الأسوة الحسنة

  • الحلقة الثالثة
  • 2021-04-15

الأسوة الحسنة


الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بسم الله :

الرَّحْمَنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 )
[سورة الرحمن]

وأصلي وأسلم على نبينا العدنان .
نحن مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، في مجموعة حلقات نتناول فيها شمائله صلى الله عليه وسلم ، وصفاته ، وأخلاقه الحميدة .
رحبوا معي بداية بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم ورحمة الله .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وأكرمك الله ، ونفع بك ، وأعلى قدرك .

الدكتور بلال نور الدين :
أكرمك الله سيدي ، جزاك الله عنا خيراً .
سيدي ؛ نتابع في موضوع الأسوة الحسنة الذي بدأناه في الحلقة الماضية ، وأريد أن أنتقل إلى موضوع مهم في موضوع الأسوة ، أنتم بينتم جزاكم الله خيراً أن النبي صلى الله عليه وسلم تحققت فيه الأسوة لما ذاق كل نوع من أنواع الابتلاءات من الطرفين الحادين ، من قوة وضعف ، وصحة ومرض ، ما علاقة عصمته صلى الله عليه وسلم في تحقيق الأسوة ، فهو المعصوم .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
لأن الله عز وجل قال :

مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
[ سورة الحشر]

أمر إلهي ، وكل أمر يقتضي الوجوب ، ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ فإذا لم يكن معصوماً ، فقد يقول شيئاً بخلاف الواقع ، أو بخلاف ما ينبغي ، أو بخلاف الأكمل ، فلذلك معنى ذلك أنه صار في إتباع لشيء غير صحيح ، لأن الله جعله مشرعاً في أقواله ، وأفعاله وإقراره ، وصفاته ، لا بد من أن يعصمه مرتين ، أن يعصمه من أن يغتال .

الدكتور بلال نور الدين :

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
[ سورة المائدة]


الدكتور محمد راتب النابلسي :
وأن يعصمه من الخطأ ، عصمة علمية ، وعصمة بشرية ، فهو معصوم من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره .
ولكن هناك ملمح دقيق جداً : لئلا يؤله أعطاه هامشاً اجتهادياً ضيقاً ، فإذا جاء اجتهاده بخلاف الأولى ، يأتي الشرع ليصحح ، هذا التصحيح ليفرق به بين مقام الإلوهية المطلق ، ومقام البشرية النسبي ، لولا أنه بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، بشر :

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
[سورة الكهف]

النبي يخاف كأي بشر ، خوفه معه إيمان ، معه ثقة بالواحد الديان ، خوفه لا ينقله إلى اليأس ، اليأس ، والسوداوية ، والتشاؤم ، والقنوط يقترب من الكفر ، لا ييأس ، فهو متفائل بإيمان ، واقعي بتصرفاته .

الدكتور بلال نور الدين :
إذاً سيدي ؛ هو صلى الله عليه وسلم يجتهد أحياناً في بعض القضايا مثل ؟

الدكتور محمد راتب النابلسي :

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
[ سورة التوبة]

عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
[ سورة عبس]

لِمَ عبس وتولى ؟ يعني عنده صحابي جليل ممكن يؤجل لقاءه معه ساعة ثانية .

الدكتور بلال نور الدين :
عبد الله بن المكتوم .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم ، فهو حينما جاءه ملحاً عبس ، فالله عتب له ، ولم يعتب عليه ، يعني عبر عن اهتمامه ، لكن هذا المقام مقام جهة أخرى ، فالله عز وجل ما سمح له ، جعل بعض فعله ما لا ينبغي تأكيداً على بشريته ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ فعصمته عصمة تبليغ ، أما في أشياء ثانية إنسانية ليست كذلك .

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال }

[أخرجه الترمذي]


الدكتور بلال نور الدين :
هذه للبشرية .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن (( وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
هذا شأن البشر ، لولا أنه بشر ، وتجري عليه كل خصائص البشر ، لما كان سيد البشر .

الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ قالوا : هناك شخصية تكونها ، كيف نفهم القدوة ؟

الدكتور محمد راتب النابلسي :
الآن أنت إنسان ، أنت لك شخصية ، لك منطلقات نظرية ، لك طباع ، لك طموحات ، لك مشاعر ، لك تصرفات ، لك لك لك ، هذه شخصيتك ، لكن تتمنى أن تكون كصحابي جليل في بره للمال كسيدنا عثمان ، كصحابي آخر في شدته بالحق كسيدنا عمر كصحابي آخر سيدنا الصديق ، في علمه ، وتؤدته ، فأنت شخصية تكونها ، لك طباع معينة أخلاق معينة ، تصورات معينة ، تصرفات معينة ، هذه الشخصية تكونها ، وفي شخصية تتمنى أن تكونها ، أن تكون في قوتك كسيدنا عمر ، في حلمك كسيدنا الصديق ، في عطائك كسيدنا عثمان .

الدكتور بلال نور الدين :
هذه القدوة ، أو الأسوة .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه تتمنى أن تكونها ، وتكره البخيل ، تكره الشرس ، تكره الذي لا يقدر المعروف فكل إنسان له شخصية يكونها ، وشخصية يتمنى أن يكونها ، وشخصية يكره أن يكونها ، أنا أقول لكل الأخوة : المشاهدين قل لي ما الشخصية التي تتمنى أن تكونها أقول لك من أنت فالإنسان يتمنى أن يكون بس غني فقط ، إنسان قوي ، إنسان يتمنى أن يكون مؤمن ، صالح بعطائه كسيدنا عمر ، أو كسيدنا عثمان ، بقوته بالحق كسيدنا عمر ، بحلمه كسيدنا أبو بكر .

الدكتور بلال نور الدين :
سيدي بموضوع الأسوة حتى يكتمل البحث ، الأسوة تحديداً مع الأطفال ، الأطفال تحديداً يحتاجون إلى القدوة أكثر ، القصة ، السيرة النبوية المطهرة ، لماذا ؟

الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا درست تربية ، اختصاصي بالتربية ، قال : لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً وراقبه سبعاً ، ثم اتخذه صديقاً ، الطفولة لو كان في قسوة لم يفعل شيئاً أراده ، طفولة هذه لاعبه سبعاً حتى يحبك .
أنا مع الأسف الشديد في بعض البلاد الطفل يُهمل وهو صغير ، قال لنا أحد الدكاترة في الجامعة : يبدأ التعلم من عند الولادة ، سألناه كيف ؟ قال : هذا الطفل ولد ، بكى فأطعمناه ، أرضعناه ، بكى فنظفناه ، فإذا بكى مرة ثالثة وحملناه ، جعلناه يتعود على الدلال المفرط ، أصبح ينشأ بكراهية لمن حوله ، فيبدأ التدريب من عند الولادة ، بعد السبع سنوات صار يصعب إعطاءه مفهومات جديدة وعادات جديدة ، فإذا نحن أهملنا الأولاد خلال سبع سنوات نكون ارتكبنا خطأ كبير .
بلغني في بعض البلاد أعلى مستوى في التدريس الابتدائي ، نحن أي إنسان أحياناً نقول له تعال درس ابتدائي ، أيام يدخن أمام الطلاب ، أحياناً يتكلم كلمة لا تليق فيه ، يتعلم الطالب كما قلت قبل قليل ، أو في اللقاء السابق : أخطاء أولادنا من المعلمين أو الآباء أحياناً .

الدكتور بلال نور الدين :
إذاً القصة مهمة جداً .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
القصة حقيقة مع البرهان عليها ، أنت ألقِ على ابنك المتهور بقيادة سيارته ألف محاضرة ، أن يرى حادث مريع ، ثلاث قتلى ، السيارة محطمة ، أبلغ من كل التوجيهات ، فالقدوة قبل الدعوة ، الإنسان يتعلم بعينيه لا بآذانه فقط .

الدكتور بلال نور الدين :
والطفل سيدي ، موضوع السيرة النبوية ، علاقة الطفل بالسيرة .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
هي القصة ، ما القصة ؟ القصة أولاً في إنسان ، في بيئة ، في مكان ، في زمان في حدث ، في حوار ، في بداية ، في عقدة ، في نهاية ، هي القصة الفن الأول ، إنسان في عنده قيم ، القصة الآن تستطيع أن تفكك هذه القيم .
نحن لو فرضنا بيت فخم جداً ، والزوج أنيق جداً ، وسيارتين ثلاثة على الباب ودخل فلكي ، ومكانة اجتماعية ، وتفلت من الدين كامل ، تفلت كامل ، إنسان آخر ، يعني صحته سيئة جداً ، أولاده في الطريق ، زوجته عند الجيران ، إهمال شديد للأولاد ، هذا صاحب الدين ، نحن ما حكينا على الدين ولا كلمة ، أعطيناك أبشع صورة عن الدين ، هذا الإعلام الفاسد .
لذلك الآن في عنا تضليل إعلامي ، وتعتيم إعلامي ، وترويج إعلامي ، كان في بكل بلد تشريع ، وتنفيذ ، وقضاء ، الآن في إعلام ، نركز على شيء العالم يقوم ، ولا يقعد نعتم على شيء ، في تعتيم إعلامي في تضليل إعلامي ، وفي ترويج إعلامي .

الدكتور بلال نور الدين :
لذلك سيدي ينبغي أن نحرص أن نبني نحن القدوات لأطفالنا حتى لا يبني لهم الإعلام .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
القدوة قبل الدعوة .

الدكتور بلال نور الدين :
نبني لهم قدوة من الصحابة الكرام ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم .
جزاكم الله خيراً سيدي ، أحسن الله إليكم .
أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة سائلاً المولى جل جلاله أن تكونوا دائماً على أحسن حال ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته