• الحلقة التاسعة والعشرون
  • 2016-06-27

سالم بن عبد الله

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


موقف سالم بن عبد الله مع الخليفة
الخجل من سؤال غير الله
أيها الإخوة: قَدِم سليمان بن عبد الملك ذات يومٍ إلى مكة حاجّاً، فلما أخذ يطوف طواف القدوم أبصر سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، حفيد الفاروق، أبصره جالساً قبالة الكعبة في خضوع يحرك لسانه بالقرآن في تبتلٍ وخشوع وعَبَرَاتُهُ تَسِحُّ على خديه سحّاً، فلما فرغ الخليفة من طوافه توجه إلى حيث يجلس سالم بن عبد الله فأفسح الناس له الطريق حتى أخذ مكانه بجانبه وكاد يمس بركبتِه ركبتَه، فلم ينتبه له سالم لأنه كان مستغرقاً بما هو فيه مشغولاً بذكر الله عن كل شيء، وطفِق الخليفة يرقب سالماً بطرْفٍ خفي ويلتمس فرصةً يتوقف فيها عن التلاوة ويكف عن البكاء حتى يكلمه، فلما واتته الفرصة مال عليه وقال: السلام عليك يا أبا عمر ورحمة الله، فقال: وعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، فقال الخليفة بصوتٍ خفيض: سَلْنِي حاجةً أقضِها لك يا أبا عمر، فلم يجبه سالم بشيء، فظن الخليفة أنه لم يسمعه، فمال عليه أكثر من ذي قبل وقال: رَغِبْتُ بأن تسألني حاجة لأقضيها لك، فقال سالم: والله إني لأستحي أن أكون في بيت الله عز وجل ثم أسأل أحداً غيره، فخجل الخليفة وسكت لكنه ظل جالساً في مكانه، فلما قُضيت الصلاة نهض سالمٌ يريد المضي إلى رحله فلحق به الخليفة يريد أن يسأله حاجته، فلما رآه الناس وسّعوا له حتى حاذى مَنكِبُه مَنكِبَ سالم، فمال عليه وهمس في أذنه قائلاً: ها نحن أولاء قد غدونا خارج المسجد، فسلني حاجة أقضها لك، فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة فارتبك الخليفة وقال: بل من حوائج الدنيا، فقال له سالم: إنني لم اطلب حوائج الدنيا ممن يملكها، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟ فخجل الخليفة منه وَحَـيَّـاه وانصرف وهو يقول:
ما أعزكم آل الخطاب بالزهد والتقى! وما أغناكم بالله جل وعز بارك الله عليكم من آل بيتٍ
{ سالم بن عبدالله-حفيد الفاروق }

المسارعة إلى باب الله تعالى
هذا هو الموقف، وأما العبرة: فنستنبطها من قول سالم للخليفة: والله إني لأستحي أن اكون في بيت الله ثم أسأل أحداً غيره، يقضي الواحد مِنّا نهاره بحثاً عن الحلول عند المخلوقين مثله، فإذا جنَّ عليه الليل نام ملء جفونه ناسياً أن له رباً كريماً ينتظر مسألته ليقضيها له، ثم يستيقظ صباحاً ليعاود الكرَّة طالباً حاجته ممن لا يملكها، وفي الحديث الشريف:

{ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له }

(أخرجه البخاري ومسلم)

ما طلب منك أن تدعوه إلا ليجيبك
أيها الإخوة: الله عز وجل هو وحده القادر على إجابة دعوتك وتلبية طلبك، هو القادر أن يلبي طلبك وطلب غيرك مهما يكن عسيراً في نظرك، وما طلب منك أن تدعوه إلا ليجيبك، فسارعوا إلى باب الله تعالى.
أيها الإخوة الكرام أيتها الأخوات الكريمات: إلى أن ألتقيكم في موقفٍ جديد وعبرةٍ جديدة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.