كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس
كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس
مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . |
أخوتي الأكارم ؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" . |
صلَّى عليك الله يا علـم الهدى واستبشرت بقدومك الأيامُ هتفت لك الأرواحُ من أشواقها وازينت بحديثك الأقــــــــلامُ
أيها الأخوة الأحباب ؛ رحبوا معي بدايةً بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي في حلقات هذا البرنامج . |
السلام عليكم سيدي . |
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وأعلى قدركم . |
الدكتور بلال نور الدين :
أكرمكم الله سيدي ، أنا محظوظ جداً بالجلوس بجواركم في هذه الحلقات . |
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وأنا محظوظ أيضاً . |
الدكتور بلال نور الدين :
أكرمكم الله سيدي . |
سيدي ؛ نتحدث اليوم عن جوده صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء في الحديث : "كان رسول الله جواداً ، وكان أجود من الريح المرسلة ، وكان أجود ما يكون في رمضان" . |
سيدي ؛ جوده صلى الله عليه وسلم ، وكرمه ، هذا الجود ، والكرم ، والعطاء كيف نفهمه ؟ |
العمل الصالح علة وجود الإنسان :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لابد من فهمه في ضوء كلية كبرى في حياة المسلمين هي العمل الصالح ، الآية تقول : |
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)[ سورة المؤمنون]
معنى هذا علة وجودنا الوحيدة في الدنيا العمل الصالح بعد الإيمان بالله واليوم الآخر . |
العمل الصالح علة وجودنا ، لذلك هذا الذي اقترب أجله ، أو شارف على الموت ، ماذا يقول ؟ (رَبِّ ارْجِعُونِ ) لعلي أتابع البناء ؟ لا ، أنتقل لمنصب أعلى ؟ لا ، ( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً) وكأنه قال بلسان حاله إن علة وجوده كانت العمل الصالح ، وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ما كل عمل يصلح ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، يوجد نصيب خيري مثلاً ، هذا بخلاف منهج الله عز وجل ، فالعمل الصالح علة وجودنا ، فالبطولة أن يعرف الإنسان علة وجوده في وقت مبكر قبل أن تأتيه المنية ، العمل الصالح كلمة واسعة جداً ، الزوج المحسن لزوجته هذا عمل صالح ، الزوجة المطيعة لزوجها هذا عمل صالح ، الابن البار بأبيه هذا عمل صالح ، البنت المحجبة عمل صالح ، الصديق الحميم عمل صالح ، التاجر الصدوق عمل صالح ، المحامي الذي لا يأخذ دعوى لا يقتنع بها هذا عمل صالح ، الطبيب يستطيع أن يقول للمريض : تحتاج إلى حمية فقط ، وقد يعطيه مجموعة من الأدوية كثيرة جداً لا يحتاجها . |
الله يعلم كل شيء ، أنت حينما تعلم أن الله يعلم تنضبط ، أحياناً يكون هناك قضية تحتاج إلى تصريح فقط ، تدخل بدعوى تنتهي بعشر سنوات ، يصير هناك ابتزاز ، علم الله أكبر ضمانة للعمل الصالح ، الله عز وجل يعلم الحقيقة ، يوجد محاماة ، هندسة ، شق بالجدار ، أما إذا كان الشق طولياً فليس له قيمة إطلاقاً ، أما العرضي فهناك خطأ بالأساس ، إذا كان الشق طولياً ممكن أن ينهار البناء ، لا يعرف . |
فحينما يستغل جهل الإنسان الله يعلم الحقيقة ، مرض فقط يحتاج إلى حمية فيها عشرة أدوية . |
مرة أذكر حدثني إنسان أنه أخذ وصفة طبية عرضها على إنسان يخاف الله ، قال له : تحتاج إلى أول دواء فقط . |
فلذلك المهن الراقية هي راقية عند الله كثيراً ، لكن بالمناسبة لا يستطيع الآخر أن يكشف الخطأ . |
الدكتور بلال نور الدين :
تحتاج إلى مراقبة لله تعالى . |
الدكتور محمد راتب النابلسي :
تحتاج إلى مراقبة إلهية . |
الدكتور بلال نور الدين :
إذاً الكرم والجود ينطلق من العمل الصالح ، يعطي . |
العمل الصالح يصلح للعرض على الله إذا كان خالصاً وصواباً :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
علة وجودنا في الدنيا ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح . |
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)[ سورة الأنعام]
بل علة وجودك العمل الصالح ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً) ، والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة . |
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ الأنبياء كما تقولون أعطوا ولم يأخذوا . |
بطولة الإنسان أن يكون من أتباع الأنبياء :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الحياة عطاء وأخذ ، تقع على رأس الهرم البشري زمرتان ، الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، والناس جمعاً تبع لقوي أو نبي ، والبطولة أن تكون من أتباع الأنبياء ، أما الأقوياء فأين بطولتهم ؟ أن يجمعوا إلى قوتهم منهج أخلاق الأنبياء . |
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ كما تفضلتم رسول الله كان جواداً ، وأجود ما يكون في رمضان ، النبي صلى الله عليه وسلم في الحلقة الأولى قد تحدثنا كيف ذاق حتى يكون أسوة ، ذاق الفقر والغنى، في الفقر ذكرتم : |
{ عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم : يا عائشةُ ، هل عِنْدَكم شيء ؟ قالتْ : فقلتُ : يا رسولَ الله ! ما عندنا شيء ، قال : فإني صائم ، قالت : فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأُهْدِيت لنا هَديَّة أو جاءنا زَوْر ، فلما رجعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قلتُ : يا رسولَ الله أُهْدِيَتْ لنا هَديَّة - أو جاءنا زَوْر - وقد خبَأْتُ لك شيئاً ، قال : ما هو ؟ قلت : حَيْس ، قال : هاتيه ، فجئتُ به فأكلَ ، ثم قال : قد كنتُ أصبحتُ صائماً . قال طلحةُ : فحدَّثْتُ مجاهداً بهذا الحديث ، فقال : ذلك بمنزلة الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصدقةَ من ماله ، فإِن شاءَ أمْضاها ، وإِن شاءَ أمسكها . وفي أخرى قالت : دخل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : هل عندكم من شيء ؟ فقلنا : لا ، قال : فإني إِذن صائم }
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي]
عندما ذاق الغنى جاءه الأعرابي يسأله : لمن هذا الغنم أو الوادي من الغنم ؟ قال : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال : لا والله هو لك ، قال : أشهد أنك رسول الله . |
النبي الكريم قدوة لكل البشر :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
كما تفضلتم لأنه قدوة ، هو قدوة الأغنياء والفقراء معاً ، قدوة الأقوياء والضعفاء معاً ، قدوة الأصحاء والمرضى معاً ، لأنه القدوة لكل البشر لا بد من أن يذوق في كل موضوع طرفيه الحادين ، في السخاء قدوة ، في الصبر قدوة ، في العطاء قدوة ، في المنع قدوة ، في الحرب قدوة ، في السلم قدوة ، في النكسة قدوة ، في النصر قدوة ، حينما فتح مكة ، أنا أعتقد كحاكم قوي بإمكانه أن ينهي حياتهم بأكملهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء" . |
الدكتور بلال نور الدين :
وهذا جود أيضاً ، وكرم . |
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا هو الكمال سيدي ، الحقيقة الله عز وجل كماله مطلق ، وكلما اقتربت منه تزداد كمالاً في عفوك ، وحلمك ، وكرمك ، وإنصافك ، وموضوعيتك . |
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ أريد أن أسأل عن شيء مهم في موضوع الكرم والجود : علاقته بتقريب الناس من الدين ، لأن هذا الرجل الذي أخذ الغنم رجع إلى قومه ، قال : أسلموا مع محمد فإنه يعطي عطاء لا يخشى الفقر ، ما أهمية العطاء والإحسان ؟ |
أهمية العطاء والإحسان :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الإنسان يحب المال ، يحب المكانة ، فالداعية - أقول داعية الآن - إذا عرف للناس مكانتهم ، عرف للغني مكانته وشجعه على الإنفاق ، عرف للقوي مكانته وشجعه على نصر الضعيف ، فالدعوة فن ، ليس كل عالم داعية ، الداعية خبير نفسي ، هذا القوي عندما سخره لاستخدام قوته لخدمة المؤمنين ، أعطاه عملاً صالحاً ، والغني عندما سخر غناه لإسعاف الفقراء والمساكين أعطاه عملاً صالحاً ، والخبير بموضوع معين عندما سخر خبرته لنصرة الضعاف الذين لا يملكون دفع هذا الثمن أعطاه عملاً صالحاً ، والحقيقة أكبر رأس للإنسان هو عمله الصالح يلقى الله به ، وحجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح . |
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)[ سورة الأنعام]
والعمل الصالح علة وجودنا في الدنيا . |
عفواً ؛ إذا شخص أرسل ابنه إلى فرنسا ، لينال الدكتوراه من السوربون ، مدينة عملاقة أكبر مدينة بأوروبا ، فيها متاحف ، فيها دور سينما ، فيها دور لهو ، فيها أسواق ، هذا الطالب الذي أرسله والده لينال الدكتوراه من السوربون علة وجوده الوحيدة بفرنسا الدراسة ، ممكن أن يدخل مطعماً ليأكل ، يشتري كتاباً ، يجلس بحديقة ، ممكن ، أما علة وجوده الوحيدة فهي الدراسة . |
ما قولك بإنسان نسي علة وجوده ، والله عندما يقترب أجله يصيبه ندم يفوق حدّ التصور . |
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)[ سورة الفجر]
شيء مخيف أن تنسى علة وجودك ، والدليل : |
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)[ سورة الذاريات]
والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية . |
خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين :
إذاً الإحسان قبل البيان ، ملك قلوبهم صلى الله عليه وسلم بجوده وإحسانه قبل أن يعلمهم ببيانه ، وهذا أساس في الجود وفي الكرم . |
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم . |
أخوتي الأكارم ، لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لشيخنا ما تفضل به ، وأن أشكر لكم حسن المتابعة ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن نلتقيكم دائماً على خير ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه . |