كان خلقه القرآن

  • الحلقة الرابعة
  • 2021-04-16

كان خلقه القرآن


مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين:
السلام عليكم ورحمة الله ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أخوتي الأكارم ؛ نحن مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، نعيش لحظات من مواقفه العظيمة ، التي أنارت الدنيا ، ونشرت الخير في العالم كله .

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
[ سورة الأنبياء]

يطيب لي في بداية هذه الحلقة أن أرحب باسمكم جميعاً بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .

الدكتور بلال نور الدين:
أكرمكم الله سيدي ، ونفع المشاهدين بما تقولون إن شاء الله .
سيدي ؛ الحلقة اليوم ندخل في العمق إن شاء الله ، ونبدأ بأخلاقه العظيمة صلى الله عليه وسلم بشكل عام ، لما امتدحه ربه جلّ جلاله قال :

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
[سورة القلم]

ما مؤشر ذلك ، أن يمتدحه بأخلاقه ؟

الحكمة من مدح النبي الكريم بأخلاقه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
فيما أتصور ؛ النبي الكريم أوتي من الله مئات الخصائص التي لا أقول تميز بها بل انفرد بها ، ومع كل ذلك حينما وصفه ، أو حينما مدحه مدحه بأخلاقه .
لو أن إنساناً أعطى ابنه سيارة ، هل يعقل أن يقيم له حفل تكريم ؟ لا ، لأنها هي من الأب ، أما إذا نال درجة عالية في الامتحان فيقيم له حفل تكريم .
أعطاه الوحي ، أعطاه الحكمة ، أعطاه مئات الخصائص التي لا أقول تميز بها بل انفرد بها ، ومع كل ذلك حينما مدحه مدحه بأخلاقه ، أما كلمة عظيم ، لو أنه قال : ذو خلق أنا حتى أوضحها : لو أنت عندك مثلاً خمس قطع فواكه ، وجاءك ضيوف خمس ، أنت صار معك تردد أن تقدم لهم هذه الضيافة ، ولك خمسة أولاد ؟!

الدكتور بلال نور الدين:
تقدمها لأولادك .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
أولادي ، لا الضيف ، دخلت في تردد ، لكن بالنهاية قدمتها للضيوف ، نقول : إنك ذو خلق عظيم .

الدكتور بلال نور الدين:
انتصرت على نفسك .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
انتصار بعد تردد ، أما إذا لم تتردد ولا ثانية ، وفعلت الأكمل هنالك إنك : ( لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )

الدكتور بلال نور الدين:
على يعني فيها تمكن .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
فيها علو ، تمكّن ، من دون على يوجد تردد ، هنا يوجد تمكّن ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )
ولذلك الذي يقربنا من الله الأخلاق فقط ، المال ؛ الله أتاك المال ، بيتك واسع ، بيتك واسع ، اشتريته أنت بمالك ، ومالك الله وهبك إياه ، أي ممكن أن يمدح الإنسان بأشياء كثيرة ، أما الشيء الذي يلفت النظر فهو الخلق ( وَإِنَّكَ ) ما قال : إنك ذو خلق عظيم ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) والذي يقربنا جميعاً إلى الله أخلاقنا .
الصحابة الكرام بأخلاق عالية جداً ، يوجد معلومات دقيقة جداً ، وانترنيت ، ومراكز بحث ، وكتب ، ومجلدات ، وموسوعات ، أما تصديق هذا الكمال فيرقى بالإنسان ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )

الدكتور بلال نور الدين:
سيدي ؛ هذه تشبه لعلى خلق ، عندما قال تعالى :

أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
[ سورة البقرة]

بينما هؤلاء قال :

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)
[ سورة الأنعام]


المؤمن على هدى من ربه والمنافق في وحل وضلال :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
دخلوا في نفق ، في غياهب ، في مستنقع ، في وحل .

الدكتور بلال نور الدين:
أما المؤمنون ( عَلَى هُدًى ) .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
( عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ) على تفيد العلو ، شيء دقيق جداً ، اللغة العربية لها تفاصيل دقيقة جداً .

الدكتور بلال نور الدين:
ما المدلول عندما يقول العظيم : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ؟ العظيم يقول .

مدلول قول الله تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله هذه تحتاج إلى شرح : لو أن طفلاً صغيراً بالعيد أعطاه خاله خمسين ديناراً مثلاً، نحن في الأردن ، والخال الثاني أيضاً أعطاه خمسين ، وعمه أعطاه خمسين ، وابن عمه أعطاه خمسين ، جمع مثلاً خمسمئة دينار ، هذا الطفل الذي عمره عشر سنوات قال : معي مبلغ عظيم .

الدكتور بلال نور الدين:
بالنسبة له عظيم .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عظيم جداً ، أحياناً يقول أحد المسؤولين كبار بدولة عظمى : أعددنا لهذه المعركة أو لهذه الحرب مبلغاً عظيماً ، أعددنا مئتي مليار .

الدكتور بلال نور الدين:
الكلمة نفسها .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
بين مئتي دينار ، وبين مئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)
[ سورة النساء]

الله خلق السماوات والأرض ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، الكامل كمالاً مطلقاً ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) .
عفواً ؛ بين الشمس والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، وهناك نجم صغير ببرج آخر اسمه قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا العظيم ، إله عظيم ، فلذلك ما لم تؤمن بعظمته لا تخضع له ، الإنسان عندما يؤمن بالعظيم يخضع .

الدكتور بلال نور الدين:
( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) من العظيم شيء مختلف تماماً عندما يقول الله .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
( وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً )

الدكتور بلال نور الدين:
سيدي الآن لو انتقلنا إلى هذا الخلق العظيم ، وصفت عائشة رضي الله عنها لما سُئلت : كيف كان خلقه ؟ قالت له : ألا تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قالت : كان خلقه القرآن ، لخصت المشهد .

تمثل النبي الكريم القرآن في سلوكه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أي جميع الأوامر في القرآن نفذها بحذافيرها بدقة بالغة ، وبإخلاص شديد ، وجميع المناهي التي نهى الله عنها انتهى عنها بأعلى درجة بالانتهاء .

الدكتور بلال نور الدين:
عاش القرآن .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عاش نعم ، فهو قرآن ، الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، أنا لي تعليق لطيف : ما لم يرَ الناس اليوم إسلاماً يمشي أمامهم إن حدثهم فهو صادق ، إن عاملهم فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، لا يقتنعون بهذا الدين ، الذي يقنع بالدين المثل الأعلى ، القدوة الصالحة ، النبي كان قدوة ، بحديثه كان رسولاً مبلغاً ، لكن بأفعاله كان قدوة .

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)
[ سورة الأحزاب ]

ليس لأهل الدنيا ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) لا يكفي ( وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) .

الدكتور بلال نور الدين:
جميل ! إذاً سيدي يتمثل القرآن في سلوكه ، يعيش القرآن ، سلوكه القرآن .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
بتفاصيله .

الدكتور بلال نور الدين:
سيدي ؛ ابن القيم رحمه الله تعالى من العلماء الأجلاء له كلمة جميلة يقول : الدين هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ، أو في الدين ، لماذا الأخلاق لها هذه الأهمية الكبيرة في ديننا ؟

أهمية الأخلاق في ديننا :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الأخلاق ترقى بالإنسان ، الأخلاق تقرب الإنسان من الله عز وجل ، الأخلاق ينتفع بها المجتمع ، المجتمع فيه أمانة ، فيه صدق ، لا يوجد فيه غش ، ولا كذب ، ولا تدجيل ، ولا نفاق ، ولا تسييس لقضية مقدسة مثلاً ، هذه كلها أشياء تضعف قوة الدين ، الإنسان إذا كان إيمانه قوياً يقنع الآخر بالدين ، الدين متى نقتنع به ؟ إن رأينا إسلاماً يمشي أمامنا .
عفواً ؛ صفيحة زيت غالية جداً ، سقطت فيها فأرة ، ماذا يفعل المؤمن ؟ يبيعها لمعمل صابون ، من يعلم ذلك إلا الله ؟! علم الله أكبر ضابط .
الإنسان بأيام رمضان ، بالصيف ، بشهر آب ، الحرارة لا تحتمل ، دخل لبيته وحده ، وفي الثلاجة ماء ، وشراب ، وعصير ، ما الذي يمنعه أن يضع قطرة ماء بفمه ؟ الله عز وجل ، فالصيام عبادة الإخلاص .
وأنت تجلس ببيتك ، والنافذة تطل على شرفة أخرى ، وهناك امرأة متفلتة ، ما الذي يدعوك إلى غض البصر ؟ خوفك من الله ، أنت إذا لم تكن تشعر أن الله معك دائماً يوجد مشكلة كبيرة .

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
[ سورة الحديد]


معية الله عامة وخاصة :
هناك معية علم ، الله مع الكافر ، مع الطاغية ، مع المنحرف ، معية علم ، لكن إذا الله قال :

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
[ سورة الأنفال]

يا الله ! هذه معية قرب .

الدكتور بلال نور الدين:
معية خاصة ، حفظ ، تأييد .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
خاصة ، المعية الخاصة تأييد ، محبة ، نصر ، قوة ، إلهام ، توفيق .

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)
[ سورة هود]

التوفيق ، والتأييد ، والنصر ، والدفاع ، الله يدافع عن الذين آمنوا ، هناك فرق كبير بين شخص عابد ، وشخص عالم مطبق .

خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
أخوتي الأكارم ؛ نحن في ختام حلقة جديدة من برنامجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي كل حلقة نتناول جانباً من جوانب شخصيته صلى الله عليه وسلم ، تابعوا معنا الحلقات القادمة لتستمتعوا بهذه السيرة العطرة مع فضيلة شيخنا جزاه الله عنا خير الجزاء ، نستودعكم الله ، إلى الملتقى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته