كيف ندعو إلى الله؟

  • لقاء في برنامج فكرٌ وحضارة
  • 2022-02-14
  • عمان
  • إذاعة الممكلة الأردنية الهاشمية

كيف ندعو إلى الله؟


الهدف من الدعوة إلى الله:
الأستاذ حسين:
لماذا ندعو إلى الله؟ هل هنالك هدف معين؟ يوجد ثلة أهداف؟

الدكتور بلال:
ندعو إلى الله لأن الإسلام فكر
حياكم الله أستاذ حسين بارك الله بكم على هذا السؤال ؛ فعلاً السؤال بدهي إلا أنه عميق، لماذا ندعو إلى الله؟ ندعو إلى الله لأن الإسلام فكر، ولأن الناس بحاجة إلى هذا الفكر، وسبيل نشره هو الدعوة، الإنسان عندما يمتلك شيئاً ثميناً مهماً فيه النجاة، فيه الحياة، فيه الخير العميم، ثم يستشعر هذا الخير ويفهمه، ويحيط به فإنه من باب محبته للناس يحب أن يوصل الخير لهم كما وصل إليه.

الأستاذ حسين:
ولا يستأثر به.

الدكتور بلال:
ولا يستأثر به وحده، فالدعوة إلى الله سببها أن هذا المؤمن علم حقيقة فيها الخير، وفيها السعادة، فأراد أن يقدمها للآخرين من أجل أن يسعدوا بها كما سعد بها.

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
[ سورة يس]

لذلك في القرآن الكريم في آيات كثيرة يقول الله تعالى لنبيه مثلاً:

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)
[ سورة الكهف]

مهلك نفسك.

الأستاذ حسين:
(إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً).

الدكتور بلال:
أي يكاد يهلك نفسه لأنه يرى قومه في ضلال، يرى أن الطريق الذي يسيرون فيه ليس فيه سعادتهم في الدنيا، وليس فيه نجاتهم في الآخرة، فيريد أن ينقذهم، الداعية إلى الله ينبغي أن ينطلق من هذا المفهوم، أنني أدعو إلى الله لأنني لا أريد لهؤلاء البشر أن يبقوا في هذه الظلمات.

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
[ سورة البقرة]

فالداعية يترفق بالناس من هذا المنطلق، ويدعوهم من هذا المنطلق، وهو أن ينقذهم من الضلال الذي هم فيه، ويخرجهم إلى النور الذي علمه، حتى يصيب الناس من الخير ما أصابه.

الأستاذ حسين:
أنا أعجبتني كلمة مفتاحها كبير جداً وأنت تتحدث بالموضوع ! قلت: إنه يستشعر هذا الداعية أنه وصله خير، كلمة خير مفتاح الدعوة هي الخير الذي يستشعره ويريد أن يوزعه؟

الهدف من الدعوة إلى الله:
الدكتور بلال:
نعم، هذا هو المفتاح، صدقتم، يقول تعالى:

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
[ سورة فصلت]

ما معنى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً)؟ أي لن تجد في الأرض كلها من آدم إلى يوم القيامة قولاً أفضل من قول إنسان يدعو إلى الله، لأنه يوصل الخير للآخرين، لأنه ينقذهم، لأنه ينقلهم من مكان إلى آخر، من وضع إلى وضع آخر، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
[ سورة الأنفال]

فالحياة في الاستجابة، لكن عندما قال:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
[ سورة طه ]

ما قال حياة، بل معيشة، أي يعيش، يأكل، ويشرب، ويتزوج، وينام، ويستمتع بمباهج الحياة لكنه ليس حياً، لأنه بعيد عن الحياة الحقيقية التي هي الاستجابة إلى منهج الله تعالى، أما عندما قال: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) قال: (إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ما قال لما يعيشكم، أو لما يطعمكم (لِمَا يُحْيِيكُمْ).

الأستاذ حسين:
وظيفة الداعية هنا أن يدعو لما يحيي.

الدكتور بلال:
لما يحيي الناس، هذه وظيفة الدعوة الأساسية(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
الدعوة إلى الله متنوعة
هي ثلاثة أمور أخي الحبيب، دعا إلى الله والدعوة إلى الله متنوعة، وسنأتي على أنواعها إن شاء الله، دعا إلى الله بفكره، بسلوكه، بعمله، بحاله (دَعَا إِلَى اللَّهِ)، الآن (وَعَمِلَ صَالِحاً) جاءت حركته في الحياة مطابقة لما يدعو إليه، دعا وعمل، لم يدع ويجلس، و إنما دعا وعمل، فالدعوة تحتاج بعدها إلى عمل من أجل أن يرى الناس مصداقاً لما يقوله الداعية في واقع حياته، نموذج، لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، ولأن الناس كما قلت في مقدمتك الجميلة أعرضوا اليوم عن الكلمة وعن الدعوة، ويجب أن نعيد للكلمة ألقها، لماذا أعرض الناس عن الكلمة وقد جاء الأنبياء بالكلمة؟

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)
[ سورة إبراهيم]

لماذا؟ لأن الناس نظروا في سلوك قائل الكلمة فوجدوا تبايناً بين الكلمة وسلوك قائلها فكفروا بها، لأن الناس يريدون مصداقية.

الأستاذ حسين:
مثلما فعل المسلمون اليوم أو أغلبيتهم.

الدكتور بلال:
كثير من المسلمين اليوم الكلمة في واد والواقع في واد آخر، أما النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الدعاة فكان يدعوهم، ثم يعمل معهم الصالحات، يجدونه في واقع الحياة يأتمر بما أمرهم، وينتهي عما نهاهم عنه، سيدنا شعيب في القرآن قال:

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾
[ سورة هود]

أنا لا أقول لكم: لا تفعلوا كذا، ثم أتستر برداء أو بشيء، وأفعل ما نهيتكم عنه لن تقتنعوا عندها.
أخي الحبيب؛ ينتفع الإنسان من محامٍ، وسلوك المحامي لا يناسبهم، سلوك المحامي غير جيد، غير ملتزم، لكنه ينتفع به عندما يكون محامياً جيداً يعرف الدوائر الرسمية، و يستطيع القيام بمهمته، ينتفع به، طبيب تدخل إليه لا يهمك سلوكه في بيته، المهم أنه خريج جامعة مرموقة، والمسموعيات جيدة عنه، المهندس تنتفع به دون سلوكه، لكن الداعية إلى الله عز وجل وحده الناس لا ينظرون إلى ما يقول، بل ينظرون إلى ما يفعل، فإذا وجدوا مسافة كبيرة بين ما يقول وما يفعل فإنهم يكفرون بالكلمة، وعندها أسأل الله السلامة يتحمل إثم من دعاهم وتفلتوا، لأنه لم يطبق ما يقوله فينبغي أن يوطن الإنسان نفسه، حتى الأب في بيته، أي هذا اللقاء للجميع، الأب داعية، المعلم في صفه داعية.

الأستاذ حسين:
الداعية هنا لا يقتصر على عالم الدين، لكن يوجد فرق بين أنا كأب داعية، وأنت أو الآخرون كعالم دين داعية، ما الفروق، ما هي؟

أنواع الدعوة:
الدكتور بلال:
بالتأكيد، هذا جميل جداً! هذا يدفعنا أن نفرق بين نوعين من الدعوة، نوع أول وهو دعوة هي فرض عين على كل مسلم، أي كل إنسان ينبغي أن يقوم بها، ودعوة هي فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الآخرين، فرض العين دليله قوله صلى الله عليه وسلم:

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: بلِّغُوا عني ولو آية، وحَدِّثوا عن بني إِسرائيل ولا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عليَّ مُتَعمِّدا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ }

[ أخرجه البخاري والترمذي]

قال: بلغوا؛ تكليف، عني؛ تشريف، ولو آية؛ تخفيف، كلفه بالتبليغ، ثم قال عني؛ تشريفاً له، لأنك مبلغ كرسول الله صلى الله عليه و سلم، وشرف المبلغ بشرف المبلغ عنه، ثم قال: (ولو آية) تخفيفاً، أي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ودليل فرض العين أيضاً قوله تعالى:

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
[ سورة العصر]

إذاً التواصي هو نوع من أنواع الدعوة إلى الله عز وجل، الدعوة التي هي فرض عين إن لم يفعله الإنسان خسر، ودليله أيضاً:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
[ سورة يوسف]

فمن يكن متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يدعو إلى الله، هذا فرض العين، أما فرض الكفاية:

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
[ سورة آل عمران]

أي فئة.

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
[ سورة التوبة]

أنت داعية في حدود ما تعلم ومع من تعرف
هذه فرض كفاية يتولى أمره العلماء، الدعاة، الذين تفرغوا للعلم الشرعي، المتخصصون، لكن فرض العين هنا يدخل فيها الأب، المعلم، إلى آخره، فرض عين ينبغي لكل إنسان في مكانه الذي هو فيه أن يدعو إلى الله، حتى التاجر في متجره عندما يبيع الناس بضاعة جيدة، ولا يغشهم، ثم يرونه وقف ليصلي، ويدعو إلى الله لأنه كأنه قال لهم: صلاتي التي تنهاني عن الفحشاء والمنكر، أنا لا أغشكم لأنني أخاف الله تعالى، فأفهمهم هذا الأمر من خلال عمله، الطبيب عندما يعالج المريض، ويسمع منه تماماً، لا يبتزه، لا يطلب منه تحليلاً غير ضروري، يسمع منه إلى النهاية، لا يبتزه، يعالجه بأسعار معقولة، إن وجده فقيراً ربما يسامحه ببعض المال، دعاه إلى الله، إذاً الدعوة إلى الله بكونها فرض عين هذه لكل إنسان، لا يعفى أحدنا ما دام يقول: أنا مسلم، إذاً أنت داعية إلى الله عز وجل، لكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف، أنت لست مكلفاً أن تقيم ندوة، وأنت غير مؤهل.

الأستاذ حسين:
أو أن تتحدث بالدين، وتفاصيله.

الدكتور بلال:
أو أتحدث بالدين في المجالس، وفي تفاصيل الدين، لا، في حدود ما تعلم، ضمن معلوماتك، استمعت اليوم إلى هذه الندوة وأنت في سيارتك، أو أنتِ في بيتك، استمعتِ إلى هذه الندوة، استفدتِ منها، سمعت آية كريمة أو حديثاً شريفاً بلغِ بهذا فقط، هي في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، الأسرة، زملاؤك في العمل، فقط، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، أما الداعية إلى الله بفرض الكفاية فهؤلاء يبلغون عبر الإذاعات الكريمة، عبر التلفزيونات، عبر الفضائيات عبر المساجد، هؤلاء تخصصوا، وفرغوا من وقتهم وقتاً للدعوة إلى الله.

الأستاذ حسين:
الخطاب هنا في الآية الكريمة:

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
[ سورة النحل]

لمن يتوجه؟ للصنف الأول أم للنصف الثاني؟ للدعاة الذين عليهم الدعوة فرض عين أم فرض كفاية؟

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ تشمل المتخصصين ولا يعفى منها الناس:
الدكتور بلال:
لا شك أن الخطاب موجه هنا إلى فرض الكفاية، لأنه تخصصي، خطاب تخصصي، لكن يستفيد منه كل داعية، أي لا يعفى الأب من الموعظة الحسنة والحكمة وإن كان الخطاب للمتخصصين، لنقل للدعاة إلى الله عز وجل، لكن يستفيد منه العموم، لكن الكل مطلوب منه ذلك.

الأستاذ حسين:
أن يكون حكيماً في دعوته، سبيل الله، أو سبيل ربك.

الدكتور بلال:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) السبيل لغةً هو الطريق، أنت تدعو الناس إلى الطريق، اسلكوا هذا الطريق، أنت لا تستطيع أن توصلهم، لكن تستطيع أن توصلهم إلى الطريق، لذلك قال: (إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) فالداعية إلى الله عز وجل، لذلك نقول دائماً: نحن دعاة ولسنا قضاة.

الأستاذ حسين:
هو يدعو، ولا يقضي.

الدكتور بلال:
لا نحكم، هذا في النار، وهذا في الجنة، نحن مهمتنا أن نقول للناس: هذا السبيل وهذا الطريق يوصلك إلى الله.

الأستاذ حسين:
قابل هذا الكلام للنقاش؟

الدكتور بلال:
بمعنى؟

الأستاذ حسين:
بمعنى أنه قد يجتهد الداعية، و يقول إن هذا الطريق يوصلك إلى الله، ثم يجد رداً من الجمهور: لا هذا الطريق لن يوصلني إلى الله، أو أرى أنه لا يوصلني، هل هنا يوجد نقاش في الموضوع أم أن كلام الداعية يقيني حتمي و يجب ألا يناقش؟

مهمة الداعية هي التعامل مع النصوص فقط من غير أن يؤلهها:
الدكتور بلال:
الداعية بشر يصيب ويخطئ
إذا كان كلام الداعية في توثيق الطريق مستنداً إلى كلام الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه غير قابل للنقاش، لكن إذا كان اجتهادياً فالداعية بشر يصيب ويخطئ، لكن يدعم ما يقوله بالدليل كأن يقول لهم: الصلاة طريق إلى الله، هذا غير قابل للنقاش، لأن الصلاة هي طريق إلى الله حتماً، الإحسان إلى الناس طريقك إلى الله، هذا غير قابل للنقاش، تماماً؟

الأستاذ حسين:
لكن أحياناً يدخل في القضايا العامة، مثلاً يقول الداعية: مشاركتك في الانتخابات اليوم هو سبيلك إلى الله.

الدكتور بلال:
هذا صار اجتهاداً، دخلنا في الاجتهاد.

الأستاذ حسين:
أي في قضايا الحياة بشكل عام.

الدكتور بلال:
هنا يناقش ويحاور، ويقال له: هذا صحيح، وهذا خطأ، لذلك نحن نحب من الدعاة دائماً أن يكونوا في صف كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الأستاذ حسين:
أنا هذا الذي أريد أن أسمعه منك.

الدكتور بلال:
ألا يخرجوا عن الكتاب والسنة، اليوم القضايا الخلافية كثيرة، يمكن أن تدعو إلى الله مئة سنة ولا أبالغ بالمتفق عليه، وبما جاء في الكتاب والسنة، فلا تدخل الناس في المتاهات، ثم إياك أن تجعل من دعوتك وسيلة للأهداف، مهما كانت هذه الأهداف ؛ سياسية، اقتصادية.

الأستاذ حسين:
ألا تتحزب هنا.

الدكتور بلال:
إياك والتحزب، السيدة عائشة كانت تنهى عن ذلك.

الأستاذ حسين:
أي مسألة سبيل ربك هنا لا نمر عليها مرور الكرام هكذا، يجب أن ندقق فيها، ما هو سبيل ربك، لأنه يوجد اختلافات كبيرة اليوم، أي هذا الداعية يتكلم بالتجارة، وهذا الداعية يتكلم، والجمهور حائر لمن يسمع، ومن يصدق.

الدكتور بلال:
مهمة الداعية هي التعامل مع النصوص فقط
لذلك: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) سبيل الله تعالى يوضحه الله تعالى، ويوضحه نبيه صلى الله عليه وسلم بالآيات الواضحة الدلالة، وبالأحاديث الصحيحة الواضحة، مهمة الداعية هي التعامل مع النصوص فقط، من غير أن يؤولها، أو يلوي أعناقها لتخدم فلاناً أو فلاناً، أو يتعامل مع النصوص بشكل مجرد، أن يتعامل مع النصوص من منطلق التسليم لما جاء فيها، وبفهمها الصحيح، ووفق ما جاء به السلف الصالح، وما جاء به العلماء الربانيون، الدين أخي الحبيب فيه جانب غيبي، وللأسف الشديد أقول هذه الكلمة: التلاعب به دائرته واسعة.

الأستاذ حسين:
باب التأويل.

الدكتور بلال:
والناس بحاجة للدين كحاجتهم إلى الهواء الذي يستنشقونه، فأقول للدعاة ويجب أن ننتبه إلى هذا المعنى كثيراً ألا نستخدم الدين.

الأستاذ حسين:
توظيف الدين هنا مرفوض.

الدكتور بلال:
الدين دعه في عليائه، الدين لله، دعه في عليائه، إياك أن تنزله إلى أوحال الأرض.

الأستاذ حسين:
الدائرة الذي يتحرك بها الداعية هنا دائرة متعلقة بما يتعلق بالإيمان، بما يتعلق بالقيم، ما هي محتويات هذا الدائرة؟

دائرة الدعوة يجب أن تكون دائماً على توازن بين حق الله تعالى وحق العباد:
الدكتور بلال:
محتويات هذه الدائرة شيئان رئيسان ؛ العلاقة العمودية، والعلاقة الأفقية.

الأستاذ حسين:
مع الله، و مع الناس.

الدكتور بلال:
مع الله، و مع الناس، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا أمرتكم به، وليس شيء يباعدكم من الجنة ويقربكم من النار إلا نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت إلا وقد كتب الله تعالى رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بالمعاصي، فإنه لا يدرك ما عند الله تعالى إلا بطاعته }

[أخرجه إسحاق بن راهويه ]

فمهمة الداعية أن يحاول أن يقرب الناس من خالقهم وفق ما جاء في الكتاب والسنة، الفرائض الواضحة ثم النوافل.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: من عادى لي وَلِيّا فقد آذَنتُه بحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه }

[أخرجه البخاري]

مهمة الداعية أن يرقى بالناس إلى الله في علاقة عمودية، ثم الإحسان إلى المخلوقين، هذا هو الدين.

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
[ سورة المائدة]

لماذا دائماً تتكرر: أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة؟

الأستاذ حسين:
العمودية مع الله، والأفقية مع البشر.

الدكتور بلال:

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
[ سورة الكوثر]

التوازن الدائم بين حق الله وحق العباد
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ) مع الله (وَانْحَرْ) إحسان للخلق، أطعم الناس، فمهمة الداعية هي أن يسير في هذين المسارين بشكل متوازنٍ، متوازنٍ جداً، اليوم يوجد دعوات أن إيماني في قلبي وعلاقتي مع الناس، والصلاة؟ المهم أنني أحسن إلى الناس، لا، يوجد علاقة مع الله، الذي يحسن مع الناس ويترك حق الله تعالى مهما فعل من حقوق العباد فقد فاته الحق الأعظم، وهو حق خالقه عليه، وهناك دعوة أخرى للانفصال عن الواقع، دائماً علاقته مع الله عز وجل، يصلي، ويقوم الليل، ويكثر من النوافل، وصلاة الضحى، كله شيء جيد، ثم تجد سلوكه في الشارع، وفي المعمل، وفي السوق، ومع الناس سلوكاً غير متوازن، يسيء للناس، يغشهم، يبتزهم، يأخذ من أموالهم بالباطل، فهذه دعوة عرجاء، وتلك دعوة عرجاء، دائرة الدعوة التي نحن فيها تبقى على توازن دائم بين حق الله تعالى وحق العباد.

الأستاذ حسين:
إذا افترضنا - و أنا أفترض هنا- أن وظيفة الداعية هي وظيفة الدين وهي الهداية، هل هنا يمكن أن نقول: في الظل الأفقي والعمودي الذي أشرت إليه أن وظيفة الداعية هي الهداية؟

الهداية هي وظيفة الداعية:
الدكتور بلال:
مئة بالمئة، قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
[ سورة الشورى ]

صراط الله (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) مهمتك أن تهدي الناس، بمعنى أن تضعهم على طريق الهداية، لكن:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
[ سورة البقرة ]

مهمتك أن تضعهم على الطريق، وتدلهم، فالهداية هي الدلالة، كما قلنا في حلقة سابقة، فمهمتك أن تأتي بالناس وتضعهم على الجادة من هنا، ثم الله يهديهم (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) فمنهم من يهتدي ومنهم من يضل، ولكن (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) تشير إلى مهمة الدعاة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الدعاة، ومعلم الدعاة لأنه يهدي الناس إلى طريق الله عز وجل.

الأستاذ حسين:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) لماذا قدم الحكمة هنا وما المقصود بها؟

الحكمة عطاء إلهي يسعد الإنسان به ولو فقد كل شيء:
الدكتور بلال:
الحكمة تعريفاتها كثيرة، والله تعالى قال:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
[ سورة الطلاق]

الْحِكْمَةَ هي عطاء إلهي يسعد الإنسان به
وما قال: إن الإنسان يأخذ الحكمة، بل قال: (يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) فهي عطاء إلهي يسعد الإنسان به ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقده ولو ملك كل شيء، الحكمة مشتقة في اللغة من الحَكمَة، وهي الحديدة التي توضع في فم الفرس من اللجام حتى تضبط الحركة، إذاً الحكمة قالوا هي وضع الشيء المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب، أي هي الحركة الصحيحة، أنا أضيف: الملهمة من الله تعالى، لا أقول ليس هناك أسباب يقوم بها العبد حتى يكون حكيماً، لكن جزءاً كبيراً من الحكمة هو إلهام من الله تعالى جراء استقامة الإنسان، ورغبته، وصدقه في نقل الحق.

الأستاذ حسين:
الآية تتحدث هنا عن الأسلوب والآليات، صحيح؟ أي ترشد الداعية.

ثلاث آليات للدعوة إلى الله:
الدكتور بلال:
تعطيه ثلاث آليات للدعوة، لكل صنف من الناس، الآن الحكمة لم يصفها بوصف، ما قال: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة الحسنة والجيدة، لأنها حكمة.

الأستاذ حسين:
هي تعبر عن ذاتها.

الدكتور بلال:
عن ذاتها، الموعظة وصفها، وصفها لأنه يوجد وعظ سيئ، الموعظة تضيف مع الحكمة آلية جديدة وهي الزجر والأمر، الجنة والنار.

الأستاذ حسين:
الترغيب والترهيب.

الدكتور بلال:
الثواب والعقاب، الترغيب والترهيب.

وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
[ سورة الطلاق]

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
[ سورة الأنبياء]

ينبغي أن تكون الموعظة حسنة
هذا منهج القرآن، الموعظة السيئة مثلاً أن يكتفي بذكر الجنة، ويرغب الناس بالجنة، ويؤملهم بالخير، وبشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشفاعته حق، نسأل الله أن يشفعه فينا، ولكن دون أن يذكر لهم بأن هناك عقاباً لمن عصى الله، وبالمقابل بعض الدعاة كل حديثه من أوله لآخره يحدثهم عن جهنم، وما أعدّ الله فيها من عذاب، وإن لم تفعلوا فأنتم في نار جهنم، و، و، إلى آخره، فيقنطهم من رحمة الله.

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
[ سورة الحجر]

في الوقت نفسه، توازن.
إذاً الموعظة ينبغي أن تكون حسنة، الحكمة أخي الحبيب تنصرف إلى إنسان يستجيب للحق، يحتاج إلى من يرشده، هو مستجيب، يحب الحق، يحب أهل الحق، ولكن يحتاج إلى من يرشده.

الأستاذ حسين:
إلى من يحرك فيه دوائر الخير.

الدكتور بلال:
هذا يحتاج إلى حكمة فلا ننفره، أو لا نقلب الأمر إلى خلاف ما ينبغي.

الأستاذ حسين:
أي هذا الذي نتوجه له بالحكمة دل على الطريق، أو وضع قدمه على الطريق، وبالتالي هو بحاجة إلى أن نناقشه لنرفعه ونساعده على المسير أكثر.

الدكتور بلال:
بالضبط، أما الصنف الثاني فهو مستجيب لكنه غافل، يحب الحق، يحب أهل الحق، يحب الخير، يحب الله تعالى، ألهته الدنيا انصرف إلى ملذاتها، فهذا يحتاج إلى الموعظة.

الأستاذ حسين:
للتذكر، نذكره.

الدكتور بلال:
نقول له: انتبه هناك جنة، نار، ثواب، عقاب، الله يحبك، يريدك، وبالمقابل إن بقيت على ذلك أخشى عليك من عقاب الله، بادر قبل أن يأتي الموت، بادر قبل أن يأتي يوم لا ينفع الندم، أرغبه وأرهبه، هذه الموعظة الحسنة.
الصنف الثالث، المجادلة بالتي هي أحسن، هذا إنسان غير مستجيب، هذا إنسان بعيد عن الحق، لا يريد الحق، ليس غافلاً عنه لكنه لا يريده.

الأستاذ حسين:
إذاً دكتور بلال ؛ ثلاثة مخاطبين في هذه الآية، ولكل صنف من هؤلاء وصفة لتعامل الداعية معها.
الصنف الأول: هم الذين ساروا أو اهتدوا، المهتدون.
الصنف الثاني: الغافلون.
الصنف الثالث: التائهون الذين لم يهتدوا.

الدكتور بلال:
هؤلاء:
(وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هناك قال: (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) هنا ما قال وجادلهم مجادلة حسنة، بل قال: (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

الأستاذ حسين:
لماذا؟

الدكتور بلال:
لأن الصنف المعادي البعيد عن الحق الذي لا يريده ربما يحتاج إلى إحسان أكثر من الصنف الثاني.

الأستاذ حسين:
الخطاب ألين وأحسن.

الدكتور بلال:
لماذا؟ لأن الإنسان عندما يجادل أو يحاور أو يناقش إنساناً آخر فإنه يربط من غير أن يشعر بعقله اللاواعي أفكاره بذاته، فإذا جادلته بالأسوأ، وبالسيئة، وبطريقة سيئة فإنه يتشبث أكثر بفكره، لأنه يشعر أن الفكرة ذاته.

الأستاذ حسين:
جزء من الذات.

الدكتور بلال:
انتقِ أجمل العبارات وأفضل الألفاظ لتكسبه
فإذا تخلى عنها تخلى عن ذاته، وأهينت كرامته، لكن عندما تأتي له بالتي هي أحسن فإنك تنتزع فكرته السيئة منه دون أن يشعر، بكل لطف، بكل هدوء، لذلك أمر عندما يكون الإنسان بعيداً عن الحق قال: (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) نريد الأحسن منك، أي إذا كان هناك كلمتان، واحدة حسنة، وواحدة أحسن، فدع الحسنة وخذ الأحسن منها، انتقِ أجمل العبارات، وانتقِ أفضل الألفاظ لتكسبه.

الأستاذ حسين:
وهذا ما تفعله الأغلبية اليوم بالعكس للأسف الدعاة اليوم.

الدكتور بلال:
للأسف يقسو على المخالف، يقسو عليه بطريقة غير منهجية، و كأنه لم يقرأ الآية الكريمة: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

الأستاذ حسين:
ويختتم سبحانه وتعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) لماذا؟ أي هذا الخطاب للداعية، لماذا يذكر الله سبحانه وتعالى بقوله الله (أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)؟

مهمة الداعية:
الدكتور بلال:
بارك الله بك ! من أجل ما قلناه قبل قليل، ونؤكد عليه الآن أننا دعاة ولسنا قضاة فأنت ليست مهمتك أن تحكم على الناس، ولا أن تقسو عليهم، ولا أن تكرههم على الدين إكراهاً.

الأستاذ حسين:
ولا أن تأخذهم إلى الجنة بالسلاسل.

الدكتور بلال:
أبداً، أنت مهمتك أن تدلهم على الطريق (أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ).

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17)
[ سورة الإسراء]

أنت داعية ولست قاضياً، لا تحكم على الناس، ادعُهم إلى الله، واترك الأمر لله فهم عباد الله، وهو أعلم بهم، ثم فيها تخلية مسؤولية للداعية، بمعنى أن الداعية...

الأستاذ حسين:
أنت قمت بعملك.

الدكتور بلال:
أنا تكلمت ولم يستجب أحد، أنت أخذت أجر الكلام، وربما يثمر بعد عشر سنوات ما أدراك؟

الأستاذ حسين:
وربما يدفع لليأس، لأنني من عشر سنوات وأنا أدعو الناس ولم يستجب أحد فينسحب من الساحة، الله يذكره، و يقول له: أنت يجب أن تستمر بواجبك.
هنا أسأل عن نقطة: لماذا انسحب بعض الدعاة من الميدان؟ ولماذا نشأ عندنا طبقة جديدة من الدعاة الجدد الذين استخدموا اليوم وسائل التقنية وكذا؟ ما الذي حدث في مجال الدعوة؟

أسباب انسحاب بعض الدعاة المصلحين من ساحة الدعوة:
الدكتور بلال:
عالم وسائل التواصل سبب لانسحاب الدعاة
والله أسباب كثيرة، ولكن نلخصها: أعتقد أن سبباً كبيراً من أسباب انسحاب بعض الدعاة المصلحين، المؤثرين، الأصلاء من ساحة الدعوة هو ما وجدوه من واقع منحرف، بعيد وكأنك تنفخ في قربة فارغة، أي ما وجدوا أثراً لدعوتهم في الناس بسبب الواقع المادي الذي يشد الناس إلى الدنيا أكثر مما يشدهم إلى الآخرة، فبعض الدعاة انسحبوا، يوجد مشكلة أخرى وهي مهمة جداً، اليوم عالم السوشيال ميديا، عالم اللايكات، والإعجابات، والمشاركات، يجعلك تقف ولا تضع نفسك فيه أنت أيها الداعية، بمعنى أنا اليوم أقارن نفسي فأجد أنني بعد أن قمت بهذه الحلقة الجميلة التي أعددتها ساعات طوال وكذا، فوجدت هناك ثلاثمئة مشاهدة عليها، ونظرت إلى شخص آخر لم يقدم محتوى أبداً، وإنما قدم بعض الحركات البهلوانية وعنده عشرة مليون مشاهدة، فأنا من تلبيس إبليس عليّ أنه يزهدني بعملي وأنت ماذا تفعل؟ انظر ماذا يحققون وماذا تحقق؟

الأستاذ حسين:
اللايكات إنجازات.

الدكتور بلال:
لماذا تضع نفسك في هذه المقاربات، ضع نفسك في محتوى الحق الذي تقدمه، حاول أن تجدد في خطابك الديني.

الأستاذ حسين:
وفي من أثر.

الدكتور بلال:
جمهورك غير جمهوره، فأنت الآن عندما تضع نفسك في تلك الموازنة وتلك المقارنة هذا خطأ منهجي، ابتعد عن ذلك نهائياً، انظر ماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: معه الرجل والرجلان، بينما في القرآن ما وردت الأكثرية إلا مذمومة.

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
[ سورة الأعراف]

وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)
[ سورة الأنعام]

فلماذا تريد أن تكون من الأكثرية؟

الأستاذ حسين:
إذاً أيها الداعي لا تيئس من قلة المريدين والجمهور.

الدكتور بلال:

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
[ سورة سبأ]

فكن مع القليل.
كانت امرأة تدور بالحرم وتدعو: اللهم اجعلني من القليل، قال لها عمر: ماذا تقولين؟ قالت له: ألم تسمع قوله تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) فقال عمر: امرأة أفقه منك يا عمر (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
فليست المهمة أن تكون مع الأكثرية، أنت إذا كنت وحدك، وفي طريق الحق فأنت الأكثرية، وبعض الدعاة كما تفضلت انسحبوا من الشأن العام لأنهم لم يجدوا متابعين، عالم السوشيال ميديا أبعدهم عن الناس بدل أن يقربهم أكثر.

الأستاذ حسين:
نحن تكلمنا عن تقريب المواصفات، وقلت أهم مواصفاته أنه يتطابق فعلاً وقولاً، وبالتالي هو يستطيع أن يقنع جمهوره بذلك، ويستطيع أن يؤثر فيهم، أي ماذا عن مواصفات خطاب الدعوة؟ اليوم تعرف الناس يدققون في البضائع، السلع والبضائع، الناس تريد أن تشتري شيئاً تريده متقناً ومقنعاً وكذا، لو أردنا أن نصنف مواصفات هذا الخطاب اليوم، مواصفات الخطاب، أو الأولويات على الأقل ما هي؟

الدين توقيفي من الله تعالى:
الدكتور بلال:
بارك الله بكم؛ حقيقة الدين توقيفي من الله تعالى، لا يجدد، ولا يضاف عليه، ولا يحذف منه.

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً
[ سورة المائدة]

نصوص ثابتة، لكن عندما نقول: تجديد، نقصد الخطاب الديني، الخطاب الدعوي، نحن بحاجة اليوم إلى أن نجدد في خطابنا، نحن نملك أثمن بضاعة في الأرض، لكن ربما لا نملك أفضل مسوق لها، فنحن نحتاج اليوم أن نسوق ما عندنا، الخير الكبير الموجود في ديننا اليوم نحتاج أن نسوقه، وأن نستخدم وسائل العصر، و نؤسلمها إن صح التعبير في سبيل نشر الخطاب الدعوي اليوم، اليوم أكثر آية توضح الأسلوب الدعوي الذي ينبغي أن ننتهجه هو ما خاطب به الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال له:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[ سورة آل عمران]

الرفق من أهم أسس الدعوة
الله أكبر! هذا نبي الأمة، وهذا قائد الأمة، وهذا قائد الجيوش، وهذا رسول الله تعالى، وهذا من هو في جمال الصورة، وجمال المظهر والمخبر، وكل أصحابه حوله، ثم يقول له تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ) أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم (فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) فما بالنا اليوم بالدعاة ونحن اليوم لسنا أنبياء ولسنا رسلاً؟ لماذا الفظاظة والغلظة في الدعوة إلى الله؟ لماذا؟
لما جاء واعظ وقال لأحدهم: سأعظك وأغلظ عليك، قال له: لماذا تغلظ عليّ لقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، بعث موسى إلى فرعون فقال له:

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
[ سورة طه]

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) أي عندما تتصل بالله تعالى تكتسب منه رحمة فتلين للناس فيلتف الناس حولك، وعندما تنقطع عن الله عز وجل يمتلئ القلب غلظة وفظاظة فينعكس ذلك سوءاً للناس في التعامل فينفض الناس عنك، فاليوم أول ما نقوله في أسلوب الدعوة الرفق.

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه }

[أخرجه الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان]

اليوم عندما يخطب أحد الخطباء مثلاً على المنابر، ويصيح بالناس من أول الخطبة إلى آخرها، أنتم، وأنتم، وأنتم، ويحملهم شرور الأمة كلها، ترفق بهم، هؤلاء الناس جاؤوك من كل حدب وصوب، ليستمعوا كلمتين طيبتين لطيفتين، فيجب عليك أن تحببهم بالله، تذكرهم بنعماء الله، تذكرهم بآلاء الله، تلفتهم إلى عظيم خلق الله، فتلطف مع الناس، الرفق، الرفق في كل شيء.
الخطاب الديني موافق لمتطلبات الناس
ثم من تجديد الخطاب الديني وأساسياته، اليوم يأتي الخطاب الديني موافقاً لمتطلبات الناس لا بعيداً عن همومهم، اليوم خلال الأسبوع الإنسان يجلس ساعات على الهاتف، هناك شبه تثار، شهوات تثار، هناك معارك تنشأ بأسبوع، اليوم العالم اختلف تماماً فعندما يأتي الناس إلى يوم الجمعة مثلاً، أو إلى درس ديني، أو عبر الجوال لعالم من العلماء يتكلم، ثم يجدونه يتكلم في وادٍ آخر بعيداً عن هموم المجتمع، بعيداً عن هموم الناس، المشكلة مشتعلة و الناس تسأل عن إجاباتها، ثم هو يلقي عليهم درساً في أحكام المياه، مع أهمية هذه الدروس، ومن لها من المتخصصين، لكن عندما تكون داعية تخاطب جمهور الناس ينبغي أن تختار موضوعات تمس هموم الناس.
ثم ما المانع اليوم أن تستخدم العلوم الحديثة سواء الفيس بوك وغيره أو سواء العلم نفسه؟ المادة، المضمون، أدخله في دعوتك، عندما تريد أن تحدث الناس عن آية من آيات الله عز وجل في الكون، ما المانع أن يكون عندك موسوعة علمية تحدث الناس بالعلوم الحديثة المؤصلة تفسر من خلالها وتبين من خلالها معنى آية قرآنية؟ أي ربط العلم مع الدين هذا أيضاً من تجديد الخطاب الديني الذي هو مطلوب اليوم.

الأستاذ حسين:
فيما يتعلق بالمقاصد، بالخطاب الديني، كثير من الدعاة يصرون على الخطاب الحرفي، يقدمون الدين وكأنه مجموعة عناوين، وحروف لا تقبل النقاش، وكذا، ويهربون من المقاصد التي أشرت إليها فيما يتعلق بالواقع اليوم، يوجد قضايا نشأت بأساليب جديدة للإقناع، يوجد وسائل جديدة للإقناع، بحيث تكون كلها منصبة على مقاصد الدين.

القرآن الكريم دستور والسنة مبينة وشارحة من أجل أن يبقى الدين حيوياً:
الدكتور بلال:
السنة مبينة وشارحة للقرآن الكريم
المقدس عندنا كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، هذا المقدس، بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفق فهمها وفق قواعد اللغة والأصول، وفهم السلف الصالح، بعد ذلك الإسلام ترك هامشاً اجتهادياً، ترك هامشاً اجتهادياً، لا ينبغي أن نغلقه، الله تعالى لو أراد أن يفسر مثلاً القرآن لجاء في عشرين مجلداً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
[ سورة البقرة]

النهضة العلمية الموجودة اليوم كانت وجدت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وألفت الكتب، ووجدنا كل شيء وثق بالحرف، وانتهى الأمر، لكن الله عز وجل جعل القرآن الكريم دستوراً، والسنة مبينة وشارحة، وانتهى الأمر هنا من أجل أن يبقى الدين حيوياً، من أجل أن تكون المقاصد مفتوحةً، أي يمكن أن تتغير مع تغير الأزمان، والأماكن، لا أقول يتغير الدين، معاذ الله، الدين ثابت كما أسلفنا وانتهى الأمر.

الأستاذ حسين:
إنزال النص على الواقع.

الدكتور بلال:
تنزيل النص على الواقع، من أجل أن نفهم اليوم النص وفق الواقع الذي نحن فيه، وفق القواعد الصحيحة.

الأستاذ حسين:
هل أنت مع أنه قد تكون فقيهاً ممتازاً، لكن لا تصلح داعية، بعض الناس لديهم فقه، وعلماء في الفقه، أو علماء في التفسير، أو علماء في تخصصات الشريعة، لكنه عندما يتحول إلى داعية لا يستطيع أن يوصل هذا الخطاب، وبالتالي هل أنت مع أن للدعاة مواصفات خاصة؟ قد يكون طبعاً ضروري أن يتوفر فيه العلم الشرعي، لكن ثمة مواصفات إضافية يجب أن تتوفر فيه.

ليس كل فقيه داعية وليس كل عالم حديث داعية:
الدكتور بلال:
أنا معك في هذه القضية مئة بالمئة، اليوم ليس كل فقيه داعية، وليس كل عالم حديث داعية، الداعية له نمط مختلف تماماً لن أقول: إن كل الصفات الموجودة في الداعية هي صفات وهبية، لكن كأن الداعية يخلق داعية، عنده الرفق، عنده الحكمة، عنده أساسيات التعامل مع الناس، يحبه الناس.

الأستاذ حسين:
صوته، حركات وجهه.

الدكتور بلال:
لطافته، لغة جسده، أي كأنه يولد كذلك، سبحان الله، كأن الله يهيئه لذلك، فليس مطلوب من كل شخص أن يدخل الدعوة التخصصية، هذه الدعوة العامة للجميع، ليس مطلوب ذلك من كل شخص، يجب أن ينظر الإنسان في نفسه هل تتوفر فيّ الصفات؟ الحكمة ، الموعظة الحسنة، الجدال بالتي هي أحسن، الرفق، الرحمة، اللين، التفاف الناس حوله، كل هذه الأمور التي ذكرناها فيما سبق، إذا شعر أنه كذلك، أو إذا شعرت أن ابناً من أبنائك كذلك أو فلاناً فادعمه، فإنه يستطيع أن يقوم بهذا الدور إن شاء الله تعالى.

الأستاذ حسين:
فيما يتعلق بالدعوة أيضاً يوجد كثير من الأسئلة، ونحن نكررها دائماً في الإعلام الأسئلة المفتاحية، أنه متى؟ ولماذا؟ وكيف؟ هنا يستحضر الداعية أنه يكون في الزمن هذا، ما أقوله يختلف عما سأقوله، أو ما قلته قبل كذا، هل يطرح الداعية مثل هذه الأسئلة، الأسئلة فيما يتعلق متى أقول؟ لماذا أقول؟ ماذا أقول؟

ضرورة مراعاة الفروق الفردية عند الدعوة إلى الله:
الدكتور بلال:
طبعاً ؛ لأن هذه يسمونها اليوم بالعلوم الحديثة: مراعاة الفروق الفردية، اليوم أنت لا تستطيع أن تخاطب كل الناس بخطاب واحد، ولا كل الأماكن بخطاب واحد.
ليس كل الخطاب واحداً
الإمام الشافعي رحمه الله كان له فقه، لما جاء إلى مصر يقولون: الشافعي في القديم، والشافعي في الجديد، يتغير، ويقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله: ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب - بما عنده من الكتب - بفتوى واحدة، كانت جنايته على دين الناس أعظم من جناية طبيب طبب الناس كلهم، على اختلاف أدوائهم بما في وصفة عنده في كتاب من كتب الطب، أي كلما يأتي مريض يعطيه الدواء نفسه، كيف ذلك؟ هذا المريض لا تناسبه هذه الوصفة.
لذلك دائماً، هذه بالفتوى، وفي الفقه، أيضاً في الدعوة ينبغي أن نتعلم هذا الدرس ليس كل الخطاب واحداً، أنت أحياناً تكون في مكان الناس فيه بحاجة إلى أساسيات الدين، منحرفون، بعيدون، ثم تأتي لتخاطبهم بفروع الدين وهم لم يتحققوا من كليات الدين، هذه مشكلة، وأما إذا كنت في مجتمع مع شباب مؤمنين، صالحين، هؤلاء تحدثهم بالفروع، لكن الأصول قبل الفروع، أي تبدأ مع الناس بالأصول، ليس صحيحاً أن يدخل إليك شاب إلى المسجد مثلاً يريد أن يلتزم اليوم بالمسجد، والصلاة ، ورأيته أول مرة فتتجه إليه وتقول له: لماذا هذه الزينة في رقبتك مثلاً؟ أو لماذا شعرك بهذه الطريقة؟ هذا الكلام ليس وقته الآن، أنا لا أقول لك: هذا خطأ، أو صواب، الآن أقول لك: ليس هذا الوقت لهذا الحديث.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عن عائشة رضي الله عنها: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لولا حَداثة عهدِ قومِك بالكفر لنقضتُ الكعبةَ، ثم لَبَنَيْتُها على أساس إبراهيم }

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك]

الوقت غير مناسب، لأنه ما زالوا قريبين، والحديث أيضاً:

{ عن أبي قلابة رحمه الله قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحاسب الناس على قدر عقولهم }

[أخرجه الحارث]

{ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حَدِّثوا الناس بما يعرفون، أتُحِبُّونَ أن يُكذَّبَ الله ورسولُهُ؟ }

[أخرجه البخاري]

أي هذا أمر مهم جداً في الدعوة.

الأستاذ حسين:
تتحول الدعوة أحياناً، و يتحول الداعي تبعاً لذلك إلى مشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل الدعوة أوسع من موضوع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟ أما أن المسألتين تسيران في سياق متواز؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من الدعوة:
الدكتور بلال:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتيجة
لا، الدعوة أشمل كما تفضلتم، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر جزء من الدعوة، الدعوة، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، أحدها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعض الناس نعم حولوا الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط، أنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو نتيجة وليس سبباً، أي بمعنى الدعوة إلى الله، أن أدل الناس على الله، أن أعرفهم بالله، أن أبين لهم الحق، أن أبين لهم الباطل، هذا يجوز، هذا لا يجوز، هذا حلال، هذا حرام.

الأستاذ حسين:
كما ذكرت الآية التي وجهت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

الدكتور بلال:
بالضبط، هذه الدعوة، الآن من ضمن هذه الدعوة في مرحلة معينة قال لهم: الوقت الآن مناسب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هنا أخشى أن أنهى عن المنكر فيؤدي إلى منكر أشد منه، فأكف عنه، يمكن أن أتجاوز هذه المسألة مبدئياً حتى أتمكن منها، ثم أنتقل إلى بعدها، والتدرج علمنا إياه القرآن الكريم.

الأستاذ حسين:
التزكية هنا أين تقع في موضوع الدعوة؟

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)
[ سورة البقرة]


التزكية هي تطهير النفس من الحقد والحسد:
الدكتور بلال:
أحسنت، انظر هما آيتان، الآية الأولى:

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
[ سورة آل عمران ]

ثلاثة أمور، سيدنا إبراهيم لما دعا قال:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[ سورة البقرة ]


الأستاذ حسين:
جاءت التزكية ثالثاً.

الدكتور بلال:
إبراهيم عليه السلام معلم، فبدأ بالمهمة الأساسية.

{ وإنما بعثت معلماً }

[ أخرجه الحارث، وأبو داود الطيالسي]

لكن الله تعالى لما رتب جعل التزكية قبل التعليم، لأن التزكية هي التخلية، والتعليم هو التحلية، و ليس هناك تحلية قبل التخلية.

الأستاذ حسين:
حتى يتضح ذلك أكثر التخلية والتحلية، التخلية تتعلق بالتطهير.

الدكتور بلال:
التخلية ثم التحلية
والتحلية هي الملء، أنت اليوم إذا جئت بكأس كريستال فاخر جداً، تريد أن تملأه بشراب الأناناس، وتقدمه إلى ضيفك، إذا كان الكأس ملوثاً، وملأته بأفخر شراب لن يستسيغه أحد، لكن عندما تطهره، وتنظفه، ويرجع لامعاً، ثم تملؤه بالشراب يستسيغه كل إنسان، فالتخلية ثم التحلية، فقال: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ) هذه المهمة الأولى، و هنا تلاوة الآيات غير تعليم الكتاب، وإلا لما جمع بينهما، تلاوة الآيات أن تلفت نظرهم إلى عظمة الله عز وجل من خلال آياته الكونية (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ) أي أن يبين لهم عظمة الخالق، أن يبين لهم ما خلقه الله تعالى فيلتفتون إلى الله.

الأستاذ حسين:
يفتح أمام أعينهم هذا الكتاب، كتاب الكون.

الدكتور بلال:
الكون هو الكتاب المنظور، والقرآن هو الكتاب المسطور، والنبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن الذي يمشي على الأرض، فهنا (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ).
قال: (وَيُزَكِّيهِمْ) التزكية ؛ هي التخلية، تطهير النفس من الحسد، من الحقد، من البغض، من الكره، هذه تزكية، طهرت النفس، الآن (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ).

الأستاذ حسين:
أي لا يمكن للإنسان أن يتعلم وهو مليء بكل هذا الحقد، والحسد، والكره.

الدكتور بلال:
لذلك الدعاة ينبغي أن ينتبهوا إلى موضوع التزكية، اليوم موضوع التزكية مهم جداً سواء كنت من مدرسة صوفية، أو غير ذلك، التزكية أساس في ديننا، ليس الموضوع موضوع مدارس، اليوم يقول لك: هذه المدرسة تهتم بالتزكية، بل الدين يهتم بالتزكية.

الأستاذ حسين:
واليوم هذا الفصل بين التزكية وبين مجال التعليم، وكل واحد كأنه استقل بهذا المجال، وأصبح دينه، فهذا خطأ كبير.

الدين متكامل والتزكية جزء منه:
الدكتور بلال:
منهجي، الدين كله متكامل، التزكية جزء من الدين، لكن عندما تأتي مدرسة وتقول: أنا أهتم بالتزكية، وتصرف الناس فقط إلى التزكية، تأتي مدرسة أخرى، لأنه دائماً الفعل له ردة فعل، هذا في الفيزياء، تماثله في القوة، وتعاكسه بالاتجاه، فتأتي ردة فعل مختلفة، وتقول: سأهتم بالتعليم فقط.

الأستاذ حسين:
متعلمون تماماً لكنهم لا يملكون القيم والأخلاق، أو لا يتحدث عن أخلاقيات الدعوة وأخلاقيات الداعي، الدعوة لها أخلاقيات؟

أخلاقيات الدعوة:
الدكتور بلال:
مئة بالمئة، لا يوجد دعوة بلا أخلاقيات.

الأستاذ حسين:
ولن تنجح دعوة بلا أخلاقيات.

الدكتور بلال:
لن تنجح دعوة بلا أخلاق
ولن تنجح دعوة بلا أخلاق، مستحيل! هل يمكن أن ينجح طبيب دون مؤهلاته الطبية؟ مستحيل ! ولا مهندس دون مؤهلات هندسية، ولا داعية دون مؤهلات دعوية، والمؤهلات الدعوية على رأسها، طبعاً المعلومات مهمة، لكن اليوم الداعية عندما يقف أخي الحبيب ويكلم الناس، المعلم في صفه عندما يعلم طلابه، اليوم المعلومات الموجودة عند المعلم في الصف، أو الداعية أمام الناس تزيد عليهم عشر مرات فرضاً، فالمعلومات موجودة، ولو زادت بمقدار مرتين فقط تكفي، ولو كانت مماثلة تكفي، لكن كيف يتوافق الداعية والمعلم في الصف؟ بأسلوب نقل المعلومة، وبالأخلاق التي يحملها في داخله ويعلم الناس بها، بغير ذلك لا يتميز، إذا كان يريد أن يقول: حفظت كتاب كذا، قال مثلاً: حفظت كتاب الأم، قالوا: زادت نسخة، كتاب الأم للشافعي، قيل لأحد العلماء: فلان حفظ الكتاب، قال: زادت نسخة، كان لا يوجد طباعة، كانوا أربع نسخ صاروا خمس نسخ.
فاليوم عندما يكون الداعية فقط معلومات، أني أملك معلومات، الكتب فيها معلومات، اليوم الحاسب فيه معلومات أكثر من التي عندك، الفلاشة التي في جيبك تملك معلومات أكثر من التي تملكها، إذاً ما الذي يميزك؟ يميزك أنك تحسن نقل المعلومة للناس، تختار الوقت المناسب، المكان المناسب، تتعامل بالحكمة، بالموعظة الحسنة، بالجدال بالتي هي أحسن، ثم تميزك الأخلاق التي تحملها في داخلك، فتتعامل مع المعاصي على أنه مريض تريد أن تساعده على الشفاء، لا تتعامل معه من منطلق الحقد عليه كما يفعل البعض.

الأستاذ حسين:
وهذه توجب أيضاً أن تعرف من تخاطب، بعض الدعاة يتوجهون إلى جماهير لا يعرفونها، لم يدرسوها، وبالتالي يأتي الخطاب بسرعة، يتوجه إليهم والجمهور لا يعرفه، يخاطبه بأسلوب، بمضامين قد لا تكون مناسبة، وبالتالي هل يستوجب على الداعية أن يدرس الجمهور الذي يخاطبه؟

الدكتور بلال:
بالتأكيد، بمعنى أنا اليوم ذاهب لإلقاء محاضرة في المكان الفلاني، يجب أن أسأل: من الجمهور؟ متعلم، غير متعلم، مثقف، غير مثقف، الثقافة والشهادات شيء آخر، ثم العمر.

الأستاذ حسين:
متدين أو غير متدين؟ هذا مهم.

الدكتور بلال:
تماماً، حتى أعرف أبدأ بالكليات.

الأستاذ حسين:
أخاطبه بالحكمة أم بالموعظة؟

قواعد الدعوة إلى الله:
الدكتور بلال:
مخاطبة العقل والقلب معاً
لذلك قالوا: من قواعد الدعوة أولاً: القدوة قبل الدعوة، فالناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، ثم قالوا: الإحسان قبل البيان، املأ قلب من تدعوه بإحسانك حتى يفتح عقله لبيانك، يرى منك موقف الإحسان يفتح عقله، ثم قالوا: مخاطبة العقل والقلب معاً، فبعض الدعاة يخاطبون عقول الناس فقط، يخرج يبكي من المحاضرة، ما الذي حصل معك؟ والله لا أدري ماذا قال الشيخ، لا يوجد عنده أية معلومة، تحريك قلوب فقط، لا يكفي، مخاطبة العقل والقلب معاً، انظر عندما قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
[ سورة الانفطار]

يخاطب قلبه، لماذا تغتر بالله؟ ثم قال: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) خاطب عقله، فمخاطبة القلب والعقل معاً، ثم الأصول قبل الفروع، لا تدخل بالفرعيات ولما يعرف الأصول، الأصول قبل الفروع، التدرج لا الطفرة، تدرج معه، ابدأ معه بمنهيات معدودة لما يتمكن منها، قل له: هذه أيضاً حرام انتبه لها، ابدأ معه بمأمورات، الآن التزم بالفرائض خمس صلوات، عندما يواظب عليها تنقله إلى النوافل وهكذا، فقالوا: التدرج لا الطفرة، لأن كثيراً من الشباب يتوبون، تعطيه كل المعلومات.

الأستاذ حسين:
يقول لك: لا يقدر على هذا الحمل.

الدكتور بلال:
نعم، هذا صعب، ثم المضامين لا العناوين، أي أن تهتم بالمضمون بغض النظر عن العنوان.

الأستاذ حسين:
لأن العنوان ربما تتوه فيه، يعطيك عنواناً لا تعرفه.

الدكتور بلال:
نعم، اليوم أحياناً الإنسان يكون عنوانه أنه ولد في أسرة معينة فسمي باسم جماعة معينة، وأنت تصنفه على هذا الأساس، وتعاديه على هذا الأساس، وتخاطبه على هذا الأساس، وهو عبد لله، فطرته سليمة، فالمضامين قبل العناوين، الأصول قبل الفروع ، مخاطبة القلب والعقل معاً، القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، هذه قواعد عامة للدعوة إلى الله.
والحمد لله رب العالمين