• الحلقة الثامنة عشر
  • 2016-06-01

الأعشى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

موقف اليوم ترويه لنا كتب التاريخ عن أحد الشعراء الجاهليين، إنه ميمون بن قيس، المعروف بالأعشى، أدرك الأعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه، لكنه لم يسلم، وكان مما قاله في مدحه صلى الله عليه وسلم:
مَتى ما تُناخي عِندَ بابِ اِبنِ هاشِمٍ تُراحي وَتَلقَي مِن فَواضِلِهِ نـــدى نَبــــِيٌّ يَـــرى مـــا لا تَــــــرَونَ وَذِكــــــرُهُ أَغارَ لَعَمري في البِلادِ وَأَنجَـــــــدا إِذا أَنتَ لَـــم تَرحَل بِــزادٍ مِـــنَ التُقــى وَلاقَيتَ بَعدَ المَوتِ مَن قَد تَزَوَّدا نــَدِمــتَ عَــلى أَن لا تَكــونَ كَمِثــلِــــهِ وَأَنَّــكَ لَـم تُرصِد لِما كانَ أَرصَــدا
{ الأعشى }
بلغ خبر الأعشى ورغبته في الإسلام قريشاً، فجلسوا على طريقه يريدون أن يصدوه عن الدخول في الإسلام، وقالوا لبعضهم: هذا صنَّاجة العرب، ما مدح أحداً قط إلا رفع من قدره، وكان الأعشى يلقب بصناجة العرب لجودة شعره، فلما ورد عليهم، قالوا له: أين أردت يا أبا بصير، قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: إنه ينهاك عن خِلالٍ ويحرّمها عليك وكلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هي؟ قال له أبو سفيان: الزنا، قال الأعشى: لقد تركني الزنا وما تركته، ثم ماذا؟ قالوا: القمار، قال: لعلي إن لقيته أن أصيب منه عوضاً من القمار، ثم ماذا؟ قالوا: الربا، قال: ما دنت ولا أدنت، ثم ماذا؟ قالوا: الخمر، قال: أوه أرجع إلى صبابةٍ قد بقيت في المهراس فأشربها، أي أعود وأشرب بعض الخمر قبل أن أذهب وأعلن إسلامي، فقال له أبو سفيان: هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال: نحن وهو الآن في هدنة، تأخذ مائةٍ من الإبل وترجع إلى بلدك هذه السنة وتنظر بعدها ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه، أي انتصرنا، كنت قد أخذت خلفاً، وإن ظهر علينا هو أتيته وأسلمت بين يديه، نظر الأعشى في هذا العرض، ثم قال: ما أكره ذلك، قال أبو سفيان: يا معشر قريش هذا الأعشى والله لئن أتى محمداً واتبعه، ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مائةٍ من الإبل، ففعلوا، فأخذها الأعشى وانطلق إلى بلده، فلما كان في بعض طريقه، رمى به بعيره فقتله، فدفن هناك ولم يسلم، فإذا أراد الفتيان أن يشربوا الخمر خرجوا إلى قبره وشربوا عنده وصبّوا عليه فضلات الأقداح.

خطر أصدقاء السوء على الإنسان
هذا هو الموقف وأما العبرة: فهي في خطر أصدقاء السوء على الإنسان، هؤلاء هم شياطين الإنس الذين ذكرهم الله تعالى بقوله:

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ
(سورة الأنعام: الآية 112)

خطر أصدقاء السوء
وقد قدّم الله عز وجل شياطين الإنس على شياطين الجن، ليؤكد خطرهم ودورهم في الإفساد وهم يظهرون بمظهر الناصح المشفق.
يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى: إن شيطان الإنس أشدُّ علي من شيطان الجن، لأني إذا تعوذت بالله ذهب شيطان الجن عني، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي.
التسويف هلاك
هؤلاء قرناء السوء لم يطلبوا من الأعشى أن يترك فكرة الإسلام ويعرض عنها نهائياً لكنهم طلبوا منه أن يؤجلها فقط، فما الذي فعله التسويف؟ إنه الهلاك.
وفي صحيح البخاري في تفسير قوله تعالى:

بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
(سورة القيامة: الآية 5)

قال ابن عباس: معنى ليفجر أمامه، يقول: سوف أتوب سوف أعمل، وروي عن عكرمة: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) هو الذي يُعجّل الذنوب ويُسوّف التوبة، يقول: سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شرِّ أحواله وأسوَأ أعماله.
أيها الإخوة الكرام أيتها الأخوات الكريمات: إلى لقاءٍ آخر والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.