الإنصاف
الإنصاف
مقدمة :
ارْضَ لِلنَّاسِ جَمِيعاً مِثْلَ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكْ إِنَّمَا النَّاسُ جَمِيعًا كُلُّهُـــــــــمْ أَبْنَاءُ جِنْسِكْ فلهم نفس كنفسك ولهـــــــــم حس كحسك{ الفقيه أبو سليمان الخطابي }
الإنصاف درة من درر الشريعة السمحاء ، نلتقطها من بحر الشريعة الزاخر ، ونفهم معانيها في ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالح ، الإنصاف أن تتمنى لغيرك من الخير مثلما تتمناه لنفسك ، ويكون الإنصاف في الأقوال والأفعال ، وفي الرضا وفي الغضب ، مع من نحب ومع من لا نحب : |
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ سورة المائدة: 8]
فهلموا بنا إلى بستان الإنصاف .... بسم الله ، الرحمن علم القرآن ، خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على النبي العدنان وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ، أخوتي المشاهدين أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات ، برنامجكم درر هذا هو عنوانه ، لأنه يلتقط في كل حلقة من حلقاته درة من درر الشريعة ، ومن أخلاق الإسلام الراقية ، ليتناولها بالبحث من خلال كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالح . |
الأستاذ بلال :
اسمحوا لي في بداية هذا البرنامج أن أرحب بضيفنا الدائم فيه فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي . |
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم . |
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم قبل أن نبدأ بدرة اليوم وهي الإنصاف نريد مقدمة عن موقع الأخلاق في الإسلام ، لأن البرنامج يدور حول الأخلاق . |
موقع الأخلاق في الإسلام :
الدكتور راتب :
من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان
والنبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم هو المخلوق الأول عند الله ، النبي الكريم ، هذا النبي الكريم له خصائص كثيرة ، متعلقة بدعوته ، أكرمه الله بها ، إلا أن الله عز وجل حينما مدحه مدحه بخلقه العظيم قال تعالى : |
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ سورة القلم : 4]
فالخصائص التي يتمتع بها النبي الكريم من أجل دعوته هي من الله عز وجل ، أما الذي منه ، الذي يمكن أن يقيّم من خلاله فخلقه العظيم ، فقال تعالى : |
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ سورة القلم : 4]
الذي ينتفع منه الناس الأخلاق
|
وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ[سورة آل عمران:159]
الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم
|
الأستاذ بلال :
بارك الله بك أستاذنا الكريم ؛ لو بدأنا بدرة اليوم وهي الإنصاف ، والإمام مالك وهو من أبناء القرن السادس الهجري كان يقول : " ليس هناك شيء أقل من الإنصاف في زماننا ". والإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء كان عندما يترجم كثيراً ما يكرر عبارة : " ولكن الإنصاف عزيز " . وكأن الإنصاف درة تستحق أن نبدأ بها هذا اللقاء أو هذا البرنامج . |
الفرق بين الإنسان الأخلاقي و العنصري :
الدكتور راتب :
الناس رجلان إما إنسان إنساني أو إنسان عنصري
فمبدئياً يمكن أن نقسم بني البشر في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة وفق هذا المقياس ، فحينما يتصور الإنسان أن له ما ليس لغيره ، وأن على غيره ما ليس عليه فهو عنصري ، مثلاً لو أن إنساناً أمضى سهرة بأكملها في السخرية من أم زوجته ، وهي صامتة ، وفي اليوم التالي تكلمت كلمة عن أمه فلم يقبل فهذا الزوج عنصري ، لم يقبل كلمة عن أمه وأمضى سهرة بأكملها عن أم زوجته هذا عنصري ، ولأن دولة واحدة من خمس دول إذا قالت : لا ، ألغي القرار الإنساني في مجلس الأمن ، ألغي القرار كلياً لاعتراض دولة واحدة ، فهذا أيضاً موقف عنصري |
ما دامت العنصرية قائمة فالحروب لن تقف
|
الأستاذ بلال :
بارك الله بكم أستاذنا الكريم ، لو انتقلنا إلى محور ثان لنؤصل شرعياً بقضية الإنصاف والله تعالى يقول : |
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ سورة المائدة: 8]
وفي تاريخنا صور للعدالة حتى مع الأعداء ، وفي الإنصاف حتى مع الخصم ، كيف نفسر ذلك ؟ |
من يملك مقياساً واحداً له و لغيره فهو إنساني و طريقه صحيح :
الدكتور راتب :
أنت إنساني مادمت تعامل الغير ونفسك بذات المقياس
|
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم هنا نذكر قصة عبد الله بن رواحة يوم أرسله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر . |
العدل مع الطرف الآخر يقربه من الله :
الدكتور راتب :
النبي صلى الله عليه وسلم من خلال اتفاق بينه وبين قريش أرسله لتقييم تمر خيبر ، فقال لليهود : " جئتكم من عند أحبّ الخلق إلي ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم ، فقالت اليهود : بهذا قامت السموات والأرض ، وبهذا غلبتمونا ". لذلك الآية تقول : |
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ
أي لا يحملنكم : |
شَنَآنُ قَوْمٍ
أي بغض قوم : |
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ سورة المائدة: 8]
قال بعض علماء التفسير : |
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
عندما تعدل مع الآخرين تقربهم من الله
|
الأستاذ بلال :
سيدي المحور الأخير من هذا اللقاء أريد أن أعرض لأمر وهو أن كثيراً من الناس يعرفون منك أشياء كثيرة محمودة وجيدة ، فإذا أخطأت خطأً بحقهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لحاطب : إنه شهد بدراً ، كيف نوجه هؤلاء إلى وجوب الإنصاف في الغضب و في الرضا ؟ |
الموضوعية قيمة أخلاقيّة و علميّة :
الدكتور راتب :
الموضوعية هي إعطاء الشيء حجمه الحقيقي
|
الأستاذ بلال :
سيدي الفاضل الإنصاف يكون في كل مكان بدءاً من البيت ، كيف يكون الرجل منصفاً في بيته مع أولاده ؟ |
إنصاف الأب في بيته مع أولاده :
الدكتور راتب :
بالموضوعية تنتهي أكبر مشاكل البيوت والأسر
أما حينما يكون الزوج موضوعياً فإذا خاطب زوجته وذكرته بخطأ ارتكبه وقال : معك حق وإن شاء الله هذا لن يعاد ، فهذا موقف أخلاقي ، موقف فيه تواضع ، فلذلك ممكن أن تنتهي أكبر مشكلة ضمن البيت بالموضوعية ، إذا أنت فعلاً أخطأت فقلت : أنا أخطأت ، تنعدم المشاكل ، أما هذا الإصرار على الخطأ ، وعدم السماح بالمعارضة ، أنا أقول رأيي الشخصي : الذي يسمح للمعارضة أن تنال منه هو الذكي والعاقل ، والذي يكتم أفواه المعارضة في أي مستوى ، من أقل مستوى في بيت وأعلى مستوى في البلاد الذي يلغي المعارضة يلغى هو قبلها ، والذي يقبلها يرقى . أولادي لهم فضل عليّ ومنة ، فالذي يبحث عن أخطائك هذا يخدمك ، والذي يمدحك بمناسبة وبغير مناسبة هذا يضحك عليك . |
الأستاذ بلال :
والإنصاف في البيت مع الأولاد ، هل هناك إنصاف مع الأولاد ؟ |
الدكتور راتب :
العدل بين الأولاد مطلوب وواجب
أنا أرى أن الإنسان يحاسب في معاملته لأولاده حتى على مستوى القبلة ، تقبّل أحدهم وتهمل الآخر كنت ظالماً ، فما لم نقم بالعدل أقول التام ، المطلق صعب ، المطلق يشمل ميل القلب ، الله طالبنا بالعدل التام لا بالعدل المطلق ، فما لم أعامل أولادي بالتساوي بالهدايا ، بالمكافآت ، بالألبسة ، بكل شيء ، ما لم أعامل الذي عنده أكثر من زوجة بالعدل التام هناك مشكلة كبيرة ، لذلك كراهية الزوجة الثانية أتت من عدم العدل . |
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم أختم بكلمة عن الإنصاف تدعون فيها الأخوة المشاهدين إلى الالتزام بالإنصاف في كل تعاملاتهم . |
الالتزام بالإنصاف في كل التعاملات :
الدكتور راتب :
والله أنت بالإنصاف ملك ، بالإنصاف القرار بيدك ، بالإنصاف محمود ، بالإنصاف محترم ، بالإنصاف متألق ، بالإنصاف عادل ، بالإنصاف كلمتك نافذة ، إذا انعدم الإنصاف هناك مشكلة ، وقد تبدأ صغيرة وتتفاقم . |
خاتمة و توديع :
الأستاذ بلال :
بارك الله بكم ، وشكر الله لكم ، ونفعنا بما سمعنا ، وألهمنا تطبيق الإنصاف في حياتنا ، وجزاكم الله خيراً ، وأنتم أخوتي المشاهدين لم يبق لي في ختام هذه الحلقة الطيبة المباركة من برنامجكم درر إلا أن أشكر لكم حسن متابعتكم ، راجي الله لكم دوام الصحة والعافية ، وحتى نلتقيكم في لقاء آخر أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتم أعمالكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . |