أدب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء

  • الحلقة العاشرة
  • 2021-04-22

أدب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء


مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوتي المشاهدين ؛ أخواتي المشاهدات ؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" .
كل القلوب إلى الحبيب تميلُ ومــــــــــــــــعي بذلك شاهد ودليل أما الدليلُ إذا ذكرت مــحمداً صــارت دموع العاشقين تسيلُ
{ منقول }
أيها الأخوة الأكارم ؛ في مستهل هذه الحلقة نرحب معاً بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، مقدمة رائعة .

الدكتور بلال نور الدين
أكرمكم الله سيدي ، هذا من لطفكم .
سيدي لو نتحدث اليوم عن أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء ، سنذكر بعض آدابه في الدعاء ، لكن قبل ذلك لو نقدم لموضوع الدعاء وأهميته .

الافتقار سرّ السعادة والتشبث بالقوة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إن شاء الله .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .
قال تعالى :

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)
[ سورة النساء ]

لِمَ خُلق ضعيفاً ؟ ما الحكمة ؟ ما الهدف ؟ ما التبرير ؟ في اجتهادي - وأرجو أن أكون على صواب – خُلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله ، فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه .
الأصل ، الله عز وجل أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، فكيف يبني في كيان هذا الإنسان حاجة إليه ؟ الضعف ، مرض يزلزله ، فقر يسحقه ، قلق يدمر سعادته ، خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، فالضعف صفة سلبية لكن لها إيجابيات لا تعد ولا تحصى ، المؤمن يخشى الله ، يرجو الله ، يدعو الله ، يفتقر إلى الله ، إلى توفيقه ، في زواجه ، في عمله ، في صحته ، في مستقبله ، في تربية أولاده ، في كفايته مادياً ، ما دام هو مفتقر فهو متصل ، ما دام متصلاً فهو سعيد ، الإنسان عندما يفتقر إلى الله اتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يجرؤ أن ينال منك ؟ وإن كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ فالافتقار سر السعادة ، والتشبث بالقوة ، والاعتزاز بها ، وإدارة الظهر إلى الحق والمنهج سبب الشقاء .

الدكتور بلال نور الدين
هذه فلسفة عميقة جداً سيدي للدعاء .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
خُلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره في الدنيا والآخرة ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته ، واكتفى بالدنيا ، فشقي في الآخرة .
فسر التوفيق ، والإقبال ، والإيمان أن أقول لك كلمة : لو أنت أمام ألف إنسان في جامع يصلون ، أنا متأكد مليون بالمئة أن تسعين بالمئة منهم جاؤوا إلى المسجد عقب مشكلة ، ذكرهم الله ، لفت نظرهم ، ضيّق عليهم فأقبلوا عليه ، هذه الحكمة الأولى من المصائب ، سميت مصيبة لأنها تصيب الهدف .

الدكتور بلال نور الدين
إذاً الدعاء سيدي هو حالة افتقار إلى الله في أصله ، أنه يطلب لأنه شعر بالافتقار فيسعد بهذا الطلب .
سيدي الذي يدعو الله عز وجل ، الذي يسأل الله ، هذا الإنسان عنده معرفة بالله عالية لأنه يسأل ويجيبه .

بطولة الإنسان أن يشعر بوجود الله وقوته :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لأنه هو لا بد في الذي يدعو أنه مؤمن بوجود الله ، مؤمن بقدرته ، مؤمن بسمعه ، مؤمن بعلمه ، إن دعا يسمعه ، وإن سكت يعلمه ، مؤمن بإمكانيته ، فالله حكيم ، فالله عز وجل يعطي الدواء المناسب بالحجم المناسب ، بالوقت المناسب ، هذه الحكمة ، فربنا عز وجل رب العالمين ربّ ، أي مربي ، إنسان متكبر يضعه في موقف حرج ، يصغر ، إنسان مسرف .
حدثني أخ ، قال لي : والله ما دخلت الفاكهة بيتي إلا بالصناديق ، والحلويات إلا بالأواني الكبيرة ، غني كبير ، قال لي : الآن أنقب بالقمامة لأعثر على خسة لأكلها .
الله كبير ، إذا أعطى أدهش ، وإذا حاسب فتش ، فالبطولة أن تشعر بوجود الله ، بقوته ، أنت ضعيف ، أما الذي يغفل عن الله فيمكن أكبر خطأ يرتكبه هو الغفلة عن الله .

الدكتور بلال نور الدين
هنا ننتقل سيدي إلى موضوع أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء ، هو خير من دعا الله ، وأنا الآن فهمت سيدي منكم هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن طبعاً من بعده نجد هذه السعادة في المناجاة في الدعاء ، فليس الموضوع فقط طلب بقدر ما هو صلة بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال كما تفضلتم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم من أدبه في الدعاء أنه كان يحدثنا عن اليقين بالإجابة ، يقول :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادُعوا اللهَ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بالإِجَابَةِ ، واعلموا أنَّ الله لا يَسْتَجِيبُ دُعَاء من قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ }

[أخرجه الترمذي]


تعلق اليقين بالإيمان :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن اليقين متعلق بالإيمان ، أنت مؤمن بوجوده ، مؤمن أنه يسمعك ، أنه يعلم ، مؤمن بقدرته ، مؤمن بحكمته ، مؤمن بمحبته ، أي ينبثق من الدعاء شروط كثيرة جداً ، إيمانك بوجوده ، وبأنه يسمعك ، أو يعلم ما تقول ، أو يعلم بما تسر ، وقادر على تحقيق هدفك بأكمله.
طبعاً أحياناً شخص يكون معه مرض عضال ، قال له الطبيب : لا يوجد أمل .

الدكتور بلال نور الدين
هذه في عرف أهل الأرض .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عند أهل الأرض ، أما عند الله فيوجد أمل ، والله أنا عندي قصص تزيد عن عشرين قصة ، مرض مستعص ، كان هناك دعاء صادق ، وعودة إلى الله صادقة ، شفاء تام .
إنسان سافر إلى باريس معه ورم خبيث ، قيل له : لا يوجد أمل ، لابد من عمل جراحي ، ونجاح العمل حوالي ثلاثين بالمئة ، قال : أريد أن أودع أهلي ، عاد إلى الشام يريد أن يودع أهله ، يوجد معه أسبوعان ، وجد عند قصاب امرأة فقيرة كلما ألقى القصاب قطعة عظم تأخذها وتضعها في سلتها ، سألها ؟ قالت له : عندي زوج توفي بحادث ، وما ترك شيئاً ، آخذ هذه العظام وأسلقها للأولاد ، قال له : أعطها كل أسبوعين كيليين من اللحم سنة كاملة ، وهذا ثمنهم ، هذا الطبيب بفرنسا ، والقضية بالقلب ، والطبيب أحد أخواني الكرام مقيم بفرنسا جراح قلب كبير ، فحصوه القسطرة لا يوجد بها شيء ، الفرنسي سوف يختل توازنه ، عمل له القسطرة سابقاً وكان معه تضيق بالشرايين .

الدكتور بلال نور الدين
عنده الفحوصات القديمة .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
القديمة ، لكن الأخ الذي هو على شيء من معرفة الله عز وجل اتكل على الله عز وجل ، الله قال :

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
[ سورة الشعراء ]

وأنا عندي مئات قصص عن الشفاء الذاتي ، والعلم لا يقرها ، ولا يقبلها ، لأنه علم مادي .

الدكتور بلال نور الدين
يتعامل بالمعادلات ، هذا اليقين بالإجابة سيدي ، نعم جميل جداً هذا التعليل .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
اليقين هو الإيمان ، يوجد إيمان يوجد يقين .

الدكتور بلال نور الدين
بأن الله على كل شيء قدير .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
أما الإيمان التقليدي فلا يكفي .

الدكتور بلال نور الدين
من أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء ألا يستعجل الإنسان ، يقول صلى الله عليه وسلم :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يَزَالُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بإثم أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ ما لم يستعجلْ ، قيل : يا رَسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوتُ ، وقد دَعَوتُ فلم أرَ يستجيب لي ، فَيَسْتَحْسِرُ عند ذلك ويَدَعُ الدعاءَ }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك]

فهذا أيضاً أدب عظيم .

بطولة الإنسان أن يفهم على الله حكمته :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هناك نقطة ، يوجد حكمة هنا ، الله عز وجل يعطي العبد طلبه في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ، وفي الظرف المناسب ، وهذا من حكمة الله عز وجل ، يمكن العطاء قبل وقته يعمل انحرافاً ، ولو تأخر العطاء عن وقته يعمل يأساً ، الله حكيم حكمة مطلقة ، الحكمة الإلهية شيء لا يصدق ، في الوقت المناسب ، والمكان المناسب ، والحجم المناسب ، والقدر المناسب ، هذه الحكمة .

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
[ سورة الطلاق]

والبطولة أن تفهم على الله حكمته .

الدكتور بلال نور الدين
إذاً من الآداب ألا يستعجل الإنسان ، يترك الأمر .
آخر شيء سيدي في هذا اللقاء لأن الوقت يتداركنا ، والموضوع متشعب ، يوم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر يدعو الله تعالى :

{ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : قال : حدَّثني عمرُ بنُ الخطاب قال : لما كان يومُ بدر نظرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى المشركين وهم ألف ، وأصحابُه ثلاثُمائة وتسعةَ عشر رجلاً ، فاستقبل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم القِبْلَةَ ، ثم مدَّ يديه ، فجعل يَهْتِفُ بربِّهِ يقول : اللهم أنْجِزْ لي ما وعدتني ، اللهم آتِني ما وعدتني ، اللهم إِن تَهْلِكْ هذه العصابةُ من أهل الإِسلام لا تُعبدْ في الأرض ، فما زال يهتف بربِّه مادا يديه مُسْتَقبلَ القبلة حتى سقط رداؤه عن مَنْكِبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه ، فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه فأخذه من ورائه ، وقال : يا نبيَّ الله ، كفاك مُنَاشَدَتُك ربَّك }

[أخرجه مسلم والترمذي]

ما هذا الموقف العظيم ؟!

الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا هذا الشيء يحيرني ، ولكن أكرمني ربي عز وجل بحل ، لا يعقل أن يكون الصديق أكثر إيماناً من رسول الله ، لكن يبدو أن النبي الكريم يعرف القوانين ، القوانين أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
كان قلق النبي الكريم أن يكون أخذه بالأسباب أقل مما يجب ، مما ينبغي ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، فإذا ظنّ النبي لكماله المطلق ، ولورعه الشديد لعل أخذه بالأسباب أقل مما ينبغي فكان دعاؤه شديداً ، فهو إيمانه أضعاف مضاعفة عن إيمان الصديق الذي طمأنه ، لكن هو نظر من زاوية سهلة .

خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين
وهذا معنى عظيم جداً سيدي ، ولعله أيضاً كان يعلمنا هذا المعنى أن يقف الإنسان في الشدائد ويدعو الله .
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة سائلاً المولى جلّ جلاله أن تكونوا دائماً في خير ، أستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته