عمر على فراش الموت

  • الحلقة الثانية والعشرون
  • 2016-06-11

عمر على فراش الموت

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


موقفنا اليوم مع الفاروق عمر بن الخطاب
موقفنا اليوم مع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وهو في لحظات حياته الأخيرة وهو يختمها بأهم ما لديه أن يُدفن بجوار قدوته الحبيب الكريم صلى الله عليه وسلم وبجوار أخيه أبي بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه.
يحدِّث البخاري في صحيحه:
(أن عمر رضي الله عنه قال لابنه: يا عبد الله انطلق إلى عائشة فقل: يَقرأ عمر عليك السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً وقل يستأذن عمر أن يُدفن مع صاحبيه ، فذهب عبد الله فسلَّم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدةً تبكي ، فقال: يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت عائشة: كنت أريده لنفسي ولأؤثرن به اليوم على نفسي ، فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، قال: ارفعوني ، فأسنده رجلٌ إليه ، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين ، أذِنت عائشة ، فقال عمر: الحمد لله ، ما كان من شيءٍ أهم إلي من ذلك ، فإذا أنا قضيتُ فاحملوني ، ثم سلِّم على عائشة ، فقل: يستأذن عمر ، فإن أذِنت لي فأدخلوني وإن ردَّتني فردوني إلى مقابر المسلمين ، وأسلم عمر الروح إلى بارئها ، وحُمِلَ ، فكأن المسلمين لم تصبهم مصيبةٌ إلا يومئذ ، فما أصابهم حزنٌ مثل حزنهم إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ رضي الله عنه ، ودُفن عمر حيث أكرمه الله مع النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكرٍ رضي الله عنه ، تقول عائشة رضي الله عنها: كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي وأضعُ ثوبي وأقول إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن عمر معهم ، فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودةٌ عليّ ثيابي حياءً من عمر).
فالآن تهنأ يا عمر بجوار من أهدى البشر فسقى رفاتك وَابِـــلٌ من ماء غيث مُنْهَمِــــــر
{ شاعر مغمور }

العبرة الأولى : الاستئذان
سيدنا عمر حينما أراد أن يستأذن لأحَبِّ شيءٍ إليه لم يقبل أن يستخدم منصبه في هذا الاستئذان ، إذ قال لابنه: قل يقرأ عليكِ عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين .

العبرة الثانية : استخدام المنصب فيما يرضي الله
عدم استغلال المنصبب فيما لا يرضي الله
سيدنا عمر وهو في لحظة الموت الأخيرة لم يقبل أبداً أن يستغلَّ منصبه وموقعه من أجل أن يحصل على شيءٍ من شأن الآخرة ، وهو أن يدفن مع صاحبيه ، لم يقبل بذلك ، فما بالنا اليوم نرى بعض الناس يستغلون مناصبهم والمكانة التي حباها الله إياهم لخدمة عباده فيما لا يرضي الله عز وجل ، يستخدمون اسمهم وألقابهم ومكانتهم وجاههم ومنصبهم والله عز وجل جعلهم في خدمة عباده ، حينما يتولى الإنسان أمراً من أمور المسلمين ، ينبغي أن يرى أن الله عز وجل قد جعل منه باباً لخدمة عباد الله ، فكلَّفه وشرَّفه حينما استعمله لخدمة المسلمين ، لكنه لا يستخدم مكانته ولا منصبه إلا في رضى الله عز وجل.

العبرة الثالثة : الحياء والحشمة
حياء أمنا عائشة
وأما تصرُّف عائشة رضي الله عنها فهو ملفِت للنظر حقاً حيث كانت تشد ثيابها عليها إذا دخلت الغرفة التي دفن فيها والدها وزوجها وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لأنها تستحيي من عمر أن تنزع ثيابها في حضرته وهو ميتٌ تحت التراب ، فما بالنا اليوم نرى بعض النساء اللواتي يخرجن كاسيات عاريات مائلات مميلات قد نُزِع الحياء من بعض الرؤوس ، فلا تجد انضباطاً بمنهج الله عز وجل ، فلتكن عائشة رضي الله عنها وما دامت هي أم المؤمنين فلتكن أمَّنا حقيقةً ولنقتدِ بها وبحيائها ولنجعلها نبراساً وقدوةً تسير عليها فتيات اليوم.
إلى أن نلقاكم في موقفٍ جديد وعبرةٍ جديدة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.