• خطبة جمعة
  • 2025-12-05
  • سورية - دمشق
  • مسجد عبد الغني النابلسي

فبذلك فليفرحوا

يا ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات والأرض، وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عزك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك، والأمر كله إليك، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذريِّة سيدنا محمدٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً.

مقدمة:
وبعد أيُّها الإخوة الكرام: فالإنسان أي إنسانٍ، يقول، أو يفعل، أو ينوي، أو يشعُر، أو يُحدِّث نفسه، هذه هي نشاطات الإنسان في الأعمّ الأغلب، يقول، يفعل، ينوي، يشعُر، يُحدِّث نفسه بشيءٍ حديث النفس، والإسلام العظيم يُراقِب أقوال الإنسان، ويُراقِب أفعاله، ويُراقِب نيَّته، ويُراقِب مشاعره، يُراقِب كل شيء، لذلك يشعُر المؤمن بدوام المُراقبة، فينضبط سلوكه، وتنضبط أقواله، وتنضبط نيَّته، وتنضبط مشاعره، وهذا لا تستطيعه أيُّ أنظمةٍ وضعيَّة، الأنظمة الوضعيَّة جُلّ همِّها إن استطاعت، أن تضبط أقوال الإنسان في حدودٍ مُعيَّنة وأن تضبط أفعاله في حدودٍ مُعيَّنة فقط، مثلاً في الشارع قف على الإشارة الحمراء، في الشارع اِلتَزِم لباساً مُعيَّناً، في الشارع أو في الدوائر الرسمية، لا تتكلم كلاماً يمسُّ هيبة الدولة، أو دستور الدولة، أو إلى آخره...

تضبط الأنظمة الوضعية بعض أقوال الإنسان وبعض أفعاله فقط:
تضبط الأنظمة الوضعية بعض أقوال الإنسان وبعض أفعاله فقط، وتعجز عن ضبط جميع أقواله وأفعاله، فإذا أغلق بيته قال ما شاء، وفعل ما شاء، ولا رقيب عليه، وكلما قويَت قوة القانون، كان الضبط أكثر بالأقوال والأفعال، أمّا الإسلام العظيم، فيُعنى بضبط أقوال الإنسان أولاً.

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا(53)
(سورة الإسراء)

يأمُرك أن تضبط أقوالك بأن تقول الأحسن دائماً.
على سبيل المِثال وليس الحصر:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ(12)
(سورة الحجرات)

يضبط قولاً من أقوالك، ألّا تذكُر أخاك بسوءٍ في غيابه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(11)
(سورة الحجرات)

يضبط أقواله، ويضبط ويراقب أفعاله (وَلَا تَجَسَّسُوا).

{ لعنةُ اللهِ على الرّاشِي والمُرْتَشِي }

(أخرجه أبو داوود والترمذي وابن ماجه وأحمد)

ضبطٌ للفعل.

{ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا }

(أخرجه البخاري والطبراني)


حديث النفس لا يُؤاخَذ عليه الإنسان:
الآيات والأحاديث في ضبط أقوال الإنسان وأفعاله، أكثر من أن تُحصى، كثيرة، يضبط تحركك في بيتك، مع زوجتك، مع أهلك، في الشارع، مع الناس، في العمل، في المتجر، في المسجد، في صلاة الجماعة، كيف تقف، كيف تلتزم الصف، كيف تتعامل مع أخيك المسلم، كيف تتعامل مع غير المسلم، كيف تتعامل مع النبات، كيف تتعامل مع الحيوان، ضبطٌ كاملٌ لأفعال الإنسان ولأقواله، ومن رحمة الله العظيمة بنا، أنَّ الله عزَّ وجل تجاوز عن حديث النفس، فحديث النفس لا يُؤاخَذ عليه الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ به أَنْفُسَهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَكَلَّمْ بهِ }

(أخرجه البخاري وأبو داوود والترمذي)

ما دام النِطاق حديثُ نفسٍ، فقد تجاوز عنه الله، إذا انقلب إلى فعلٍ أو إلى كلامٍ، حاسَب الله عليه، وهذه رحمةٌ من الله، الآن يُراقِب الإسلام العظيم، يُراقِب القرآن الكريم، تُراقِب السُنَّة المُطهَّرة نيَّاتنا، وهذا لا يستطيعه نظامٌ وضعيّ، النيَّة، فيعمل رجُلان عملاً واحداً، فيُثاب الأول ويُعاقَب الثاني، والفعل نفسه، يقف رجُلان ليُصلّيا، الأول يُرائي بصلاته ليراه الناس، فيأخُذ آثاماً، والثاني يُصلّي ابتغاء وجه الله، فيأخُذ حسنات والفعل نفسه.

{ إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ }

(أخرجه البخاري وأبو داوود ومسلم)


لا يجوز أن تحكُم على نيَّةِ إنسانٍ:
هذه مراقبة للنيَّات لا يملكها أحدٌ في الأرض، رُبما من الطُرَف أحياناً، أنَّ بعض أنظمة الطُغيان والاستبداد، كانوا يقولون للبعض في السجون: أنت نويت كذا أو كذا بهذا الأمر، يحاولون الوصول إلى نيَّتهم، لكن في الأصل النيَّة عند الله وحده.
لذلك سطَّر الفُقهاء قاعدةً عظيمة قالوا: "نحكُم بالظاهر والله يتولى السرائر" لا يجوز أن تحكُم على نيَّةِ إنسانٍ، لا يجوز أن تقول لإنسانٍ: أنت نويت كذا، أنت تريد كذا من هذا الفعل، أبداً، أنت كمؤمن تأخُذ الأمور على ظواهرها، ولا تدخُل في النيَّات، من هُنا قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(94)
(سورة النساء)

رجُلٌ قال لك: السلام عليكم، أنا أسلمت، تقول له: أنت تريد أن تُسلِم، من أجل أن تتقي القتل في أرض المعركة (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) أبداً، قال لك أسلمت خُذه على الظاهر، رُبما تحذر، تأخُذ حِذرك لعلَّه قالها تقيَّةً، لكن لا تُعامله إلا على ظاهره، لأنَّ النيَّات يُراقبها الله وحده، ومن هُنا فقد قال صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً }

(أخرجه مسلم)

رجُلٌ قال سأتصدَّق غداً إن شاء الله، ثم افتقر في اليوم الثاني، لم يجد ما يتصدَّق به، كتبه الله كأنه تصدَّق، وهو لم يفعل شيئاً، لأنه راقب نيَّته، قال سأقوم الليل، وضبط ساعته على وقتٍ لقيام الليل، لكنه كان مُتعباً فغلبته عيناه، كتب الله له أجر القيام.
في الوقت نفسه (ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً) طبعاً لم يعملها كما جاء في رواياتٍ أُخرى للحديث، خوفاً من الله، وليس لم يعملها بمعنى مثلاً: أراد أن يسرق فذهب فوجد الشرطة قد أحاطت بالبيت، فعاد ولم يسرق، لا، أراد أن يفعل سوءاً ثم استغفر ربّه، قال لا أفعل مخافة الله (كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً) لأنَّ الله يُراقِب نيَّاتك أيُّها المؤمن، وهذا من عظيم فضل الله تعالى علينا، وفي الوقت نفسه مما يُخيف الإنسان، أن يطَّلِع الله على نيَّةٍ سيئةٍ في قلبه تجاه أخيه المؤمن.

الإسلام يُراقِب مشاعرك:
أيُّها الإخوة الكرام: لكن ما أُريد أن أصل إليه الآن، أنَّ الله تعالى بعد أن راقب أقوالنا، وراقب أفعالنا، وراقب نيَّتنا، الآن الإسلام يُراقِب مشاعرك، هذه لا يستطيعها أحدٌ في الأرض، ما الذي تشعُر به؟ يجب أن ينضبط الشعور بمنهج الله تعالى، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ في كتاب الله، مثلاً:

إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40)
(سورة التوبة)

أمرٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لسيدنا أبي بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه (لَا تَحْزَنْ) الحزن يُميت القلب، يجعله في كمد، لا أُريدك أن تحزن، تذكَّر أنَّ الله معنا، يَذهب الحزن من قلبك.

وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(176)
(سورة آل عمران)

يُخاطب الله نبيَّه: أُريد منك شعوراً ليس فيه حزن (وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ).

إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(175)
(سورة آل عمران)

يوجّه مشاعرك، لا تخف من العباد، جُلّ ما يستطيعون فعله، وأقصى ما يستطيعون الوصول إليه أن تموت، تموت في سبيل الله فتلقى الله (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) يُراقِب شعور الخوف عندك، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: دخلتُ مع أبي وأنا إلى جنبِهِ عند عبدِ اللهِ فقال لهُ أبي: أسمعتَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ فقال: نعم سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: الندمُ توبةٌ }

(أخرجه الحاكم وابن ماجه وأحمد)


الندَم شعورٌ في داخل الإنسان:
الندَم شعورٌ في داخل الإنسان، يراقبه الله تعالى، فإذا عرف منك ندَماً على ما كان منك، فالندَم ركن التوبة الأعظم، فقد تُبت حقَّاً، لأنَّ الندَم يسبقه عِلمٌ بأنك قد أذنبت، ويعقبه عملٌ لإصلاح ما أفسدت، فالندَم هو التوبة، هذا شعور، التوبة في حقيقتها ندَم العبد، شعورٌ في داخله بالندَم على ما كان منه، يُراقِب مشاعرك.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54)
(سورة المائدة)


الحُب شعورٌ:
الحُب شعورٌ، والله تعالى يُراقِب هذا الشعور، فيُبادلك حُبَّاً بحُبٍ جلَّ جلاله، بل بدأك بالحُب، قال: (يُحِبُّهُمْ) ثم قال: (وَيُحِبُّونَهُ).

الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)
(سورة آل عمران)


كظم الغيظ شعور:
كظم الغيظ شعور، الغيظ شعورٌ في الداخل، فإذا كظمت غيظك في داخلك، ولم تقلبه إلى عملٍ، عَلِم الله منك هذا الشعور فأثابك عليه (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
ومن المشاعر التي يُراقبها الله تعالى الفرح، نحن اليوم في أيام فرحٍ، في هذا البلد الطيِّب، وهذا الشعور شعور الفرح، مُراقبٌ من ربّنا جلَّ جلاله الذي:

وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ(43)
(سورة النجم)

هو يُضحكنا إن شاء، ويُبكينا إن شاء، لكنه أرادنا أن نفرح، فالفرح شعورٌ يُراقبه المولى جلَّ جلاله، وأقول الآن: قُل لي ما الذي يُفرحك أقُل لك مَن أنت.

الفرح شعور:
هناك من الناس من يُفرحه جلسةٌ فيها معصيةٌ لله، مثلاً شابٌ يقول لزميله صباح اليوم الثاني: فاتتك السهرة يوم أمس، كانت السهرة تمام، والسهرة معصيةٌ لله والعياذ بالله، يفرح بالمعصية، وهناك من تُفرحه الطاعة، يقول لك الحمد لله وفَّقني الله لأداء العُمرة، الحمد لله أنَّ الله وفَّقني لأداء صلاة الفجر في المسجد، الحمد لله أن وفَّقني الله لصيام شهر رمضان، الحمد لله أن وفَّقني الله لهذا العمل الصالح، يفرَح، يقول لك: أمس تصدَّقت صدقةً والله فرحت من أعماقي لأنَّ الله يسرَّها لي، أرسل الله من جعل حاجته على بابي، فلك الحمد يا ربّ، يفرَح، انظُر إلى فرَح الناس تعرف مَن الناس.
هناك مَن يفرَح بأن يأخُذ، كل ما أخذ أكثر يفرَح، وهناك مَن يفرَح أكثر عندما يُعطي، عندما يُسعِد الآخرين، عندما يُدخِل السرور إلى قلوب الناس، فالفرَح شعورٌ لكن الله تعالى يُراقبك، فتأمل أنَّ الله تعالى يُراقِب فرَحك، ويُراقِب حُزنك، فلا تجعل حُزنك إلا على طاعةٍ فاتَت، أو على معصيةٍ ارتُكِبت، ولا تجعل فرَحك إلا على طاعةٍ فعلت، أو على معصيةٍ تركت، هذا هو الفرَح الحقيقي.

{ للصَّائمِ فرحتانِ: فرحةٌ حينَ يفطرُ، وفرحةٌ حينَ يَلقى ربَّهُ }

(أخرجه البخاري ومسلم)


الفرَح الحقيقي هو فرَح الطاعات:
لأنه أتمَّ الطاعة، أتمَّ الله شهره، وإذا لقيَ ربّه فرِح بصومه، الفرَح الحقيقي هو فرَح الطاعات، أن تنال رضا الله تعالى، أن تكون في معيَّته، أن تكون قريباً منه، هذا هو الفرَح، وما سواه إن وافق شرع الله فرِحنا وإن خالفه تركنا، هذا هو فرَح المؤمن.
أيُّها الإخوة الكرام: ذمَّ الله تعالى فرحاً في القرآن ومدح فرحاً، ذمَّ الفرحين بالدنيا:

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)
(سورة القصص)


الله تعالى لا يُحب الفرحين بالدنيا:
لا يُحب الفرحين بالدنيا، الذين تأخذهم الدنيا فيعصون الله فيها، لا تفرَح، هُنا نقول: لا تفرَح، يذمُّ الله هذا الفرَح، قال تعالى:

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ(26)
(سورة الرعد)

يذِمُّهم جلَّ جلاله (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
سيدنا عُمر رضي الله عنه، وانظروا إلى هذا المعنى الجميل، قرأ قوله تعالى:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(14)
(سورة آل عمران)

فلمّا قرأه قال: "يا ربّ إنّا لا نستطيع إلا أن نفرَح بما زينته لنا" الحياة الدنيا فيها زينة، مُزيَّنة تُفرِح قلوبنا، فقال: "اللهم إني أسألك أن أُنفقه في حقّه" عندها يصبح الفرَح محموداً، كان مذموماً فأصبح محموداً لمّا أُنفق في حقّه، الإسلام واقعي، كل إنسان يأتيه شيءٌ من الدنيا يُدخِل السرور إلى قبله، لكنه لا يُخرجه عن دينه، يُنفِق ما آتاه الله في حق الله، ذمَّ الله تعالى الفرحين بتخلّفهم عن الجهاد، إنسانٌ استطاع أن ينجو من شيءٍ فيه مشقَّة ففرِح، وهذا الشيء فيه أجرٌ عظيمٌ من الله.

{ ذروةُ سنامِ الإسلامِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ لا ينالُه إلا أفضلُهم }

(أخرجه الطبراني)

قال تعالى:

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ(81)
(سورة التوبة)

فذمَّهم الله تعالى لأنهم فرحوا بترك الجهاد في سبيل الله، وامتدح الله الفرحين في مواطن أُخرى، فامتدح مَن يفرحون بنصر الله، قال تعالى:

فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5)
(سورة الروم)

وأثنى جلَّ جلاله على مَن يفرحون بالوحي، قال تعالى:

وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ(36)
(سورة الرعد)

هل نفرح بالوحي؟

{ أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ }

(أخرجه مسلم)


الفرَح بالوحي فرحٌ محمود:
يقول أنس بن مالك راوي الحديث: فوالله ما فرِحنا بشيءٍ، فَرَحَنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ).
يقول أنس: فأنا أُحب رسول الله وأبا بكرٍ وعُمر، وأسأل الله أن يجمعني معهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم، فرِح الصحابة بنصٍ نبوي، يقول أنت مع من أحببت، فهل نفرَح عندما نسمع الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي تُبشِّرنا؟ هذا الفرَح بالوحي، هذا فرحٌ محمود، وأثنى الله على كل من يفرح بطاعةٍ، وكل من يفرح بقُربةٍ إلى الله، قال تعالى:

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ(58)
(سورة يونس)

فضل الله كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما هو الإسلام، نحن نفرح لأننا مسلمون، لأننا من أُمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، قال ورحمته القرآن، فضل الله الإسلام ورحمته القرآن، وبالعموم أيُّ قُربةٍ أو أيُّ طاعةٍ فهي فضلٌ من الله ورحمة، نفرَح بها فرحاً مشروعاً نُثاب عليه، كما نفرح عندما يأتي عيد الفطر أو عيد الأضحى نفرح.

التحرير الأكبر عندما تعود أراضينا السليبة في سورية وفي غيرها:
اليوم يا أحبابنا الكرام، تعيش بلدنا فرحاً عظيماً، بذكرى مرور عامٍ على تحرير بلدنا، من عصابةٍ مجرمةٍ طائفيةٍ حاقدة، حَكَمته لعقود، وعاثت فيه فساداً ودماراً، في بنية الإنسان وفي العمران، نحتفل بذكرى التحرير، وأملنا بالله تعالى كبير، أن يتحقَّق التحرير الأكبر، لكل أرضٍ مُغتصبةٍ من أراضينا، من أعداء الخارِج، أو من عصابات الداخل الانفصالية، فالتحرير الأكبر إن شاء الله، عندما تعود أراضينا السليبة في سورية وفي غيرها، ونفرح إن شاء الله يوماً بتحرير المسجد الأقصى.

وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ(20)
(سورة إبراهيم)


ليس في الوجود إلا الله:
في مثل هذه الأيام قبل عامٍ، مَن كان يقول إنَّ هذا النظام المُجرم سيسقُط، يُتَّهم في عقله، لكنه سقط، ولا تُحدثني عن اتفاقياتٍ وإن وجدت، ولا عن تحالفاتٍ وإن كانت، ولا عن تغيُّر موازين قِوى وإن حصلت، ولكن قُل إنَّ الله جلَّ جلاله، الذي يُقلِّب التحالفات، ويُقلِّب التوازنات، هو الذي سلب هؤلاء المجرمين حبل الإمهال، وأخذهم فلم يُفلتهم، ولا تتحدث إلا عن التوحيد، فليس في الوجود إلا الله، وكل من تُشاهدهم، إنما هُم دُمى يتحركون بأمره جلَّ جلاله.
شاء الله تعالى، فإذا شاء الله فلا رادَّ لمشيئته، وإذا حكم فلا رادَّ لحُكمه، وإنَّ الله جلَّ جلاله يقوي أعداءه حيناً من الزمن، يختبر عباده، فيقول ضعاف الإيمان أين الله؟ ثم إنه جلَّ جلاله يُظهِر آياته، حتى يقول كافرٌ لا إله إلا الله، هذه سُنَّة الله.

{ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ }

(أخرجه البخاري)

شاء الله تعالى أن تتحرر بلادنا، من هذه الطُغمة الحاكمة، من هذه العصابات، من هذه الميليشيات الطائفية الحاقدة، التي أرادت أن تُغيِّر وجه الشام، وأن تقلبه من وجهٍ إسلاميٍ ناصع، إلى وجهٍ طائفيٍ حاقد، لا يمتّ إلى الإسلام بصلةٍ، شاء الله تعالى أن لا نرى تلك الوجوه الغريبة في ديارنا، وأن تعود الشام لأهلها، وأن تعود الشام لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال:

{ عليكم بالشَّامِ، فإنَّها صفْوةُ بلادِ اللهِ، يَسكُنُها خِيرتُهُ من خلْقِهِ، فمَنْ أبَى فلْيلْحَقْ بيمَنِه، ولْيَسْقِ من غُدُرِهِ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ تكفَّلَ لِي بالشَّامِ وأهْلِهِ }

(أخرجه الطبراني)


يجب أن نشكر الله تعالى على نِعمه:
حُقَّ للسوريين اليوم أن يفرحوا، ووجب عليهم أن يشكروا لربهم عظيم نعمته، قال تعالى مُخاطباً نبيّه موسى عليه السلام:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(5)
(سورة إبراهيم)

ونحن نُذكِّر اليوم بيومٍ من أيام الله، أراد الله فيه لبلادنا خلاصاً من هؤلاء المجرمين، ولا ننسى شهداءنا، كل شهيدٍ من شهداء سورية، قضوا في المعارك، أو تحت القصف، أو تحت الهدم، أو تحت الردم، أو بالقذائف، أو بالكيماوي والعياذ بالله، من هذا النظام المُجرم، لا ننسى هؤلاء الشهداء بدعاءٍ صادقٍ في هذه الأيام، أن يتغمدهم الله بواسع رحمته، وأن يجعل دماءهم نوراً لنا على الطريق، إلى تحريرٍ أكبر إن شاء الله، وإلى نصرٍ أكبر إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز، قال تعالى:

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(7)
(سورة إبراهيم)

الشُكر أيُّها الكرام، الشُكر بالقلب، أن يمتلئ قلبنا حمداً لله تعالى على نِعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، ثم أن ينطلِق لساننا بالحمد، ثم أن تنطلِق جوارحنا بالعمل.

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(13)
(سورة سبأ)

أن نعمل لله شكراً، أن نعمل بناءً في بلدنا شكراً لله، كلٌّ من موقعه، وكلٌّ مما يُحسنه (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) فشُكر الجوارح وشُكر العمل، من أعظم أنواع الشُكر، أن ننطلِق إلى عملٍ يُرضي الله تعالى شُكراً له على نعمائه.

الفرَح يكون بالتواضع والإخبات لله وبلين الجانب:
أيُّها الإخوة الكرام: الفرَح يكون بالتواضع وبالإخبات لله، وبلين الجانب.

{ دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يومَ الفتحِ وذقنُهُ على رحلِهِ متخشِّعًا }

(أخرجه الحاكم والبيهقي)

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا(2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3)
(سورة النصر)

لماذا في هذا الموطن (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ)؟ لأننا في موطن الضعف، معظم الناس يلجؤون إلى الله، ويستغفرونه من ذنوبهم، لكن عندما تحصل القوة والنصر والفتح، ربما يدخُل إلى النفوس شيءٌ من الكِبر، ففي هذه اللحظة استغفِر الله تعالى من كل ذنبٍ أذنبته، التجئ إلى الله في لحظات القوة، كما كنت مُلتجئاً إليه في لحظات الضعف، استغفِر لذنبك، أنك مرَّ في خاطرك يوماً، أنَّ الله لن ينصر أولياءه، استغفِر لأنه مرَّ في خاطرك يوماً، أنَّ الله قد غفِل عن المجرمين، استغفِر من ذنبك أنه مرَّ بخاطرك يوماً، أنَّ هؤلاء أفلتوا.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)
(سورة العنكبوت)

لا يمكن، هُنا جاءت (وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) في لحظات القوَّة، سبحان الله والحمد لله، أستغفر الله.

الفرَح لا يكون بمعصية الله:
أيُّها الإخوة الكرام: الفرَح لا يكون بمعصية الله، ولا يكون بالاختلاط، لا يكون الفرَح باختلاطٍ بين النساء والرجال، نفرَح بتحرير سورية فنعصي الله تعالى، لا يكون فرحٌ، لا في عيد فطرٍ، ولا في عيد أضحى، ولا في ذكرى تحرير، لا يكون الفرَح بمعصيةٍ، كيف نفرَح بفضل الله ثم نعصي الله؟! فيجب الانتباه، لا يكون الفرَح بإطلاق الرصاص في الهواء، ولا بترويع الناس، ولا بالمُقامرة والمغامرة بحياتهم، يكون الفرَح منضبطاً بشرع الله، لا يكون الفرَح بتضييع الصلوات والناس في الساحات، بل يكون بأداء الصلوات في أوقاتها، حمداً وشكراً وتكبيراً، وتذكيراً للناس بأيام الله وبفضل الله، الفرَح بفضل الله لا يكون إلا وفق منهج الله.
أيُّها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، واستغفروا الله.
الحمد لله ربِّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافِنا واعفُ عنّا، وإلى غيرك لا تكلنا، ومن شرور أنفسنا نجِّنا وسلِّمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنّا.
لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنّا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنّا، أنت حسبُنا عليك اتكالنا.
اللهم إنَّا نسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بكَ من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل.
اللهم إنّا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم يا أرحم الراحمين اجعل أعظم فرحةٍ لنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنّا، اجعل أعظم فرحةٍ لنا يوم تحلّ علينا رضوانك فلا تسخَط علينا أبداً، اجعل أعظم فرحةٍ لنا يوم ننظُر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين، ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم، ولذة مُناجاتك في الدنيا يا أرحم الراحمين.
اللهم كُن لأهلنا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم كُن لأهلنا في غزَّة، كُن لأهلنا في فلسطين، كُن لأهلنا في السودان، كُن لأهلنا في كل مكانٍ يُذكَر فيه اسمُك يا الله، كُن لهم عوناً ومُعيناً، وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً.
اللهم عليك بالصهاينة المُعتدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم إنهم قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصُبَّ عليهم سوطاً من عذاب، إنك لهم لبالمرصاد.
اللهم ارزقنا نصراً على أنفسنا وعلى شهواتنا، حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا عليهم يا أرحم الراحمين، وارزقنا صلاةً في المسجد الأقصى قبل الممات، فاتحين مُحررين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل بلادنا أمناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين، وابسُط عليها رحمتك، وابسُط عليها رضوانك يا أرحم الراحمين، ووفِّق القائمين عليها لما فيه مرضاتك، وللعمل بكتابك وبسُنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، والحمد لله ربِّ العالمين.