فقه الصيام الواجبات والمفطرات

  • لقاء مع رابطة حملات الحج السورية
  • 2022-04-02

فقه الصيام الواجبات والمفطرات


مقدمة:
الدكتور حسن:
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا وحبيبنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، إنك إن شئت جعلت الحزن سهلاً سهلاً برحمتك يا رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في محكم التنزيل الذي قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
[ سورة البقرة]

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، الذي قال:

{ عن قال: سمعتُ معاويةَ يَخطُب قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ' مَن يُرِدِ الله بهِ خيراً يُفَقِّههُ في الدِّين، وإِنما أَنا قَاسِم، ويُعطي الله، وَلَن يَزَالَ أَمْرُ هذه الأمة مُستقيما حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَحتَّى يَأْتِيَ أمرُ الله }

[أخرجه البخاري ومسلم]

ما أجمل هذه المواقف! وهذه اللقاءات التي ندخل بها على قلوب أهل العلم والفقهاء والعلماء، لنقتبس من علمهم، وفقههم، وآدابهم، وأخلاقهم، وسلوكهم الذي يوصلنا إلى طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي سلكه إلى ربه سبحانه وتعالى حتى نال شرف قول الله عز وجل:

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
[ سورة القلم ]

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أخواني وأخواتي، يا من تتابعون صفحة: رابطة حملات الحج السورية، هؤلاء الأخوة الذين يرحبون بكم في رابطة حملات الحج السورية الذين يقومون على خدمة ضيوف الرحمن في مكة والمدينة، والذين يسهرون على إقامة شعائر الله بتمامها وكمالها كما قال تعالى:

ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
[ سورة الحج ]

وها نحن اليوم مع شعيرة وفريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى، التي فرضها على عباده من أمة الإسلام والمسلمين في الكتاب الحكيم بقوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
[ سورة البقرة ]

من هنا أيها السادة نأتي وإياكم إلى هذه المحطة الربانية، هذه المحطة الإيمانية العلمية التربوية الفقهية، التي يخرج المسلم من خلالها مزكى النفس، طاهر القلب، مزكى اللسان طاهر العين، طاهر السمع، طاهر السلوك، مقبلاً على الله سبحانه وتعالى بكليته.
مع هذه المحطة الإيمانية، ومع هذا اللقاء العلمي الفقهي الكريم، حيث نلتقي مرة أخرى في هذا العام الجديد، ورمضان جديد مع عالم من علماء هذه الأمة، ومع فقيه جليل فضيلة الدكتور الشيخ بلال نور الدين حفظه الله سبحانه وتعالى، مدير مكتب فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في الإعجاز القرآني وأصول الفقه.
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم فضيلة الدكتور.

الدكتور بلال:
أهلاً وسهلاً فضيلة الدكتور حسن، عوداً حميداً ومباركاً، ولقاءً طيباً إن شاء الله بكم، وبالإخوة الكرام في الرابطة الكريمة، وبجميع من يتابعنا عبر وسائل التواصل كل عام وأنتم الخير، ولمن حولكم إن شاء الله.

الدكتور حسن:
وأنتم بألف خير فضيلة الدكتور، وحفظكم الله عز وجل، وشكراً لتلبيتكم لدعوتنا ومشاركتنا، وأنتم دائماً سباقون للخير، وللدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، منكم نستفيد، ومنكم ننتفع، ونتربى في نعيم مجالسكم الكريمة الطيبة بالتزكية والعلم والأخلاق الحميدة.
فضيلة الدكتور؛ حفظكم الله سبحانه وتعالى، نحن نتمنى أن يصل صوتنا وصوتكم إلى أصقاع الدنيا لإخواننا وأخواتنا من أبناء الأمة الإسلامية التي وزعتهم أقدارهم إلى أوروبا وأمريكا، وإلى باقي الدول إلى أن يستمعوا لكلامكم، وعلمكم، وفقهكم لينتفعوا به بإذن الله عز وجل.
بداية فضيلة الدكتور؛ ربنا سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهو خطاب للأمة الإسلامية المؤمنة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أين هي الفريضة؟ وأين كانت؟ ومتى كانت؟ ولمن توجه بالخطاب ربنا سبحانه وتعالى؟ وما هو المقصد من هذه الفريضة؟

المخففات الخمس في آية الصيام:
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
خطاب الله تعالى موجه للمؤمنين
أخي الحبيب؛ أخواني الأكارم: الله تعالى فرض الصيام بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) وفي هذه الآيات وعلى وجه السرعة خمسةُ مخففات، فالله تعالى بدأ بالمخفف الأول حينما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فالخطاب موجه إلى المؤمنين، فمن يؤمن بالله تعالى، وبوجوده، وبوحدانيته، وبكماله، وبعظمته، وبأنه جلّ جلاله لا يشرع لعباده إلا ما فيه خيرهم، ومصلحتهم الحقيقية فإنه يبادر إلى أي أمر يأتي بعد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهذا النداء يذكرنا بالعقد الإيماني الذي بيننا وبين ربنا جلّ جلاله.
ولله المثل الأعلى؛ لو أنك قلت في جمعية خيرية: يا أيها المؤسسون للجمعية، كأنك تذكرهم بأنهم كانوا حجر الأساس في هذه الجمعية، يا أيها المؤسسون للجمعية! بادروا إلى التبرع لها، فأنت تذكرهم من أجل أن تشجعهم على المبادرة.
الله تعالى يذكرنا بأن بيني وبينكم عقداً إيمانياً، منكم الطاعة، ومني جنة عرضها السماوات والأرض، فهل استمعتم إلى أمري ونهيي؟ لبيك يا رب (كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
الصيام شريعة ماضية في الأمم السابقة
المخفف الثاني: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فالصيام شريعة ماضية في كل الأمم السابقة التي نزلت فيها شرائع سماوية، ولستم بدعاً من الأمم.
ولله المثل الأعلى كما لو أن مدرساً دخل إلى صف فأوجب على التلاميذ واجباً ربما يكون طويلاً لشيء ما فتذمر بعض الطلاب، فقال المدرس: هذا الواجب لكل الشعب فرضته على الجميع، والجميع قد التزموا به.
قال: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فهذه شريعة ماضية في كل أمة.
وأما المخفف الأعظم فهو الثالث؛ والذي سألت عنه أخي الحبيب: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فبيّن لهم أن هذا الصيام ليس من أجلي، وإنما من أجلكم، هو لتحقيق التقوى، فيوم تصل قبل الغروب إلى جوعك الاختياري لا الاضطراري، نحن نجوع في نهار رمضان اختياراً لا اضطراراً، لكن لما نشعر بهذا الجوع الاختياري، يذكرنا بمن جاعوا اضطراراً فنتقي الله تعالى في أن نعصيه في نعمه التي وهبنا إياها، ونتقي الله تعالى في أن نترك الفقراء دون أن نعطيهم مما أعطانا الله تعالى من مال الله، ونتقي الله تعالى أن نعصيه وهو الذي نحتاجه في كل شيء، فقبل الغروب نحن مفتقرون إلى شربة الماء، وإلى لقمة الطعام، فنشعر بضعفنا فنتقي الله.

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
[ سورة العلق]

متى يطغى الإنسان ويبغي في الأرض؟ عندما يجد نفسه مستغنياً عن طاعة الله وهو ليس كذلك، أو يجد نفسه مستغنياً عن الله، وهو في كل لحظة مفتقر في كل شيء إلى الله تعالى، فلا يقوم شيء إلا به، يشعر بهذا المعنى عندما يصوم، ويشعر بأنه ضعيف، يفتقر إلى شربة ماء، فيتقي الله ويخافه.
إذاً الصيام من أجلكم، حتى تسعدوا بقربي، وتسعدوا بافتقاركم إليّ، فأنتم خلقتم للجنة، ولن يسعدكم إلا ما يقربكم من ربكم ومن الجنة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، المخفف الثالث، فهو مقصد الصيام، وثمرة الصيام، فكل العبادات في شريعة الإسلام معللة بمصالح الخلق، فالصلاة من أجل أن تنهاك عن الفحشاء والمنكر، والزكاة من أجل أن تطهرك، وتطهر مالك، ومن أجل أن تزكيك، وينمو مالك.

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
[ سورة التوبة]

والحج من أجل أن تعلم أن الله يعلم.

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
[ سورة المائدة]

والصيام من أجل أن تصل إلى التقوى فتخاف الله تعالى وتتقي أن تعصيه لأنك تشعر بضعفك بين يديه جلّ جلاله، المخفف الثالث هو الثمرة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
أما المخفف الرابع ففي قوله تعالى: (أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) فجعل الصيام تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً من ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوماً، فهو جزء من اثني عشر جزءاً، وليس أكثر من ذلك، والباقي نفل، أما الفرض فهو شهر من اثني عشر شهراً (أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) مخفف عليكم.
ثم قال في المخفف الخامس والأخير: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فأسقط الصيام عن أصحاب الأعذار الذين ربما نذكرهم إن شاء الله في وقت لاحق من هذا اللقاء الطيب.
لعلي من خلال هذه الآية الكريمة، وما فيها من مخففات أجملت لك أخي الدكتور حسن جزاك الله خيراً ما سألت عنه، الفريضة هي الصيام، وفرضت على كل الأمم السابقة من أهل الشرائع السماوية، وثمرتها التقوى، وخفف الله تعالى عليها فينا فله الحمد والمنة والفضل.

الدكتور حسن:
جزاكم الله كل خير فضيلة الدكتور، حفظكم الله سبحانه وتعالى.
بداية سيدي بعدما تفضلتم بهذه الكلمات الطيبة، وهذه المخففات الكريمة، قبل أن ندخل ببعض الأحكام، أو فقه الصيام، بالنسبة للصيام، ما له من تزكية للنفس، وترقية للأخلاق والآداب الإنسانية، قالت السيدة أمنا مريم:

فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً (26)
[ سورة مريم]

ماذا وكيف نعيش حالة تزكية للنفس على موائد الصيام في شهر رمضان؟ بارك الله بكم.

التخلية والتحلية:
الدكتور بلال:
بارك الله بكم؛ الله تعالى أقسم في قرآنه الكريم باثني عشر قسماً:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)
[ سورة الشمس]

ثم جاء جواب القسم:

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
[ سورة الشمس]

التخلية ثم التحلية
فجاءت كل هذه الأيمان والأقسام من أجل أن نصل إلى أن الله تعالى يقسم على أنه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) فتزكية النفس بمعنى تخليتها من الشواغل، والمعاصي، والآثام، وتحليتها بالخيرات والبركات، التخلية ثم التحلية، هذا مقصد من مقاصد الصيام كما تفضلت، فالنفس لا يمكن أن تزكو، والأخلاق لا يمكن أن ترقى إلا من خلال الصلة بالله تعالى والشعور بالآخرين، فالصلاة تنمي الصلة بالله تعالى، والصيام ينمي الشعور بالآخرين ممن يصومون كما أسلفت قبل قليل اضطراراً لا اختياراً، لأنهم لا يجدون ما يأكلون، فهذه النفس إذا شبعت دائماً، وحققت مناها دائماً، وحققت غاياتها دائماً في الطعام والشراب والنكاح وغير ذلك من الشهوات المباحة للمؤمن - ونسأل الله السلامة - المنحرف يأتي بها من حلال أو حرام - نسأل الله السلامة- إذا فعلت النفس ذلك، ولم تشعر بالحاجة إلى الله، ولم تشعر بحاجة الناس فإنها لا يمكن أن تتزكى، لكن متى تزكو النفس؟ حينما يخليها الإنسان من المعاصي والآثام، ورمضان يترك الإنسان فيه المباح، المسلم يترك في نهار رمضان ما أباحه الله تعالى له، الطعام والشراب والنكاح مباح خارج نهار رمضان، لكن في نهار رمضان محرم، فيترك ما أباحه الله، فعندها يخجل من أن يأتي بما يغضب الله في كل وقت، وهو قد ترك المباح، فلا يستقيم أن نترك المباح، وأن نأتي المحرم، فتزكو هنا النفس بالتخلية، ثم لما يقف في قيام الليل، ويقرأ القرآن، ويناجي الله في وتره، وفي دعائه، وعند فطره، وعند سحره، يستيقظ في هذه الأوقات المباركة تزكو النفس بالتحلية، تزكو بالتخلية من المعاصي والآثام والشواغل، وتزكو بالتحلية عندما يملؤها بالطاعات والقربات والقيام والصيام إيماناً واحتساباً لوجه الله الكريم.

الدكتور حسن:
جزاكم الله كل خير، بارك الله بكم فضيلة الشيخ.
نبدأ الآن سيدي ببعض المحاور التي نود أن ننتفع من فضيلتكم بأحكام الصيام وفقه الصيام.
الصيام كثيراً ما يذكره الناس، ولكن بعضهم لا يعرف معنى الصيام، ولا يعرف كيف يتحقق الصيام، وهل الصوم لنا وحدنا أم هناك مخلوقات أخرى تتقيد بالصيام بشكل فطري لا بشكل تعبدي؟

الصيام لغة وشرعاً:
الدكتور بلال:
حياكم الله سيدي.
بادئ ذي بدء: الصيام لغة؛ هو الإمساك، أو الامتناع، وكانت العرب تقول: خيلٌ صائمة، إذا رفعت سُنبكاً من سنابكها؛ رجلاً من أرجلها، فهي بذلك امتنعت عن المشي فيقال: خيل صائمة.
فالصيام؛ هو الامتناع (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً) جاء الامتناع هنا عن الكلام هذا في اللغة.
إمساك المسلم العاقل عن جميع المفطرات
أما في الشريعة؛ فالصيام هو إمساك المسلم البالغ العاقل عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مقروناً بالنية من الليل، إمساك المسلم البالغ العاقل عن جميع المفطرات، الطعام، والشراب، والجماع، وغير ذلك مما يلحق بها، ونتكلم عنه لاحقاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع استحضار النية من الليل، مع الخلو من الموانع كالحيض، والنفاس، ونحوه، هذا هو صيام المسلم، هذا هو تعريف الصيام بالنسبة إلى المسلم.
لعل الله تعالى، الإنسان هو المخلوق المكلف، الإنس والجن مكلفون، الملائكة ليست مخلوقات مكلفة، لكنها لا تعصي الله ما أمرها، أجلكم الله الكائنات الأخرى كالحيوانات والنبات غير مكلفة، هذه تمشي بغرائزها، تصوم غريزة، وتفطر غريزة بما يصلحها.

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)

هذا وحي، وحي الغريزة، فالله تعالى الكائنات الأخرى تكفل بها بما يصلحها فليس عندها افعل ولا تفعل، الله يسيرها لمصالحها، أما نحن البشر فقد كرمنا الله تعالى:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)
[ سورة الإسراء]

ومن التكريم أنه يخاطبنا فيقول: افعل ولا تفعل، فالمسلم ينقاد لأمر الله تعالى لأنه يعلم أن مصلحته الحقيقية في تنفيذ أمر الله، فيبادر إليه طوعاً، وأما المنحرف فيقصر في ذلك فيلقى جزاء تقصيره، فهذا هو الصيام لغة، وشرعاً.

الدكتور حسن:
إذاً سيدي؛ الصيام، هناك للصلاة أركان، للحج أركان وواجبات، للزكاة أركان فالصيام هل له أركان يتقيد بها المسلم؟

أركان الصيام:
الدكتور بلال:
أركان الصيام ركنان لا ثالث لهما
كل فريضة لها ركن، والركن؛ هو ما كان داخل حقيقة الشيء المقصود، ولا يقوم الشيء إلا به، الركن؛ ما كان داخل حقيقة الشيء، مثلاً الوضوء للصلاة شرط، لكن الركوع ركن، وكلاهما فرض، الشروط والأركان، الآن الصيام له أركان كالصلاة، أركان الصيام ركنان لا ثالث لهما، النية والامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فلو امتنع دون نية ما صحّ صيامه، ولو نوى ولم يمتنع لا يصح صيامه، فلا بد من أن يحصل ركنان معاً، ينوي الصيام إن كان فريضةً فالنية من الليل، أي قبل الفجر ينبغي أن يُجمع النية على الصيام، سواء كان فرض رمضان، أو فرض كفارة، أو نذراً، فينبغي أن يجمع النية من الليل بخلاف صوم النفل الذي تصح نيته بأي وقت، أو قبل الزوال عند بعض الفقهاء من النهار، صيام الفرض، رمضان، كفارة، نذر، النية من الليل مع الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هما ركنان من أركان الصيام، فإن توفرا اكتمل صومه، وصح صومه فقهاً، فإن كان لله تعالى إيماناً واحتساباً نال أجره العظيم عند الله تعالى.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يضاعَفُ: الحسنةُ عشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضِعْف، قال الله عزَّ وجلَّ: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يَدَع شهوتَهُ وطعامَه من أجْلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فِطْره وفرحة عند لقاءِ ربِّه، ولَخُلُوفُ فيه أطيب عند الله من ريح المسكِ }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك]

جلّ جلاله.

الدكتور حسن:
جزاكم الله كل خير.
سيدي؛ بما أنكم تتحدثون في الأركان الآن، وجمع نية الصوم من الليل قبل الفجر هل يصح عند بعض الفقهاء أن ينوي صيام الشهر من بدايته بنية واحدة؟ هذا أولاً السؤال الأول.
السؤال الثاني: متى نبدأ الإمساك عن الطعام والشراب عند الفجر مع أذان الفجر أم قبل أذان الفجر أم بعد انتهاء أذان الفجر؟

موضع النية:
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً.
النية يمكن أن تكون للشهر كله باعتباره عبادة واحدة، وهذا قول لفقهاءٍ كُثر ومنهم المالكية، أن ينوي الشهر كله، أي بأول سحر: نويت صيام شهر رمضان كاملاً، النية موضعها القلب، وإن تلفظ بها ليستعين بها على القلب فلا مانع، لكن موضعها القلب، ولو استيقظ إلى السحر فقد نوى، مجرد استيقظ ليتسحر فهذه نية، حتى لا يوسوس بعض الناس في المسألة نويت أم لم أنو، استيقاظك للسحور نية، وضع خدك على الفراش، وأنت تنوي القيام للسحور نية، وإن غلبتك عيناك ولم تستيقظ فقد نويت، فالنية في القلب، وإن نوى عن الشهر كله أجزأه إن شاء الله إذ في الأمر سعة.

وقت بدء الإمساك عن الطعام والشراب عند الصيام:
الامتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر
وأما بدء الامتناع عن الطعام والشراب فيكون من طلوع الفجر، إذا كان هناك أذانان، في كثير من الدول يؤذن أذانان، الأذان الأول في بعض الدول يسمونه الإمساك، أذان الإمساك، وفي بعض الدول الأذان الأول، على كل حال طلوع الفجر معروف، أذان الفجر الذي يدخل فيه وقت الفجر ينبغي أن نمسك عند طلوع الفجر، لو أمسك قبل شيء يسير فهذا أفضل احتياطاً، لكن يبدأ الإمساك عن الطعام والشراب ليس من أذان الإمساك وإنما من الأذان الثاني أذان الفجر، الذي يدخل به وقت الفجر يبدأ الإمساك، لا يجوز له أن يتناول الطعام أثناء الأذان، ويقول الأذان كاملاً هو وقت لتناول للطعام، لا أبداً، ما دام دخل الوقت، وأذن المؤذن الله أكبر للفجر، الأذان الذي يدخل به وقت الفجر، فقد أمسك عن الطعام، ولا يجوز له أن يستمر في تناول الطعام حتى ينقضي الأذان، أو بعده، أو شيء من ذلك بل يمسك عند الأذان.

الدكتور حسن:
جزاكم الله كل خير.
كثير من هذه الشبهات أحياناً ترد أن هذا المسجد يتقدم بالأذان عن المسجد الآخر فهناك فروقات في الأذان، فنحن من أجل هذا أحببنا أن نؤكد على الإمساك عن الطعام عند بداية الأذان، عند بداية سماع الأذان.

الاحتياط في العبادات واجب:
الدكتور بلال:
والاحتياط في العبادات واجب، أي الإنسان في العبادة هذا حق الله فيحتاط له، نحن نقول: إن السنة تأخير السحور، وتعجيل الفطر، لكن تأخيره لا يعني أن أبقى أتناول الطعام أي يقول: الله أكبر وأنا أشرب، لا، أنت خذ على التقويم، يؤذن الفجر الساعة الخامسة والدقيقتين، الساعة الخامسة انتهى الطعام، الاحتياط في العبادات واجب، خذ دقيقتين قبل الأذان، شربت، وانتهيت، وفرشاة الأسنان، والأمر جاهز، أي دع بينك وبين وقت الأذان هامش أمان كما يقال.

الدكتور حسن:
جزاكم الله خيراً دكتورنا الغالي.
فضيلة الدكتور؛ ذكرت قبل قليل الحديث القدسي، الذي قال فيه الله عز وجل (قال الله عزَّ وجلَّ: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به).

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: الناس غاديان: فبائع نفسه فموبقها ومعاديها فمعتقها، الصدقة برهان، والصدقة جنة، والصيام جنة، والصلاة نور، والسكينة نعيم }

[أخرجه الطبراني ]

الصيام لله عز وجل عبادةً، وتقرباً لله، ونفعاً لهذا الإنسان صحة وتعبداً وتقرباً إلى الله، فما هو المقصد من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يجهل، فإن جهل عليه، فليقل: إني صائم (مرتين) }

[أخرجه مسلم وابن خزيمة ]

إذا ذكر هنا كلمة: فليقل، إني صائم مرتين، ما هو المقصد؟ ونحن اتفقنا مع فضيلتكم أن تكون هذه الحلقة ما بين الأحكام الفقهية وما بين التزكية، فأرجو أن يتسع صدركم لأسئلتي.

الصيام امتناع فهو عبادة الإخلاص:
الدكتور بلال:
حياكم الله يا سيدي.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ' كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يضاعَفُ: الحسنةُ عشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضِعْف، قال الله عزَّ وجلَّ: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يَدَع شهوتَهُ وطعامَه من أجْلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فِطْره، وفرحة عند لقاءِ ربِّه، ولَخُلُوفُ فيه أطيب عند الله من ريح المسكِ }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك]

قد يسأل سائل هنا، وسأجيب على السؤال الكريم، لكن بادرتني بالحديث القدسي فأحببت أن أعلق.
الصلاة لله، والحج لله، والزكاة لله، وينبغي أن يكون كل عمل الإنسان لله.

{ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أَنَّهُ خَرَجَ يَوْماً إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَاعِداً عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ قَالَ يُبْكِينِي شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ وَإِنَّ مَنْ عَادَى لِلَّهِ وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ }

[أخرجه ابن ماجه]

ينبغي أن يكون كل عمل الإنسان لله
فلماذا (الصوم فإنه لي)؟ العبادات، الصلاة، والحج، والزكاة، هي أقوال وأفعال، يقول أو يفعل، الصلاة أقوال وأفعال، والزكاة فعل، والحج أقوال وأفعال، الصوم ليس قولاً أو فعلاً، الصوم ركنه الامتناع، أي هو لا يفعل، يمتنع، يتوقف، فالإخلاص فيه واضح، لذلك تكفل الله به فقال (إلا الصوم، فإنه لي) لأنه يندر أن تجد صائماً يصوم من أجل الناس، لكن قد تجد مصلياً يزين من صلاته لما يرى من نظر الناس إليه، وقد تجد حاجاً يحج من أجل أن يقال: فلانٌ حج بيت الله الحرام، وتقام له الحفلات، ما يعلم ذلك أحد إلا الله ، النية، النية في القلب، وقد يزكي من أجل أن يقال: فلان منفق، أما أن يمتنع نهائياً عن الطعام والشراب، وقد يدخل بيته الثانية ظهراً، عائداً من عمله، والجو حار، وقد أخذ العطش منه كل مأخذ، والماء بارد، وليس في البيت أحد، ولا كاميرا، ولا تصوير، ثم يمتنع إذاً هو ذلك يفعل ابتغاء وجه الله، فلأن الصيام امتناع هو عبادة الإخلاص (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) تكفل الله بالجزاء لمن ترك شهوته لأجل الله.

الصيام عن المباحات وإتيان المنكرات:
ثم قال: (إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط) الصوم كما قلنا هو امتناع عن المباحات، فكيف بمؤمن يترك الطعام والشراب ثم يتكلم في الرفث مقدمات الجماع أو بالعورات - نسأل الله السلامة - أو يصخب ويجادل ويعلو صوته ويصرخ ويسب ويشتم أيستقيم ذلك؟ ربَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، فنحن الصيام كما أسلفنا في البداية من أجل التزكية، التخلية والتحلية، لا من أجل الامتناع عن الطعام والشراب فحسب، فلذلك (فلا يرفث ولا يسخط) فإذا واجهه إنسان بالصخب، والشتيمة، والسبّ، هل يرد عليه ويقول لك: هو بدأني بذلك، لو أن كل الناس تعاملوا بردود الأفعال لأصبحت الدنيا جحيماً لا يطاق، لكن قال: (فليقل: إني صائم، إني صائم) يزكي نفسه، لأن الصائم لا ينبغي له أن يصوم عن المباحات ثم يأتي المنكرات، فهذا لا يستقيم ولا يصح، وأكدها فقال مرتين: أحب، لأن التأكيد والتكرار يؤكد المعنى في نفسه، وفي نفس هذا الصاخب فإنه يسمعه يقول: إني صائم يخجل بنفسه، ويكف عن صخبه وجدله.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم فضيلة الدكتور.
دكتورنا الحبيب؛ بالنسبة للصيام فُرض على المسلم البالغ، العاقل، الصحيح، غير المريض، والمقيم، إذا كان هناك مسلم، إما مسافر، أو مريض، لنأتي إلى الأعذار المبيحة للفطر، وهل هناك تفصيل بها؟ بارك الله بكم.

الأعذار المبيحة للفطر:
الدكتور بلال:
المريض يسقط عنه الصيام
نعم سيدي؛ الأعذار المبيحة للفطر، كما تفضلتم، ذكر الله على رأسها في كتابه الكريم: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، ثم كرر ذلك بقوله: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فالمريض يسقط عنه الصيام، المريض نوعان؛ مرض لا يرجى برءه، ومرض يرجى برءه، أي شفاؤه، هناك مرض مزمن، طبعاً في قدرة الله لا يوجد مرض لا يرجى برءه، فكل الأمراض في قدرة الله يرجى برءها، لكن نتحدث من وجهة نظر طبية فحسب، فالذي لا يرجى برءه مرض مزمن لا يتمكن معه من الصيام، هذا عذر مبيح للفطر، وعلى من أفطر ولا يستطيع القضاء أن يدفع فدية طعام مسكين عن كل يوم أفطره، وطعام المسكين مدّ من القمح أو الأرز، والمد 600 غرام، أي نصف كيلو وزيادة، 600 غرام من القمح، أو الأرز حسب البلد الذي يعيش به.
وأما المريض الذي يرجى برءه قال: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) هذا مريض في رمضان أفطر ثلاثة أيام، عليه ثلاثة أيام يقضيها، هل كل مرض يبيح الفطر؟ بمعنى لو أن إنساناً آلمه ضرسه، هل له أن يفطر؟ الجواب: لا، المرض الذي يمنع الصوم هو الذي يجيز الفطر، من الذي يقرر أنه يمنع الصوم؟ إما الطبيب المسلم كمريض سكري من درجة معينة يقول له الطبيب: لا تصم، فيجب عليه الفطر، يجب حتى لا يضر بنفسه، وبأهل بيته، يجب أن يفطر، أو أن يبدأ الصيام فيجد مرضاً لا يستطيع معه إتمام الصيام، أو يعلم أن هذا بنفسه أو بإخبار الطبيب المسلم الورع أنه يؤخر شفاءه، أو يزيد من مرضه، هذا يفطر المريض، هذا العذر الأول المبيح الفطر.
السفر أنواع ثلاث
العذر الثاني: هو الذي ذكره القرآن هو السفر، والسفر أنواع ثلاث؛ مسافر لا يجد مشقة في سفره، فهذا الصوم في حقه أولى ولو أفطر فهذا لا شيء عليه، إلا القضاء طبعاً، المسافر يقضي، لكن هل يصوم أفضل أم يفطر أفضل؟ إذا كان لا يجد مشقة فالصوم أولى، وإذا كان يجد مشقة محتملة فالفطر أولى، أي يوجد مشقة خذ برخص الله.

{ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه }

[أخرجه الطبراني، والبزار، وابن حبان ]

فإن كان يجد مشقة غير محتملة، شديدة، غزوة في سبيل الله، أو مثلاً حر شديد وسفر طويل، وتعطلت الحافلة في الطريق، ونزلوا، وعطش شديد، فهذا يجب في حقه الفطر لقول صلى الله عليه وسلم لمن ترك الفطر في السفر عند المشقة:

{ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عام الفتح إِلى مكةَ في رمضانَ، فصامَ حتى بلغَ كُراعَ الغَميم، فصام الناسُ، ثم دعا بِقَدح من ماء فرَفَعَهُ حتى نَظَرَ الناسُ، ثم شَرِبَ، فقيل له بعد ذلك: إِنَّ بعضَ الناس قد صام؟ فقال: أولئكَ العُصاةُ، أولئكَ العُصاةَ }

[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي]

فمن وجد مشقة زائدة فلفطر في حقه أولى، ومن لم يجد مشقة فالصوم في حقه أولى ، ومن وجد مشقة - وهذا نادر لكن قد يقع - أوصلته إلى حد من التعب والإعياء فالفطر في حقه واجب، هذا المسافر.
المريض والمسافر عذران يبيحان الفطر.
الآن مما يلحق بالمريض: الحامل والمرضع، فالحامل والمرضع إذا خشيتا على نفسيهما، أو على جنينهما شيئاً من التعب والمشقة والإعياء فإنها يجوز لها الفطر، وعليها القضاء في قول جمهور الفقهاء، وإن كانت تخاف على جنينها لا على نفسها فالأولى إن كانت مقتدرة أن تضيف إلى القضاء فدية طعام مسكين مداً من قمح، 600 غرام، أو أرز، أي هذا خروج من الخلاف، لكن عليها القضاء عند جماهير الفقهاء، الحامل أو المرضع ملحقة بالمريض.
من كانت حائضاً وجب عليها الفطر
الآن في خلو الموانع، هذه لن أقول أعذار مبيحة للفطر، بل هي واجب الفطر الحائض والنفساء، هذه ليست أعذاراً مبيحة للفطر، لكن سنتحدث عنها تسليماً للفائدة، قلنا في تعريف الخلو من الموانع، فمن كانت حائضاً وجب عليها الفطر، وإن صامت ما صح صيامها، بل يجب عليها أن تفطر، فالمرأة الحائض، والمرأة النفساء بعد الولادة، من لحظة الولادة، إذا كان النفاس أقله لحظة، وأكثره أربعون يوماً، فإذا انقطع الدم صامت، فإذا لم ينقطع إلى أربعين يوماً فإنها تفطر وتقضي، الحائض والنفساء الفطر في حقها واجب، وما نسمعه اليوم -من بعض آسف أن أقول التخريفات، أعتذر عن هذه الكلمة - لكن فعلاً أننا أصبحنا اليوم نشكك في الأمور المجمع عليها ممن يقول اليوم لبعض النساء: تصومين وليس عليك شيء، الحائض والنفساء لا يجوز لها الصيام، وهذا ثابت بالنص عن النبي الله صلى الله عليه وسلم:
" تقول: كنا نفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بالقضاء، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ".
فالحائض والنفساء تترك الصيام، وتترك الصلاة، وخفف الله عنها لأن قضاء الصلاة يعسر، أي سبعة أيام ضرب خمس وثلاثين صلاة، يعسر القضاء من باب التخفيف جعل لها رخصة ألا تصلي، وليس عليها قضاء الصلاة، أما الصيام فأوجب عليها الفطر وأوجب عليها القضاء.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم دكتور.
من باب الاستفسار، طبعاً جاءنا سؤال الآن نجيب عليه بإذن الله، وقبل أن نجيب على هذا السؤال، هل يجوز تنظيف الأسنان أثناء الصيام بمعجون الأسنان؟ قبل الإجابة على هذا السؤال ذكرتم فضيلتكم أن المسافر يباح له الفطر، هناك مسافر يسافر لقضاء وطره، للمعصية، وهؤلاء كثر، يخرجون من بلاد عربية أو غيرها مسافرين إلى بلاد أخرى من أجل اللهو، والعبث، والمعصية، وهم مسافرون، وغالبهم يسافرون في رمضان، بحجة السفر أنه يباح له الإفطار، فما حكم ذلك؟

حكم إفطار من سافر سفر معصية:
الدكتور بلال:
يُشترط أن يكون السفر في طاعة أو مباح
لا يباح لمن سافر سفر معصية أن يترخص برخصة من رخص الله، فيشترط الفقهاء أن يكون السفر في طاعة، وأقل من الطاعة المباح، أي سفر مباح، أما أن يسافر سفر معصية، ينوي فيه والعياذ بالله أن يذهب إلى أماكن المجون، واللهو، والسهر، أو أن يغش الناس بتجارة فاسدة، أو بمواد محرمة، ثم يترخص برخص السفر، فسفر المعصية لا يجوز الترخص فيه بالرخص، ثم ينبغي أن يعلم أن أيضاً أنت جزاك الله خيراً ذكرتنا بسفر المعصية وذكرتني معه بشيء آخر، السفر المعروف بشروطه الشرعية يبيح الفطر، ولا يجوز للإنسان أن يفطر في بلده، والله أنا اليوم عندي طيارة العصر، فأنا استيقظ مفطراً، لا، أنت لم تشرع بالسفر بعد، أنت تستيقظ صائماً، تسافر أو لا تسافر الله أعلم، فإذا سافر قبل الفجر يجوز له أن يفطر، أما بعد الفجر فإنه يصبح صائماً، فإذا سافر ووجد مشقة بعد الشروع بالسفر يفطر وعليه القضاء، لأنه أصبح متلبساً بالسفر، أما أن يفطر في بيته قبل أن يسافر فهذا لا يصح أيضاً.

الدكتور حسن:
بالنسبة لسؤال الأخ السائل تنظيف الأسنان بمعجون الأسنان، هل تنظيف الأسنان بالمعجون أثناء الصيام؟

تنظيف الأسنان لا يفطر:
الدكتور بلال:
لا يفطر تنظيف الأسنان، إن فعل ذلك قبل الفجر أفضل حتى لا يعرض أن المبالغة في المضمضة، أو يدخل شيء إلى الجوف فلينتبه، لكن لا يفطر.

الدكتور حسن:
نأتي الآن بارك الله بكم، ما هي الأمور التي يفطر بها الصائم، المفطرات؟

مفطرات الصيام:
الدكتور بلال:
نعم، المفطرات هي أولاً: الطعام والشراب، ما يدخل إلى الجوف، من طعام وشراب، وما كان من حكمهما.
ثانياً: القيء العمد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَن ذَرَعَهُ القَيءُ، فليس عليه قضاء، ومن اسْتَقَاءَ عمدا فليَقْضِ }

[أخرجه أبو داود والترمذي]

القيء العمد يُفطر
القيء لا يفطر إذا كان بغير إرادة من الإنسان، مرض أو شيء فتقيأ، هذا لا يفطر، لكن لو استقاء عمداً، وضع يده في حلقه من أجل أن يستقيء فالقيء يفطر هنا عقوبة له، فالقيء العمد يفطر.
ثالثاً: الجماع، فالذي يجامع في نهار رمضان يفطر، سواء أنزل أو لم ينزل، وعليه القضاء مع الكفارة، يقضي هذا النهار ويكفر لأنه أتى أهله في نهار رمضان عامداً متعمداً، وهو صائم، فإنه يفطر وعليه القضاء والكفارة، والكفارة عتق رقبة، والآن غير موجودة، فعليه صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع لظرف أو لآخر فعليه إطعام ستين مسكيناً، وهذا تفصيل، فالجماع من المفطرات سواء أنزل أو لم ينزل، ما دام التقى الختانان فقد أفطر.
رابعاً: الاستمناء، وهو محرم ومفطر، لكن فيه القضاء وليس فيه الكفارة لأنه ليس فيه جماعاً، فمن استمنى أفطر، أما المحتلم فلا يفطر، لو أنه نام في النهار واستيقظ فاحتلم وأنزل المني، فهذا لا يفطر،ـ فلو أنه استمنى قاصداً متعمداً فإنه يفطر ويأثم وعليه القضاء.
الحيض والنفاس مفطر، أي لو امرأة استيقظت صلت الفجر، ونوت الصيام من الليل، وصلت الفجر، ونامت بعد الفجر، استيقظت ووجدت آثار الحيض، بدأت الدورة الشهرية فهذه انقطع صيامها وعليها قضاء هذا اليوم، فالحيض والنفاس مفطران.
والجنون مفطر - نسأل الله السلامة - لو أن إنساناً جُنّ، أو ذهب عقله فقد أفطر حتماً.
والردة مفطرة - نسأل الله السلامة - بعض الناس - أسأل الله السلامة - أي في نهار رمضان يغضب قال: والعياذ بالله يسب نسأل الله العافية، أي ربه، أو دينه، أو نحو ذلك عامداً متعمداً فهذا يفطر، وعليه إعادة النطق بالشهادتين، وقد أفطر وعليه قضاء هذا اليوم.
والإغماء إن استمر جميع النهار، أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هو غائب عن الوعي تماماً، لم يأكل، ولم يشرب، ولم يجامع، لكن هذا النهار يحتاج إلى قضاء، لكن لو أنه استيقظ من إغمائه قبل الغروب بدقيقة صح صومه، لكن إذا كل وقت العبادة هو ليس موجوداً بل غائباً أي مصاب بإغماء كامل فقد أفطر وعليه القضاء.
إذاً: الطعام والشراب، والجماع، والقيء العمد، والاستمناء، والحيض، والجنون، والردة، والإغماء إذا استمر جميع النهار، هذه من المفطرات.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم.
من باب الإيضاح بارك الله بكم، إن تقيأ بغير عمد، وبلع شيئاً من القيء، بدون قصد هل يفطر أم لا يفطر؟

حكم من تقيأ بغير عمد وبلع شيئاً من القيء:
الدكتور بلال:
الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يفطر، لأنه:

{ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يتجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه }

[أخرجه ابن ماجه والطبراني، وابن حبان، والحاكم]

أحياناً المتقيء، الذي خرج ما تعمد إدخاله، لو تعمد إرجاعه أفطر بلا خلاف، لكن لو خطأ - أعزكم الله - يستفرغ أو يتقيأ لا يدري لعل شيئاً رجع، أي خرج ورجع من غير قصده فهذا إن شاء الله لا يفطر وما عليه من قضاء.

الدكتور حسن:
بارك الله بك.
بالنسبة لمسبة الدين لا سمح الله، أو النطق بكلمة الكفر في نهار رمضان، هل يقع عليها آثار أخرى غير آثار الإفطار؟ أي كما قال بعض الفقهاء: تطلق الزوجة أو غير ذلك هل يقع شيء من هذا؟

حكم من يسبّ الدين:
الدكتور بلال:
والله يا سيدي نسأل الله السلامة! هذا الذي يتجرأ ويسب الدين، أو يسب الإسلام، أو يسب ما علم من الدين بالضرورة من المكفرات، هذا أحد رجلين إما أنه غضب فقال ذلك ثم ندم عليه، وهذا آثم إثماً عظيماً، ولكن لا تترتب عليه آثار، أي تبقى زوجته له، لكن نقول له: قد أثمت إثماً عظيماً، اغتسل، وانطق بالشهادتين، واقضِ هذا اليوم، وتب إلى الله تعالى، أما لو أنه قصد الكفر، أي قال ذلك متعمداً قاصداً الخروج من الملة، كفر بالله، فهذا طبعاً انفسخ العقد بينه وبين زوجته في الحال، انفسخ العقد، وعليه أن يعيد عقده من جديد، أي أحبط عليه السابق نسأل الله السلامة.

الدكتور حسن:
فضيلة الدكتور؛ ما هي المفطرات في مجال التداوي؟ مريض يريد أن يضع قطرة في العين، يوجد حقنة، بخاخ ربو، تحاميل، في هذه الأمور، ما قولكم في المفطرات في التداوي؟ ومتى تفطر؟ ومتى لا يفطر؟ مثلاً القطرات في العين؟

المفطرات في مجال التداوي:
الدكتور بلال:
قطرة العين لا تفطر، ولا خلاف في ذلك، لأن ليس لها منفذاً للجوف، ولو وجد طعمها في حلقه.

الدكتور حسن:
قطرة الأذن؟

الدكتور بلال:
قطرة الفم تفطر بلا خلاف، منفذ معتاد قطر فيه.
اليوم أحدهم بعث لي سؤالاً، قال لي: قطرة الأذن تفطر؟ قلت له: لا، قال: لو شربتها؟ يريد أن يشرب قطرة الأذن.
قطرة العين لا تفطر بلا خلاف
قطرة العين لا تفطر بلا خلاف، والفم تفطر بلا خلاف، بقي الأنف والأذن، الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي أنهما لا تفطران، مع تجنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق، أي لو وجد شيئاً يتجنب أن يبتلعه، لو وجد، وقالوا: هذا منفذ غير معتاد، وإن كان مفتوحاً إلى الجوف لكنه غير معتاد، والله تعالى ذكر الطعام والشراب، فما سكت عنه لا ينبغي أن يفطر الناس به، وهذا مذهب معتبر، وأنا شخصياً أنقل الفتوى به، أنا لست مفتياً، أنقل الفتوى به، بأن القطرات بجميع أنواعها إلا قطرة الفم طبعاً، الأنف، والعين، والأذن كلها لا تفطر، والبعض يجتهد فيقول: الأنف والأذن تفطران لأن لهما منفذاً إلى الجوف، ما نفتي به ما جاء به مجمع الفقه الإسلامي المفطرات في مجال التداوي قرار، كل القطرات لا تفطر إن شاء الله تعالى.

الدكتور حسن:
بارك الله فيكم.
بالنسبة للإبر، الحقن إن كانت في اليد، أو في العضل، أو في الظهر، أو في مكان آخر؟

الدكتور بلال:
الحقن الوريدية، أو العضلية، أو تحت الجلد، كلها لا تفطر، وهذا شبه إجماع لأنها جميعاً ليست منافذ إلى الجوف لا معتادة، ولا غير معتادة، والمراهم معها، وكل ما يدهن على الجسم، كله لا يفطر لأنها ليست منافذ إلى الجوف، كل الحقن، لكن استثنوا فقط الحقن المغذية لأن فيها معنى الإفطار، الحقن التي يقصد بها مد الجسم بالغذاء هذه تفطر، أما كل السوائل غير المغذية، سواء كانت محاليل، أو شيئاً، أو حتى فيتامينات، ما دام لم يقصد منها الغذاء ومد الجسم بالقوة فلا تفطر إن شاء الله.

الدكتور حسن:
السيروم يقصد به الإنعاش، المريض إذا كان عنده إسهال، السيروم هل هو من المفطرات؟

الدكتور بلال:
نعم، السيروم يوجد سيروم علاجي، وسيروم مغذّ، العلاجي لا يفطر، المغذي يفطر.

الدكتور حسن:
بالنسبة لبخاخ الربو والتحاميل دكتورنا؟

الدكتور بلال:
بخاخ الربو لا يُفطر
بخاخ الربو لا يفطر، وفيه قرار من مجمع الفقه، لأنه لا يصل منه شيء إلى الجوف، لا يفطر بخاخ الربو، ومرض الربو عافاهم الله تعالى فليستخدموا البخاخ، وإن شاء الله صيامهم صحيح.
والتحاميل موضع خلاف، والصحيح أيضاً المفتى به في مجمع الفقه الإسلامي أنها لا تفطر، لأنها وإن كان الدبر مدخلاً إلى الجوف لكن هذا مدخل غير معتاد أولاً، ثم لا تصل التحميلة إلى الجوف أصلاً، فهي المقصود منها أن تذوب وتمتص في المستقيم الشرجي، ولا تصل أصلاً إلى القولون، ولا إلى الجوف، أيضاً التحاميل لا تفطر، طبعاً كل ذلك نقوله لمن احتاج للأمر، أي لا ينبغي للإنسان أن يستخدمها دون حاجة، يوجد نساء ورجال، والنساء غالباً قبل سن اليأس عندهم الشقيقة، آلام شديدة جداً لا تذهب إلا بالمسكّن، وتريد أن تصوم وصلت للعصر يبدأ الألم، إذا ما أخذت المسكّن تصل مع الإقياء للمغرب، فهنا التحميلة إن شاء الله حلّ جيد جداً لهذه الصائمة التي لا تريد أن تفطر، وإن شاء الله لا شيء عليها، ولا قضاء.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم دكتورنا، أكثرنا من الأسئلة عليكم، لكن ما شاء الله عليكم صدركم واسع لله عز وجل.
سيدي اللقاحات، وسحب الدم، اللقاحات في رمضان وسحب الدم؟

حكم اللقاحات في رمضان وسحب الدم:
الدكتور بلال:
اللقاح حكمه حكم الإبر لا يفطر طبعاً ولا خلاف في ذلك إن شاء الله، وأما سحب الدم فأيضاً لا يفطر لأنه كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: الفطر مما دخل، لا مما خرج، فلذلك سحب الدم يقاس على الحجامة، ومن أقوال أهل العلم أن الحجامة لا تفطر، وسحب الدم لا يفطر، لكن إذا كان يضعف الصائم فيكره تنزيهاً من أجل التقوي على الصيام ، لكن سحب الدم، والتبرع بالدم، أو سحب الدم للتحاليل لا يفطر كالحجامة.

الدكتور حسن:
هناك استفسار من بعض الأخوة: أحياناً بالنسبة للحقن الشرجية، أحياناً بعض المرضى، أو بعض الناس يكون عندهم شدة في الخروج فيأخذون شيئاً من الحقن الشرجية من الماء هل هذا يفطر في رمضان؟

حكم الحقن الشرجية من الماء في رمضان:
الدكتور بلال:
الصحيح إذا استطاع أن يؤجل ذلك خروجاً من الخلاف، أن يؤجل ذلك، أن يفعله قبل الفجر، وأظن أن ذلك ممكن إلى حد كبير، أو بعد الفطر، أي يفعله في الليل فهذا هو الصحيح والأولى، والخروج من الخلاف، لكن لو اضطر إليه ولم يبالغ به فإن شاء الله أيضاً هو مما يعفى عنه.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم فضيلة دكتورنا الغالي.
سيدي الآن من أكل أو شرب ناسياً في نهار رمضان.

حكم من أكل أو شرب ناسياً في نهار رمضان:
الدكتور بلال:
فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، وهذا في الفريضة والنفل سواء.

{ رجل جاء إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أكلتُ وشربتُ ناسياً وأنا صائم؟ فقال: اللهُ أطعمكَ وسقاكَ }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي]

ولا قضاء عليه، ولا فدية، ولا كفارة، ولا شيء من ذلك إن شاء الله.

الدكتور حسن:
بارك الله فيكم.
سيدي؛ دخل رمضان، وعليّ قضاء من رمضان الفائت، ولم أصم، ولم أقض فما الواجب أن أفعله الآن في رمضان؟ هل عليّ قضاء؟ عليّ كفارة؟ ماذا أفعل؟

حكم من دخل عليه رمضان وعليه قضاء من رمضان الفائت:
الدكتور بلال:
من عليه قضاء بعذر فلا شيء إلا القضاء
إن كان قد ترك القضاء بعذر فلا شيء عليه إلا القضاء، امرأة حامل ما استطاعت أن تقضي، وجاء رمضان، فعليها القضاء فقط، وإن كان تركه تكاسلاً بغير عذر فليستغفر الله وليقض، والأولى، والمنقول عن جمع من السلف الصالح، والصحابة، والتابعين أن يضيف إلى القضاء فدية إطعام مسكين عن كل يوم مد من القمح، أو الأرز، 600 غرام، إذاً بعذر أو بغير عذر هذا أولى الأقوال، وأوثق الأقوال، بعذر لا شيء إلا القضاء، لأنه أخّر القضاء لعذر فبقي عليه القضاء، فإن أخره لغير عذر تكاسلاً، جاء شعبان، غداً أصوم، غداً أصوم، غداً أصوم، دخل رمضان ولم يصم، كل يوم عنده عزيمة، وسفر، وكذا، وترك، فهذا أخّر، ما الدليل على أن القضاء ينبغي أن يكون ضمن الشهر؟ هو قول عائشة رضي الله عنها:
" كان يكون عليّ القضاء فما أستطيع أن أقضي لمكان رسول الله مني إلا في شعبان ".
فكان لا يجوز تأخير القضاء عن السنة، القضاء معك من واحد شوال لـلتاسع والعشرين من شعبان أعطاك الله أحد عشر شهراً، واحد شوال حرام طبعاً الصيام فيه، من اثنين شوال، من اثنين شوال إلى التاسع والعشرين من شعبان، فإذا تركت فيه أحد عشر شهراً دون عذر، فمنقول عن جمع من السلف الصالح والصحابة والتابعين أن يضيف إلى القضاء فدية إطعام مسكين عن كل يوم.

خاتمة وتوديع:
الدكتور حسن:
جزاكم الله عنا كل خير فضيلة الدكتور أتعبناكم في هذا اللقاء المبارك، لكن والله لا نمل من المحادثة، ومن نيل العلم، ومن نهل العلم من حضرتكم، وفضيلتكم، جزاكم الله كل خير، وحفظكم الله سبحانه وتعالى، ونفع الأمة بعلمكم، ونلتقي بإذن الله سبحانه وتعالى في لقاء قادم بعد فضل الله سبحانه وتعالى.
أخواني وأحبابي المتابعين أشكر متابعتكم لهذه الحلقة الشيقة المباركة التي كنا مع فضيلة الدكتور بلال نور الدين مدير مكتب الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله سبحانه وتعالى، وحتى نلقاكم في لقاء قادم أستودع الله دينكم، وأماناتكم، وخواتيم أعمالكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته