في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم

  • الحلقة التاسعة
  • 2021-04-21

في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم


مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين
بسم الله الرحمن الرحيم ، وأصلي ، وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
يلاطف أهله أكرم بــــــــــــــزوج يحب الأهل يغمرهم حنانـــــــا فكم خصف النعال وخاط ثوباً وكم من شاته ملأ الجفانـــــا تشبه بالرسول تفز بدنيــــــــــا وأخرى والشقي من استهانـا
{ منقول }
أيها الأخوة الكرام ؛ أهلاً بكم إلى حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول" ، رحبوا معي في بدايتها بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

الدكتور بلال نور الدين
سيدي نحن اليوم في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، ندخل إلى بيته ، إلى تعاملاته مع أهله ، مع زوجه ، في داخل بيته صلى الله عليه وسلم ، وما أشد الحاجة إلى هذا الموضوع .
لو بدأنا سيدي بكلام السيدة عائشة رضي الله عنها ، وهي أخبر من يتكلم عن بيت الرسول ، تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته كان ألين الناس ، وأكرم الناس ، كان رجلاً من رجالكم ، إلا أنه كان ضحاكاً بساماً ، أقف عند هذا القدر ، ونتابع بعده كان ضحاكاً بساماً ، ما أهمية أن يكون الرجل في بيته لطيفاً ضحاكاً بساماً ؟

حقيقة الإنسان لا تظهر إلا في البيت :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم على هذا السؤال ، لكن لابد من مقدمة .
المقدمة ؛ الإنسان أي إنسان خارج بيته حريص على مكانته ، وسمعته ، يرتدي ثياباً أنيقة ، يلاطف ، ينحني لطفل يقبّله ، سلوك حضاري ، سلوك بزنس بالمصطلح المعاصر، أما الحقيقة فتكون في البيت .

{ عن عائشة رضي الله عنها : قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ، وإذا مات صاحبُكم فدَعُوهُ }

[أخرجه الترمذي]

الطباع الحقيقية ، الكمال ، الخوف من الله ، القرب من الله ، الذكاء ، اللطف ، الحكمة ، تبدو أكثر ما تبدو في البيت ، لا يوجد رقيب ، ولا حسيب ، ولا من ينتقد ، فالإنسان خارج بيته خاضع لمن هو أقوى منه ، خاضع لرأي الناس فيه ، خاضع لمكانته ، فهو يحرص على هذه المكانة حتى لو كان دينه ضعيفاً جداً ، حتى لو كان بعيداً عن الدين بعد الأرض عن السماء ، لكن في البيت ، حقيقته في البيت ، والحديث واضح وضوح الشمس :

{ خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي }

[أخرجه الترمذي]

أي بالبيت لا يوجد أحد فوق الرجل ، هو أعلى سلطة ، لا يوجد إنسان يجرؤ أن ينتقده ، أولاده ، وزوجته ، يوجد سيطرة ، وأعراف أنه هو الأول ، فلذلك كماله ، إيمانه ، ورعه ، رحمته تبدو في البيت ، فالنبي لخص هذا كله بكلمة واحدة :

{ خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي }

[أخرجه الترمذي]


الدكتور بلال نور الدين
جميل ! جزاكم الله خيراً سيدي ، كلام طيب جداً ، بعض الناس سيدي يقطب الجبين في البيت ، لا يكون ضحاكاً ، ولا بساماً ، لا يقتدي بهذه السنة ، فيكون فرحة أولاده إذا غادر البيت ما مؤشر البسمة في البيت ؟

الرجل بطل عنده شهامة ومروءة ورحمة وحكمة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
قبل ذلك يوجد نقطة دقيقة جداً : كلمة رجل إذا وردت في الكتاب والسنة لا تعني أنه ذكر ، تعني أنه بطل .

َرِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)
[ سورة النور]

فلذلك الرجولة بطولة ، ما كل ذكر رجل ، كل رجل ذكر لكن ما كل ذكر رجل ، الرجل بطل ، عنده شهامة ، عنده مروءة ، عنده رحمة ، عنده حكمة ، الصفات الكاملة لخصت في كلمة رجل ، فرجل لا تعني في الكتاب والسنة أنه ذكر ، تعني أنه بطل ، والبطولة بطولة تفوق ، بطولة نجاح ، فلاح .

الفرق بين الفلاح والنجاح :
الفلاح أقوى من النجاح ، الفلاح شمولي ، الفلاح يعني عرف الله فعبده ، واستقام على أمره ، وأدى العبادات ، واتصل به ، ودعا إليه ، والفلاح نجح في اختيار زوجته ، وأولاده رباهم تربية عالية جداً ، ونجح بعمله ، عمله مشروع ، والتعامل به مشروع ، فإذا نجح في نفسه معرفة بالله ، وفي بيته حسن اختيار وتصرف ، وفي عمله اختيار ونجاح انقلب النجاح إلى فلاح.

الدكتور بلال نور الدين
شمولي .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
ولم ترد كلمة نجاح في القرآن ولا مرة .

أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
[سورة البقرة]

ورد الفلاح .

الدكتور بلال نور الدين

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
[سورة المؤمنون]


الدكتور محمد راتب النابلسي :

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
[ سورة الأعلى]


الدكتور بلال نور الدين
جزاكم الله خيراً سيدي .
نتابع كلام السيدة عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان يكون في مهنة أهله ، أي في خدمة أهله ، يخصف نعله ، يخيط ثوبه ، يحلب شاته ، يخدم نفسه ، ما أهمية أن يقوم الرجل ببعض الأعمال أن يخدم نفسه في البيت ؟

المؤسسة الزوجية أقدس مؤسسة وقد وجدت لتبقى :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أولاً : فيه تقرب إلى الزوجة بطريقة مذهلة ، أعانها على عملها ، هناك حاجة أعانها عليها قبل أن يأتي الطعام ، هذه تعمل مودة بالغة ، والود غير الحب ، الحب ميل ، الود عمل ، أو الود تعبير عن الحب ، الحب شعور ، والود سلوك ، والمؤمن يتودد إلى زوجته .

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)
[ سورة الروم]

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
[ سورة فصلت]

دقق :

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
[ سورة الروم]

الجعل يأتي بعد الخلق ( بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) والملمح دقيق جداً ، ما دامت الزوجة وفق طموح الزوج ، والزوج وفق تطلعات الزوجة فهناك مودة ، هذه المؤسسة أقدس مؤسسة وجدت لتبقى ، أحد أسباب بقائها أنها مودة ورحمة .
أعرف صديقاً حميماً توفي - رحمه الله - تزوج امرأة في الأسبوع الثالث اكتشف أن معها ورماً خبيثاً بالرحم ، يرجوه والدها أن يطلقها ، ما طلقها ، بقيت عنده سنتين حتى ماتت ، وباع بيته من أجل علاجها ، هذا الزواج الإسلامي .
زرت مرة أخاً في حمص بالشام ، طريح الفراش من ستة وثلاثين عاماً، معه شلل رباعي ، ستة وثلاثون عاماً وزوجته تخدمه .
نحن عندنا إيجابيات في الإسلام ، بطولات ، عندنا بطولات بالإسلام ، فإذا نزعنا نفوسنا عن هذا الدين العظيم ، الإنسان صغير ، لئيم ، بخيل ، شحيح .

الدكتور بلال نور الدين
عندما يبتعد عن ربه .
سيدي تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادماً هذا هو الأصل ، لا يوجد تعنيف .

بطولة الإنسان أن يكون ذا هيبة بلا ضرب أو تعنيف :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا الأصل ، والعنف لا يلد إلا العنف ، الإنسان عندما يكون عنيفاً يكون قد فقد كل الوسائل ، وقد قالوا : من أطاع عصاك فقد عصاك ، البطولة أن يكون لك هيبة ، يهابك أن يخالف أمرك ، الأب الناجح جداً إذا أعرض عن ابنه لا ينام الليل بكاء ، أما إذا هناك ضرب و سباب انتهت مكانة الأب كلياً .

الدكتور بلال نور الدين
انتهى البيت .
سيدي من اللطائف ، ومن الصور المشرقة في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يوم كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين إلى بيت الأخرى بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة ، فانفلقت ، فكان تعليق النبي صلى الله عليه وسلم ، باختصار ، بكل أدب أدبه ربه جل جلاله ، فقال : غارت أمكم ، وجمع الصحن المكسور ، وأرسل لها صحناً جديداً ، هذا التصرف النبوي داخل البيت كيف نفسره ؟

الحب أصل في الحياة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
كمال عجيب جداً ، الحقيقة الإنسان قد يكون قوياً جداً في بيته ، لا يوجد أحد فوقه، وقد يكون عنيفاً مع زوجته ، لكنه فقد المحبة ، الحب أصل في الحياة ، الحب ميل ، هذا الإنسان لا يميل إلا بالكمال ، الحقيقة دقيقة جداً ، القوي يفعل ما يشاء ، أما يملك الحب ؟ فمستحيل ! القوي مطلق القوي ، فالبطولة لا أن يخضع الناس لك كقانون عام بل أن يحبوك .
أذكر مرة كان عندنا أستاذ جامعي من كبار الأساتذة في علم النفس ، أقيم له حفل وداع يفوق حدّ الخيال ، له مكانة كبيرة جداً ، قال كلمة لا أنساها ، قال : أي إنسان لا يجد في نفسه حاجة إلى أن يُحِب ، أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر ، الله قال :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
[ سورة المائدة]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)
[سورة البقرة]

الله ما أرادنا أن نطيعه قسراً ، قال :

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
[سورة البقرة]

هو خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، المال بيده ، الفقر بيده ، المرض بيده ، المرض بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ، قال : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) أراد الله وهو خالقنا غني عنا أن تكون علاقتنا به علاقة حب ، الحب أصل في هذا الدين .

خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم ، وشكر لكم .
أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء الذي سعدت فيه بصحبتكم بعد صحبة شيخنا جزاه الله عنا خير الجزاء ، إلا أن أشكر لكم متابعتكم ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن ألتقيكم دائماً على خير وأنتم بخير ، إلى الملتقى أستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته