موسى عليه السلام

  • الحلقة التاسعة
  • 2016-05-11

موسى عليه السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


شؤم المعصية على الآخرين :
أيها الأخوة؛ موقف اليوم يرويه لنا ابن قدامة في كتابه: "التوابون" فيقول: لحق قحطٌ بقوم موسى فاجتمعوا إليه وقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث، فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء ليستسقوا- أي ليطلبوا المطر من الله تعالى- وهم سبعون ألفاً أو يزيدون، فقال موسى عليه السلام: إلهنا اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرضع، والبهائم الرتع، والشيوخ الركع، قال: فما ازدادت السماء إلا تقشعاً، وما ازدادت الشمس إلا حرارةً، فقال موسى: يا رب استسقيناك ولم تسقنا، فقال له الله جل جلاله: إن فيكم عبداً يبارزني بالمعصية منذ أربعين عاماً، فمره فليخرج من بينكم، فبشؤم ذنبه مُنعتم القطر من السماء، فقال موسى: يا رب عبدٌ ضعيف، وصوتي ضعيف، أين يبلغ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى الله إليه منك النداء وعلينا البلاغ، فقام ينادي في سبعين ألف، أي يا أيها العبد العاصي الذي بارز الله بالمعصية منذ أربعين عاماً اخرج من بين أظهرنا، فبشؤم ذنبك مُنعنا القطر من السماء، فيوحي الله إلى موسى أن هذا العبد تلفت يميناً وشمالاً لعله يخرج غيره، فعلم أنه المقصود بذلك، فقال في نفسه:
يستر الله عبده التائب
إن خرجت افتضحت على رؤوس القوم، وإن بقيت هلكت وهلكوا بالجدب والقحط، فما كان منه إلا أن أدخل رأسه في ثيابه ثم قال: يا رب عصيتك أربعين سنةً وأمهلتني، واليوم أقبلت إليك تائباً، طائعاً، نادماً، فاقبلني واسترني بين الخلق هؤلاء يا أكرم الأكرمين، فلم يستتم الكلام حتى علت السماء سحابةٌ بيضاء فأمطرت كأفواه القرب مطرٌ غزير، فقال كليم الله لربه: سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا أحد، فقال: يا موسى سقيتكم بالذي منعتكم به، أي هذا الرجل الذي كان بمعصيته سبب المنع أصبح بطاعته وتوبته سبب العطاء، فقال موسى: يا رب أرني هذا العبد التائب الطائع النادم، فقال له الله: يا موسى لم أكن لأفضحه وهو يعصيني أفأفضحه وهو يُطيعُني؟
يــــا مَن ألـــوذ بـــه فيــمــا أؤملــــــــه وأســتـعيــذ بــه مـمـا أحــــــــــــاذره لا يجبرُ الناسُ عظماً أنت كاسرُه ولا يهيضون عظماً أنت جابره ***
{ المتنبي - العصر العباسي }

الصلح مع الله و العودة إليه :
أيها الأخوة؛ الكثير من المسلمين اليوم يعصون الله جهاراً نهاراً، ويفعلون ما يحلو لهم دون أن ينظروا هل أرضى ذلك ربهم أم أسخطه؟!

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
(سورة الحديد: الآية 16)

{ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم، قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا بْنَ آدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً }

(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ )

الصلح مع الله والعودة إليه
أيها الأخوة الكرام؛ هذا الموقف يعلمنا التوبة، يعلمنا الصلح مع الله، والعودة إليه.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(سورة التوبة: الآية 104)

{ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ }

[مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه]

أيها الأخوة؛ أيتها الأخوات؛ إلى لقاءٍ آخر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته