• الحلقة الثلاثون
  • 2021-05-12

ياسيدي يا رسول الله


مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أيها الأخوة الأحباب ؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخيرات ، والبركات ، والطاعات ، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : " مع الرسول صلى الله عليه وسلم " ، هذه الحلقات التي نسعد فيها باستضافة فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي .
السلام عليكم سيدي .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم ورحمة الله وبركاته .

الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ نحن اليوم في الختام سعدنا بكم وبالأخوة المشاهدين .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
وأنا سعدت بكم .

الدكتور بلال نور الدين :
أكرمكم الله سيدي ، النبي صلى الله عليه وسلم دعوة واسعة ، إسلام عالمي ، لو أردنا أن نلخص دعوته صلى الله عليه وسلم في كلمات ؟

ملخص دعوة النبي توحيد الله وعبادته :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ما قولك أن نلخص فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، الأنبياء ، والرسل ، والدعاة الربانيون الله عز وجل قال :

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
[ سورة الأنبياء]

ماذا تعني من ؟ يوجد أمامك خمسون طالباً قد تقول لهم : لكم عندي لكم واحد منكم جائزة ، لكن يوجد طالبان غائبان ، لو قال : ما من طالب في هذا الصف إلا وله جائزة ، تشمل الغائبين : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) الأنبياء والرسل :

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
[ سورة غافر]

فحوى دعوة الأنبياء جميعاً الذين ذكروا ، والذين لم يذكروا في موضوعين اثنين : ( إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) التوحيد نهاية العلم ، نهاية العلم التوحيد : (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) والعبادة نهاية العمل ، أنت مخلوق ، حادث ، طارئ ، خائف .

إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)
[سورة المعارج]

في أصل خلقه ، لأنه لو خلق قوياً يستغني عن الله ، خلق هلوعاً ليفتقر إلى الله ، يسعد بافتقاره ، فالإنسان طارئ ، خائف ، شهواني ، أتيح له أن يتصل بأصل الجمال ، والكمال، والنوال ، (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) خضع لتعليمات الصانع ، وتعليمات الصانع هي التعليمات الوحيدة التي يجب أن تتبع تعليماتها ، لأنها الجهة الخبيرة .
أذكر هذا كثيراً : تألق ضوء أحمر بالمركبة ، إن فهمته تزيينياً احترق المحرك ، إن فهمته تحذيرياً سلم المحرك ، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، وبعبارة أخرى قد لا تقبل : من أنانيته ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، حرصاً على سلامته ، وسعادته ، واستمراره ، سلامته بالاستقامة ، وسعادته بالعمل الصالح ، واستمراره بأولاده ، بتربية أولاده ، فهذه كلمات جامعة مانعة ، هذا المنهج منهج الخالق ، الخالق وحده ينبغي أن تتبع تعليماته ، لأن الله هو الخبير .

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
[ سورة فاطر]

فالذكاء ، والنجاح ، والفلاح ، والتفوق ، وحسن الفهم ، وحسن العمل ، منوط باتباع تعليمات الصانع ، انطلاقاً من حرص أهل الأرض قاطبة على سلامتهم ، وعلى سعادتهم ، واستمرارهم .

الدكتور بلال نور الدين :
إذاً تلخصت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله إلى توحيد الله وعبادته.

الدكتور محمد راتب النابلسي :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ) التوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية العمل .
العبادة ؛ طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .

الدكتور بلال نور الدين :
أكرمكم الله سيدي ، سيدي في ختام هذه الحلقات المباركة الطيبة يطيب لنا أن نوجه رسالة لرسول صلى الله عليه وسلم فلو تكرمتم .

رسالة لرسول صلى الله عليه وسلم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إن شاء الله ، بارك الله بك على الطلب .

الدكتور بلال نور الدين :
أكرمكم الله سيدي .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
نخاطب النبي الكريم ، سيد الأنبياء والمرسلين : يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع ، يا من أعطيت القدوة ، وضربت المثل ، وعبدت الطريق ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك .
الآن كما قال عن نفسه أو حاله هكذا : المعرفة رأس مالي ، والعقل أصل ديني ، والحب أساسي ، والشوق مركبي ، وذكر الله أنيسي ، والثقة كنزي ، والحزن رفيقي ، والعلم سلاحي ، والصبر ردائي ، والرضا غنيمتي ، والزهد حرفتي ، واليقين قوتي ، والصدق شفيعي ، والطاعة حسبي ، والجهاد خلقي ، وجعلت قرة عيني في الصلاة .
نتابع مناجاتنا للنبي الكريم : أشهد أن الذي بهرتهم عظمتك لمعذورون ، وأن الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون ، أي إيمان ! وأي عزم ! وأي مضاء ! وأي صدق ! وأي طهر ! وأي نقاء ! وأي تواضع ! وأي حب ! وأي وفاء !
يوم فتحت مكة التي آذتك ، وأخرجتك ، وكادت لك ، وائتمرت على قتلك ، وقد ملأت راياتك الأفق ظافرة عزيزة ، قلت لخصومك : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
العفو عند القدرة .
يوم دانت لك الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها ، وجاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، صعدت المنبر ، واستقبلت باكياً ، وقلت لهم : من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ، ولا أخشى الشحناء ، فإنها ليست من شأني ولا من طبيعتي .
ويوم دخلت على ثوبان ذلك الغلام الفقير ، فرأيته يبكي فسألته : ما يبكيك يا ثوبان ؟ قال : يا رسول الله ! إنك إن غبت عني إني اشتاق إليك ، فتبكي عيناي ، فإذا تذكرت الآخرة وأنني لن أكون معك في الجنة ، حيث أنت في أعلى درجاتها يزداد بكائي ، عندئذٍ هبط الأمين جبريل من وحي السماء لهذا الغلام ، يقول الله عز وجل :

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً (69)
[ سورة النساء]

ويوم أقبل عليك رجل فظ ، غليظ القلب ، لم يكن قد رآك من قبل ، غير أنه سمع أن محمداً يسب آلهة قريش ، فحمل سيفه ، وأقسم ليسوين حسابه مع محمد ، ودخل عليك ، وبدأ حديثه عاصفاً مزمجراً ، وأنت تبتسم ، وتنطلق مع بسماتك أطياف نور آسر ، وما هي إلا لحظات حتى انقلب الغيظ ، غيظ المتجهم حباً ، يكاد من فرط الوجد ، والحياء أن يذوب ، وانكفأ هذا الرجل على يديك ، ودمعه ينهمر من عينيه ، ولما أفاق قال لك : يا محمد ! والله لقد سعيت إليك وما على وجه الأرض أبغض إليّ منك ، وإني لذاهب عنك وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منك ، لقد أشرقت على هذا الرجل أنوار الحق ، ومحبة الخلق الكامنة في قلبه الشريف قلب النبي الشريف ، ففعلت في قلب الرجل فعل السحر ، إنها النبوة ، إنها الرسالة .
ويوم غضبت صلى الله عليك من غلام ، وكان بيدك سواك ، فقلت له : والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك .
هذه رحمته .
أيها الأخوة الكرام ؛ نحن بأمس الحاجة يا رسول الله إلى هديك الرباني الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً ، ونحن بأمس الحاجة إلى سنتك المطهرة التي هي المنهج القويم والصراط المستقيم ، ونحن في أمس الحاجة إلى أخلاقك العظمى التي لا يزيدها التأمل والتحليل إلا تألقاً ونضارة ، لقد كنت بحق بين الرجال بطلاً ، وبين الأبطال مثلاً .
حين قلت لابنتك فاطمة الزهراء رضي الله عنها : " يا فاطمة بنت محمد أنقذِي نفسك من النار ، أنا لا أغني عنك من الله شيئا ، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ، لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم ".
وما من كلمة تقال في شأن شمائلك ، التي هي عنوان هذا البرنامج المبارك إن شاء الله أبلغ من كلمة سيدنا جعفر بن أبي طالب ابن عمك رضي الله عنه يوم كان في الحبشة مهاجراً وسأله ملكها النجاشي عنك ، فقال :

{ عن أم سلمة : لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها حين جاء النجاشي ، فذكر الحديث بطوله . وقال في الحديث ، قالت : وكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب ، قال له : أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأن نعبد الله لا نشرك به شيئاً ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، قالت : فعدّد عليه أمور الإسلام ، فصدقناه ، وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من عند الله فعبدنا الله وحده ولم نشرك به ، وحرّمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحلّ لنا ، ثم ذكر باقي الحديث }

[أخرجه ابن خزيمة في صحيحه]

يا رسول الله قد خاطبك ربك جلّ جلاله فقال :

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)
[ سورة الأحزاب]

لقد دعوت إلى الله ، وتلوت على قومك آيات الله ، وعلمتهم الكتاب والحكمة ، وزكيت الذين آمنوا بك ، وساروا على نهجك ، حتى صاروا أبطالاً ، يا من أرسلك الله رحمة للعالمين فقال :

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
[ سورة الأنبياء]


خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين :
أكرمكم الله سيدي ، الحقيقة كلمات تقشعر لها الأبدان في الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم .
كانت حلقات ممتعة جداً بصحبتكم سيدي ، أنا أغبط نفسي عليها ، كيف لا ونحن في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
في ذكر الصالحين تتعطر المجالس ، فكيف بذكر الأنبياء والمرسلين ؟! فكيف بذكر سيد الأنبياء والمرسلين ؟!

الدكتور بلال نور الدين :
الحمد لله الذي استعملنا في هذا الأمر ، وهذا شرف عظيم جزاكم الله خيراً سيدي .
أخوتي الأكارم ؛ في نهاية هذه الحلقات المباركة التي سعدنا بها بصحبتكم وبصحبة شيخنا جزاه الله عنا خير الجزاء ، نشكر لكم حسن المتابعة ، راجين المولى جلّ جلاله أن تكونوا دائماً في خير حال ، وأحسن حال ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته