وشاورهم في الأمر

  • الحلقة السادسة
  • 2021-04-18

وشاورهم في الأمر


مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بسم الله :

الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
[سورة الرحمن]

والصلاة والسلام على نبينا العدنان ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أخوتي الأكارم ؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا الذي نجوب فيه مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، نتعلم أخلاقه ، نتعلم سيرته العطرة ، ومواقفه الرائعة ، التي نشر بها الخير في العالم كله .
رحبوا معي في بداية هذه الحلقة بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي .
السلام عليكم ورحمة الله .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بكم ، ونفع بكم .

الدكتور بلال نور الدين :
حياكم الله سيدي ، أسعدكم الله دائماً .
سيدي ؛ اليوم نتحدث أو عنوان حلقتنا لنقل مستمد من قوله تعالى :

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[سورة آل عمران]

النبي صلى الله عليه وسلم معصوم كما بينتم في حلقة سابقة يوحى إليه ، ما دلالة أن الله تعالى يخاطب نبيه المعصوم ، الموحى إليه فيقول له : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ما دلالة هذه الآية ؟

من استعان بالآخرين وشاورهم كسب قوة ونجاحاً :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
إن شاء الله أفهم هذه الآية كما يلي ؛ المشاورة حقيقية ، هناك مشاورة شكلية ، لا تقدم ولا تؤخر ، ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، فالنبي الكريم حينما نفذ هذا الأمر بدأ يستشير أصحابه ، الذي يحصل أن كل إنسان له رؤية ، هذه الرؤية قد يفتقد لها هذا المشاور ، الإنسان أحياناً بموضوع أحبّ أن يأخذ رأي من حوله ، هذا قوة له ، ودعم له ، ونجاح له .
مرة صحابي جليل ، النبي اختار موقعاً ، هذا الصحابي كتلة من الأدب ، قال له : هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ قال له : لا ، هو الرأي والمشهورة ، فقال له الصحابي بأدب جم : ليس بموقع ، أين الموقع ؟ دله على موقع آخر ، أعطى أمراً بالانتقال إلى هذا الموقع .

الدكتور بلال نور الدين :
عند بدر .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
في بدر ، المشاورة حقيقية ، كل إنسان حولك له رؤية ، هذا اسمه الآن : فريق العمل، يوجد رأس للمؤسسة ، رأس للشركة ، ومعه مدير تنفيذي ، مدير إداري ، مدير مالي ، مدير إعلاني ، إلى آخره ، فالحقيقة الإنسان سوف يكون معه فريق عمل ، وكل واحد له اختصاص ، وهو في اختصاصه قمة .

الدكتور بلال نور الدين :
ينظر من زاوية معينة .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
فهو أخذ نجاحات كل من حوله ، انظر إلى الأدب غير المعقول ! وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشهورة ؟ أجاب ، لذلك أراد الله أن يستشير الأقوياء من حولهم ، هذا النجاح، هذا الآن يسمونه : النظام المتكافل ، فريق العمل ، والغرب تفوق بفريق العمل ، يوجد للمؤسسة رأس ، ومدير مالي ، مدير إعلامي ، مدير تقني ، إلى آخره ، إذا الإنسان استعان بالآخرين صار هناك تعاون .

الدكتور بلال نور الدين :
يستعير عقولهم .

التعاون قوة وتفوق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
التعاون قوة ، التعاون تفوق ، التعاون نجاح ، أريد أن أتكلم كلمة مؤلمة لكن مهمة : الآخرون يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، ونحن أصحاب الوحي والتنزيل لا نتعاون ، بل الدماء في شوارعنا أحياناً ، هذه مشكلة كبيرة ، فالغرب يتعاونون تعاوناً مذهلاً ، وبينهم 5% قواسم مشتركة ، وأحياناً نحن بساعة معينة لا نتعاون وبيننا 95 % قواسم مشتركة ، التعاون قوة ، التعاون حضارة ، التعاون نجاح ، التعاون تفوق .

الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ النبي صلى الله عليه وسلم فهم هذا المعنى ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) قبل غزوة بدر كان يقف فيقول : أشيروا عليّ أيها الناس ، أشيروا علي أيها الناس ، حتى قال لهم سعد بن معاذ : وكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ فقال : لو خضت بنا هذا البحر ، أي هو يخوض معركة ، معركة بدر معركة فاصلة ، ومع ذلك يريد أن يأخذ موافقتهم وتأييدهم قبل أن يبدأ .

المنهج الصحيح أن تأخذ بالأسباب ثم تتوكل على الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هو سيدي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، نحن بالإسراء والمعراج ألغيت الأسباب ، كن فيكون ، بالهجرة أُخذت الأسباب بأدق تفاصيلها ، أنا اجتهادي المتواضع : المنهج الصحيح الكامل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
عندي سفر إلى مكان بسيارتي ، أراجع العجلات ، أراجع المحرك ، أراجع الزيت ، أراجع المكابح ، آخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم أتوجه إلى الله بأعماق قلبي : يا رب أنت المسلم ، وأنت الحافظ .
تعليق دقيق : الغرب أخذ بالأسباب بشكل مذهل ، وألهها ، ونسي الخالق ، ونحن قصرنا بالأسباب ، فدفعنا الثمن ، أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، بالسفر ، بتجارة ، بمعاملة معينة .

الدكتور بلال نور الدين :
بالامتحانات .
سيدي أعود إلى قصة الحُباب بن منذر التي ذكرتم وتفضلتم بها ، لكن أريد أن أعقب على شيء فيها مهم جداً ، عندما قال له : أهو الرأي والمشهورة أم الوحي ؟ أي المشاورة ليس مجالها الوحي ، اليوم يحلو لبعض الناس أن كل شيء خاضع للحوار وللمشورة .

قضايا الوحي لا تخضع للرأي والمشورة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الوحي ثوابت ، الآن يوجد توجه - والعياذ بالله - للشك بالثوابت ، الثوابت ، الله عز وجل كمال مطلق .
عفواً ؛ قاض يحكم أربعين سنة ، يصدر ثمانية آلاف حكم مثلاً ، أو أكثر ، بحكمين فقط نقصه معلومات ، كم معلومة غابت عنه ، يسمى عند أهل الأرض بالقاضي العادل ، لكن الله مطلق ، الله كماله مطلق ، لا بكلامه بالقرآن ، ولا بأفعاله ، ولا بوحيه يوجد خطأ واحد بالمليون ، الله كماله مطلق ، فإذا الإنسان كان مع الله كان الله معه ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟

الدكتور بلال نور الدين :
إذاً سيدي قضايا الوحي لا تخضع للرأي والمشورة ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ؟

الدكتور محمد راتب النابلسي :
وحي السماء كمال مطلق ، لأن الله مطلق ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال .

الدكتور بلال نور الدين :
وشاور فيما تجوز فيه المشورة من أمور الدنيا .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
في المباحات .

الدكتور بلال نور الدين :
وليس في الأمور القطعية الثابتة .
أيضاً سيدي ، قال : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) ؟

مجال المشاورة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بعدما أخذت قراراً لا تتراجع ، هذه من صفات القائد الناجح ، عمل دراسة أخذ قراراً لو فتح باب التراجع مشكلة كبيرة جداً ، لا يستطيع أن يحقق الهدف ، القيادة اختصاص ، الآن بالعالم الغربي إدارة الأعمال اختصاص ، اختصاص كامل ، عندنا خبرات مبعثرة .

الدكتور بلال نور الدين :
إذاً المشاورة مجالها أستمع إلى الآراء ، بعد ذلك إذا اتخذنا القرار لا رجعة عنه ، أي المشورة لا ينبغي أن تؤدي إلى التردد .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا بالشام أجمع نخبة أخواني بجلسة نصف شهرية ، موضوع الجلسة تقديم سلبيات الدعوة ، ممنوع المدح إطلاقاً ، هذه السلبيات ، إذا شخص عنده أدب جم ، أقول له : اكتبها على ورقة بلا اسم ، لكن أنا أخذت السلبيات ، هذه ترقى بالإنسان ، الإيجابيات سهلة جداً ، فالبطولة أن تأخذ السلبيات ، بالسلبيات تتنور ، تصحح مسارك ، يجوز يكون هناك شخص حولك انتبه لشيء أنت لم تنتبه له .

الدكتور بلال نور الدين :
هل من المشورة أن يشاور الإنسان أهل بيته ؟ أولاده ؟ أن يشاور زوجته ؟ النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له : احلق شعرك يحلق الناس .

من يشاور من حوله يرتقي :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
زوجته أشارت عليه ، ونفذ تعليماتها ، المشاورة تعمل وداً ، أنت رفعتها لمستواك ، الواحد إذا شاور زوجته بقضية ، شاور صديقه ، أخاه ، رفع مستواه ، مدير عام شاور موظفيه ما قولكم ؟ وأنا متأكد أحياناً يكون على المدير ضغوط كبيرة جداً ، أما على الموظف فلا يوجد ضغوط ، يعطيه رأياً أصوب من رأيه ، ما دام هو أمر إلهي ففيه فوائد لا يعلمها إلا الله ، وأي مدير عام ، مدير مؤسسة ، مدير مدرسة ، مدير دائرة ، يشاور من حوله يرتقي .

خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين :
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
أخوتي الأكارم ، لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء الذي سعدنا فيه بصحبتكم وصحبة شيخنا الفاضل إلا أن نشكر له ما أجاد وأفاد ، وأن نشكر لكم حسن المتابعة ، سائلين المولى جلّ جلاله أن نلتقيكم دائماً على خير ، أستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته