الصحابي جليبيب الجزء الثاني

  • الحلقة الثانية
  • 2016-04-25
  • عمان

الصحابي جليبيب الجزء الثاني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى :
لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى
أيها الأخوة؛ جليبيب ذاك الصحابي الضعيف الدميم الذي تحدثنا عن قصة زواجه في اللقاء السابق، ما كاد يفرح بزواجه حتى دعاه داعي الجهاد للخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى غزواته، خرج جليبيب ناسياً فرحته وأيامه الأولى في زواجه الميمون، فلما انتهى القتال اجتمع الناس وبدؤوا يتفقدون بعضهم بعضاً، سألهم صلى الله عليه وسلم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم يا رسول الله، نفقد فلاناً و فلاناً، ثم أعاد فقال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلاناً وفلاناً، قال صلى الله عليه وسلم: ولكني أفقد جليبيباً، فقاموا يبحثون عنه ويطلبونه في القتلى، فلم يجدوه في ساحة القتال، ثم وجدوه في مكان قريب إلى جانب سبعةٍ من المشركين قد قتلهم ثم قتلوه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى جليبيب، ثم قال: قتل سبعةً ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، ثم حمله النبي عليه الصلاة والسلام ووضعه على ساعديه، وأمرهم أن يحفروا له قبراً، قال أنسٌ رضي الله عنه فمكثنا نحفر القبر، وجليبيبٌ ليس له فراش غير ساعد النبي عليه الصلاة والسلام، حتى حُفر له قبرٌ ثم وضعه النبي عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة في لحده، لقد أعطى النبي عليه الصلاة والسلام للإنسانية كلها درساً في المساواة، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا لوسيمٍ على دميم إلا بالعمل، ولا لقويٍ على ضعيف إلا بالإيمان، هذا هو الإيمان يجعلك تشعر أن الجميع إخوتك، فلا تتكبر على أحد، ولا تتعالى على مخلوق من مخلوقات الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدير الحروب في أرض المعركة، والذي يقود أمةً بأكملها لم تشغله كل أعبائه عن جليبيب الذي لا يؤبه له.

موقف للنبي الكريم يتجلى به نصرة الضعفاء :
أعطى النبي الكريم درساً في نصرة الضعيف
ما أكثر مواقفه صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا نصرة الضعفاء. عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كانت سوداء تقمُ المسجد- تنظف المسجد- فتوفيت ليلاً، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبر بموتها فقال: ألا آذنتموني بها، أي لمَ لم تخبروني بموتها؟ فخرج بأصحابه ووقف على قبرها فكبر عليها، والناس من خلفه، ودعا لها، ثم انصرف، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، امرأةٌ سوداء ضعيفة تنظف المسجد، تخرج إلى قبرها لتصلي عليها وتدعو لها!! أليس هذا نصراً للضعيف أن يخرج نبي الرحمة، وقائد الجيوش، والقائم على أمور الأمة، أن يخرج إلى قبر امرأةٍ ليصلي عليها؟! لقد أعطى معلم الخير درساً للإنسانية في نصرة الضعيف، فلم يقبل أن تحرم هذه المرأة لضعفها، و لهوانها على الناس، فضل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها.

التزام أمر النبي الكريم لنيل صحبته :
وفي الصحيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم، وفي الحديث:

{ أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم }

[ أبو داود عن أبي الدرداء]

إن محمداً الوفي صلى الله عليه وسلم لم ينس جليبيباً، وبعد كل ذلك من منا لا يتمنى أن يكون جليبيباً الذي حظي في آخر لحظات حياته بأشرف يدين عرفتهم البشرية، وبأحن قلب سمع الناس عنه وتكلموا عليه؟ من منا لا يتمنى أن يكحل عينيه بمرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذاً فلنكن مثل جليبيب حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزاماً لأمره صلى الله عليه وسلم، وإلى لقاءٍ آخر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته