شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم

  • الحلقة الثانية والعشرون
  • 2021-05-04

شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم


مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين :
سلام الله عليكم ورحمته ، ومغفرته ، ورضوانه ، وبركاته ، أينما كنتم أسعدكم الله بالخيرات ، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" ، هذه الحلقات التي تتناول جوانب مهمة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن شمائله ، وخصاله الحميدة .
أيها الكرام ؛ نسعد معكم بضيفنا الدائم في هذه الحلقات فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بكم ، ونفع بكم .

الدكتور بلال نور الدين :
بارك الله بكم سيدي .
سيدي ؛ اليوم أريد أن أتحدث عن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن قبل ذلك كنا قبل التصوير نتحدث عن آية كريمة تخاطبنا نحن المؤمنين ، يقول تعالى :

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( 33 )
[سورة الأنفال]

فجعل الله لنا بحبوحتين من عذاب الله ، البحبوحة الأولى أن يكون رسول صلى الله عليه وسلم فينا ، كيف نفهم هذه الآية اليوم ؟

الإسلام فردي وجماعي :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله كأني أتمنى أن أقدم بمقدمة أخرى :

مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)
[ سورة النساء]

جميعاً (إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) أي أنت شكرت نعم الإيجاد ، والإمداد ، والهدى والرشاد بعد إيمانك ، الآن هذا العذاب الشخصي هو تابع إلى سبب (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) معنى هذا أن المصيبة لها هدف سام ، ابحث عن السبب ، هذه كفت ، هل هناك مشكلة بلا سبب ؟ مستحيل ، يوجد سبب ابحث عنه ، هذه كإسلام فردي ، يوجد مليارا إنسان إذا واحد استقام وحده يتمتع بنعمة الطاعة لله عز وجل ، ينجو من العذاب .
الآن كإسلام جماعي ، كإسلام ينتشر في الأمة ، تعتمده القوى الفاعلة ، إسلام ينتشر ، يدعى إليه بلا مؤاخذة ، هذا يحتاج إلى أن يكون منهج الله ، ومنهج النبي مطبقاً في هذا البلد ، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) كلمة (مَا كَانَ) دقيقة جداً ، لو أنت سألت إنساناً : هل أنت جائع ؟ يقول لك : لا ، سألته عن حدث ، إنسان محترم جداً جداً جداً تقول له: هل أنت سارق ؟ يقول لك : ما كان لي أن أسرق ، هذا نفي الشأن ، ينفى معه اثنا عشر فعلاً ، لا أفعل ، ولا أرضى ، ولا أمضي ، ولا أرتاح ، ولا ، ولا ، هنا كلمة دقيقة (وَمَا كَانَ اللَّهُ) أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تُعذب الأمة ومنهج النبي مطبق فيها ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب الأمة ومنهج الله مطبق فيها ، فدائماً ابحث عن السبب ، من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، صار هو المصيبة .
إذاً نحن عندنا شيء فردي له شرطان ؛ الإيمان والشكر ، وشيء جماعي أن يكون هذا المنهج مطبقاً في حياة النبي الكريم .

الدكتور بلال نور الدين :
نعم منهج النبي في حياتنا ، إذاً سيدي (وَأَنْتَ فِيهِمْ) في حياته .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
منهج النبي مطبق في حياة الأمة .

الدكتور بلال نور الدين :
يوم كان بينهم كانت الآية واضحة ، اليوم هو المنهج (وَأَنْتَ فِيهِمْ) أي منهجك .

من يستمد منهجه من وحي السماء يرتقِ :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هو دائماً :

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34)
[ سورة النساء]

الرجل ذكر ، والمرأة أنثى ، الجامعة أنثى ، والجامع ذكر ، إذا استمدت الجامعة منهجها من وحي السماء ترتقي ، أما إذا استمدت مناهجها من وحل الأرض فلا ترتقي .

الدكتور بلال نور الدين :
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) هذه البحبوحة الثانية .

الإنسان في بحبوحتين :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الاستغفار ، الاستغفار ندم ، والندم توبة ، دائماً التوبة لها ثلاثة شروط ؛ الندم ، والإقلاع ، والعزم ، ندمت على ما فعلت ؛ استغفار ، أقلعت عن فعلي ؛ استغفار ، ثم أن أعقد العزم الكلي ألا أعود ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .

الدكتور بلال نور الدين :
إذاً نحن في بحبوحتين إما أن أطبق المنهج ، أو إن زلت قدمنا أن نعود .

الدكتور محمد راتب النابلسي :

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
[ سورة الزمر]


الدكتور بلال نور الدين :
جلّ جلاله .
سيدي الكريم ؛ بدأنا بهذه الآية ، ونأتي إلى الشمائل التي نتحدث عنها ، نتحدث عن شجاعته صلى الله عليه وسلم ، أخلاقه ، العفو ، والتسامح ، والصفح تحدثنا عنها ، وقد يتهيأ للبعض أن هذه الأخلاق أحياناً ترتبط ببعض الناس حاشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتطامن ، أو بالجبن ، رسول الله كان شجاعاً .

النبي الكريم أوتي قمم الأخلاق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن لابد من ملاحظة ؛ دائماً الفضيلة وسط بين طرفين ، التهور ليس شجاعة والجبن ليس فضيلة ، دائماً وأبداً الفضيلة بين طرفين حادين ، هي الوسطية ، الوسط معقد العزم، فلذلك الشجاعة بتهور انتحار ، وعدم بذل جهد للانتصار جبن ، بينهما ، دائماً الفضائل كلها وسط بين طرفين .

الدكتور بلال نور الدين :
علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : رأيتنا يوم بدر نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذٍ بأساً .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذاً أوتي قمم الأخلاق كلها .

الدكتور بلال نور الدين :
صلى الله عليه وسلم ، سيدي ؛ كما قلتم الشجاعة وسط بين التهور والجبن ، هنا :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ، رواه البزار إلا أنه قال : لأتمم مكارم الأخلاق }

[أخرجه البزار والإمام أحمد]


الفرق بين الفطرة والصبغة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد ملمح دقيق جداً فطري ، أي أمر أُمرنا به الله عز وجل فطرنا عليه ، وأي نهي نُهينا عنه فطرنا على تركه ، بالفطرة ، والدليل :

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
[ سورة الحجرات]

الفطرة أن تحب الخير ، لا أن تكون خيراً ، أما الصبغة فأن تصطبغ بالخير ، الفرق كبير بين الفطرة والصبغة ، الفطرة ميل ، الصبغة تمثل ، والنهاية صبغة .

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)
[ سورة البقرة]

أما الفطرة فأميل للخير ، أميل للعدل ، لا أن تكون عادلاً ، أن تميل للعدل ، أما الصبغة فأن تكون عادلاً ، أميل للعطاء لا أن تعطي ، أما الصبغة فأن تعطي ، فرق كبير بينهما ، واحد ميل ، والثاني فعل .

الدكتور بلال نور الدين :
إذاً :
((لأتمم مكارم الأخلاق ))
سيدي هذا دليل الفطرة ؟

أفضل الأشياء أن تجتمع فطرة الإنسان مع شرع السماء :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد أخلاق فطرية ، حتى في الجاهلية كان هناك مروءة ، وشجاعة ، وكرم ، هذه هي قيم الجاهلية ، جاء الحديث :
(( لأتمم ))
شيء دقيق جداً ، كل حرف من كلام النبي له معنى كبير .

الدكتور بلال نور الدين :
صلى الله عليه وسلم ، ويمكن أن نفهم إذا تفضلتم به في البداية ، أي العرب عندهم شجاعة لكنها قد تصل إلى التهور ، أي التباهي ، والتفاخر ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما تمم رشدها بالشكل الصحيح ، الشجاعة في أرض المعركة ، الشجاعة من دون تهور .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
أجمل شيء أن تجتمع فطرة الإنسان مع شرع السماء ، عنده فطرة راقية الأصل تحتاج إلى توجيه ، وترشيد ، فمن جمع بين فطرته وبين تطبيق منهج الله عز وجل جمع الحسنيين .

الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ أيضاً مادام ذكرنا الحديث ، نعود إلى أوله :

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، وقوم يذكرون الله تبارك وتعالى ، وقوم يتذاكرون الفقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : كلا المجلسين على خير ، أما الذين يذكرون الله تعالى ، ويسألون ربهم فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم ، وهؤلاء يعلمون الناس ويتعلمون ، وإنما بعثت معلماً ، وهذا أفضل فقعد صلى الله عليه وسلم معهم }

[أخرجه الحارث وأبو داوود الطيالسي]

أي يلخص هدف البعثة بالتعليم .

الربط بين التربية والتعليم والأخلاق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
كنت في جلسة كلها معلمون ، قلت : أقدم لكم وسام شرف من رسول الله ، قول النبي الكريم :

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : وإنما بعثت معلماً }

[أخرجه الحارث]

{ إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ }

[أخرجه مالك عن بلاغ مالك]

فأعطى للتربية والتعليم - معلم - والأخلاق ، إنهما شرطان لازمان غير كافيين ، أي العلم وحده لا يكفي ، الذي صنع القنبلة الهدروجينية عالم ، القنبلة الذرية عالم ، لكن هذا العلم ليس العلم الذي أراده الله عز وجل ، علم للتدمير ، لكن يوجد علم للبناء ، فنحن نبني ، ونتمنى أن نكون أقوياء كي ندافع عن أنفسنا ، دائماً الدول الراقية مثل وزارة الدفاع ، ليست وزارة الحرب، الدفاع .

الدكتور بلال نور الدين :
وزارة التربية والتعليم :

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : وإنما بعثت معلماً }

[أخرجه الحارث]

{ إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ }

[أخرجه مالك عن بلاغ مالك]

سيدي ؛ أيضاً في شجاعته صلى الله عليه وسلم ، الشجاعة سيدي أحياناً تكون لإظهار النفس ، ولأن يظهر الإنسان بمظهر الشجاع ، إنما قاتلت ليقال عنك جريء ، وقد قيل فخذوه إلى النار .

شجاعة المؤمن لإحقاق الحق وصرف الباطل :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن شجاعة المؤمن لإحقاق الحق ، وصرف الباطل ، الشجاعة مقدسة ، نحن عندنا طباع كثيرة يتمثل بها الإنسان ، لكن هذه الطباع أحياناً توظف للحق ، تأخذ قدسيته ، المؤمن شجاع لنصر الحق .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[ سورة محمد]

الله هو القوي ، لكن إذا أنت دعمت دين الله ، أي هذا الذي سُمح له أن يفطر لعلة صحية ينبغي ألا يفطر في الطريق ، حفاظاً على دين الله عز وجل ، أما الذي يتحدى المسلمين ويأكل في رمضان أمام الناس فهذا ليس عاصياً بل فاجراً ، الفجور أن تجاهر بالمعصية وتفتخر بها .

خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين :
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
أخوتي الأكارم ؛ في نهاية هذا اللقاء الطيب أشكر لكم حسن المتابعة ، وأشكر لشيخنا ما تفضل به ، راجياً الله تعالى أن نلتقيكم دائماً وأنتم بخير ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، إلى الملتقى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته