عبادةٌ محرَّمةٌ…!
عبادةٌ محرَّمةٌ…!
يا ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات والأرض، وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عزك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك، والأمر كله إليك، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته. |
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذريِّة سيدنا محمدٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً. |
كل الناس يعبدون فإمّا أن يكونوا عباداً لخالقهم أو عبيداً لشهواتهم:
وبعد فيا أيُّها الإخوة الكرام: يُحكى أنَّ رجُلاً باعَ دينه وخسر آخرته، من أجل مبلغٍ مالي أخذه من حرام، فصار عبداً للمال، وفي الحديث: |
{ تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ }
(صحيح البخاري)
ويُحكى أيضاً أنَّ رجُلاً كان يهتم بملابسه، وبأناقته، وبالعلامة التجارية المنقوشة على قميصه، تشغله ملابسه وأناقته عن عبادة ربّه، فأصبح عبداً لثيابه، وفي الحديث: (تعس عبدُ الخميصةِ). |
ويُحكى أنَّ ثالثاً شَغَله مجلسه ومُتكأهُ، وما في مجلسه من وسائل الراحة، عن النهوض لعبادة ربّه ولنُصرة دينه، فأصبح عبداً لأريكته ومجلسه، وفي الحديث: (تعس عبدُ القطيفة). |
الناس كل الناس حتى الكفار يعبدون، فإمّا أن يكونوا عباداً لخالقهم، أو عبيداً لشهواتهم، الناس كل الناس يتَّبِعون، هكذا فطر الله الخلق يتَّبِع، فإمّا أن يتَّبِعوا الهُدى، أو أن يتَّبِعوا الهوى، وشتان ما بينهما. |
كل الناس يعبدون فإمّا أن يكونوا عباداً لخالقهم أو عبيداً لشهواتهم:
الناس كل الناس يُنادَون فيستجيبون، فإمّا أن يستجيبوا لرسول ربّهم صلى الله عليه وسلم، أو لهوى أنفسهم، قال تعالى: |
فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(50)(سورة القصص)
هُما طريقان وخياران لا ثالث لهما، إمّا أن تكون مُستجيباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الخيار الثاني أنَّ هذا الإنسان الشارد مُتَّبِعٌ لهواه، فإذا رأيت عدم استجابةٍ من الناس، فإيّاك أن تراجع مبادئ دينك، كما يحلو اليوم لبعض الدُعاة أن يفعلوا، يجد الناس مُنصرفين عن دين الله، لا يستجيبون للأمر والنهي فيراجع الدين، فيبدأ بتقديم التنازلات منه شيئاً فشيئاً، لعلَّ الناس يقبَلون الدين، هذا محضُ هُراء، قال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) ما قال له فخفِّف عنهم التكاليف، ما قال له ألغِ من الدين ما فيه صعوبةٌ عليهم، هُما طريقان لا ثالث لهما. |
الهوى في الشرع هو مَيل النفس إلى الشهوة المُحرَّمة:
أيُّها الإخوة الكرام: الهوى هو المَيل، والهوى في الشرع هو مَيل النفس إلى الشهوة المُحرَّمة، قد تميل النفس إلى الشهوة الحلال فهذا لا شيء فيه، كأن تميل النفس إلى المرأة، فيتزوج الشاب ويُعفّ نفسه، وقد تميل النفس إلى المال فيُتاجر ويكسب مالاً، وهذا لا شيء فيه، لكن مَيل النفس إلى الشهوة المُحرَّمة هو الهوى، وسُمّيَ هوى لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، إلى كل مصيبة، ويهوي به في الآخرة إلى الهاوية إلى نار جهنم والعياذ بالله، فالهوى يهوي بصاحبه في الدنيا، فكم ذلَّ الهوى أُناساً كان لهم عز، ولكنهم اتَّبَعوا أهواءهم فوجدوا أنفسهم في ظل الدنيا والآخرة، ثم يهوي به يوم القيامة إلى نار جهنم الهاوية. |
أيُّها الإخوة الكرام: لم يرِد الهوى في القرآن الكريم إلا مذموماً. |
{ قال ابن عباس: ما ذكر الله عزَّ وجل الهوى في كتابه إلا ذمَّه }
(ذكره الشاطبي في الموافقات)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا(43)(سورة الفرقان)
يعبُد هواه من دون الله، يستجيب لهوى نفسه (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا). |
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(23)(سورة الجاثية)
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) انظُر إليه تجد السلوكات المُنحرفة، تجد المصائب والدواهي لأنه يتَّبِع الهوى ولا يتَّبِع الهُدى. |
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176)(سورة الأعراف)
لم يقبَل الهُدى، الهُدى يرفعني ويرفعك في الدنيا والآخرة، لذلك يأتي الهُدى دائماً في كتاب الله مع على: |
أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5)(سورة البقرة)
الهُدى يرفع بينما الضلال يتيه الإنسان فيه:
لأنَّ الهُدى يرفع بينما الضلال يتيه الإنسان فيه، فيأتي الضلال مع كلمة في: |
أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(22)(سورة الزمر)
لكن المهتدون على هُدىً من الله، لأنَّ الهُدى يرفع ويناسبه على، والضلال يخفِض ويدخلك في المتاهات فيُناسبه في، في ضلالٍ وعلى هُدى. |
أيُّها الإخوة الكرام: قال تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) بآيات الله (وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) عبد هواه من دون الله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث). |
أيُّها الإخوة الكرام: هذه هي العبادة المُحرَّمة، عنونت الخُطبة في الإعلان عنها عبادةٌ مُحرَّمة، اتصل بي بعض الناس وقد شوَّقهم العنوان، قالوا لي وهل هناك عبادةٌ مُحرَّمة، لأنَّ العبادة تنصرف في الذهن إلى أنها عبادة الله تعالى، عبادة الهوى هي العبادة المُحرَّمة. |
أسباب عبادة الهوى:
أيُّها الإخوة الكرام: أسباب عبادة الهوى، ما الأسباب التي تجعل الإنسان يعبُد هواه حتى نتجنَّبها، أُلخِّصهُا في أمرين اثنين: الأول مصاحبة أهل الأهواء ومجالستهم، قال الحسن البصري رحمه الله: <<لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم، فإني لا آمن عليكم أن يغمسوكم في ضلالاتهم ويلبسوا عليكم ما تعرفونه>>. |
أهل الأهواء إذا جالسهم الإنسان أصبح مُتَّبِعاً للهوى مثلهم، لذلك لا تُجالس أهل الأهواء، لأنَّ المُتَّبِع لهواه يغمِس المرء في ضلالاته معه، لذلك قال تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)(سورة التوبة)
جالس الصادقين المؤمنين، أمّا إذا جالست أهل الأهواء أصبحت منهم، وفي المَثَل المعروف "مَن جالس جانس". |
ومن أسباب اتباع الهوى طول الأمل، فطول الأمل في الدنيا يجعل الإنسان يتَّبِعُ هواه، لأنه يجد في الشهوة المُحرَّمة وفي الهوى المذموم، ما يناسب طبعه فيتجه إليه، فيُريد المرأة من حلالٍ أو من حرام، ويُريد المال من حلالٍ أو من حرام، ويُريد العلو في الأرض ولو على حساب الناس، ولو على دمائهم أحياناً، لأنه قد طال أمله، حسب الدنيا كل شيء، وأنها مُنتهى الآمال ومحط الرِحال، فطول الأمل يجعل الإنسان يعبُد هواه من دون الله، قال عليٌّ رضي الله عنه: <<إنَّ أخوف ما أتخوف عليكم طول الأمل واتباع الهوى، فأمّا طول الأمل فيُنسي الآخرة، وأمّا اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق>>، من يتَّبِع هواه يصدُّه اتباع هواه عن الحقّ، وفي الحديث الصحيح: |
{ ثلاثٌ مُهلِكاتٌ، وثلاثٌ مُنجِياتٌ، وثلاثٌ كفَّارَاتٌ، وثلاثٌ دَرَجاتٌ، فأمّا المهلِكاتُ: فشُحٌّ مُطاعٌ، وهَوًى مُتَّبَعٌ، وإِعجابُ المرْءِ بنفْسِهِ، وأمّا المنْجياتُ: فالعدْلُ في الغضَبِ والرِّضا، والقصْدُ في الفقْرِ والغِنى، وخشيةُ اللهِ تعالَى في السِّرِّ والعلانيةِ، وأمّا الكفَّاراتُ: فانْتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ، وإسْباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ ، ونقلُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، و أمّا الدَّرجاتُ: فإطْعامُ الطعامِ، و إفْشاءُ السلامِ، و الصلاةُ بالليلِ و الناسُ نِيامٌ }
(أخرجه الطبراني)
هذه الثلاث ما داخلت امرئً إلا أهلكته. |
الشُح هو البُخل الذي يمنع الإنسان عن دينه:
الشُح: البُخل الشديد الذي يدفع الإنسان إلى أن يبيع دينه من أجل ماله. |
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9)(سورة الحشر)
الشُح هو البُخل لكن الذي يمنع الإنسان عن دينه (وهَوًى مُتَّبَعٌ) يتَّبِع هوى نفسه، يسير معها حيث سارت (وإِعجابُ المرْءِ بنفْسِهِ) هذه الثلاث مهلكات. |
علاج اتباع الهوى:
أيُّها الإخوة الكرام: وأمّا علاج اتباع الهوى، مَن وقع في حُب الهوى، ومن عبد هواه كيف يعالج ذلك؟ قال تعالى: |
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ(41)(سورة النازعات)
أن ينهى الإنسان نفسه عن الهوى، قال البوصيري رحمه الله: |
وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ وَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا وَإِنْ هُمَا مَحَضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمِ{ البوصيري }
يعني علاج اتباع الهوى أن تُجاهد نفسك في منعها من الهوى، مثالٌ بسيطٌ نعيشه يومياً، يدق جرس المُنبه مُعلناً أن وقت الفجر قد حان، وهوى النفس يقول لك ابقَ في الفراش، تنهى النفس عن الهوى وتقوم إلى صلاتك، بعد حينٍ تألف الاستيقاظ إلى صلاة الفجر، فلو حصل أن نمت يوماً عنها يؤلمك ذلك ويزعجك، أغانٍ ماجنة يسمعها الشاب ويترنَّم بها، ثم يبدأ بنهي نفسه عن هواه، فلا يريد أن يسمعها، ولا يفتح عليها جواله أبداً، بدأ بنهي النفس عن الهوى. |
في اليوم الأول والثاني والثالث نفسه تنازعه وهو ينهاها، بعد أشهُرٍ يخرُج في وسيلةٍ من وسائل النقل العامة، فيكون السائق هداه الله قد وضع هذه الأغنية الماجنة فيطرَب لها، ويستعيد ذكرياته معها، لكن بعد أشهُرٍ أُخرى يسمعها مُصادفةً فينزعج منها، لأنه مارس نهي النفس عن الهوى، حتى أصبح هواه كما في بعض الآثار، تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصبح يُحب الحقّ وأهل الحقّ، فالمسألة هي مسألة مُجاهدة، ومَن لم يُجاهد نفسه لم ينهَ نفسه عن الهوى، هذا هو العلاج، وهذا ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: |
{ إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، و مَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، و مَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ }
(الألباني السلسلة الصحيحة)
وقِس عليه كل شيء، كل شيءٍ تمارسه مرةً ومرتين وثلاث يُصبح عادةً، أمّا أن يُطلِق الإنسان لنفسه الهوى، وأن يفعل ما يحلو له، فلن يصدّه شيءٌ عن الهوى. |
أيُّها الإخوة الكرام: بقي شيءٌ واحد، اليوم هناك هوى مُتَّبَع لكن يُسمّى بغير اسمه، كيف ذلك؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ }
(أخرجه أبو داوود وأحمد وابن ماجه)
مشروبات روحية ترقى بالروح، والموسيقا التي تدعو إلى الفجور غذاء الروح، والنفاق لباقة ومحافظة على الدعوة، في أيام النظام المُجرم، كان كثيرون يعيبون على مَن نطق بالحق، نسأل الله أن يعفو عنّا، يقولون نحن ننافق حفاظاً على سُمعة الدعوة، حتى تبقى لنا مساحة ندعو الله بها، فالنفاق يُسمَّى حفاظ على سُمعة الدعوة لباقة! (يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها). |
العقل هو الاسم الجديد للهوى اليوم:
المرأة المُتفلِّتة مُتحضِّرة، بغيرِ اسمِها المعاصي، الرِبا الصريح فوائد وعوائد، فائدة كلمة جميلة، يقول: أخذت الفوائد، هو أكل الرِبا والعياذ بالله، لكنه يُسمّيها الفوائد، هذا منطق الناس اليوم، لماذا ذكرت ذلك؟ لأُمثِّل له كيف يُسمّى الهوى بغير اسمه، ما الاسم الحديث للهوى اليوم؟ العقل، لا يقول لك قال لي هوايَ، يقول لك قال لي عقلي، انظُر إلى العقلانيين في وسائل الإعلام اليوم، ما أحد يقول لك أنا هوايَ في الاختلاط، يقول لك: قال لي عقلي إن الاختلاط لا يؤثِّر، على العكس الاختلاط يُهذِّب الشاب والفتاة، قال لي عقلي، ومَن أنت؟ ومَن عقلك؟ وأين عقلك؟ وأنا قال لي عقلي بخلاف عقلك، والثالث قال له عقله بخلاف عقلي وعقلك. |
فإذا كانت المسألة بما قاله لك عقلك، فكلٌّ يقول له عقله ما شاء، ولا داعي للكتاب ولا السُنَّة، يقول لك: قال لي عقلي هذه المعاملة لا شيء فيها، أنا راضٍ والبنك راضي، فهي ليست رِبا، هكذا قال له عقله، هو الذي قال له هوى نفسه، لكنه يُسمّي الأشياء بغير مُسمياتها، يُسمّون الهوى عقلاً حتى يعطونه رونقاً، تقول لك فتاةٌ: قال لي عقلي إنَّ الحجاب لا يصلُح لهذا الزمان، الزمان تغير ولم يرِد فيه نصٌّ صحيحٌ صريح، واليوم هناك من يقول له عقله على وسائل الإعلام، إنَّ الخمر مكروهة وليست مُحَّرمة، لأنَّ الله تعالى قال: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90)(سورة المائدة)
وما قال لا تشربوه، يعني الأفضل أن لا تشربه، هذا على وسائل التواصل موجود، كلكم سمعتم به، فاليوم يُسمّون الهوى بالعقل والعقل منه براء، فالعقل يعني أن تفهم النص الشرعي وأن تعمل به. |
وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(138)(سورة الصافات)
وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ(68)(سورة يس)
ما ورد العقل في القرآن الكريم إلا فِعلاً وليس مصدراً، فِعل بمعنى أن نعقل وأن نفهم عن الله تعالى، وأن نربط الأمور ببعضها، وأن نخرُج بالمخرجات الصحيحة، وأن نسأل أهل الذِكر إن كنّا لا نعلم، أمّا كل إنسان يقول لك: قال لي عقلي، العقل لا يقول لك شيئاً، شرع الله تعالى هو الذي يقول لك افعل ولا تفعل، وإذا كان عقلك سليماً، سيجد المصلحة والحكمة كلها في شرع الله تعالى. |
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، واستغفروا الله. |
الحمد لله ربِّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. |
الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات. |
اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شرَّ ما أهمنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنّا. |
اللهم اجعلنا ممن يتَّبِعون الهُدى ويعرضون عن الهوى، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين. |
اللهم ألزِمنا كلمة الحق والاستقامة، لا نحيد عنها حتى نلقاك وأنت راضٍ عنّا، وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنّا، أنت حسبنا عليك اتكالنا. |
لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنّا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، والحمد لله ربّ العالمين. |