• الحلقة السابعة والعشرون
  • 2016-06-22

بقي بن مخلد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


موقف اليوم
موقف اليوم يرويه لنا الإمام الذهبي، في كتابه سير أعلام النبلاء، في ترجمته للإمام بقي بن مخلد الأندلسي، يقول: لمّا قَرُبْتُ من بغداد، اتصل بي خبر المحنة التي دارت على الإمام أحمد بن حنبل، وأنه ممنوعٌ الاجتماع إليه والسماع منه، فاغتممت بذلك غمّاً شديداً، ثم خرجت أستدلُ على منزل أحمد بن حنبل، فدُللت عليه، فقرعت بابه فخرج إلي، فقلت: يا أبا عبد الله، رجلٌ غريب الدار هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث ومُقَيِّدُ سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك، فقال لي: ادخل ولا تقع عليك عينٌ، ثم قال لي: وأين موضعك؟ قلت: المغرب الأقصى، فقال لي: إن موضعك لبعيد، وما كان شيءٌ أحبَّ إليّ من أن أُحسن عون مثلك على مطلبه، غير أني في حيني هذا ممتحنٌ بما لعله قد بلغك، فقلت له: قد بلغني وأنا قريبٌ من بلدك مُقبِلٌ نحوك، ثم قلت له: يا أبا عبد الله، هذا أول دخولي وأنا مجهولٌ عندكم، فإن أذِنت لي أن آتي في كل يومٍ في زيِّ سائل، فأقول عند باب الدار ما يقولونه، فتخرج إليّ، فلو لم تحدثني في كل يوم إلا بحديثٍ واحد لكان فيه الكفاية، فقال لي: نعم، على شرطِ أن لا تظهر في الحِلَق ولا عند أصحاب الحديث، فقلت: لك شرطك، فكنت آخذ عوداً بيدي كما يفعل السائل، وألفُّ رأسي بخرقةٍ وأجعل ورقي ودواتي -الحبر- في كُمّي، ثم آتي في بابه فأصيح: الأجر رحمكم الله، فيخرج إليّ ويغلق باب الدار ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر، حتى اجتمع لي نحوٌ من ثلاثمئة حديث.
ثم ظهر أحمد بن حنبل وسما ذكره وعظم في عيون الناس وعلت إمامته، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي وأدناني، ويقول لأصحاب الحديث هذا يقع عليه اسم طالب العلم، ثم يقصُّ عليهم قصتي معه.

الثبات على طلب العلم
رحلة بقيٍّ في طلب الحديث والعلم
أيها الإخوة عبرة الموقف: نستنبطها من رحلة بقيٍّ في طلب الحديث والعلم، في وقتٍ لم تكن وسائل النقل متوفرة فيه، والسفر مايزال حتى الآن مع كل التطور، مايزال قطعةً من العذاب، ومَظنّةَ مشقةٍ وهلاك، فكيف الحال قبل أكثر من ألفٍ ومئتي عام، إن أخبار الرحلة في طلب الحديث والسنة، أكثر من أن تحصى وقد صنَّف بعض العلماء كتباً بعنوان: الرحلة في طلب الحديث.
إن الطريقة التي تلقّى بها بقي بن مخلد الحديث عن الإمام أحمد، فقد رضيَ أن يأتي في كل يومٍ بزي سائلٍ يطلب الصدقة والمال فيأخذ حديثاً أو حديثين حتى حفظ منه ثلاثمئة حديث.
يقول صلى الله عليه وسلم:

{ أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ }

(أخرجه البخاري ومسلم)

الثبات على الصدقة
اثبُت على صدقةٍ مهما تكون قليلة وداوم عليها، تعلم في كل يومٍ آيةً واحدة وداوم عليها، احفظ كل يومٍ حديثاً واحداً وداوم عليه، حافظ على ركعتين في جوف الليل واثبت عليهما، وهكذا تجد نفسك بعد حين قد أصبحت إنساناً آخر.
إلى لقاءٍ آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.