر في الليل، وتختفي في النهار، أو التي تختفي عند الغروب ثم تظهر، فهو يدل على الأمرين معاً.
بعض العلماء ومنهم الدكتور زغلول النجار حفظه الله ذهبوا إلى أن هذا من باب الإعجاز العلمي وفسروا الآيات بأنها تدل على الثقوب السوداء، الظاهرة العلمية الحديثة فقالوا: هذه تكنس وتدخل في مخبئها كما تدخل الظباء إلى كناسها، واليوم معروف الثقب الأسود الذي تدخل فيه النجوم وهو مقبرة النجوم، وهذا بحث طويل لست اختصاصياً فيه لأخوض فيه، ولكن قرأت بحث الدكتور زغلول، وهو مناسب لهذا المقام، تفسير جديد.

من عظمة القرآن أن التفسير الجديد لا ينقض القديم:
والقرآن من عظمته أن تفسيراً جديداً لا ينقض تفسيراً قديماً، فأحياناً يكون التفسير بسيطاً، ثم يأتي من العلم ما يأتي بمعانٍ جديدة، مثل:

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)
(سورة الطارق)

• العربي كان يقرأ ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ يعني أبسط معنى: بخار الماء يتصاعد إلى السماء فيرجع مطراً، المساحات المائية الكبيرة في الأرض يحصل التبخر، التكاثف، ينزل المطر، إذاً: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾.
• وبعد حين لما اكتشفوا البث الإذاعي يقول الآن نبث عبر الأثير، عبر الهواء مباشرة، على الهواء مباشرة، إذاً ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ لأنك تطلق فيها الموجة الكهرطيسية فتعود بثاً إذاعياً لك تسمعه في أي مكان في الأرض، والآن نحن على المباشر يسمعنا ربما الناس في بلدان أخرى لأن السماء ذات رجع، تلتقط الأمواج.
• ثم اكتشفوا أن كل شيء في السماء يدور ورجع إلى مكان انطلاقه النسبي ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ ، فكل المعاني واردة لـ ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾.
فهنا التفسير الحديث هو الثقوب السوداء، وهو لا يناقض ما قلنا من الظهور والاختفاء في السماء، أو الاختفاء الكلي وكأنها مكنسة تكنس النجوم في مقبرتها في الثقب الأسود، يقولون مثلاً: لو أن الأرض دخلت في الثقب الأسود لأصبحت بنفس الوزن بحجم البيضة، يعني الكثافة عالية جداً هناك، فهذا بحث علمي له أهله.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾: عسعسَ مثل زلزل، قلقلَ، أي أصلان مضعّفان عسعسَ، يدل على شيئين؛ يدل على الإقبال والإدبار، وهذا من بلاغة اللغة العربية، في آية أخرى قال تعالى في سورة المدثر:

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)
(سورة المدثر)

إذ: للماضي، أدبر وانتهى، ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ الآن.
هنا ربما تكون المعنى إذ، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ بمعنى أقبل، لأن إذا لما يستقبل من الزمان، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ بمعنى أقبل ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ صار هناك توازن، صار هناك تناسق بين إقبال الليل وإقبال النهار، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ أي أقبل، ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ تنفس: استعارة في اللغة العربية، فالكائن الحي ينتفس، فجعل للصبح شخصاً وكأنه شخص يتنفس عند الصباح للإشارة إلى أننا نتنفس الصباح الذي فيه النشاط، وفيه الحيوية، وفيه الطاقة، وفيه الإيجابية، وفيه السعي للحياة، فكأنه يتنفس من جديد ليفتح لنا الآفاق الجديدة، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ أقبل أو أدبر، والأولى هنا أقبل، ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾.
جواب القسم: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾، القرآن الكريم مُنزَّل من عند الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل الأمين، فهو ليس بشعر، ولا بكهانة، ولا بقول محمد صلى الله عليه وسلم، ما علاقة القسم بجواب القسم؟

علاقة القسم بجواب القسم:
كمال الخلق يدل على كمال التصرف
علاقة القسم بجواب القسم يا أحبابنا، أنّ كمال الخلق يدل على كمال التصرف، الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن، يعني عظمة الخلق تدلك على عظمة الكلام، هناك مَثل شعبي يوضح هذه الحقيقة؛ كان هناك شخصاً يلبس بدلة فاخرة جداً، ويضع ربطة عنق فاخرة جداً، ثم تكلم بكلام سخيف جداً، وساقط جداً، وبذيء جداً، فقال له أحد الجالسين: إما أن تتكلم كلاماً يليق بثيابك، أو أن تلبس ثياباً تناسب كلامك. هذا الكلام لا يخرج من إنسان يرتدي بدلة وربطة عنق، يخرج من إنسان يرتدي ثياباً رثّة والعفو منكم.
فالخلق يدل على التصرف الصحيح، فربنا عز وجل الذي خلق ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ* وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ وخلق النجوم بهذه العظمة التي ترونها سيكون كلامه عظيماً مُنزَّلاً من عنده، ويكافئ هذا الخلق العظيم، لا يسيرون مع بعضهم، كنت أضرب مثلاً سمعته من شيخنا الدكتور راتب حفظه الله يقول: إذا أردت أن تشتري كيلوغراماً من الطماطم تنزل إلى بائع الخضار وتقول له بكم الكيلو؟ نصف دينار، تعطيه ديناراً فيعطيك كيلوغرامين، يزنهما وتذهب، فمن غير المناسب أبداً أن تقول له: أبا محمد وفقك الله أريد أن ترسل لي عرض سعر للطماطم، فأنا أريد أن أشتري كيلوغرامين، أرسل لي عرض سعر على الإيميل كي أقارن بينك وبين أبي سعيد بالأسعار، أما إذا أردت أن تشتري مئة حاسوب لشركتك المُنشأة حديثاً، فإنك تأخذ بطاقة طائرة إلى مايكروسوفت، وهناك تنزل في الفنذق، وتقابل المدير، ويقدم عروض أسعار ومواصفات، ويرسل الإيميلات، ثم تدفع دفعة مقدَّمة، ثم تنتظر بوريصات الشحن، ثم تستلم، ثم تدفع.
بناء مايكروسوفت وحجمها يتناسب مع هذا التصرف، ودكان أبي سعيد وربما هي أفضل من مايكروسوفت عند ربنا لا علاقة لهذا بالموضوع تناسب تصرفاً آخر.
فدائماً البناء يحتاج إلى تصرف مختلف، فالذي بنى الكون العظيم بهذا التناسق العجيب كلامه لابد أن يأتي بهذا المستوى العظيم ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
(سورة التكوير)

...إلخ

القَسم في سورة الانشقاق:
المثال الثالث والأخير، طبعاً سنكمل إن شاء الله كل جزء عمّ، ولكن اليوم المثال الثالث والأخير هو الذي جاء في سورة الانشقاق، هذا مثال جميل جداً، قال تعالى:

فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ (19)
(سورة الانشقاق)

﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ يعني أقسم قسماً مؤكداً، ﴿بِالشَّفَقِ﴾: الحُمْرَة بعد الغروب التي تظهر في الجو.
الليل له هيبته
﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾: وسقَ: أي جمع، أي ما جمع الليل من دواب الأرض وهوامها والظلام والشياطين، وغير ذلك مما يهابه الإنسان، فالليل له هيبته، ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾؛ أي وما اجتمع فيه من شرور، أو من خير أحياناً، ﴿وَمَا وَسَقَ﴾، ما فيه، طبعاً ما فيه من خير للمؤمن، يقوم الليل بين يدي الله تعالى، يناجي ربه، وما فيه من شرور للبعيد عن الله عز وجل، تجد قائماً بالليل في المسجد يصلي، وتجد إنساناً يستغل الليل في ملهى ليلي والعياذ بالله، وكلٌّ حسابه عند ربه ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ أي جمع.
﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ اكتمل نوره وبهاؤه في ليلة البدر، نظرت إلى السماء فوجدته قد اتسق بدورانه الكامل، ونوره العميم، وجماله الجميل، فتقول: ربي وربك الله. ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾.
جواب القسم: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾؛ يعني لتنتقلُنَّ من حالٍ إلى حالٍ، كيف من حال إلى حال؟ قبل الولادة ذكرها المولى جل جلاله نطفة، علقة، مضغة مخلقة، وغير مخلقة، عظام،

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
(سورة المؤمنون)

انتقال من حال إلى حال، ﴿طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾، بعد الولادة:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(5)
(سورة الحج)

فهناك أحوال قبل الولادة، وأحوال بعد الولادة، هذا الانتقال من حال إلى حال هو ﴿طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾، نحن ما شهدنا خلقنا ولكن ربنا عز وجل قال:

وَبَنِينَ شُهُودًا(13)
(سورة المدثر)

يعني بَنوك يشهدون لك بطبق عن طبق الذي كنت فيه، فأنت لما تراهم تقول: أنا كنت هكذا؟ كنت مستلقياً بعمر يومين ولا أستطيع الحركة، وأمي تأخذني وتنظفني، فابنك يشهد لك ﴿وَبَنِينَ شُهُودًا﴾ ، فاليوم البنين الشهود تنظر فيها ﴿طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾، يولد المولود:

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(78)
(سورة النحل)

(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) تجسيد لمسيرة الأنسان
أبداً، فتجد الغلام لا يستطيع أن ينطق بكلمة، ثم يهمس بالكلمة الأولى فتُقام الدنيا ولا تقعد، ويُصوَّر اليوم ويُرسَل للعائلة، ويفرح الجميع بأنه بدأ يقول: بابا، بأبأ أي قال بابا، بأبأ الغلام ابتدأ يقول با، لأن أسهل الحروف الباء من الشفتين، وبعدها ماما، وبعدها عمو فتقام حفلة، وبعدها كبر قليلاً وحفظ سورة الفاتحة، فيصبح كلما جاء شخص إلى البيت يقولون له قم وسمّع لعمك سورة الفاتحة، وهو يتلعثم بها ولعثمته فيها أحب إلى قلبك من قراءة محمود الحصري لجمالها في قلبك، لأنه يقرأ الفاتحة، وبعدها يدخل المدرسة، وتُقام حفلة خاصة، فيذهب إلى الروضة ويعود منها حاملاً حقيبة المدرسة، وبعدها يصل للسادس، وبعدها التاسع، وبعدها التوجيهي، فيستنفر البيت كله، وينجح ويدخل الجامعة ويتخرج مرتدياً ثياب التخرج، وبعدها يتزوج، وفي الشام كان يذهب لخدمة العلم وهذه لوحدها لها مسيرة، ثم يتزوج، ثم ينجب، ثم يكبر ثم يُزوِّج أولاده ويأتيه الأحفاد، ثم يعود كحالة الطفل الصغير، يعيد القصة أحياناً أكثر من مرة، فلا ينتبه لنفسه، يطعمه أحد فينزل الطعام مثلما كان صغيراً، ثم تُطبَع النعوة، وتعلق على الجدران، ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾.
هذه حال الدنيا، ولفت نظري على الفيس بوك صورة كرسي صغير، عربة يجلس فيها طفل، وعربة أخرى لكرسي كبير لشخص مقعد يساعدونه فيها، نسأل الله أن يمتعكم بصحتكم إلى آخر يوم في حياتكم، فكتبوا ما بين العربة الصغيرة والعربة الأخرى تمضي رحلة العمر، هذه ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾.

فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
(سورة الانشقاق)


علاقة القسم بجواب القسم:
هذه حالك، ما علاقة القسم بجواب القسم؟ واضح جداً، انتبهوا يا كرام، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾، هذه كلها أحوال؛ القمر: هلال وينمو قليلاً قليلاً ليصبح بدراً، ثم يتآكل من الطرف الآخر ويختفي ويظهر من الطرف الآخر ﴿طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾. والشفق: يأتي ويختفي ويأتي الفجر ويعود الليل، ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾؛ يأتي الليل وبعده النهار، فكما يتعاقب حُمرة الشفق مع بياض الفجر، وظلام الليل مع نور النهار، الهلال مع المُحاق مع البدر:

وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
(سورة يس)

كما هذه الأحوال التي ترونها في الكون هذا حالك ﴿طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ يعني لتنتقلن من حالة إلى حالة، هذه حال الدنيا.
فهذه ثلاثة أقسام، الأولى في سورة النازعات، والثانية في سورة التكوير، والثالثة في الانشقاق، وإن شاء الله وبإذنه تعالى، إن أحيانا الله سنتابع الأقسام الموجودة في الجزء الثلاثين، ربما يحتاج جلسة ثانية، أو جلستين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.