لماذا تقع كل المصائب في ديار المسلمين؟

  • الحلقة الثانية عشرة
  • 2021-06-12

لماذا تقع كل المصائب في ديار المسلمين؟

سألني سائل: لماذا تقع كل المصائب في عالمنا الإسلامي وفي ديارنا نحن _ المسلمين _ بينما الشعوب الشاردة عن الله تنعم بالأمن والاستقرار!
حسناً سأجيبك...

المصائب في بلاد غير المسلمين:
أولاً: هناك في بلاد غير المسلمين مصائب كثيرة، أليس شيوعُ المخدرات مصيبةً! أليس التفكك الأسري مصيبة! أليست نسب الإجهاض العالية مصيبة؟ أليس التحرش بالنساء مصيبة؟ أليست العنصرية مصيبة! ثم أليس في بلادهم كوارث وفيضانات وحرائق!
نعم... قد تختلف مصائبنا عن مصائبهم، ومشكلاتنا عن مشكلاتهم، ولو أننا وازنا بين مشكلاتنا ومشكلاتهم بميزان الشرع ومع استحضار الآخرة وعدم الاكتفاء بالدنيا فسنصل غالباً إلى أن مشكلاتهم أشدُّ وأعظمُ خطراً، وأنا هنا لا أهون من حجم مشكلاتنا، ولكنها الحقيقة.
يمكن أن نقول: إن العالم الغربي البعيد عن الله عموماً استطاع بعد عقود من الحروب الدامية أن ينعم ببعض الاستقرار الظاهري بحكم قوة القانون، وبحكم التوافق على عقد بين الحاكم والمحكوم ينظم العلاقة بينهما إلى حد ما، لكن القول بأنه ينعم بالاستقرار الحقيقي وأنه لا يعاني من المشكلات قولٌ مجافٍ للحقيقة، ينكره مثقفو الغرب أنفسُهم.

سننُ الله لا تحابي أحداً:
ثانياً: إن لله تعالى سنناً، وسننُ الله لا تحابي أحداً، والله تعالى ليس له سنةٌ واحدة في التعامل مع جميع عباده، وإنما سنَّ للمحسن سنةً، وللمسيء سنةً أخرى، وسنَّ للصالح سنة، وللمفسد سنةً أخرى، وكذلك في تعامله جل جلاله مع الأمم والشعوب هناك سنن مختلفة.
إن سنة الله تعالى في الدنيا عموماً جاءت في قوله تعالى:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا
(سورة الإسراء)


تصنيف البشر في الدنيا:
هذه الآيات تبيّن سنَّة الله في الدنيا ، وتصنف البشر في الدنيا وتضع سنناً لهم:
الصنف الأول: أراد الدنيا وحدها ، وعمل لها ، وأعرض عن الآخرة ، وسنة الله تعالى فيه أنه يعطيه ما يريد من الدنيا ثم يكون مصيره جهنم.
الصنف الثاني: أراد الآخرة وسعى لها السعي الذي يليق بها، فالله تعالى يشكر له سعيه هذا ويثيبه عليه ويعطيه في الآخرة ما سعى له.
لكن... عطاء الدنيا لن يتوقف عمن أراد الدنيا ولا عمن أراد الآخرة فمن سنن الله تعالى أن عطاء الدنيا للجميع، وأنه لم يحظر عطاءه على فئة دون أخرى ولا عن أمة دون أمة.
إن من أعرضوا عن الله وعن منهجه إعراضاً كلياً واتجهوا إلى الدنيا وجعلوها منتهى الآمال ومحط الرحال وأكبر الهمِّ ومبلغَ العلم، فهؤلاء من سنة الله تعالى أن تفتح لهم الدنيا من كل أبوابها، قال تعالى:

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
(سورة الأنعام)

إنها أبواب وليس باباً واحداً، وهي أبواب كل شيء لا أبواب شيء واحد!

السنة الخاصة بأهل الإيمان:
أما السنة الخاصة بأهل الإيمان؛ الذين أعلنوا انتماءهم لهذا الدين ولكنهم لم يلتزموا منهجه ولم يستجيبوا لربهم فهم من أمة التبليغ، لكنهم ليسوا من أمة الاستجابة فهؤلاء لهم سنة في كتاب الله، قال تعالى:

وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
(سورة السجدة)

قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامَها وآفاتِها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه.
قال تعالى:

لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
(سورة الأنبياء)

قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما- فى تفسير هذه الآية: فيه ذكركم أي فيه شرفكم، فهذه الأمة لا تستمد الشرف والعزة إلا من استمساكها بأَحكام الإسلام.
خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ وَمَعَه أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رضي الله عنهما فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ ( بركة ماء ) وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَخَلَعَ خُفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ بِهَا الْمَخَاضَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا، تَخْلَعُ خُفَّيْكَ وَتَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِكَ، وَتَأْخُذُ بِزِمَامِ نَاقَتِكَ، وَتَخُوضُ بِهَا الْمَخَاضَةَ؟ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوكَ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَوَّهْ لَمْ يَقُلْ ذَا غَيْرُكَ أَبَا عُبَيْدَةَ جَعَلْتُهُ نَكَالًا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ.
فعمر - رضي الله عنه - كشف لنا بكلماته عن حقيقة الارتباط بين حال الأمة عزًا وذلاً، مع موقفها من الشريعة إقبالاً وإدبارًا، فما عزَّت فى يوم بغير دين الله، ولا ذلَّت فى يوم إلا بالانحراف عنه.

الملخص:
إذاً أيها الكرام: لا تخلطوا بين قانون الشاردين وقانون المؤمنين المقصرين ولا تقولوا: هم شاردون أكثر منا ومع ذلك الله يرزقهم، فلهم قانون ولنا قانون، وللدنيا قانون وللآخرة قانون، وقانوننا أنه لا يمكن أن تكون لنا العزة والمنعة والرفعة على مستوى الأمة إلا من خلال العودة إلى ديننا والتمسك بقرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.