• الحلقة التاسعة عشر
  • 2016-06-04

خبيب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


موقفنا اليوم مع خبيب بن عدي رضي الله عنه
هناك في ظاهر مكة وفي منطقة التنعيم تحديداً خرجت الألوف المؤلفة لتشهد مصرع الأسير البطل خُبيب بن عدي، كانت قريش قد أعدت له صليباً خشبياً كبيراً، ليثبتوه فوقه ثم يقتلوه، رأى خبيب الصليب المعد لقتله فلم يجزع ولم يخف، ولكنه قال: بصوتٍ هادئ، إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا، فتركوه، فركع ركعتين ثم قال: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طوَّلت في الصلاة خوفاً من القتل لاستكثرت من الصلاة، ثم أوثقوه في الحبال الغليظة على الصليب فكان خبيب أول من صلب في ذات الله تعالى وأول من سنَّ الصلاة لكل مسلمٍ قتل أسيراً. رفع يديه إلى السماء وقال: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثم قال:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمــًا عَلَى أي شِقِّ كَانَ لله مَصْرَعِي وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَــــأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْو مُمَزَّعِ
{ خُبيب بن عدي }
إغتاظ كبار قريش من قولته، وأقبلوا إليه يحاولون إضعافه والعبث بمبادئه، وثنيه عن ثوابته برياح المتغيرات، فقالوا: أيسرك أن محمداً مكانك وأنت ناجٍ، قال: لا والله، ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً صلى الله عليه وسلم يصاب بشوكة، فراعَ أبا سفيان جوابه فقال: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً، استقبل خبيب القبلة بوجهه ثم قال: اللهم إنَّا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا، اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه عني، وتطايرت السهام تمزق جسده يقطرُ منها دمه الطاهر لكن روحه حلقت عالياً إلى ربها راضيةً مرضية، أما سلام خبيب فقد أوصله الله إلى رسوله وهو في المسجد وسمع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وعليك السلام يا خبيب لقد قتلته قريش.

الثبات على المبادئ
النصر نتيجة الثبات على المبدأ
هذا هو الموقف، وأما العبرة: فنتعلمها من سيدنا خبيب حين ثبت على مبدئه ولم يسمح لرياح المتغيرات أن تعصف بثوابته، ففي ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها ينبغي على المؤمن أن يزيد من تمسكه بثوابت دينه العظيم وأن لا يدع للمتغيرات مجالاً بأن تجتاح فؤاده فتحيده عن مبادئه وقيمه وثوابته، فكم وكم غيّر حدثٌ طارئٌ من ثوابت امرئ طالما دافع عنها وادَّعى تمسكه بها، كم من إنسانٍ ترك الصلاة التي هي من الثوابت بعد هزيمةٍ حلت به، وكم من إنسانٍ باع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل لأنه رأى قوياً ظالماً يتحكم بضعيفٍ مظلوم فأساء الظن بربه ووقع في شرِّ عمله، كم من إنسانٍ أعرض عن وحي السماء لأنه فقير لا يملك قوت يومه بينما غيره من المعرضين يتمتعون بمباهج الحياة وزينتها، ولو سألنا الآن هل انتصر خبيب أم انهزم؟ لكان جوابكم جميعاً بل انتصر رغم أنه قد قُتل، من أين جاء النصر؟ لقد جاء من ثباته على مبادئه وقيمه فالحياة والموت من المتغيرات لكن الإيمان والاعتقاد بالله من الثوابت.
إلى أن نلقاكم في موقفٍ جديد وعبرةٍ جديدة نستودكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته