• الحلقة العشرون
  • 2016-06-06

عروة بن الزبير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


موقفنا اليوم مع عروة بن الزبير
موقفنا اليوم يرويه لنا الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى فيقول: قدِم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد، وكان محمدٌ من أحسن الناس وجهاً، ثم خرج محمدٌ فوقع في اصطبل الدوابِ، فلم تزل الدواب تطؤه بأرجلها حتى مات، ثم وقعت الآكلة في رجل عروة، فبعث له الوليد الأطباء فقالوا: إن لم يقطعها سَرت إلى جسده فهلك، فنشروها بالمنشار، فلما صار المنشار إلى القصبة وضع رأسه على الوسادة ساعةً فغُشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدَّر على وجهه وهو يهلل ويكبر ثم قال: أما والذي حملني عليكِ إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله، ثم أمر بها فغُسلت وطُيبت وكُفنت ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين، فلما قدم المدينة تلقّاه أهل بيته وأصدقاؤه يُعزونه فجعل يقول: لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً، ولم يزد على ذلك، ثم قال: لا أدخل المدينة إنما أنا بها بين شامتٍ بنكبة أو حاسدٍ لنعمة، فمضى إلى قصرٍ بالعقيق فأقام هناك، فلما دخل قصره قال له عيسى بن طلحة: لا أبا لشانئيك، أي لكارهيك، أرني هذه المصيبة التي نعزيك فيها، فكشف له عن ركبته، فقال له عيسى: أما والله ما كنا نَعُدُّكَ للصراع، قد أبقى الله أكثرك عقلك ولسانك وبصرك ويديك وإحدى رجليك فقال له: يا عيسى ما عزَّاني أحدٌ بمثل ما عزيتني به.

نعمة الصبر
خير العيش الصبر
هذا هو الموقف، وقد ورد في كتاب عُدَّةِ الصابرين، فهو موقفٌ في الصبر، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: وجدنا خير عيشنا في الصبر، والسؤال هنا، كيف يجد الإنسان عيشه الرغيد ويجد نعم الله عز وجل عليه وهو يعيش حالةً من المحنة والابتلاء يصبر عليها؟ تفسير ذلك، أن الصابر يعرف ربه جل جلاله، يعرف من الذي ابتلاه، لذلك فهو يعرف أن وراء ذلك الابتلاء حكمةً فهو يصبر على قضاء الله وقدره ويعلم ما ينتظر الصابرين، قال تعالى:

إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ
(سورة الزمر: الآية 10)

بالصبر تبلغ عند الله منزلةً عاليةً جداً
يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: ما أنعم الله على عبدٍ نعمةً فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه، كيف ذلك؟ يهبُكَ الله صحةً وهذه نعمة، ثم تمرض لا سمح الله، هذا ابتلاء، لو أنك صبرت على المرض فالصبر خيرٌ لك من نعمة الصحة لأنك بالصبر تبلغ عند الله منزلةً عاليةً جداً قد لا تستطيع بلوغها وأنت تعيش النعمة غافلاً عنها دون شكرٍ لها، والإنسان حين يدرك أنه يعيش من أجل الآخرة ومن أجل ثواب الله تعالى ومن أجل ما أعدَّه الله جل جلاله للصابرين يرى في الصبر نعمةً ويرى في الابتلاء نعمةً عندها يدرك معنى قوله تعالى:

وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
(سورة لقمان: الآية 20)

فكثيرون من الناس لا يرون إلا النعم الظاهرة ولا يرون في المصائب نعماً باطنةً ولا يشعرون بها لكن المؤمن يشعر بذلك ويحس بنعمة الصبر.
أيها الإخوة أيتها الأخوات: إلى لقاءٍ آخر والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.