• الحلقة الثالثة والعشرون
  • 2022-04-24
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

سورة العاديات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.


الله تعالى عظيم لا يُقسم إلا بشيءٍ يستدعي الانتباه ويلفت النظر:
في ثنايا كتاب الله تعالى سورةٌ من قِصار السور من الجزء الثلاثين من القرآن الكريم تتحدث عن علاقة الإنسان بخالقه؛ هذه السورة هي سورة العاديات تبدأ بِقَسَم، والله تعالى إذا أقسم بشيءٍ فإنما ليلفت انتباهنا إلى أهمية وعَظمة المُقسَم به حتى ننتبه.
عندما يقول الله تعالى: والشمس، أي انتبهوا إلى عَظمة الشمس، فالعظيم لا يُقسم إلا بشيءٍ يستدعي الانتباه ويلفت النظر، هنا يقسم الله تعالى بالعاديات:

والْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
[ سورة العاديات]

العاديات هي الخيل
ما العاديات؟ العاديات هي الخيل، والخيل معقودٌ بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، العاديات هي الخيل تعدو، تركض.
ضبحاً تُصدر صوتاً يسمى صوت الضبح؛ صوتها عندما تركض من شدة الركض تُصدر صوتاً هذا الصوت يسمى لغةً الضبح.

والْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
[ سورة العاديات]

هذه الخيول تركض وتسعى، ومن شدة ركضها تصدر صوتاً يُشبه اللهاث، ضبح.

فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
[ سورة العاديات]

لشدة عَدوها وركضها تصطك سنابكها بالحجارة فتقدح شرراً، ناراً، من شدة العَدو.

فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
[ سورة العاديات]

تُغير على الأعداء عند الصباح، يطلع الصباح وهي في أرض المعركة قد أغارت على العدو:

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
[ سورة العاديات]

لشدة عدوها تُثير الغبار في أرض المعركة، تثير النقع.

فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
[ سورة العاديات]

تنزل الخيل في وسط الجموع تجالد عن صاحبها، وتُدافع عن أرضه، وعن كرامته، هذه الصورة الرائعة جداً التي يُقسِم الله تعالى بها يعرفها العربي تماماً فهو ابن الصحراء يراها بعينه، ربما نحن اليوم بسبب وسائل القتال الحديثة لم نَعُد نرى هذا المشهد العظيم الرائع لكن العربي يعرف ذلك تماماً.

على الإنسان أن يؤدي المهمة التي خلق من أجلها:

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
[ سورة العاديات]

ما جواب القَسَم؟ هنا موطن الشاهد جواب القسم:

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
[ سورة العاديات]

الكنود يُعدد المصائب وينسى النِعَم
ما معنى كنود؟ قليل الوفاء، ليس وفياً لربه؛ الكنود كما قالوا يُعدد المصائب وينسى النِعَم، الكنود يقول لك: أصابني المرض، وأصابني الفقر، وأنا لا أملك شيئاً من الدنيا، وأنا عندي مشكلات، وعندي مشكلة مع زوجتي، ومع أهل بيتي، يَعدُّ مصائبه ثم ينسى نِعَم الله تعالى عليه، وهذه مصيبة المصائب أن يكون الإنسان كنوداً، أي شديد النُكّران لجميل ربه، ولنِعَم ربه عليه، ما علاقة المُقسَم به بجواب القَسَم؟ انظر إلى الخيل العجماء التي لا تَنطِق، الخيل التي تسير وفق غريزتها، التي تسير وفق ما خلقها الله تعالى عليه، انظر إلى وفائها لصاحبها، ما الذي يدفعها أن تعدو كل هذا العَدو حتى تُصدر الضبح؟ ما الذي يدفعها أن تُوري القدح؟ ما الذي يدفعها أن تُغير صُبحاً على الأعداء؟ ما الذي يدفعها أن تُثير الغبار في أرض المعركة؟ ما الذي يدفعها أن تُعرِّض نفسها لخطرٍ مُحدقٍ عندما تتوسط الجموع ويمكن أن يُصيبها سهمٌ فيُردي بها؟ ما الذي دفعها إلى كل ذلك وهي ليس لها في الحرب ناقةٌ ولا جمل؟ ما الذي دفعها إلى ذلك؟! دفعها لكل ذلك وفاؤها لصاحبها، وقد جَبَلها الله تعالى على ذلك، وسخرها لذلك، فقامت بالدور الذي سُخرت لأجله.
أما أنت أيها الإنسان فإن كنت كنوداً لربك، ولم تتشبه للخيل التي تجلس فوقها، فإن الخيل خيرٌ منك عند الله تعالى:

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
[ سورة الفرقان]

لماذا؟ لأنك مكلَّف وهي غير مُكلَّفة، هي وكلت بمهمةٍ فأدتها كما سخرها الله تعالى أدتها على الوجه المطلوب، أراد الله تعالى من بعض الأنعام أن تأكل لحمها فقدّمت لحمها لك، وأراد منها أن تُذلل لك فذللت لك، وهي أضخم منك حجماً ولكنها بإشارةٍ منك تنزل إلى الأرض لتركب عليها لأنها مُذللة، فأدت الدور الذي خُلقت لأجله، أما أنت أيُها الشارد عن الله عز وجل فعندما تُكلَّف ولا تُؤدي ما كُلِّفت به، ويُطلَب منك فتأتي بِخلاف ما طُلِب منك، وتُنهى عن شيءٍ فتأتيه وهو ضررٌ لك، فعندها تكون الخيل والأنعام خيراً منك عند الله تعالى فقد أدت المُهمة التي خُلقت من أجلها، وأنت البعيد عن الله لم تؤد المهمة التي خُلقت لأجلها.
أما أنتم أيها المتابعون الكرام؛ وأيها المؤمنون الأفاضل؛ فبإيمانكم بالله تعالى، وبوفائكم لخالقكم، وبأنكم تنسون المصائب، وتُعددون النعم، تصبرون على المُصيبة، وتشكرون على النعمة، فتكونون بذلك إن شاء الله أفضل عند الله من كل ما خلق، ومن كل ما برأ، لأن الإنسان إن سَما بعقله على شهوته كان فوق الملائكة، وإن َسما بشهوته على عقله كان والعياذ بالله دون الحيوان.

سورة العاديات تعطي صورةً للوفا:
صورة وفاء الخيل لصاحبها
أيها الكرام؛ هذه السورة سورة العاديات تعطي صورةً للوفاء عزَّ نظيرُها، وقلَّ مثيلُها، وهي صورة وفاء الخيل لصاحبها، وتضحيتها بنفسها من أجل نجاته، ودخولها في حربٍ من أجله، ثم يأتي الجواب:

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
[ سورة العاديات]

عندما لا يكون وفياً مع صاحبه في أقل الأحوال كما كانت الخيل وفيةً معه:

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
[ سورة العاديات]

الخير هنا هو المال، هو شديد الحُب للمال، وأحياناً قد يأخذه من الحرام والعياذ بالله:

وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
[ سورة العاديات]

سنقف جميعاً بين يدي الله تعالى، سيُبعثر الله تعالى ما في القبور، وسنخرُج من الأجداث سِراعاً إلى ربنا لنقف بين يديه، ويسألنا عن كل عملٍ عملناه:

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
[ سورة الصافات]

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
[ سورة الحجر]

وهناك عند الموقف بين يدي الله لن نجد إلا رضا الله، وعملاً صالحاً قدّمناه ابتغاء رضوانه جلَّ جلاله:

أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
[ سورة العاديات]

سيخرج ما أسررناه في صدورنا وسيُعرض أمام الله تعالى:

إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
[ سورة العاديات]

فهو جلَّ جلاله عليمٌ خبير، يعلم السرَّ وأخفى، فلنكن جميعاً أوفياء لربنا الذي خلقنا، ولنبتعد عن عدِّ المصائب ونسيان النعم.
إلى المُلتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته