لماذا ذكر الخَضِر في القرآن و منح معجزات ؟

  • 2025-10-24
  • سورية - دمشق
  • مسجد عبد الغني النابلسي

لماذا ذكر الخَضِر في القرآن و منح معجزات ؟

القرآن لم يذكُر الخَضِر بالاسم، لكن كثيرٌ من العلماء قالوا على أنَّ الرجُل الصالح هو الخَضِر، يعني يُسمّونه الخَضِر لكن الله أعلم.
في القرآن:

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا(65)
(سورة الكهف)

أنا أقول إنه نبي، هذا الرجُل الصالح نبي، ودليلي على ذلك ما ذكره كثيرٌ من أهل العِلم: (وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا(82)
(سورة الكهف)

فأنا أقول هذا الرجُل الصالح، الذي في كثيرٍ من الروايات هو الخَضِر، هو نبيٌ من أنبياء الله، وجرت على أيديه مُعجزة من معجزات الله، بأمرٍ مباشرٍ من الله، وهذه الحالة لتعلِّمنا أنَّ وراء أقدار الله تعالى، حِكَماً لا نعلمها ولا تتكرر، يعني ما يُقبَل اليوم من إنسانٍ عالمٍ، والله أعلم بعض المشايخ القُدامى كان بعضهم يقول: لا تسألني عن الخَضِر، هذه الحالة لا تتكرر، يعني ليس كل واحدٍ يظن نفسه العبد الصالح، وما فعلته عن أمري، أخي ترتيب ربَّك! الشرع ربَّك، سيدنا موسى كان معه حق، سيدنا موسى كان بطبيعته سريع الانفعال، واضحة جداً في القرآن الكريم:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ(15)
(سورة القصص)

سيدنا موسى ينفعل بسرعة، فهذه طبيعته:

قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا(68)
(سورة الكهف)

فصحيحٌ أنه استعجل، لكن سيدنا موسى كان يتكلم من منظار الشريعة:

فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا(74)
(سورة الكهف)

لا يجوز!

فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا(71)
(سورة الكهف)

فسيدنا موسى كان يتكلم من منظار الشريعة الذي نتكلم به جميعاً، فاليوم لا أحد يقول أنا مأمورٌ بأمر الله، أُنفِّذ ولا أحد يعترِض، لا، نعترِض عليك إذا كان الأمر مُخالفٌ لشريعة الله عزَّ وجل.
بالمناسبة سيدنا موسى وكل الأشياء التي اعترض عليها، من أقدار الله التي وقعت بأمر الله مباشرةً لنبيٍ من أنبيائه، كل الأشياء التي اعترض عليها، جرَت معه وفق أقدار الله لكنه لم ينتبه لها، سيدنا موسى قال له: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) وأنت عندما وضِعتَ في التابوت صغيراً، هل غرقت أم نجوت؟ وهذه السفينة خُرِقَت لتنجو لا لتُغرِق أهلها، فأقدار الله كثيرة.
لمّا قال له: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) وأنت عندما وكزت القبطي (فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ)

فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا(77)
(سورة الكهف)

ولمّا سقا للفتاتين:

فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)
(سورة القصص)

أقدار الله عندما تُسيُّرنا نحن لا ندري لماذا؟ لكننا نؤمن أنَّ وراءها حكمةً، هذا سرّ سورة الكهف التي نقرأها كل جمعة، حتى نُدرك أنَّ أقدار الله تعالى وراءها حِكمٌ خفيةٌ لا نعلمها، فإمّا أن تُكتَشف الحكمة فوراً كما حدث مع أصحاب السفينة، لعلَّهم اكتشفوا بعد حينٍ بسيطٍ، الحكمة مباشرةً، أنهم نجوا من هذا المَلِك الذي يأخُذ كل سفينةٍ غصباً.
وإمّا أن تتأخر الحكمة قليلاً، لتتضِح كما حدث مع الغُلامين في المدينة، بعد عشر سنين شبّوا ووجدوا الكنز، فعلموا الحكمة من بناء الجدار.
وإمّا أن يطول الأمد، فلا نعلم عن الحكمة شيئاً إلى يوم القيامة، كما حصل مع قتل الغلام، لم يعلموا لماذا حصل، وربما ماتوا كمداً وحزناً عليه، لكنهم سيعلمون يوم القيامة، أنَّ الله عزَّ وجل أراد أن يقضي هذا الغلام إلى ربّه، حتى لا يُرهِقهُما طُغياناً وكفراً، هذه أقدار الله.