سؤال وجواب - 9 جمادى أول 1447
- 2025-10-31
- سوريا - دمشق
- مسجد عبد الغني النابلسي
سؤال وجواب - 9 جمادى أول 1447
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
| بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
السؤال الأول:
الأحمق من تعلَّق بالدنيا والعاقل من آمن بالغيب وعمل للآخرة:
للصراحة أستاذ العبارات التي تعلَّمناها غلط، مثل: " حلال على الشاطر، وفَلّهَوي، وحربوء، استطاع أن يُدبِّر حاله" هو أكثر شخص عايش ونافذ بريشه هذه الأيام، فما قولك أنت؟
| والله أنا قولي أنا أوافقه وأوافق السائل فيما ذهب إليه، كلامه صحيح ولكن بشرطٍ واحد، لو لم يكن هناك آخرة، يعني هذا الكلام إذا كان صادراً عن أهل الدنيا فهو صحيح، لأنه بصراحة الدنيا قصيرة، والوقت محدود، لَحِّق حالك، ودبِّر حالك، ومن حلالٍ ومن حرام، قبل أن يأتي مَلَك الموت ويذهب كل شيء، فالمُتعلِّقون بالدنيا والذين جعلوا الدنيا أكبر همِّهم، ومبلَغ عِلمهم، ومُنتهى آمالهم، ومحطَّ رحالهم، فالكلام صحيح، لكن المؤمنون بالغيب، الذين يعتقدون أنَّ هناك وقوفاً بين يدي الله تعالى، فالأحمق هو من يعتقد بهذا الكلام، والعاقل هو مَن يقول: آخُذ من الدنيا لكن بالحلال فقط، لا آتي الحرام لأنَّ لي موقفاً بين يدي الله تعالى. |
| أحبابنا الكرام: نحن في الدنيا مازلنا في اللحظة الأولى، الدنيا كلها هي اللحظة الأولى، يعني هذه الثمانون سنة، أو التسعون سنة، أو المئة سنة، هذه كلها هي اللحظة الأولى، ربُّنا عزَّ وجل يقول في القرآن، يوم القيامة يقول الكافر: |
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)(سورة الفجر)
| فالحياة هناك. |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)(سورة الأنفال)
| فالحياة ليست هذه الدنيا التي نعيشها، الحياة هي يوم القيامة، في جنَّةٍ يدوم نعيمها، أو في نارٍ لا ينفَذُ عذابها، لا زلنا في اللحظة الأولى يا كرام، لا يزال هناك نزول القبر، وضمّة القبر، وسؤال المَلَكَين، والقيام من القبور، والنشور، والبَعث، والوقوف بين يدي الله، وحتى يبدأ الحساب تمرّ الأوقات الطويلة، ثم الصِراط، ثم القنطرة، ثم جنَّةٌ يدوم نعيمها أو نارٌ لا ينفَدُ عذابها، فنحن كل هذه الدنيا بما فيها، ما هي إلا لحظةٌ واحدة، فالذي يعتقد أنَّ هذه اللحظة هي كل شيء، فمن حقِّه أن يقول: لَحِّق حالك، دبِّر حالك، واجمع أكبر ثروةٍ ممكنة واستمتع، لأنَّ الموت سيأتي ويُنهي كل شيء، لكن الذي يظن أنَّ الموت هو نقطة، وبعده هناك مسافاتٌ طويلة في النعيم أو في العذاب، فتختلف كل مقاييسه، ولا يتكلم هذا الكلام، وإنما يقول: أنا ألتزِم أمر الله ونهيه في الدنيا حتى ألقاه وهو راضٍ عنّي. |
السؤال الثاني:
المؤمن يجبُّ المغيبة عن نفسه و يحمي سُمعته:
السائل يقول: ما حكم المُعلَّبات الغازية التي توحي بأنَّها مشروباتٌ مُحرَّمة من خلال العبوة؟
| والله يا كرام المؤمن يجبُّ المغيبة عن نفسه، والإنسان يحمي سُمعته، لاسيما أحياناً يقف مع الشباب في الطرقات، ويشربون بعض هذه المشروبات، قد تكون المشروبات حلال، وليس فيها شيءٌ مُحرَّم، لكن يشربونها بطريقةٍ، أو يُمسكونها بطريقةٍ، أو أحياناً بعض الشباب يزيدوا عن ذلك، فيطرقون الزجاجة بالزجاجة، من عادات من يفعل المعصية والعياذ بالله، أو العبوات لها شكلٌ وشعاراتٌ مُعيَّنة توحي بأنها خمور، يعني أذكُر في بعض كتُب الفقه، بعض الأقوال لبعض الفقهاء، أنهم كرهوا أن يأكل الإنسان خنزير البحر، مع أنَّ خنزير البحر حلال: |
{ سألَ رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ إنَّا نركبُ البحرَ ونحملُ معَنا القليلَ مِنَ الماءِ فإنْ توضأْنا بِهِ عطِشْنا أفنتوضأُ بماءِ البحرِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هوَ الطهورُ ماؤُهُ الحلُّ ميتتُهُ }
(أخرجه أبو داوود وابن ماجه وأحمد والنسائي)
| قالوا: لكن لأنه سُمّيَ خنزير البحر، ربما يقول قائلٌ: ماذا أكلت بالأمس؟ فيقول: خنزير، فيسمع الناس فيظنوا أنه الخنزير البري، ولا يعلمون أنه كائنٌ بحري مثلاً، فكرهوا ذلك. |
| فالمؤمن يحتاط لسُمعته، فإذا كانت هذه المُعلَّبات فيها أشربة حلال، لكن توحي للناس بأنها مُحرَّمة يجب أن ينتبه الإنسان. |
| أنا أحياناً أخرُج بالطائرة فيُقدِّمون العصائر، ويُقدِّمون والعياذ بالله في بعض الخطوط الخمور، فلا أطلب أبداً في الطائرة بالكؤوس الشفافة، لا أطلب عصير التفاح مع أنه تفاح، خشية أن يخرُج أحد من الطائرة فيقول: رأيت الشيخ في الطائرة يشرب، أو يأخذ صورة، الإنسان يحمي سُمعته يا كرام، فننتبه إلى هذا الموضوع دائماً. |
| أحياناً يسألني البعض عن اللعب بورق اللعب، بغضّ النظر عن الأحكام التفصيلية في الفقه، وأقوال العلماء بين مُحرِّمٍ ومُكرِّهٍ تحريماً، لكن أقول له هذه أدوات القِمار، هذه التي تلعب بها أنت وتُلقيها في السهرة هي أدوات القِمار، يلعب بها أهل القِمار، كإنسانٍ يشرب في كؤوس الخمر المعروفة أنها كؤوس خمر، فيصُبّ ماءً أو غيره "رحِم الله امرأً جبَّ المغِيبة عن نفسه". |
السؤال الثالث:
البِدَع الحسنة والبِدَع السيئة:
أرجو أن تذكروا لنا خمس بدعٍ حسنة، وخمس بدعٍ سيئة علينا الابتعاد عنها.
| البدع الحسنة هي البدع اللغوية، أي الشيء الجديد الذي لا يتعلَّق بأمور الدين، أو إذا تعلَّق بها فإنه يندرج تحت أصلٍ عامٍ من أصولها، هذه الحَسنة، يعني لمّا جُمع القرآن واستشاروا سيدنا عمر رضي الله عنه، قال: "إلى أن شرح الله صدري" وفي روايةٍ قال: "نِعمة البدعة هذه" تندرج تحت أصلٍ عظيم من أصول الشريعة، وهي الحفاظ على كتاب الله تعالى: |
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)(سورة الحجر)
| فيجب نحن أيضاً أن نقوم بحفظ هذا الكتاب، ولو أنَّ الله عزَّ وجل تكفَّل بحفظه بنا أو بغيرنا، فقال: نِعمة البدعة، لأنها جمعٌ للقرآن الكريم، فإمّا أن تندرج هذه البدعة تحت أصلٍ عام من أصول الشريعة، يُقرر أهل العِلم أنه لا بأس بها، أو تكون بدعة لغوية، يعني تقول بدع حسنة: إنارة هذا المسجد بدعة حسنة، تكبير الصوت بدعة حسنة، أنا عندما أُصوُّر هذا اللقاء لأعرِضه للناس خارج المسجد، حتى ينتفع به آخرون هذه بدعةٌ حسنة، تبريد الماء في الصيف للمُصلّين بدعةٌ حسنة، تدفئة المسجد وتكييفه بدعةٌ حسنة، لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه أُسمّيها بدعةٌ لغوية وليست شرعية، يعني هي شيءٌ جديد مُستحدث، لكنه لا يُعارِض شرع الله عزَّ وجل، ويندرج ضمن الأصول العامة للشريعة. |
| أمّا البدع السيئة التي وقع بها كثيرٌ من الناس نسأل الله السلامة، فهناك بدعٌ في الجنائز، يعني عندما يتبَع الناس الجنازة ويرفعون أصواتهم هذه بدعةٌ سيئة، الأصل هو الاعتبار والعِظة والدعاء للميِّت بالتثبيت. |
{ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، إذا فرغَ مِن دفنِ الميِّتِ وقفَ علَيهِ، فقالَ: استغفِروا لأخيكُم، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ، فإنَّهُ الآنَ يُسأَلُ }
(صحيح أبي داوود)
| أربعين الميِّت بدعةٌ سيئة، يقال يوم الأربعين يجب أن نقوم وندعو للطعام، حتى الطعام يوم الوفاة بدعةٌ سيئة، لأنها تُخالف السُنّة، فالسُنّة: |
{ أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لما جاء نعيُ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه لما قُتِلَ في غزوةِ مؤتةَ في أرضِ الشامِ إلى المدينةِ أمر النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أهلَه أن يصنَعوا لآلِ جعفرٍ طعامًا قال: لأنه أتاهم ما يشغلُهم }
(أخرجه أبو داوود والترمذي وابن ماجه)
| نحن بدل أن نصنع الطعام لهم لأنهم قد شُغِلوا بميِّتهم، نطلب منهم أن يُعِدّوا لنا الطعام، وإن قصّروا يتحدَّث الناس عنهم، وأحياناً بعض الناس يستدينون المال من أجل أن لا يتكلم الناس عنهم، من أجل أن يُعِدّوا طعاماً بعد العودة من المقبرة، هذه بدعةٌ سيئة. |
| في الأفراح هناك بدعٌ سيئة، يعني الاختلاط بدعةٌ سيئة، أن يدخُل العريس الشاب أمام النساء الكاسيات العاريات، لأنه من العيب أن لا يدخُل، يتحدَّثوا لعلَّ العريس به عيباً لذلك لم يدخُل، يجب أن يدخُل والنساء الكاسيات العاريات ينظُرنَ إليه وينظُر إليهن، وهُنَّ في أبهى زينة، وكأنه في هذه الليلة نبتعد عن دين الله والعياذ بالله، فهذه بدعٌ سيئة في الأفراح. |
| فعندنا في الأفراح بدعٌ سيئة، وعندنا في الأتراح بدعٌ سيئة وكل شيءٍ يُخالف شرع الله عزَّ وجل فهو بدعة. |
{ كل بدعةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالةٍ في النارِ }
(أخرجه النسائي وأحمد)
السؤال الرابع:
النبي صلى الله عليه وسلم قاسم والله عزَّ وجل المُعطي:
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما أنا قاسم والله معطي" وهل هذا حديثٌ صحيح؟
{ مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنَّما أنا قاسِمٌ ويُعْطِي اللَّهُ، ولَنْ يَزالَ أمْرُ هذِه الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أوْ: حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ. }
(أخرجه البخاري ومسلم)
| الحديث صحيح، والنبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي من أسمائه القاسم، والقاسم في اللغة هو الذي يقسِم، يقسِم العطايا، يقسِم الغنائم بين الجُند، أو يقسِم العطايا بين الناس، قد يقسِم الأب بين أبنائه، فيُقال هذه قاسم من باب الصفة وليس الاسم، يعني لا يصبح اسمه القاسم، لكن يقسِم بين أولاده فيُقال قسَّم العطية بين أولاده، لكن مَن الذي يُعطي في الحقيقة؟ هو الله، نحن فقط نقسِّم، لكن الذي يُعطي في الحقيقة هو الله، الله تعالى هو المُعطي جلَّ جلاله. |
| العوام لهم كلمة غير صحيحة، يقولوا: "سُبحان العاطي" العاطي غلط، لأنَّ العاطي هو الآخذ، لكن سُبحان المُعطي، الله تعالى هو المُعطي، من أسمائه المُعطي، فهو الذي يُعطي جلَّ جلاله، نحن نَقسِم ما يُعطينا الله تعالى، حتى عندما تتعامل مع أولادك، نصيحةٌ منّي إذا أعطيتهم قُل لهم عندما تُعطيهم هذا ليس منّي، هذا من الله تعالى يسَّره على يدي، حتى تُعلِّمهم دائماً أن ينسبوا الفضل لصاحب الفضل جلَّ جلاله. |
السؤال الخامس:
سبب الحرب على الإسلام وعلى أهل السُنَّة والجماعة:
يسأل الأخ الكريم، لماذا الحرب على أهل السُنَّة والجماعة في العالم، فبالأمس سوريا، ثم غزَّة، ثم السودان كذلك في أوروبا وفي الصين؟
| والله يا أخي الكريم الحرب اليوم على الإسلام وعلى أهل السُنَّة والجماعة، سببها أنَّ وجودنا يُقلِقهم، أنا كنت أقول دائماً للإخوة الكرام: لا تتعجبوا من حجم الهجمة التي يهجمون بها علينا فهي مفهومة، لكن تعجَّبوا من قوة الإسلام، ومن قوة صمودنا، حتى إننا موجودون حتى اليوم ونُصلّي ونُقيم شرع الله تعالى، رغم كل هذه الهجمة الشرسة! فأنا أتعجب من قوة الإسلام، لا من هجمتهم الشرسة علينا! |
| سابقاً كان على سطح المبادئ والقيَم في العالم يوجد معسكرات، كان هناك المعسكر الاشتراكي يطرح قيَم، الاتحاد السوفيتي طرح قيَماً، ومبادئ، وعدل، وحقوق إنسان، وحريات، وهناك المعسكر الغربي الذي لا يزال حتى اليوم يطرح قيَمه، في العدالة، وحقوق الإنسان، وتكافؤ الفرص، والتأمين الطبي، والعيش الكريم وإلى آخره.. وهناك الإسلام الذي يطرح مبادئه المُستمدة من الوحيين من كتاب الله تعالى، ومن سُنَّة رسوله، المُعسكر الاشتراكي تداعى من الداخل. |
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا(25)(سورة الأحزاب)
| نام الناس واستيقظوا، فوجدوا أنَّ الاتحاد السوفيتي قد انتهى، ولم يعُد هناك قيَم اشتراكية في العالم، إلا مَن بقي يعيش على أنقاضها، فانتهت كمبادئ وقيَم، ظهرت أنها لا قيمة لها إطلاقاً، بقي على الساحة مُعسكران إن صحَّ التعبير، المُعسكر الإسلامي بقيَمه ومبادئه، والمُعسكر الغربي يطرح مبادئ وقيَم برَّاقة، اليوم المُجتمع الغربي بشكلٍ أو بآخر تراجع قيمياً وحضارياً، بقي مدنياً. |
| بعد المعارك الأخيرة، وبعد وسائل الإعلام التي صنعوها هُم ولكن ارتدَّت عليهم، صار العالم يُدرِك أنَّ هؤلاء ليسوا أصحاب قيَم بالمعنى الحقيقي، يُباد شعبٌ بأكمله ويسكتون، طبعاً لا أتكلم عن الأفراد، خرجت مظاهرات في أوروبا نابعة من فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، ترفض الظلم، ترفض ما يجري في غزَّة صحيح، لكن أتحدث عن الحكومات، وعن عموم الصامتين الذين هُم الأغلبية، فاليوم المعسكر الغربي يشعر أنه بدأ يضعُف، فإذا ضعُف قَويَ الإسلام، وإذا ضعُف الإسلام قَويَ هو. |
| فاليوم المعركة هي معركةٌ وجودية، نكون أو لا نكون، إمّا نحن أو هُم، فإذا سيطر المسلمون على المبادئ والقيَم، وبدأ الناس يدخلون في دين الله تعالى أفواجاً، سينالهم من الأذى بالنسبة لهم الشيء الكثير، دخل عظيم يدخل للعالم كله بسبب الإباحية التي يقومون بها، والتي يُعارضها الإسلام بكل تفاصيلها، مئات الألوف من النساء تُباع سنوياً من أوروبا الشرقية إلى الغربية، بتحقيقاتٍ من وسائل إعلامهم، تجارة الأولاد والعياذ بالله، تجارة الأعضاء البشرية في العالم، اليوم العالم الغربي يترنَّح، لم يعُد كما كان بأنه يطرح قيَم، القيَم موجودة لكنها أصبحت حبيسة الكتُب، اليوم العالم الغربي يشعُر أنه إذا عاد الإسلام إلى الواجهة، وتمثَّل الناس حقّاً قيَم الإسلام، بحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفُرص، فأين هُم؟ لم يعُد لهم دور. |
| فصراعهم معنا صراع عقدي بالدرجة الأولى، الآن حدِّثني عن الاقتصاد أقول لك نعم، السودان اليوم ما يجري فيه سببٌ رئيسي فيه الاقتصاد، فيتآمروا عليه في الداخل والخارج، وأدوات الاستعمار الحديث، يتآمرون عليه لأنه يعوم على بحرٍ من النفط، وهو لا يُسمَح له باستخراج إلا جزء من نفطه، والباقي يُترك نفوذاً للدول العُظمى، فتقول لي الحرب اقتصادية، نعم، جيوسياسية موقعنا الجغرافي، نعم، لكن أصل المشكلة هي حرب عقدية، لأنَّ الإسلام إذا قامت قائمته ليس كأفراد، كأفراد الحمد لله لن يخبو نور الإسلام، لكن إن قامت قائمته كنموذج صالح للحكم والحياة البشرية، ولنشر العدل والخير في الناس، فإن عيون الناس ستتعلق به، لأنهم مشتاقون لهذه نافذة الأمل، بعد أن خابت مساعيهم في المُعسكر الغربي، فالآن وجودنا يُلغيهم، فالحرب حربٌ وجودية، فليس لنا إلا أن نَثبُت أكثر، ونُرابط أكثر، وأن نبقى على هذا الثغر العظيم، حتى نلقى الله تعالى إن شاء الله وهو راضٍّ عنّا. |
السؤال السادس:
الوكالة في عقود النكاح جائزة:
هل يجوز للوالد عقد قران ابنه عن طريق الوكالة؟ هناك من يقول أنه بهذه الحالة يصبح العقد عليه؟
| لا غير صحيح، الوكالة في العقود جائزة، وفي النكاح جائزة، وبالمناسبة الوالد لا داعي أن يوكِّل هو، الخاطِب يوكِّل لأنَّ الخاطب يعقِد لنفسه، الوالد الذي يوكِّل هو والد الفتاة، يعني والد العروس الأنثى هو الذي يوكِّل، فعندما يتم العقد يقول إذا كان موكَّلاً: زوُّجتُك فلانة بالوكالة عن وليّها فُلان، والعاقد الشاب إن كان وكَّل خاله مثلاً أو صديقه، فيقول: قبلت هذا الزواج بالوكالة عن صديقي فُلان، فالوكالة في العقود الشرعية وفي النكاح جائزة إن شاء الله وليس هناك مشكلة، وكما قلت الذي يوكِّل هو العاقد مباشرةً وليس الأب، لأنَّ الأب هو الذي يعقِد. |
السؤال السابع:
معنى عقيدة الولاء والبراء:
إذا تكرمتم نحن بحاجةٍ إلى كلمةٍ تذكيريةٍ توضيحيةٍ قصيرة في عقيدة الولاء والبراء، وهل تأييد النظام السابق وعدم دعم الحكومة الجديدة هو مخالفةٌ من مخالفات عقيدة الولاء والبراء؟
| الولاء والبراء كما قلت على المنبر: كل الناس يوالون ويتبرأون، يعني لا نستحي بديننا، كل الناس يوالون ويتبرأون، يعني عنده مجموعة من الأشخاص في العمل يواليهم، ومجموعةٌ أُخرى يتبرأ منهم، فهي أخذٌ وترك، هذه طبيعة الحياة، يعني يتَّبِع شيئاً ويترك شيئاً هذا هو الولاء والبراء، الولاء والبراء ليس حرباً على الآخرين، لكنه اعتزازٌ بالهوية، انتماءٌ للدين، أنا عندما أتبرأ منه لا يعني أنني سأُحاربه. |
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190)(سورة البقرة)
| وليس الذين يخالفونكم في العقيدة، فأنا لن أُحاربه، ولن أُؤذيه، وفي أمور الدنيا قد يكون بيني وبينه بيعٌ وشراء، وربما يكون جاراً لي فأُهنئه بمولودٍ جديدٍ جاءه، أو حاز شهادةً فأُهنئه، هذه طبيعة المجتمع المسلم: |
لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8)(سورة الممتحنة)
| لكن الولاء والبراء بمعنى أنني منفصلٌ فكرياً، أنا مسلم، أنا لا أندمج بمجتمعٍ غير مسلمٍ، لا أُقيم سهرةً معهم من باب الحميمية أبداً، هذا هو الولاء والبراء. |
| الآن هل تأييد النظام السابق يقدح بعقيدة الولاء والبراء؟ قطعاً يقدح، النظام السابق نظامٌ مجرمٌ أتى بشُذَّاذ الآفاق إلى بلادنا لينشر فيها العقائد الفاسدة، اعتقل النساء، اعتقل الأطفال، اعتقل الرجال، عذَّب في السجون، مقابر جماعية، فإن لم يكن البراء منه عقيدةً فأين العقيدة إذاً؟ وأين البراء؟ فالتبرؤ منه واجب، أنا لا أتحدث عن بعض الكلمات التي صدرت هنا أو هناك، من أُناسٍ أُجبروا على شيءٍ لم يكونوا يريدونه. |
مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(106)(سورة النحل)
| لكن أتحدث عن مَن تبرع بأكثر مما طُلب منه بعشرات، بل بمئات المرات ليُبرر للنظام إجرامه، وليقف في صفه، وليُحيي لجيشه الذي يقتل في الناس، هذا طبعاً يقدح في البراء. |
| الآن هل نوالي الحكومة الجديدة؟ نحن نوالي المنهج، ما عندنا لا حكومة جديدة ولا قديمة، نحن نوالي المنهج، فنحن معهم ماداموا على الحقّ، نحن معهم ما داموا يُقيمون شرع الله تعالى فينا، نعم نواليهم إن أقاموا شرع الله. |
| وبالمناسبة الولاء ليس دائماً هو التصفيق على كل شيء، لا، الولاء قد يكون أن أنصحه، أنا ولائي لأخي المؤمن إذا أخطأ أن أنصحه. |
{ انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ. }
(أخرجه البخاري والترمذي وأحمد)
| انصر حكومتك ظالمةً أو مظلومةً، كيف ننصرها وهي ظالمة؟! قال: نأخذ على يدها، نقول: هذا لا يجوز شرعاً، طبعاً بالوسائل الشرعية والوسائل المتاحة، وضمن الوسائل القانونية، لكن النصرة والولاء يقتضي النُصح عند وجود خللٍ أو خطأ، وليس تصفيقاً دائماً. |
| نحن اليوم عندنا معاناة من صنفين في بلدنا، الصنف الأول الذي يؤيد بالمُطلَق، وكأن الحكومة لا تُخطئ أبداً، وهي ما قالت ذلك، يعني هي لم تدَّعِ أنها لا تُخطئ، هُم قالوا نحن نُخطئ ونُصيب فوجهونا، هكذا يقولون جزاهم الله خيراً، والصنف الثاني هو الذي ينتقد كل شيء، لا يُعجبه شيء، هذا مُخطئٌ وهذا مُخطئ. |
| الولاء يقتضي أن ننصح، وأن نشدّ على أيديهم، وأن نأخذ على أيديهم في الأمرين، عند الإحسان نشدُّ معهم، وعند الإساءة نأخذ على أيديهم من أننا ننصح لهم، لكن الآن في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها بلدنا، نعم أنا أقول إنَّ الموقف الرئيسي للمسلم في هذه اللحظة التاريخية، في حياة بلدنا وفي المرحلة الانتقالية، أن نقف جميعاً صفاً واحداً، حكومةً وشعباً كلنا مع بعض في مواجهة أي خطرٍ خارجي، لكن ضمن البيت الداخلي نتناصح، نُعينهم على الشيطان ولا نُعين الشيطان عليهم بكثرة المديح، هذا هو الولاء والبراء والله أعلم. |
السؤال الثامن:
الكرامة تكون لعباد الله الأتقياء المؤمنين:
ذكرت في الخطبة أنَّ الكرامة تكون لعباد الله الأتقياء المؤمنين، ولكن أصبحت الكرامات الحديثة تسجل لنا مواقف مع غير المؤمنين كنجاة من الموت المحتوم، أو حوادث غريبة وهي مع غير المؤمنين فما قولك؟
| هذا السؤال يبدو على الخُطبة الماضية، نعم أنا ذكرت في الخُطبة الماضية أنَّ الكرامة إذا جاءت مع مؤمن، فإنها تكون كرامةً وإكراماً من الله تعالى لعبده، لكن إذا جرت على يد كافرٍ، أو فاسقٍ، أو عاصٍ معاصي كبيرةٍ وواقعٍ في المعصية، هذه لا تُسمّى كرامةً وإنما تُسمّى استدراج. |
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)(سورة الأنعام)
| يستدرجهم الله، قال: (حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ). |
| والله تعالى يقول وذكرتها على المنبر: |
كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا(20)(سورة الإسراء)
| ولمّا قال إبراهيم عليه السلام لربّه: |
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(126)(سورة البقرة)
| فالله تعالى لا يتوقف عطاءه على المؤمن، وقد يجري أحياناً على يد غير المؤمن مما يظنه الناس عطاءً، فهل أكرم الله قارون عندما أعطاه؟! |
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)(سورة القصص)
| أم أذلَّه؟ أذلَّه، لكنه أكرم سيدنا عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف عندما أعطاهم الدنيا، فالدنيا ليست مقياساً تُعطى للجميع، لذلك أكّدنا على أنَّ الولاية أولياء الله هُم: |
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)(سورة يونس)
| الموضوع ليس خوارق عادات، الموضوع آمَن واتقى الله، إذا آمَن واتقى الله فهو وليُّ الله، الآن إذا أكرمه الله بشيءٍ فهي كرامة، لم يكرمه الله بشيء لا يقدح ذلك في أنه وليٌّ لله تعالى، الآخر الغير المؤمن أو غير المُتَّقي ليس وليّاً لله تعالى، ولو طار في الهواء، ولو مشى على سطح الماء، والله أعلم. |
السؤال التاسع:
إذا استخرت فاستخِر نفسك وإذا استعنت فاستعِن بالله:
هل يجوز طلب الاستخارة من شيخة زوجتي أو من صديقاتها المُقربات والاعتماد عليهنّ عوضاً عنّا؟
| لن أقول إنَّ ذلك حرام بمعنى الحرام أنه يأثَم من يفعله، لكن نحن في الأصل يجب أن نتَّبِع ما جاء في النصوص الصحيحة، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا دائماً ما يُصلحنا، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: إذَا هَمَّ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي به، ويُسَمِّي حَاجَتَهُ }
(صحيح البخاري)
| يقول له افعل أنت، ما قال اذهب إلى الرجُل الصالح، إلى الشيخ، إلى الشيخة، وقُل له: استخِر الله لي، والأمر الآخر عندما يأتيني أخ ويقول: استخِر الله لي، حسناً أنا كيف سأخبرك بالنتيجة؟ فيقول: عندما ترى مناماً أخبرني، وإذا لم أرَ مناماً ماذا أفعل؟ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يربط الاستخارة بالمنام. |
| يعني مثلاً أنا مُقِل جداً بالمنامات، لا أرى منامات، كيف سآخُذ نتيجة الاستخارة؟ نتيجة الاستخارة يا كرام، هو أنت عندما تُصلّي ينشرح صدرك للأمر وتجد أنَّ الله يسَّره لك هذه النتيجة، أو تجد أنَّ الله تعالى صرفه عنك هذه هي النتيجة، عندها ترضى لأنك استخرت الله مهما كانت النتائج، تقول: أنا استخرت ربنا بشراء هذا البيت واشتريته، الآن وجِدَ فيه عطل، قال لي الناس: أنَّ سعره أرخص، والله أنا استخرت ربّنا واشتريت بعد الاستخارة والاستشارة، اتخذت الأسباب ثم صلّيت، فأنا مُرتاح لأني وضعت الأمر عند الله تعالى، فهذه نتيجة الاستخارة، أمّا عندما تطلب من أحدٍ أن يستخير الله لك، فكيف سيُعطيك النتيجة؟ فالأصل أنَّ الإنسان هو الذي يُصلّي صلاة الاستخارة، وهو الذي ينتظر تيسير الأمر أو تعسيره والله أعلم. |

